العدوان الإسرائيلي دمر تدميرا كاملا نظام الزراعة المائية في بيت لاهيا والذي يشرف عليه المزارع عبد الله أبو حليمة
يجثم الحزن على صدر عبد الله أبو حليمة (34 عامًا)، كلما وقف على أطلال ما تبّقى من مزرعته الواقعة بالقرب من بلدة بيت لاهيا؛ شمال قطاع غزة، بعد أن دمرها الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الأخيرة.
لقد بدا مشهد شبكات الري المدمرة صادمًا، وبات من الواضح أن مشروع "أبو حليمة" عاد إلى المربع الأول، ما يتطلب منه إعادة زراعة النباتات من جديد.
وبلغت تكلفة المزرعة المائية التي يصفها صاحبها بــ "الأولى من نوعها على مستوى فلسطين"، نحو 120 ألف دولار والمقامة على مساحة 3700 متر مربع، وكانت توفّر كثافة وناتجاً من المحصول يحتاج إلى ثلاثة أضعاف هذه المساحة فيما لو زُرع بالنظام التقليدي.
تجربة مُوفقة
إذا نظرنا إلى خصائص الزراعة المائية، فهي لا تستخدم التربة، وتعتمد على زرع النباتات في محلول من الماء والمواد المغذية، ويمكن في هذه الحالة نمو الخضروات بشكلٍ أسرع من النمو في الهواء الطلق- في التربة-. وتتيح الزراعة على مدار السنة، وغالبًا ما تنتج النباتات بتلك الطريقة كميات أكثر، وعلى مساحة أقل، وبكميات أقل من المياه، مقارنًة بالزراعة التقليدية.
ولا شك أن التحول النوعي الدقيق في زراعة الخضروات بلا تربة أحدثَ ثورة في هذا المجال، متيحًا للمزارعين إنتاج الغذاء في أي مكان في العالم وفي أي وقت من السنة، بصافي محاصيل أعلى وموارد أقل.
ويُعد هذا النمط "تطبيقٌ علمي حديث" في زراعة الأشتال في المياه مباشرة دون وسيط التربة، ولا يتطلب سوى كمية محدودة من المياه، تُسكب في أحواض، بحيث تُحرّك ويُضخّ الهواء فيها، بواسطة أجهزة خاصة من شأنها أن توفر بيئة عمل مناسبة، إلا أنه يتعذر الحصول عليها بسبب ظروف المعابر في قطاع غزة.
وعادةً، يلجأ المزارعون إلى الزراعة المائية، لتفادي الآفات والأمراض التي يمكن أن تنقلها التربة للنباتات، أما في قطاع غزة فقد بدأ هذا التوجه في الأعوام الثلاثة الأخيرة، لأسباب عدة، منها تقلص مساحة الأراضي الزراعية والتوسع العمراني المتزايد ونقص مياه الريّ وزيادة الملوحة.
وبالعودة إلى قصة صاحب المزرعة، يقول عبد الله أبو حليمة، لمراسل "آفاق البيئة والتنمية": "كغيري من المزارعين، أردتُ بهذا النظام أن أتغلب على المعوقات التي نصطدم بها في عملنا، وما شجعني أن لعائلتي باعُ طويل في العمل بالزراعة يمتد لــ 25 عاماً".
ويواصل حديثه: "وجدت نفسي مشدودًا للتجربة، عندما بدأت بتصفح مواقع متخصصة بالزراعة المائية على شبكة الإنترنت، ومن ثم تواصلت مع عدة مزارعين في كل من الصين وهولندا، وبحثتُ عَن دورات للالتحاق بها، وبعد سنوات طويلة من البحث والتجربة والخطأ، تمكنت من تأسيس مزرعتي لتصبح الأولى في المنطقة، وفق تقنيات متطورة، وقد وصلت طاقتها الإنتاجية بفضل الله إلى أضعاف ما تنتجه الزراعة التقليدية، ومما يُحسب للمشروع، توفير فرص عمل لأشخاص آخرين أصبح بمقدورهم إعالة أسرهم".
