بين الفينة والأخرى، تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات صادمة، هي ليست سياسية فقط اعتادها الفلسطينيون كتوثيق لواقعهم الصعب تحت الاحتلال، بل هي عن كائنات كانت تحيا بسلام قبل أن تطالها يدُ العنف والقتل. فمرةً غزلان وأخرى ضباع ومؤخراً؛ أثار منشور إعدام ثعلبين علقا بحبلين في أحد محافظات شمال فلسطين الذُعر. مشهدٌ استفز كل محب للبيئة، وبات لسان حالهم يكرر ذات السؤال: من أين جاء القتلة بكل هذه الثقة؟
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
ثعلب من تصوير مصور الطبيعة محمد الشعيبي |
تُنشر كل فترة على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات صادمة، هي ليست سياسية فقط اعتادها الفلسطينيون كتوثيق لواقعهم الصعب تحت الاحتلال، بل هي عن كائنات كانت تحيا بسلام قبل أن تطالها يدُ العنف والقتل. فمرةً غزلان وأخرى ضباع ومؤخراً؛ أثار منشور إعدام ثعلبين علقا بحبلين في أحد محافظات شمال فلسطين الذُعر. مشهدٌ استفز كل محب للبيئة، وبات لسان حالهم يكرر ذات السؤال: من أين جاء القتلة بكل هذه الثقة؟
انتشرت هذه الصورة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال عدة غيورين على البيئة من ضمنهم شاب من رام الله يدعى "محمد الشعيبي"، والذي لم يتردد في تعميمها كتعبير عن استيائه الشديد لهذا الفعل العنيف. الشعيبي الذي يمارس تصوير الطبيعة كهواية منذ خمس سنوات وتمتلئ صفحته على الفيسبوك بعشرات الصور عالية الجودة لحيوانات برية، عرفَ جمال هذا العالم وصعوبة الوصول لكائناته، كونها حذرة جداً لا تَأتمنُ الإنسان، وذات نشاط ليلي بالأغلب.
"أتعبُ كثيراً لالتقاط صورة لطير وقد تستغرقني سبع ساعات متواصلة، وتصوير الثعالب ليس استثناءً، وتحتاج أيامًا وشهور...، من مراقبتي للثعلب فهو حيوان غير مؤذٍ يهاب الإنسان ولا يقترب منه إلا ما ندر، يتغذى على مخلفات الدواجن والملاحم لذلك ينشط ليلاً في المناطق القريبة من غذائه". يقول الشعيبي الذي آلمه جداً إعدام الثعلبين بهذا الشكل وغيرها من الحيوانات البرية وخاصةً المهددة بالانقراض كالضباع والغزلان".
جريمة شنق وقتل الثعلبين في شمال فلسطين
إبلاغ الشرطة ولكن
يخبر الشعيبي مجلتنا، انه لم يكتفِ بتعميم الصورة، بل أبلغ شرطة المحافظة باسم المعتدي نقلاً عن صاحب الصورة الأصلي، وعلى حسب علمه؛ فقد تم استدعاء الشخص والتحقيق معه، ولا يعلم ماذا حصل لاحقاً.
تواصلت "مجلة آفاق" مع نقيب شرطة في "ذات المحافظة" رفض نشر اسمه، فأشار إلى أنه بالفعل تم إبلاغهم باسم مرتكب هذا الفعل، ولكنهم حين توجهوا للمنطقة لم يجدوا أي أثر لثعالب معدمة، كما أنكر ذات الشخص فعلته، وبالقانون لا يستطع الشرطي توجيه تهمة للفاعل دون دليل ملموس. ويذكر الشرطي: " إن قتل الجاني الحيوان ولم يتم ضبطه بالجرم أو اعترافه أو حتى توثيق عملية القتل بصورة أو بفيديو فلا يمكن اتهامه من مجرد الشك أو نقلاً عن اتهام طرف ثانٍ".
وأكد الشرطي الذي يعمل ضمن جهاز الشرطة البيئية التابعة للسياحة والآثار، أن بلاغات عديدة تصلهم ضد بائعي حيوانات برية في أسواق فلسطينية محظور الاتجار بها وفق القانون، فما يكون من الشرطة إلا أن تصادرها وتطلقها بالبرية وتحيل مرتكبي الفعل المخالف للقضاء، مؤكداً أن أكثر الشكاوى البيئية التي تصلهم حول اعتداءات شجر وسرقة آثار ومكاره صحية.
