خاص بآفاق البيئة والتنمية

لا يخفى على أحد، خصوصاً في هذه الأيام التي تهيئ فيها الأرض نفسها للانتقال لفصل الشتاء، الأجواء المناخية الغير مستقرة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وموجات الحر التي لا تتوافق مع موعدها السنوي. في بلاد الشام بشكل عام، شهدنا ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة في الآونة الأخيرة، يرافقها عدم استقرار في الطقس مصحوب بزخات أمطار متفرقة وزخات رعدية عديدة. وبتاريخ ١٤ أكتوبر ٢٠١٩، استيقظ العالم على الخبر المروع لإنتشار الحرائق العديدة والمتفرقة في لبنان والتي التهمت مساحات واسعة من الأحراج والبيوت والممتلكات الخاصة والعامة.
في تقرير للصحفي البيئي اللبناني مصطفى رعد، يدرج عدداً من الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي قد تكون سبباً في اندلاع هذا الكم الهائل للحرائق، ومن هذه الأسباب ما يعزى إلى موسم الجفاف الممتد منذ ٦ أشهر، بالإضافة إلى أفعال بشرية متمثلة بإضرام النيران في مكبات النفايات وإهمال وعدم صيانة الغابات والغطاء الحرجي والنباتي. يقول متخصصون أيضاً أن درجات الحرارة المرتفعة وشدة الرياح زادت من حدة هذه الحرائق ومن مساحة انتشارها (رعد، ٢٠١٩).
إخفاق الحكومة اللبنانية في التعامل مع هذه الأزمة، بل بالتحضير المسبق لهكذا حدث، يطرح تساؤلات كبيرة في دور حكوماتنا العربية واستعدادها وجاهزيتها للتعامل مع هذه الأحداث، ومع الآثار والأضرار الجسيمة لهذا النوع من الكوارث البيئية. من المؤكد أن هذه الحادثة هي ليست الأولى وليست الأخيرة من نوعها، والخطر المحدق بنا جراء الكوارث البيئية هو أكبر بكثير مما نتصور.
لا مجال أيضاً لتجاهل حرائق غابات الأمازون في الآونة الأخيرة وآثارها على سكان تلك المناطق، وذوبان الجليد في القطب الشمالي الذي يعني أيضاً تدمير العديد من المجتمعات الحيوانية والنباتية، هذه هي جميعها آثار مقلقة لما فعله البشر في وقتٍ قصير نسبياً على وجه الكرة الأرضية. لنلقي نظرة خاطفة في هذه المقالة على الوضع البيئي في عالمنا العربي وفي الشرق الأوسط بشكل عام، لنعرف ما هي أهم الأخطار المحدقة بنا، وما هي سبل تفاديها.

آثار الجفاف في الشرق الأوسط
الوضع البيئي في العالم العربي
ازدادت وتيرة الكوارث البيئية في الآونة الأخيرة بشكل كبير عالمياً وفي فترة لا تتجاوز الأربعين عاماً، وكان لها آثارٌ ونتائج مدمرة لم يشهد التاريخ مثلها قبل. خلال أربعين عاماً فقط، وصلت الخسائر البشرية الناتجة عن الكوارث البيئية إلى ٣.٣ ملايين شخص حول العالم ما بين الفترة ١٩٧٠ و٢٠١٠. أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية فقد قدرت عام ٢٠١١ بـ ٣٧٠ بليون دولار، وهي من أعلى نسب الخسائر الإقتصادية حتى الآن (البنك الدولي، ٢٠١٤).
عالمياً، فإن عدد الكوارث البيئية منذ ثمانينيات القرن الماضي قد تضاعف، أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن هذا العدد وصل إلى ثلاثة أضعاف في نفس المدة الزمنية. بعض أكبر التحديات التي يواجهها الناس في هذه المناطق الجغرافية هي الازدياد السكاني الكثيف، التحضر السريع، شح المياه والتغير المناخي، وهذه التحديات تشكل ضغطاً كبيراً على وضع السياسات والخطط الخاصة بهذه الدول.
