خاص بآفاق البيئة والتنمية
خيبة أمل أخرى، فكلّما نشطت سلطة الآثار الاسرائيلية في البحث والتنقيب عن دلائل أثرية ومقتنيات تعود للحقبة التي وجد فيها اليهود وفق الرواية التوراتية المزعومة ( 1000ق.م_ 586 ق.م) لا يجد المنقبون المنهمكون سوى آثار رومانية، بيزنطية واسلامية (مملوكية وايوبية). فيجمع حينها "منقبو سلطة الآثار" ما يمكن جمعه من مقتنيات أثرية، وفي حال كان الموقع يعنيهم يتعمقون عمودياً في الحفريات لغرض خلق تاريخ وهمي عبر اقحام بقايا رومانية يتم تطويعها لتنسجم مع العهد اليهودي، وفي كلا الأمرين يتم طمس الآثار الأخرى وتحديداً الإسلامية العربية.
هذا ما أجمع عليه مجموعة من الباحثين المقدسيين في لقاء مع مجلة آفاق البيئة والتنمية، مؤكدين أن عملية التزوير تتم عادة بسرية كبيرة ولا يسمح إلا بخبراء الآثار من يهود وتوراتيين مؤمنين بالتاريخ الديني اليهودي بمتابعة عملية التزوير، وهذا يمكن ملاحظته في موقع مدينة داوود، حفريات الحائط الجنوبي الغربي للمسجد الأقصى، وغيرها من المواقع.
منذ شهر آذار الفائت نشطت حفريات اسرائيلية في شارع نابلس وتحديداً قبالة مدرسة الشميدت للبنات على بعد أمتار شمالي باب العامود. تم الاعلان أن الأعمال بهدف تأهيل شبكة صرف صحي للمنطقة، ولأن المنطقة غنيّة بالحضارات المتعاقبة فلا تخلو رقعة في المدينة العتيقة أو محيطها من آثار لحضارات مختلفة.
 |
 |
آثار بيزنطية في القدس |
الحفر الإسرائيلي العمودي لابتداع تاريخ إسرائيلي وهمي |
بقايا الحضارات التي وجدت في الموقع
حول الآثار التي وجدت في الموقع تم الاشارة من قبل الباحث المقدسي روبين ابو شمسية وفق ما تم تسريبه من مقدسيين تواجدوا في المكان ولم يتم الاعلان عنه، أن الآثار تألفت من: قواعد بيوت رومانية، بيزنطية، قبور اسلامية تعود للعهد الأموي العباسي، قناة ماء رومانية، كما تم ايجاد جرار من الفخار تعود للعهدة البيزنطية.
ويؤكد أبو شمسية أن الهدف من الحفريات، كان أعمال صيانة وتأهيل شبكات المجاري بإشراف سلطة المياه الاسرائيلية جيحون.
ويلفت الباحث ابو شمسية مرشد عشرات الجولات السياحية في القدس، الى ان الفترة اليهودية القصيرة في القدس، قد تعاقبت عليها عدة حضارات أخرى: الفارسية والرومانية واليونانية والبيزنطية والإسلامية. منوهاً إلى أن سياسة وزارة الآثار الإسرائيلية حين لا يجدون شيئاً يمت لهم بصلة، يقومون بطمر المكان وطمس المعالم الأثرية الأخرى التي تضعف روايتهم على وجه السرعة.
وختم أبو شمسية بأن استراتيجية الاحتلال واضحة من خلال الحفريات الأفقية والعمودية وتتمثل بزعزعة الوجود العربي في القدس، حيث تتركز الحفريات اسفل المسجد الأقصى، غربه، وجنوب غربه، شرق باب العامود، الشيخ جراح، مشيراً إلى أن الحفرية لوحدها لا تشكل خطراً ولكن مشروع الحفريات عامةً بصورته الكلية يهدد الوجود الإسلامي والعربي في المنطقة.
