خاص بآفاق البيئة والتنمية
حديقة منزلية نموذجية
إن تفشي وباء الكورونا، وتفاقم البطالة والفقر وتدني معدل الأجور والتآكل الكبير في المداخيل وارتفاع الأسعار، يثبت يوما بعد يوم صحة المنظور التنموي البديل، الداعي إلى الإنتاج البيئي النظيف محليا، من أجل الاستهلاك المحلي، وبخاصة عبر المبادرات الإنتاجية الشعبية المعتمدة على الذات، والتي تنتج الغذاء الأساسي للناس، تطبيقا لمبدأ الاستفادة من مواردنا المحلية وعلى رأسها الأرض لتلبية احتياجاتنا المحلية، بدلا من إشباع رغبات الأسواق الخارجية وقلة من الناس المتكسبين؛ وبالتالي إعادة إنتاج البطالة والفقر والجوع، ناهيك عن التدمير البيئي.
وبدلا من بعثرة الأموال والموارد في ممارسات إنتاجية غير متداخلة وغير بيئية، وتتطلب تبعية كبيرة للمُدْخَلات الخارجية، وتولد مخلفات لا يعاد تدويرها في نفس النظام الإنتاجي، بإمكاننا دائما بلورة نشاطات إنتاجية، نباتية وحيوانية وغيرها، متداخلة ومتنوعة وذات مدخلات خارجية ضئيلة جدا، بحيث يعاد استخدام المخلفات العضوية، سواء على مستوى الإنتاج الزراعي الكبير أو التجاري، أم الإنتاج المنزلي الذي يبقى، نسبيا، تحت تحكم الأسرة، وبإمكانه توفير كل أو معظم احتياجات الأسرة الغذائية، وبالتالي، تخفيض كبير في نفقات الأسرة التي معظمها عبارة عن مصاريف لشراء الغذاء المكلف بالنسبة لغالبية الأسر الفلسطينية. فضلا عن تعزيز الأمن الغذائي الأسري والاعتماد على الذات، غذائيا، في مواجهة البطالة وانعدام الأمن الوظيفي وعدم الاستقرار الاقتصادي – الاجتماعي. بالإضافة لضمان استهلاك الأسرة غذاء صحيا وخاليا من الكيماويات الممرضة.
بإمكان كل منا أن يساهم في إنتاج الغذاء اليومي النظيف والصحي والمتوازن لأسرته، وذلك من خلال قيامنا بزراعة قطع الأراضي المباشرة حول منازلنا، بهدف تحقيق ولو جزء من الاكتفاء الذاتي في غذائنا. فبإمكاننا استغلال حديقة المنزل لزراعة الخضار أو تربية الدواجن والماعز والأرانب والحمام. بمعنى أن زراعة الأرض والحديقة المنزلية أو أية مساحة ممكنة حول المنزل، بإمكانها توفير كل أو معظم احتياجاتنا الغذائية من خضار وفاكهة، بالإضافة لتوفير الحليب، من الماعز، والبيض واللحم الأبيض من الدجاج، وجزء من اللحم الأحمر.
إن الإهتمام بالزراعة المنزلية ليس جديدا على أسرتنا الفلسطينية، لأنها كانت تشكل في الماضي غير البعيد جزءا من تراثنا وتقاليدنا في الاعتماد على الذات. كما أن الأرض والزراعة تعتبران موردا معيشيا واقتصاديا مضمونا وثابتا لشعبنا، ناهيك عن كونهما مكونا أساسيا من مكونات تراثنا وثقافتنا.
من المفيد أن نتذكر أن الشعب الفيتنامي انتصر على وحشية وهمجية الاستعمار الأميركي ليس فقط بالبندقية وإنما أيضا بالاستثمار الفلاحي والزراعي، وبالاعتماد على ذاته في توفير احتياجاته الغذائية طيلة فترة الثورة الفيتنامية.
الغذاء النوعي على مدار السنة
بإمكاننا، إذن، زراعة حديقة منزلنا بأصناف مختلفة من الخضار الصيفية، مثل البندورة، والخيار، والملوخية، والفاصوليا، واللوبيا، والباميا، والكوسا، والباذنجان وغيرها. فضلا عن الخضار الشتوية، مثل: الحبوب، والبقوليات المتمثلة بالعدس والبازلاء والفول والحمص وغيرها، والسبانخ، والبصل، والثوم، والخس، والفجل، والبقدونس وغيرها. كما أن بإمكاننا زراعة أشجار الليمون، والعنب، والتين، واللوز، والمشمش، وغيرها من اللوزيات والحمضيات.
وبإمكاننا ضمان غذائنا على مدار السنة إذا واظبنا على الزراعة البيتية في مواسم الشتاء والصيف، وعلى مدار السنة، وإذا قمنا بتنويع الأصناف المزروعة، لضمان أعلى قدر من الاكتفاء الذاتي الغذائي، على مستوى الأسرة الواحدة، أو مجموعة من الأسر، وبالتالي توفير الأمن الغذائي الأسري.
كما أن بإمكاننا حفظ بعض الأغذية التي ننتجها، كتجفيف أو تفريز الملوخية والباميا، أو تخليل الخيار والزهرة والفلفل والباذنجان وغيرها، أو تصنيع عصير الفاكهة والحمضيات، مثل شراب الليمون والبرتقال والتوت والتفاح وغيرها. أو حفظ بعض الفاكهة على شكل مربيات، مثل مربى الخوخ والتفاح والمشمش والسفرجل والتين والكرز. وبإمكاننا أيضا شراء هذه الثمار في موسمها لأنها تكون أرخص وأجود.
ولا بد أن نلفت الانتباه إلى أن تعبئة العصائر والمربيات يجب أن تكون في أوعية زجاجية نظيفة ومعقمة ومغلقة بإحكام. وعندها نحصل على بدائل رائعة تغنينا عن المربيات والمشروبات المصنعة بالسكر والمواد الحافظة التي تباع في السوق.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكننا أيضا تصنيع اللبن واللبنة والجبنة البلدية البيضاء.
ولدى تصميمنا للحديقة المنزلية يجب أن نراعي أن تكون الأحواض التي نزرعها قريبة من المنزل. لأن الأرض التي نزرعها تحتاج لأعمال كثيرة، مثل التعشيب، الحراثة، التسميد، التقليم، الري، ومراقبة المزروعات وحمايتها. كذلك يجب الأخذ بالإعتبار أن تكون قطع الأراضي، وبخاصة المزروعة بالخضروات، مكشوفة قدر الإمكان وقريبة من مصدر المياه.
كما يجب أن نستفيد من الفضلات الناتجة من البيت والأرض، وذلك بأن نستخدمها ثانية في الزراعة؛ وبالتالي عدم ترك فضلات الخضار والفاكهة وبقايا المحصول وأوساخ الحيوانات دون استعمال.
فمثلا، بإمكاننا استخدام رَوْث الدجاج والماعز كزبل بلدي لتسميد الأرض الزراعية، بدلا من أن نشتري السماد الكيماوي الذي قد يسبب لنا أمراضا خطيرة.
ويجب علينا قبل زراعة الحديقة، أن نخطط أولا، ماذا وأين سنزرع، والكميات وعدد الأنواع التي سنزرعها، وذلك بما يتناسب مع مساحة الحديقة. ولا بد لنا أن نستغل جميع الفراغات المتاحة حول المنزل أو بداخله، لتغطية احتياجات الأسرة.