وقد أصبحت الموارد الطبيعية في تلك المناطق هشة ومعرضة لمجموعة متنوعة من العوامل الداخلية والخارجية. فالتحضر السريع يزيد من احتمالية تعرض الناس ومنشآتهم الإقتصادية إلى الكوارث الطبيعية. وقد وصلت نسبة السكان في المدن إلى ٦٢٪ من كليّ السكان، ويتوقع أن تتضاعف النسبة خلال العقود الثلاثة القادمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أن المناطق الساحلية هي الأكثر عرضة لهذه الكوارث البيئية، وهي بنفس الوقت تضم أكبر المدن والمنشآت الإقتصادية، ويعيش فيها تقريباً ٦٠ مليون شخص أي ما يقارب ١٧٪ من عدد السكان الكلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويتعامل السكان في المناطق الحضرية مع آثار التغير المناخي المتسارعة ومع الفيضانات بشكل متكرر وبدون حماية هيكلية كافية، ومع شبكات صرف صحية غير مناسبة (البنك الدولي، ٢٠١٤).
بالمجمل، فإن حياة ما يقارب الـ ١٠٠ مليون شخص من الفقراء الذين هم أقل تحصيناً ضد الكوارث الطبيعية معرضة للخطر وهذا أمر مقلق ويستدعي الإنتباه. فمن أهم الكوارث التي تستدعي الاهتمام في هذه المناطق هي الفيضانات، الزلازل، العواصف وموجات الجفاف، ولذلك فإن على الدول الأكثر عرضة للكوارث البدء بوضع وتطبيق استراتيجيات لمحاربة الكوارث (البنك الدولي، ٢٠١٤).
نزاعات وحروب
كما نعلم فإن أغلب الحروب القائمة في العالم سببها الإقتتال على الموارد والمصادر البيئية المتواجدة بكثرة في بعض الأماكن وبشح في أماكن أخرى. في منطقة الشرق الأوسط وخلال العقود القليلة الماضية، ازدادت نسبة الحروب والصراعات في هذه المنطقة وكان السبب الرئيسي لذلك نقص المياه والغذاء والأوضاع الإقتصادية الصعبة، بمعنى أي مواضيع تتعلق بما يعرف بالأمن الغذائي بشكل عام، وفشل بعض دول الشرق الأوسط في إيجاد حلول لهذه المشكلة. ارتبطت هذه المشكلة ارتباطاً كبيراً بموجات التصحر والجفاف وكانت سبباً رئيسياً في تفجر مظاهرات عديدة في شتى أنحاء الشرق الأوسط (ما سمي بالربيع العربي) مطالبة بتغيير هذه الأوضاع.
موجات الجفاف أدت في العديد من المناطق مثل سوريا ومصر وليبيا لتدني ونقص في أعداد المحاصيل الزراعية وخسارة العديد من الحيوانات الخاصة بمربي الماشية، ومع تزايد أعداد السكان وتزايد أسعار الغذاء نتيجة لشح المحاصيل، تدهورت الظروف المعيشية للسكان من دون وجود حلول مناسبة لتلبية احتياجاتهم الأساسية (عربي بوست، ٢٠١٩).
التغير المناخي في فلسطين
في العقود الثلاثة الأخيرة شهدت فلسطين ارتفاعاً حاداً في الفترات المصحوبة بدرجات حرارة مرتفعة، وهذا الإرتفاع تمثل بمستوى ٨ أيام أكثر من العقود التي سبقت. بالإضافة إلى ذلك، سجل ارتفاعٌ بنسبة ٧٪ في عدد الليالي الحارة وانخفاض بعدد الليالي الباردة، وباستثناء خمس سنوات خلال العقود الثلاثة الماضية، فإن الشتاء في فلسطين كان أكثر حرارة من متوسط الحرارة المسجل في الفترة ما بين ١٩٦١- ١٩٩٠. خلال هذه السنة، وقد لوحظ أن موجة الحر الشديدة وصلت إلى أعلى درجاتها بمقدار ٤٩.٩ درجة مئوية في شهر تموز في منطقة الجنوب. استناداً للإحصائيات، تعتبر هذه أعلى درجة حرارة في فلسطين خلال ٧٠ عاماً تقريباً، وتعتبر ثاني أكثر درجة حرارة عالية مسجلة في فلسطين منذ أربعينيات القرن الماضي حيث وصلت درجة الحرارة في غور الأردن في ذلك الوقت إلى ٥٤ درجة مئوية (كرزم، ٢٠١٩).