البنية التحتية تكشف عن الحضارات التي سكنت المكان
عن تأهيل شبكة المجاري واكتشاف الآثار يقول الباحث المقدسي القدير هايل صندوقة لـ آفاق البيئة والتنمية ان الاحتلال منذ عام 67، وضمن السياسة الممنهجة في الاستيلاء على اكبر مساحات ممكنة في القدس، سارع بفرض الامر الواقع من خلال المباني الاستيطانية، شق الشوارع، الحفريات غرب المسجد الأقصى، ولم يكترث بإنشاء بنية تحتية جيدة. واليوم تتكشف عيوب البنية التحتية المهترئة فيضطر الاحتلال الى اصلاحها وهذا ما حدث في حي القرمي، ويحدث الان مقابل الشمدت، شارع نابلس، دون أن يكون للعهد اليهودي أو الفترة الحديدية كما تعرف تاريخياً أي أثرٍ يذكر.
 |
 |
الحفريات الإسرائيلية في القدس الشرقية الهادفة إلى خلق تاريخ يهودي وهمي تسير على قدم وساق |
باب العمود في القدس المحتلة |
الكيس الفارغ
وحول عملية التزوير أشار صندوقة إلى أنها تجري بسرية كبيرة، فيما يتم اشهار التاريخ المزور بدعم ورعاية غربية وأمريكية، عبر تسخير أهم منابر الاعلام الغربية والأدبيات لتأكيد الرواية التوراتية في المكان، والتي تتجسد بعنوانها العريض بأن اليهود هم اوائل من سكن الارض الفلسطينية، وشهد على وجودهم الهيكل الأول والثاني.
وختم صندوقة: "كيس اسرائيل فارغ يريدون ان يملئوه بأي شكل، وذلك يكون بطمس المعالم التاريخية والدينية واختلاق معالم يهودية جديدة".
 |
 |
باب العمود في القدس عام 1900 |
حفريات إسرائيلية غامضة في شارع نابلس بالقدس المحتلة |
عبير زياد: آثار رومانية وبيزنطية فقط ولا وجود لمقابر اسلامية
أما الباحثة في شؤون القدس عبير زياد فقد أكدت لآفاق مستندة على صور الموقع التي زودت المجلة بها وعودة للمراجع التاريخية، فإن الشارع الذي يقع على اعتاب سور مدينة القدس من الجهة الشمالية لم تصل اليه مباني مدينة القدس إلا في فترتين تاريخيتين: الفترة الاولى وهي ما بين( 30 م حتى عام 70 م) وهي الفترة الرومانية الأولى بالقدس والتي امتدت فيها الاسوار وشملت كافة شارع نابلس، وتم هدم المباني هناك والسور عام 70 م على يد القائد الروماني تيطوس، ومن الطبيعي وجود بقايا اثرية تعود الى تلك الفترة بشارع نابلس، ومن المعروف ايضا التطور في قنوات المياه الذي وصلت إليه المدينة في حينه.
وتضيف زياد -والتي ارتبط اسمها بالأذهان بقصة فصلها من قلعة داوود قبل ثلاثة أعوام، والتي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، لأنها رفضت المقولة الاسرائيلية المزورة عن القلعة والتي تقدم كوجبات من الوهم التاريخي للزوار، أنه طوال الفترة الرومانية الثانية والتي بنيت فيها مدينة الياكابتولينا ( القدس ) فقد كانت حدودها الشمالية باب العامود الحالي، والفترة التالية التي كان فيها البناء يصل الى شارع نابلس هي الفترة البيزنطية، ولم يكن هناك بناء سكني بل كان عبارة عن كنائس هدمت على يد الفرس عام 614م، ولم يتم اعادة بنائها حيث اعاد البيزنطيون فقط بناء الكنائس المهمة في فلسطين.