القصف الإسرائيلي دمر شبكات الري في المزرعة المائية في بيت لاهيا لصاحبها المزارع عبد الله أبو حليمة
أبرز الفوارق
وبالرغم من التشكيك أحيانًا في فوائد الزراعة المائية، إلا أن ثمة مزايا في النمو بدون تربة؛ واضحة للعيان، إذ يؤكد بعض مجربي الزراعة المائية أنهم يجنون محصولًا مضاعفًا بشكلٍ يفوق التوقعات من الزراعة التقليدية.
فالنباتات المزروعة في الماء تغمر جذورها مباشرة في المحاليل الغنية بالمغذيات، وبالتالي تحصل على ما تحتاجه بسهولة وبكمية أكبر بكثير من النباتات التي تنمو في التربة، علمًا أنها تحتاج إلى أنظمة جذرٍ أصغر بكثير ويمكنها تحويل المزيد من الطاقة إلى نمو الأوراق والساق مع الجذور الأصغر، ناهيك عن إمكانية زراعة المزيد من النباتات في نفس المساحة والحصول على عائد أكبر، مما لو كانت مزروعة في الأرض بالمساحة نفسها، وتبدو هذه المعلومة جيدة لمن يرغبون بالزراعة في مساحة محدودة مثل دفيئة أو شرفة أو حافة نافذة بالداخل.
وتتمتع الزراعة المائية بنظام نمو أوفر صحة وبمعدلٍ أدنى من الآفات التي تصيب التربة.
ومرة أخرى هي مثالية للنمو الداخلي، ويمكن استخدامها لزراعة النباتات على مدار السنة، وما يُسّهل العملية الأنظمة الآلية التي يجري التحكم فيها بأجهزة ضبط الوقت ولوحات إلكترونية.
وفي المقابل، لا يخلو النظام من عيب مهم، يتمثل في الكُلفة العالية للمعدات التي تحتاجها الزراعة المائية مثل الحاويات والمضخات والأضواء والمغذيات.
وهناك فارق آخر، لو افترضنا أن الطقس والظروف الأخرى كانت في صفك، إذن ستستمر نباتاتك في الازدهار، بينما في الزراعة المائية ستكون النباتات تحت سيطرتك، ومع هذا؛ ستستمر في التحقق من توفر الشروط التي تحتاج إليها لتنمو، بالرغم من وجود الأنظمة الآلية، مثل مؤقتات الإضاءة التي تسهل العمل بطبيعة الحال.
وأيضًا، علينا ألا ننسى أن النباتات المائية لديها أنظمة جذر أصغر بكثير، إذ لا تستطيع دعم نفسها جيدًا؛ وقد تحتاج النباتات المثمرة الثقيلة إلى دعم واهتمام بشكلٍ متقن.
المزارع الغزي عبد الله أبو حليمة وسط خراب مزرعته المائية التي دمرها العدوان الإسرائيلي
القضاء على "وحدة هيدروبونك"
أصل القصة هنا "مآساة الحرب". تلك المزرعة كانت بمثابة حلم وأمل ومستقبل لهذا الشاب، خريج "نظم المعلومات الجغرافية"، وصارت رمادًا.
يختم عبد الله حديثه: "أنهى الدمار كل شيء، وقضى على مصدر الدخل الوحيد لأسرتي، حالتنا يُرثى لها، ولم تعد لدي أنا والعاملين أي قدرة على تحمل عواقب الأضرار طالما أننا لا نرى بارقة أمل على أرض الواقع بدفع التعويضات للمزارعين، مشيرًا إلى تكبد هذه الفئة خسائر فادحة على مدار الحروب السابقة؛ لكن لم يحدث وأن تلّقوا ما يعوضهم بشكلٍ كامل.
وقدرت وزارة الزراعة في غزة، مجمل الأضرار والخسائر في القطاع الزراعي جراء الحرب التي نشبت في مايو/ آيار الفائت بـ 204 مليون دولار لحقت بالمنشآت الزراعية ومصانع الأعلاف، والآبار، والخطوط الناقلة الرئيسة والفرعية، والبرك الزراعية، ومحطات الاستزراع السمكي، ومخازن الأعلاف، ومخازن المعدات الزراعية، والمبيدات، ومزارع النحل.
للاستزادة يرجى النقر على رابط المقابلة التالية مع المزارع المبتكر عبد الله أبو حليمة:
آثار التدمير الإسرائيلي لوحدة الزراعة المائية في بيت لاهيا