تعتبر منطقة البحر الميت في فلسطين من أكثر المناطق التي تعاني من الجفاف الناتج عن ظاهرة الإحتباس الحراري ويتوقع العلماء أن الأوضاع ستزداد سوءاً في المستقبل. منطقة البحر الميت هي المنطقة الأكثر انخفاضاً في العالم، بحيث تقع شواطئها على انخفاض مقداره ١٣٠٠ قدم تحت مستوى سطح البحر، وقاع البحر الميت يقع على انخفاض ٩٠٠ قدم عن مستوى الشاطئ. مصدر المياه في البحر الميت هو شبكة الصرف القادمة من نهر الأردن الذي يتفرع أيضاً إلى سوريا ولبنان ومياهه شديدة الملوحة. في السنوات الأخيرة تعرض مستوى البحر لإنخفاض منتظم بمعدل ٤ أقدام سنوياً.
المناخ الجاف والحار هو ليس السبب الوحيد في التناقص المستمر لمستوى مياه البحر الميت، بل إن الإزدهار السكاني في المنطقة يتطلب توفير كميات مياه أكبر لهؤلاء السكان يرافقها استنزاف كبير للمياه، وبالتالي كميات أقل تصل للبحر الميت، بالإضافة إلى أن التبخر الناتج عن الاحتباس الحراري يزيد من سوء الوضع الحالي (جولدستاين وآخرون، ٢٠١٧). علاوة على النهب الإسرائيلي الضخم لمياه بحيرة طبريا ونهر الأردن اللذان يصبان مياههما في البحر الميت.
معدل سقوط الأمطار في منطقة البحر الميت قلّ بنسبة ما يقارب الـ ١٠٪ منذ عام ١٩٥٠، وهناك تنبؤات بأن هذا المعدل سينخفض ٢٠٪ أكثر خلال هذا القرن. إسرائيل تعمل على تحلية مياه البحر الأبيض المتوسط لتوفير احتياجات سكانها، ولكن المناطق غير الساحلية كالأردن والأراضي الفلسطينية هي بحاجة ملحّة لمصدر مياه آخر (جولدستاين وآخرون، ٢٠١٧).
يقول الخبير البيئي جورج كرزم أنه خلال السنوات الأخيرة الماضية كان هناك فعلاً شح في نسبة الأمطار في فلسطين، ولكن ليس بالضرورة أن نعزي هذا الشح إلى التغير المناخي وحده، فبالإضافة إلى موجات الجفاف وخصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة في المناطق الشمالية والوسطى من البلاد، فإن العامل البشري المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي، يلعب دوراً كبيراً في "سوداوية المشهد المائي" بسبب الاحتكار المتصاعد للموارد المائية والضخ الهائل لها، وهذا من شأنه أن يفاقم عملية التصحر التي تعود لعوامل مناخية وطبيعية (كرزم، ٢٠١٨).
ما الذي ساهم بالتغير المناخي وما هي تأثيراته على البيئة والسكان؟
التغير المناخي وبالأخص الإحتباس الحراري هو نتاج لأعمال بشرية تساهم بشكل مباشر في ارتفاع نسبة انبعاثات الغازات الضارة في الجو، نتيجة لعدد من الممارسات كما حددت المفوضية الأوروبية على موقعها الإلكتروني، كالتالي:
١. حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم، الزيوت والغاز، الأمر الذي يؤدي إلى إنبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز في الجو.
٢. قطع الغابات: الأشجار تساعد في معادلة درجات الحرارة في الجو من خلال امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون المهم في عملية التمثيل الضوئي للنباتات والضار للإنسان، وقطع الأشجار يعني أن هذا الغاز المخزن في الأشجار، سيتم إطلاقه في الهواء مجدداً مما يزيد من كمية الانبعاثات الضارة.
٣. الازدياد في تربية الماشية، وهذا لأن الأبقار والأغنام تنتج كميات كبيرة من الميثان أثناء عملية هضم الطعام.
٤. الأسمدة التي تحتوي على النيتروجين لأنها تزيد من انبعاثات أكسيد النيتروز.
