خاص بآفاق البيئة والتنمية
الأستاذ المرحوم عبد الجبار أبو حلاوة-الثاني من اليسار- في برنامج حوارات بيئية المشترك بين آفاق وتلفزيون وطن
غيّب الموت في الـ 11 من تموز، المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك للنفايات الصلبة في محافظة أريحا والأغوار، عبد الجبّار أبو حلاوة، إثر نوبة قلبية حادة. وفي الثالث من آذار الفائت انتقل إلى الرفيق الأعلى مدير دائرة صحة البيئة في وزارة الصحة، المهندس إبراهيم عطية.
كان عبد الجبار وعطية من الضيوف والخبراء الدائمين في "آفاق البيئية والتنمية"، وتعاونا مع المجلة في العديد من الحوارات المتلفزة، والمقابلات، والمؤتمرات الصحافية، والتقارير، والتحقيقات.
والمشترك في الراحلين أنهما درسا تخصصات مشابهة، ولم يترددا في الاستجابة السريعة للمجلة، وحرصا على الحضور في المواعيد المتلفزة والإذاعية، ولم يبخلا بأي معلومة ضمن عملها.
تستذكر "آفاق" أبو حلاوة وعطية، وترى في غيابهما خسارة كبيرة، فقد عملا باقتدار وإخلاص، وكانا يستجيبان بسرعة لأسئلة المجلة وبرامجها، وتركا حصيلة من الآراء المهنية الرصينة والمسؤولة.
أبراج
نسترد مقتطفات من أبرز تصريحات الراحلين، ففي شباط 2010 نظمت المجلة ندوة متخصصة بعنوان "الإشعاعات المنبعثة من أبراج الخلوي وتأثيراتها البيئية والصحية." كان عطية أحد ضيوفها.
يومها، انعكس النقاش الساخن في التوصيات التي قدمها المشاركون، وأشار المهندس عطية إلى أن الأبحاث الطبية التي يطالب بها البعض لإثبات عدم وجود علاقة بين الأبراج والإصابة بالأمراض، لا نقدر عليها. وعلينا أن نتبنى رأي منظمة الصحة العالمية، ولن تتوانى وزارة الصحة إذ أُثبت وجود ضرر أو احتمالية وقوع ضرر، كما جاء في قانون الصحة العامة، حينما أورد عبارة (ما قد يضر) عن محاربة هذه الأبراج في حال ثبوت خطرها كحال الغذاء الفاسد أو المياه الملوثة.
وأضاف إن وزارته تلقت شكوى من أحد المواطنين، الذين أفادوا بوجود طنين بفعل هذه الهوائيات، "إذا كان هذا الطلب محقاً سنتعامل مع الأمر، لأن أحداً لا يستطيع تحمل طنينٍ في إذنه على مدار أربع وعشرين ساعة". وأكد أنه لا يرى وجود أيادٍ خفية تحرك المجتمع الفلسطيني في قضية الخوف من الهوائيات وإشعاعاتها، وعلى شركات الاتصالات احترام تخوفات المجتمع المشروعة.
سموم
وخلال نيسان 2012 كان المهندس عطية ضيف "حوارات بيئية" البرنامج المشترك مع تلفزيون وطن ومركز العمل التنموي/ معاً، الذي تابع ملف "السموم الغذائية في متناول أطفالنا" وعرض تحقيقاً لتلفزيون وطن، أثبت وجود مسليات ومشروبات غازية تمنعها وزارة التربية والتعليم في مدارسها، مثلما قدم شهادات مصورة عن تلاعب بعض مصانع رقائق البطاطا "الشيبس" في المقادير التي تسمح بها الوزارة. وكشف أن الطلاب يتناولون من كيسيين إلى 3 أكياس شيبس يوميا، بعد انقطاعهم عن تناول الطعام لنحو 14 ساعة في اليوم الواحد.
وقال المهندس عطية إن وزارة الصحة تنصح بالمطبخ الطازج، والمنتج الخالي من الإضافات، لكن الوعي الذي يمتلكه أطفالنا حول الأغذية التي تصلهم ليس مرتفعاً، كما أن الصناعة محكومة بمعايير دولية لا تنحصر بفلسطين، ويحكمها دستور الأغذية العالمية.
