"سلّة المزارع الفلسطيني"... زراعةٌ عضوية بلا مبيدات بداية لنهضة شاملة في قرية صغيرة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
عند دخولك قرية عين سينيا قرب رام الله، سرعان ما تلمح لافتات خُطّ عليها "سلة المزارع الفلسطيني"، وبتتّبع اللافتات داخل القرية، تصل إلى أراضي خضراء تعج بالحياة؛ شبان يعملون بلا ملل، وزوار مع أطفالهم جاؤوا ليقطفوا خضارهم بأيديهم. المشروع يؤسس لنهضة شاملة في القرية الصغيرة الغنية بعيون المياه وتربتها الخصبة، فكان التوجه نحو الزراعة العضوية بلا مبيدات. هنا جميع المزارعين الشباب شركاء ويشعرون بأن الأرض ملكًا لهم. وقد وجدت المبادرة قناة تسويقية مباشرة من المزارع إلى المستهلك بلا وسطاء، مما يُعد تجربة رائدة في حل مشكلة المزارعين التقليدية الكامنة في صعوبة تسويق إنتاجهم. ويتضمن المشروع نشاطات أسبوعية داخل الأرض تستضاف فيها العائلات من عموم فلسطين، فتارة تنظم فعاليات ترفيهية للأطفال، وتارة فعاليات تراثية كإعداد المسخن الفلسطيني. ولم يتوقع المزارعون الشباب التجاوب الذي لمسوه من العائلات التي أبدت تعطشًا كبيرًا للتواجد في الأرض وممارسة عادات ليس بوسعهم فعلها داخل الشقق السكنية في المدن.
|
|
عند دخولك قرية "عين سينيا" قرب مدينة رام الله، سرعان ما تلمح لافتات خُطّ عليها "سلة المزارع الفلسطيني"، وبتتبع اللافتات داخل القرية، تصل إلى أراضي خضراء فيها بيوت بلاستيكية وتعج بالحياة؛ شبان يعملون بلا ملل، وزوار مع أطفالهم جاؤوا ليقطفوا خضارهم بأيديهم.
يستقبلك صلاح الحسيني بابتسامة عريضة عند مدخل مشروع سلة المزارع، ويأخذك في جولة يطلعك فيها على المشروع الذي وجد نفسه فيه بلا سابق تخطيط، فجائحة كورونا دفعته لإغلاق محله الخاص لبرمجة وكهرباء السيارات في شهر آذار من العام الماضي مع بداية الإغلاق الشامل عقب رصد الوباء في الأراضي الفلسطينية.
شاب يقود جرار زراعي، يحرث الأرض لتجهيزها للزراعة الشتوية، وآخر يقوم بمد شبكة الري، وثالث يتفقد شبكة الأنابيب الخاصة التي صُممت لجمع مياه الأمطار في بركة ضخمة حُفرت لتتسع لأكثر من ألف كوب من المياه. فيما يتابع شاب الاتصالات والرسائل الواردة إلى صفحة سلة المزارع الفلسطيني على موقع فيسبوك، وتنسيق إرسال الطلبيات. وفي غرفة صغيرة على طرف الأرض الجميلة، تفرز شابة المحاصيل وتجمعها تمهيدًا لتوصيلها للزبائن. وبعد دقائق يصل شاب بسيارته انتهى للتو من توصيل طلبيات من الخضار إلى مدينة رام الله، ويهم بنقل إرساليات أخرى. تشعر حقًا أنك في ورشة تفيض بالحيوية يعمل عناصرها كخلية نحل.
دخلنا بصحبة صلاح إلى بيت بلاستيكي مزروع بمحصول الكوسا، الأجواء في الداخل دافئة، التقينا بعائلة من بلدة بيرزيت جاءت لشراء حاجتها من المحاصيل.
مشروع سلة المزارع الفلسطيني الخالية من الكيماويات
يقول رب العائلة خليل عيساوي: "الأجواء هنا استثنائية، لا يوجد أجمل من أن تقوم بقطف حاجتك من الخضار بيديك، نحن هنا نرى كل شيء بوضوح، ونعرف بالضبط ماذا نأكل، سمعت عن هذا المشروع في مواقع التواصل، واصطحبت عائلتي إلى هنا لشراء الخضار النظيفة، ما أعظم أن تأكل خضارًا بلا مبيدات".