٥. الغازات المفلورة التي لها أثر حراري كبير على الجو، بنسبة تقارب الـ ٢٣ ألف مرة أكثر من غاز ثاني أكسيد الكربون.
النتيجة التي نستطيع أن نلمسها في يومنا هذا لهذه الممارسات هي ارتفاع بمقدار 0.85% في متوسط الحرارة العالمي عن المتوسط الحراري في أواخر القرن التاسع عشر. يتنبأ ويحذر العلماء من خطورة التغيرات البيئية التي قد تطرأ على مستوى العالم في حال زادت درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين مقارنة بالفترة ما قبل الصناعية (المفوضية الأوروبية، لا تاريخ).
الآثار المترتبة على الإحتباس الحراري هي كارثية إذا ما بقي معدل ازديادها على ما هو عليه الآن، وتتضمن ارتفاعاً في مستوى سطح البحر مما يؤثر على المجتمعات السكنية في مناطق عديدة، وتأثيرات على الزراعة وعلى طبقة الأوزون، وبالتالي أوضاع طقس متطرفة بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض التي يحفزها وجود بيئة حرارية مرتفعة وغيرها العديد من التأثيرات التي قد تحدث خللاً كبيراً في التوازن البيئي على سطح الكرة الأرضية (مركز العمل التنموي، ٢٠٠٧).
وفي الوقت الذي جعلت فيه دول العالم الأول موضوع التغير المناخي واحداً من أهم أولوياتها ووضعت أهدافاً زمنية لمحاولاتها الجادة في تقليل نسب الغازات المنبعثة من منشآتها، لا يزال الشرق الأوسط لا يعي كلياً مدى خطورة هذه الظاهرة، ولا يأخذ على محمل الجد ضرورة البدء باتخاذ خطوات عملية من أجل تخفيف الأضرار الجسيمة المتوقع أن تنجم عن ظاهرة التغير المناخي في السنوات القليلة المقبلة، والتي قد بدأنا نرى بعضاً من آثارها في الوقت الحالي.
كيف لنا أن نتفادى آثار الكوارث البيئية كدول وكأفراد؟
بداية، هناك استراتيجيات معينة يجب وضعها وتطبيقها على مستوى الدولة من أجل الحد من أعراض الكوارث الطبيعية. الإستراتيجيات تتضمن السعي لتحقيق حصانة هيكلية، حصانة مادية وحصانة اجتماعية. الحصانة الهيكلية تتمثل بوجود بنية تحتية قادرة على مقاومة الكوارث وتوفير خدمات مائية، صرفية وكهربائية وهذا يتطلب اقتطاع جزء من ميزانية الدولة من أجل الإستثمار في هذه الخدمات التي سيكون نفعها العائد كبير. الحصانة المادية تتطلب التخطيط المادي لحالات الطوارئ وأيضاً اقتطاع جزء من ميزانية الدولة لهذه الحالات والتخطيط لها قبل حدوثها. أما بالنسبة للحصانة الإجتماعية وبما أن تحقيق حصانة هيكلية ومادية تتطلب وقتاً كبيراً، فلا بد من تواجد خطط طوارئ لإحتواء الإضطرابات في الخدمات العامة الحيوية بعد وقوع كارثة، والحد من تأثيرها على الفئات الأكثر ضعفاً (نولان وسرينيفاسان، ٢٠١٩).
ثانياً وإلى جانب الأمور العملية التي يرددها خبراء البيئة منذ عقود، كالترشيد في استخدام الطاقة والتحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى استخدام مصادر بديلة للطاقة، وتقليل الإستهلاك وهدر المصادر بالإضافة إلى التغيير في أنظمتنا الغذائية ومحاربة التصحر وغيرها العديد من الأفعال، بإمكاننا العمل على ثلاثة محاور أساسية كأفراد من أجل المساهمة بشكل أكبر في محاولة إنقاذ ما تبقى من نظامنا البيئي وللتعامل مع آثار التغير المناخي والإحتباس الحراري، وهذه المحاور تعتمد على أنفسنا، على وعينا وعلى تصرفاتنا المباشرة في حياتنا اليومية. هذه المحاور تعمل على خلق أساس عميق، واعي وصحي لجميع محاولات إنقاذ الأرض، ومن المهم الأخذ بها وفهمها قبل القيام بأية تغيير.