وأكد أن وجود المُضافات والمواد الحافظة في الأغذية جاء لاحتياجات تكنولوجية للتصنيع، ومنتشرة في العالم كله، وتخضع لضوابط أهمها تناسب كميتها مع جسم الإنسان، وتُتابع وتُراقب، غير أن السؤال يتمثل في كيفية وصولنا إلى مرحلة نبتعد فيها عن هذه المنتجات.
المهندس المرحوم ابراهيم عطية-الأول من اليسار في ندوة حوارية نظمتها مجلة آفاق-
أغذية
وفي تشرين الأول 2016 عقدت المجلة مؤتمراً صحافياً هاماً كشف فيه عن العديد من المواد السامة الموجودة في السلع الغذائية الإسرائيلية المسوقة في الأسواق الفلسطينية، مسلطاً الضوء على نتائج الفحوصات المخبرية الأخيرة لوزارة الصحة الفلسطينية ومتابعات مختبرات جامعة بيرزيت حول التلوث الخطير في عدد كبير من الأغذية الإسرائيلية، بالإضافة إلى معطيات صحية خطيرة تابعتها مجلة آفاق حول عشرات المنتجات الإسرائيلية الملوثة والتي تباع في أسواقنا الفلسطينية.
ولفت عطية إلى أن عدد الفحوصات التي تجرى سنوياً وتشمل المصانع والمطاعم والمنتج المستورد والمحلي والإسرائيلي: تراوحت ما بين 10 آلاف إلى 12 ألف عينة، وتشمل الفحوصات الميكروبية والبكتيرية (السالمونيلا والبكتيريا البرازية والعفن والخمائر، وغيرها من الفحوصات). بالإضافة إلى الفحوصات الكيميائية من مواد حافظة وملونات ومتبقيات مبيدات وهرمونات ومضادات حيوية.
وأشار إلى أن عدد الفحوصات على المنتج المستورد حتى منتصف حزيران من ذلك العام، بلغت 2200 عينة بين فحص كيماوي وميكروبي، حيث وصل التلوث في البضائع الإسرائيلية 18% مقابل 10% للمنتج المحلي، فيما بلغ عدد زيارات المفتشين للمخازن والمتاجر 28 ألف زيارة، كما تم إتلاف أكثر من 220 طن من الأغذية الفاسدة، وبلغت الإخطارات والتنبيهات 220 إخطارَا.
واستشهد عطيّة بأمثلة حول رسوب عينات إسرائيلية سحبت من السوق بعد أن تبين احتواءها على نسب مرتفعة لمواد حافظة بما يفوق تلك المسموح بها فلسطينياً وعالمياً، بالإضافة إلى التلوث الميكروبي ببكتيريا الليستيريا الخطرة بشكل مباشر على الأطفال والحوامل، بالإضافة إلى شركتين معروفتين بإنتاج الحمص تم حظرهما في الأسواق بعد إثبات تلوثهما بمواد بكتيرية.
وأشار عطية إلى أن إسرائيل تلجأ إلى إغراق المنتج بالمادة الحافظة لقدرته على تثبيط نمو الميكروبات حتى لا يفسد على الرفوف ويحافظ على شكله الجيد، ولكن الخطر الأعظم في التلوث الكيماوي بسبب تلك المواد قبل الميكروبي.
وفي كانون الأول 2016 كان عطية ضيف برنامج ( قضية وحوار) الإذاعي، المشترك مع إذاعة جامعة النجاح.
المهندس المرحوم ابراهيم عطية-الأول من اليمين- في برنامج حوارات بيئية المشترك بين آفاق وتلفزيون وطن
ذبح أسود
وكان عطية حاضرًا عندما فتحت المجلة تحقيقًا في نيسان 2017، حول ظاهرة الذبح خارج المسالخ، حمل عنوان "الذبح الأسود: دماء تلاحق الصحة وتنحر القانون" كشف تجاوزات خطيرة للذبح خارج المسالخ، وتتبع آثاره الصحية والبيئية، وعقبه ندوة حوارية بحضور مسؤولين ومختصين عقدت بالشراكة مع تلفزيون وطن، في أيار 2017.
انتهت الندوة بورقة موقف حول ظاهرة الذبح الأسود، جري تعميمها على جهات الاختصاص. وأكد عطية أن الذبح ممنوع خارج المسالخ، لاعتبارات صحية وبيئية، كما يمنع قانون الصحة وتعليماته الذبح خارج المسالخ.
وأكد أنه يفترض وجود إستراتيجية محددة للمسالخ تتابعها الجهات الحكومية كالبلديات ووزارة الزراعة.