رجل آخر يدعى صالح العجولي قدمَ من رام الله بصحبة ثلاثة من أحفاده الصغار، قال من داخل بيت بلاستيكي مزروع بمحصول الخيار: "سمعت عن قصة المشروع، واصطحبت أحفادي لتعريفهم بالزراعة، وأيضًا من باب تشجيع الشباب على العمل في الأرض".
بداية صعبة
بقدر ما خلّفته جائحة كورونا من أضرار صحية واقتصادية على العالم وخصوصًا فلسطين، بقدر ما غيرّت من نظرتنا للأرض؛ فلم يكن مألوفًا رؤية الجيل الشاب يندفع نحو الأرض بحثًا عن الرزق في ظل فرص عمل تكاد تكون معدومة، وفقدان الكثير منهم وظائفهم، وكما يُقال "بعد الشِدة شدَّة"؛ شِدة كورونا ومن ثمَّ شَدَّة الأرض.
مجددًا؛ نعود إلى الشاب صلاح الحسيني إبن قرية عين سينيا، وكما أسلفنا؛ فقد أغلق كراجه الخاص في بلدة بيتونيا وانطلق نحو الأرض لتعميرها وإعالة أسرته، وكانت النتيجة ولادة "سلة المزارع الفلسطيني".
واجه صلاح في بادئ الأمر انتقادات من أسرته بسبب إغلاق محله، إلا أنه قرر المضي قدمًا في تجربته مع الأرض؛ فزرع ثلاثة دونمات في محيط منزله، ليبدأ بعد ذلك بإقناع عدد من الشباب العاطلين عن العمل للانضمام إليه والتوسع في الزراعة واستصلاح أراضي جديدة.
"تواصلت مع أقاربي لإقناعهم باستصلاح أراضيهم المهجورة، بالتوازي مع إقناع عدد من العاطلين عن العمل بالانضمام لي في المشروع، وبعد تسعة أشهر أصبح 16 شابا وفتاة منخرطين في المشروع وتمكنّا من زراعة 19 دونمًا" قال صلاح.
جمع مياه الأمطار في بركة ضخمة بمزرعة سلة المزارع الفلسطيني
زراعة عضوية وفعاليات تراثية
لم يتخيل صلاح يومًا أن يصبح مزارعًا ويترك مجال السيارات الذي أبدع فيه، إلا أن ظروف الجائحة دفعته نحو الأرض رغم ما ألّم به من إحباط.
أراد من خلال مشروعه أن يؤسس لنهضة شاملة في قريته الصغيرة؛ الغنية بعيون المياه وتربتها الخصبة، فكان التوجه نحو الزراعة العضوية بلا مبيدات.
ويضيف صلاح: "بدأت بالاستثمار بعدد محدود من البيوت البلاستيكية واليوم أصبح لدينا 19 دونما ونطمح للمزيد، وأردنا أن يصبح جميع الشبان وأصحاب الأراضي شركاء، على أن يذهب ثلث الإنتاج للمزارع وثلث لصاحب الأرض، والثلث الأخير لمشروع سلة المزارع من أجل التطوير والتوسع، نحن لا نريد أن يكون لدينا عمال بقدر ما نطمح لأن يكون الجميع شركاء ويشعرون بأن الأرض ملكهم".
شكلت سلة المزارع أنموذجًا فريدًا للزراعة العضوية الخالية من المبيدات، نظرًا لزيادة الطلب عليها، بعد تقارير عدة كشفت عن نسب عالية من المبيدات في الخضار بالأسواق الفلسطينية.
دفيئة في مزرعة سلة المزارع الفلسطيني
ومن المثير للاهتمام أن المزارع والمستهلك علاقتهم هنا مباشرة؛ إذ لم يعد من داعٍ لأي وسطاء؛ مما يُعد تجربة رائدة في حل مشكلة المزارعين التقليدية الكامنة في صعوبة تسويق إنتاجهم، لدرجة أنهم يضطرون في بعض المواسم لإتلاف المحاصيل لانخفاض أسعاره وصعوبة تسويقه بأسعار تحقق الدخل الجيد لهم؛ بحسب قوله.