المحاور الثلاثة الهادفة لتحقيق "التحول الكبير" والحد من آثار الكوارث البيئية أو عكسها
تقول الكاتبة والناشطة البيئية جوانا ماسي والكاتب والمدرب كريس جونستون أن هناك ثلاثة محاور بالإمكان إتباعها من أجل إحداث تغيير واقعي على سطح الأرض. أولها هو البدء بعقد المبادرات التي تهدف لعرقلة وإبطاء الضرر الذي تسببه المنظومة الاقتصادية- السياسية، لحماية ما تبقى من أنظمة الدعم الطبيعية وأنظمتنا الحيوية المتنوعة، وما تبقى من الهواء النظيف والماء النظيف والغابات والتربة. يتضمن هذا المحور رفع مستوى الوعي بالضرر القائم حالياً من خلال تجميع الأدلة وتوثيق الآثار البيئية والاجتماعية والصحية للنمو الصناعي المتزايد. هنا يأتي دور العلماء والصحفيين والباحثين لكشف العلاقات بين الأمور، كالعلاقة بين التلوث وارتفاع نسبة السرطان لدى الأطفال، أو العلاقة ما بين استهلاك الوقود الأحفوري والتغير المناخي، أو توافر منتجات رخيصة وظروف العمل السيئة. إذا لم يتم توضيح هذه العلاقات للجميع، ستبقى هناك مساهمة غير واعية من أغلب الناس في تفكك هذا العالم ومنظومته البيئية. من خلال توعية أنفسنا و تحفيز رغبتنا في التعلم وتنبيه الآخرين للمخاطر التي نواجهها، نستطيع أن نكون مساهمين فعّالين في "التحول الكبير" على هذه الأرض كما يصفه الكاتبان. يُذكر أيضاً أن هناك العديد من الطرق التي نستطيع إتباعها للبدء بهذا التحول، إحداها كسر الدعم للممارسات والمنتجات التي نعلم ونكون على وعي أنها جزء من المشكلة (ماسي وجونستون، ٢٠١٢).
المحور الثاني يركز على ضرورة استبدال أو تحويل الأنظمة التي تسبب هذه الأضرار البيئية في الأساس، بأنظمة وممارسات تهدف للإستدامة والحفاظ على الحياة. نلاحظ بناءً على العديد من المعطيات أن الحضارة يتم إعادة تشكيلها بشكل مستمر، وأن العديد من المعتقدات التي كانت مقبولة سابقاً مثل النواحي المرتبطة بالنظام الصحي، الاقتصاد، عالم الأعمال، التعليم، الزراعة، الموصلات، وسائل الإتصال وغيرها أصبحت الآن موضع مساءلة ومحاولات جدية للتغيير.
في هذا المحور، من المهم إعادة التفكير بكيفية قيامنا بالأمور، وبنفس الوقت التركيز على إعادة تصميم إبداعي للمنظومات المكونة لمجتمعاتنا. على سبيل المثال، الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ حفزت الكثيرين للبدء بمساءلة الأنظمة البنكية، وفي استطلاع تم عمله في تلك السنة أجاب أكثر من نصف المشاركين في الإستطلاع أن مستويات الفائدة، كانت تعتبر مطلع اهتمامهم الرئيسي عند انتمائهم لأي بنك، لكن بعد هذه الأزمة المالية أصبحوا يعتبرون أموراً أخرى مثل الجهة التي يتم الإستثمار فيها وطبيعة العمل الذي يقومون به. بنك تريودوس الهولندي على سبيل المثال، يتبع نموذج "العائد الثلاثي" والذي يعني أن العائد من الإستثمار ليس عائد مادي فقط، بل هو عائد اجتماعي وبيئي. بالتالي، كلما ازدادت نسبة الأفراد الذين يقومون بوضع مدخراتهم في هكذا نوع من الإستثمارات، يزيد انتشار وتوفر التمويل المخصص لشركات تهدف لأهداف أعظم شأناً من مجرد كسب الأموال. هذا من شأنه أن يحفز تطوير قطاع اقتصادي جديد يعمل بناء على نموذج العائد الثلاثي أيضاً.