وعودة لكتب التاريخ فتوضح زياد أن الحفريات الاثرية والتي بدأت في مدينة القدس عام 1830 والمستمرة حتى الآن، أخذ شارع نابلس جزءاً منها تحت قيادة المدرسة الفرنسية للآثار والتي اكتشفت في الشارع عدة كنائس بالإضافة الى قبور رومانية وقبور بيزنطية خاصةً القبور الموجودة ضمن املاك المدرسة الفرنسية للآثار، والتي يقع الى جوارها من الشرق مقبرة الساهرة الاسلامية.
وتضيف زياد: "الحفرية الاثرية التي تجري اليوم بشارع نابلس تصنف ضمن الحفريات الانقاذية أي التي تطرأ خلال العمل في الشوارع او البناء، وتشرف على الحفرية اليوم دائرة الاثار الإسرائيلية، وخلال الملاحظة والمتابعة اليومية لهذه الحفريات لاحظت الباحثة زياد وجود نسبة من الفخار البيزنطي وبناء تنطبق عليه المواصفات الأبنية البيزنطية الموجودة بالمنطقة، بالإضافة الى بقايا فسيفسائية كما تسرب لها، عثورهم على قنوات مياه قد تعود الى الفترة الرومانية وهو شيء جائز".
لكن موضوع العثور على قبور اسلامية أموية، من وجهة نظر زياد التاريخية أمر غير صحيح لعدة أسباب، منها ان المسلمين كان لهم مقبرتان خلال الفترة الأموية، الأولى: المقبرة الاسلامية باب الرحمة، ومقبرة مأمن الله، وليس من عادة المسلمين الدفن في ممر القوافل والمدخل الرئيسي للمدينة، اما مقبرة باب الساهرة وهي ايوبية لم يصل امتدادها الى تلك المنطقة من الشارع التي تجري بها الحفريات.
 |
 |
حفريات إسرائيلية في شارع نابلس التاريخي بزعم ترميم البنية التحتية |
حفريات إسرائيلية مريبة في شارع نابلس بالقدس المحتلة |
القانون الدولي تحت بساطير الاحتلال وسلطة الآثار
وأكملت زياد حديثها: "نظرا لمعرفتنا بطبيعة عمل وسياسة دائرة الاثار الإسرائيلية، فإنه في حالة عثورهم على أي شيء يعود الى الفترة الرومانية الاولى يقومون فورا بنشره وتحويره لمصلحتهم تحت مسمى عهد الهيكل الثاني، بينما اذا عثر على شيء مسيحي او اسلامي يؤكد عروبة مدينة القدس، يتم تجاهله اعلاميا قدر الامكان وتجاهله كمادة علمية تاريخية ايضاً، ويتم في اغلب الاحيان ازالة البقايا الاثرية او دفنها، مما يؤكد ان الموجودات حتى الان التي عثر عليها تعود الى العهد البيزنطي.
وشددت زياد بالقول: "القدس تقع تحت الاحتلال ولا يجوز حسب القانون الدولي قيام إسرائيل بأي حفريات اثرية وأي موجودات اثرية تعثر عليها تبقى ملكيتها القانونية للفلسطينيين، كما ان مدينة القدس مسجلة كإرث ثقافي عالمي في اليونسكو".
وختمت زياد منوهة إلى ظاهرة انتشار سماسرة الآثار من الذين تنعدم لديهم الوطنية في الضفة الغربية والقدس، حيث يقومون بالبحث عن آثار قديمة في مواقع مختلفة، ويعرضون ما يجدونه من آثار تعود للحقب الرومانية الأولى 70 ق.م لتجار وخبراء آثار يهود يقومون بدورهم بشرائها وتطويعها لتتلاءم مع الفترة اليهودية.
 |
 |
حفريات إسرائيلية مشبوهة في شارع نابلس بالقدس المحتلة |
سلع دعائية تروج لتاريخ إسرائيلي وهمي في القدس المحتلة |