ويواصل صلاح الحسيني حديثه لمراسل "مجلة آفاق البيئة والتنمية": "روّجنا منذ البداية لمشروعنا على مواقع التواصل، وقررنا أن نتولى بأنفسنا بيع المحاصيل وتوصيلها إلى بيوت الزبائن، علاوة على ذلك نفذّنا نشاطات أسبوعية داخل الأرض نستضيف فيها العائلات من عموم فلسطين، تارة ننظم فعاليات ترفيهية للأطفال، وتارة فعاليات تراثية مثل تحضير المسخن الفلسطيني".
وفي سؤاله عن مدى تجاوب العائلات، أكد أنه وفريقه لم يتوقعوا هذا التعطش الكبير للتواجد في الأرض وممارسة عادات ليس بوسع الغالبية فعلها داخل الشقق السكنية في المدن، كتجربة الزراعة في الأرض؛ وإعداد الطعام على النار في الهواء الطلق وغيرها من الفعاليات، كل ذلك ساهم في خلق فرص عمل متنوعة وإنعاش الحركة في القرية؛ تبعًا لقوله.
الشاب عمران دار علي، خريج تربية رياضية وكان موظفًا في جامعة بيرزيت، فقد هو الآخر عمله مطلع الجائحة، كان من ضمن الشبان المبادرين في مشروع سلة المزارع الفلسطيني.
يتحدث عمران: "ما جذبني للمشروع هو فكرة أنني لن أكون عاملًا بقدر كوني شريكًا فيه، كانت الانطلاقة جيدة ورأي الناس حفزّنا؛ مع أن العائد المادي ليس جيدًا بحكم أن الأموال التي نتحصل عليها تذهب لاستصلاح أراض جديدة، لكن الفكرة تكمن في أننا سنحصل على المردود المأمول إذا ما زرعنا دونمات جديدة وضاعفنا كميات الإنتاج، في النهاية سيكون لكل منا حصته ولن نكون موظفين بعد اليوم".
صالح العجولي من رام الله بصحبة ثلاثة من أحفاده الصغار يتجول في مزرعة عين سينيا العضوية
استصلاح وأيضاً سياحة
يأمل صلاح الحسيني وشركاؤه بالتوسع أكثر في مشروعهم، لديهم خطة لتوسيع الدونمات المزروعة إلى 37 دونمًا، وتشغيل أعداد أكبر من محدودي الدخل.
ويفيد الحسيني أن عائلات كثيرة تواصلت معه من أجل استصلاح أراضيهم؛ مردفًا بالقول "لدينا اتفاقيات أولية لزراعة 37 دونمًا إضافية، وهذا يعني وصول عدد المستفيدين إلى 60 شخصًا، ليس هذا فحسب، فقد عكف الشبان على تأسيس جمعية تعاونية مهمتها توسيع دائرة العائلات الراغبة بتسويق منتجاتها المنزلية على اختلافها".
وحول الخطط المستقبلية، بين الحسيني أن الهدف الذي يصبو إلي تحقيقه؛ إنعاش السياحة الداخلية في البلدة واستصلاح عيون المياه فيها، وإنشاء مسار سياحي زراعي، ومسار رياضي لتسلق الصخور، وميدان للأطفال لإطلاق الطائرات الورقية، وساحة واسعة لركوب الخيل، إلى جانب نادٍ لممارسة رياضة اليوغا في أحضان الطبيعة.
صلاح الحسيني مؤسس مبادرة سلة المزارع الفلسطيني
ومما لا شك فيه، أن تجربة "سلة المزارع الفلسطيني" تثبت قدرة الشباب على أخذ زمام المبادرة وتغيير الصور النمطية التي ساهمت في الابتعاد عن الأرض والزراعة. تجربة جديرة بالاهتمام والبناء عليها والاستثمار فيها لخلق فرص جديدة لجيوش العاطلين عن العمل، والأهم حماية الأرض بتأهيلها والتواجد فيها والسير قدمًا نحو اقتصاد فلسطيني مقاوم.
لإلقاء نظرة سريعة على مبادرة "سلة المزارع الفلسطيني" الرجاء النقر على الرابط التالي:
https://youtu.be/a51jpn2lQco