القطاع الزراعي هو أحد القطاعات المستفيدة من هكذا نموذج، بحيث أن أعداداً كبيرة من الناس حولوا دعمهم إلى المنتجات العضوية والخالية من الكيماويات، وازدادت نسبة الأفراد الذين يدعمون الإنتاج المحلي من خلال الشراء من أسواق الفلاحين التي زاد انتشارها أيضاً. هذه هي أمثلة بسيطة لكيفية تغيير أنماط التفكير الخاصة بنا بشكل إيجابي (ماسي وجونستون، ٢٠١٢).
لكن كيف نستطيع أن نضمن استمرارية وديمومة هذه المنظومات الجديدة، إذا لم تكن هناك قيم راسخة في عقول الناس وقلوبهم للحفاظ عليها؟ هنا يأتي دور المحور الثالث الذي يتحدث عنه الكاتبان وهو إحداث تغيير أو تحول على مستوى الوعي. في جوهر وعينا يتواجد نبع من الاهتمام والتعاطف، وهذا النبع ممكن تغذيته وتطويره من خلال تعميق انتمائنا لهذا العالم وهذه الأرض. الأساس في هذا المحور هو التركيز على ممارسات وأفكار تتجاوب مع عاداتنا الروحانية وتتناسق بنفس الوقت مع الإدراكات الثورية والجديدة في العلم. يقول بيل آندرس ( عالم الفضاء الأول الذي التقط صوراً من الفضاء أثناء الرحلة الفضائية أبولو ٨ عام ١٩٦٨): " لقد قطعنا كل هذه المسافة لاستكشاف القمر، وكان أعظم وأهم شيء أننا قمنا باستكشاف الأرض." "هذا الإنجاز بالإضافة إلى التحديات البيئية التي نواجهها حالياً حفز طريقة جديدة للتفكير بأنفسنا، فنحن لسنا فقط مواطنين في دولة واحدة، بل نحن جزء من هوية جماعية، نحن جزء من هذه الأرض. نستطيع تفعيل وتعميق هويتنا الجماعية هذه من خلال انتباهنا للتغيير الداخلي والشخصي والروحاني الذي يطور ويحسن من قدراتنا ورغبتنا في المبادرة بالتصرف من أجل هذا العالم" (ماسي وجونستون، ٢٠١٢).
المراجع:
كرزم، ج. ٢٠١٨. موسم الشتاء الفلسطيني الحالي... نظرة إستراتيجية. مجلة آفاق البيئة والتنمية. مركز العمل التنموي معاً. http://www.maan-ctr.org/magazine/article/1784/
مركز العمل التنموي معاً. ٢٠٠٧. الدليل المرجعي في التربية البيئية. مركز العمل التنموي معاً.
عربي بوست. ٢٠١٩. المزيد من الحروب وموجات النزوح ستحدث في الشرق الأوسط بسبب التغير المناخي. عربي بوست.
رعد، م. ٢٠١٩. لبنان: غابات مهملة وخطر الحرائق لم ينته بعد. Scientific American للعلم. https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/lebanon-neglected-forests-and-the-danger-of-fires-is-not-over-yet/
European Comission. N,d. Casuses of climate change. European Comission.
https://ec.europa.eu/clima/change/causes_en
Goldstein, S., and others. 2017. Under the dead sea, warnings of dire drought. The Earth Institute. Colombia University. Retrieved from https://www.earth.columbia.edu/articles/view/3352
Kurzom, G. 2019. Vicious circle of self-destruction: Rising emissions, extreme weather, high demand on energy; therefore, further increase in emissions. Afaq environmental magazine. Ma’an Development Center.
http://www.maan-ctr.org/magazine/article/2396/
Macy, J., Johnstone, C. 2012. Active Hope: How to face the mess we’re in without going crazy.
Nolan, S., Srinivasan, K. 2019. Poorer countries are more vulnerable to climate change, here’s how they can prepare. World Economic Forum. Retrieved from
https://www.weforum.org/agenda/2019/07/when-disaster-strikes-preparing-for-climate-change/
The World Bank. 2014. Natural disasters in the Middle East and North Africa: A regional overview. The International Bank for reconstruction and development.
http://documents.worldbank.org/curated/en/211811468106752534/pdf/816580WP0REPLA0140same0box00PUBLIC0.pdf