والمهندس عطية من مواليد سيلة الظهر بمحافظة جنين، وأكمل دراسته في كرواتيا بتخصص التصنيع الغذائي، وعمل في جمعية الإغاثة الزراعية، خلال تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يلتحق بوزارة الصحة الفلسطينية.
وقال مدير مركز نعيم خضر التابع لـ" الإغاثة الزراعية"، د. سامر الأحمد إن عطية كان مثالًا للتواضع والإخلاص في العمل، وامتلاك المعرفة العلمية، وارتبط بعلاقات وطيدة مع زملاء العمل.
وأشار الأحمد إلى أن عطية، الذي توفي وهو في أوج العطاء، وفي منتصف خمسينيات العمر، عمل في جمعية تنمية المرأة الريفية، وواكب قضايا الاقتصاد المنزلي، والتصنيع الغذائي، ودعم المشاريع المدرة للدخل للنساء.
المهندس المرحوم ابراهيم عطية-وسط- في المؤتمر الصحافي الذي عقدته مجلة آفاق حول المواد السامة الموجودة في السلع الغذائية الإسرائيلية المسوقة في الأسواق الفلسطينية
أبو الحلاوة
أما المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك للنفايات الصلبة في محافظة أريحا والأغوار، عبد الجبار أبو حلاوة، فكان ضيف آفاق في آب 2013 عبر الندوة الحوارية المتلفزة، ضمن برنامج حوارات بيئية، بالشراكة مع تلفزيون وطن، ويومها جرت مناقشة المشهد البيئي في فلسطين بأولوياته وحلوله، وسعت الندوة لرسم مشهد لواقع البيئة في فلسطين، ووضعت قائمة بأبرز عشرة تهديدات تواجهنا بفعل انتهاكات الاحتلال من جهة، والممارسات المجتمعية الخاطئة من جهة أخرى.
وفي حزيران 2015 كان أبو حلاوة ضيف لقاء إذاعي خاص ضمن مشروع الإذاعة الإلكترونية الخضراء بنسخته الرابعة. وحمل اللقاء عنوان:" التحديات البيئية في فلسطين: أسئلة برسم الإجابة ". وعالج الراحل تحدي النفايات الصلبة في فلسطين.
سيرة
وبحسب الأستاذ المتقاعد خالد توفيق أبو حلاوة، وهو ابن أخ المرحوم عبد الجبار، فقد عاش عمه يتمًا، إذ توفي والده وهو في بطن أمه، وكان محبوبًا من أهالي خربثا بني حارث، بمحافظة رام الله والبيرة.
وأضاف: علّمت عمي في مدرسة نعلين، فأنا أكبر منه، وكان الأول على صفه طوال الدراسة، واختار تخصص الهندسة الغذائية في جامعة القدس، وعمل في شركة خاصة برام الله، وانتقل إلى إدارة المجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظة أريحا والأغوار.
رأى عبد الجبار النور عام 1974، وعرف بين أهالي قريته بتواضعه واحترامه، ولا يذكر أحد أنه تخاصم يومًا مع أي إنسان. وهو الابن الأصغر بين خمسة أخوة.
ووفق أبو حلاوة، كان الراحل حنونًا على أبناء عائلته، وأهالي قريته، ورغم انتقاله للعيش في بيتونيا، حافظ على صلات المشاركة الدائمة بمناسبات قريته كلها، ولم يتأخر يومًا عن أي واجب.
رزق عبد الجبار بولدين: كريم وبراء، والمحزن أنه رحل يوم نتائج الثانوية العامة لابنه البكر، فقد شعر بعد وقت قصير من إعلان النتائج ببعض الألم، وتوجه بعد تهنئة الأقرباء لطبيب في القرية، لكنه لم يجده، وأكمل مسيرته إلى رام الله، وحين وصل مشارف دير إبزيع (البعيدة 7 كيلو مترات عن مسقط رأسه)، اتصل بأخيه وأخبره بعدم قدرته على إكمال قيادة المركبة، وتوجه إلى المركز الطبي فيها، لكنه فارق الحياة قبل أن يتلقى العلاج.
رحم الله المهندس عطية والأستاذ أبو حلاوة، وألهم عائلتيهما الصبر على غيابهما وفراقهما الذي جاء دون سابق إنذار، وألف دعاء من القلب لهما بالرحمة...
aabdkh@yahoo.com