ودعا "المصدر" أي مواطن رأى أي انتهاك بيئي أو أذىً بحيوان بري؛ إلى المسارعة بالاتصال بجهاز الشرطة، أو مديريات البيئة وسيتم متابعة الشكوى بأسرع وقت.
|
|
الثعلبة "فوكس" صديقة ياسر ماضي |
ماضي يطعم الثعلبة فوكس |
ياسر صديق الثعلب
استطاع "ياسر ماضي" الستيني من مدينة سلفيت، أن يكوّن صداقةً عميقة مع ثعلبة " أنثى" بدأت عام 2018. قد لا يصدق البعض أن هذا التقارب ممكن، إلّا أن توفر صور ومقاطع فيديو أثبتت ذلك وجسدت معنى الرحمة بين الإنسان والحيوان. ماضي الذي يعمل حارساً ليلياً في مصنع للباطون بين مدينة سلفيت وخربة قيس البعيدة نسبياً عن البيوت، اعتاد أن يزود ثعالب المنطقة بالماء عبر وضعه في قدر كبير، لكنه لاحظ بعد فترة، أن أحد الثعالب فُقد وظل آخر يأتي وحيداً، تبين لاحقاً أن الأول هو الذكر الذي مات بحادث متعمد من سائق سيارة، فيما بقيت الأنثى تتردد بحذر لتسد ظمأها.
"كانت الأنثى نحيلةً للغاية، فأخذتُ أضع لها الطعام كل يوم، اذهب إلى محلات بيع الدجاج واحضر لها ما استطيع حمله، كانت شديدة الحذر تهربُ بمجرد اقترابي منها، ولكن مع الوقت بدأت تألفني وتشعر بالأمان معي، وكنت كل أسبوع اقصّر المسافة بيننا ليكون صحن الطعام قريبا مني، وفعلاً اعتادت أن تراني وأنا انظر إليها وهي تأكل دون خوف، رغم أن المسافة بقيت بعيدة بيننا نسبياً" يقول ماضي الذي يعشق الطبيعة ويذهب إلى أعماقها حاملاً كاميرته ليصور تفاصيلها الملونة.
بعد إطعام يوميٍ لمدة أربعة شهور، بدأت علاقة الثقة تتمتّن بين ماضي والثعلبة التي أسماها فوكس، كما أصبحت تميز صوته وتأتي لحظة ندائه لها ليلاً، بدأت فوكس تتناول الطعام قريبا من ماضي.
يكمل: "لاحظت أن فوكس تأخذ قطع الدجاج وتحملها بفمها وتذهب بها بعيداً، وبعد أن تبعتُها وجدت أنها أم لصغيري ثعالب "هجرسين" فصرت أزيد من كمية الطعام لتكفيهم جميعاً".
|
|
تعلب بري- تصوير محمد الشعيبي |
ثعلب- تصوير محمد الشعيبي |
مأساة فوكس
حذّرت زوجته كما كثيرٌ من أصدقائه "ماضي" من مكر الثعالب وإمكانية التسبب له بالأذى كونها حيوانات مفترسة، كان ماضي يطمئنهم أن الثعلب حيوان مسالم وليس متوحشاً على الإطلاق، بل مجرد كائن بري يعيش على ما يصطاده من طيور وزواحف ومخلفات دواجن".
"كنت سعيدا جداً بصداقتي مع الثعلبة فوكس وصغيريها، كنت أكلّم الأم واشعر أنها تستمع لي وتفهم ما أقول". يقول ماضي الذي عمل مهندساً ميكانيكياً في الإمارات العربية وعاد للوطن عام 2008.
أصيب ماضي بجلطة قلبية أقعدته مدة شهر بالمنزل، فلم يستطع خلال تلك الفترة إطعام "فوكس وصغيريها" وبعد أن تعافى بفضل الله، عاد للعمل؛ فأبلغه من حلّ مكانه بديلاً أن ثعلبا كان يأتي كل يوم ويحوم حول المكان طويلا .
يقول ماضي: " حين علمت بذلك، سارعت بنداء الثعلبة ووضع الطعام لها، فدهشت لما رأيتها أتت مسرعة وأخذت تقفز وتمرح. لم اصدق المشهد، ودمعت عيناي لوفاء الثعلبة لي".
حتى جاء ذلك اليوم الذي لا ينساه ماضي، يقول بألم: " كانت الساعة الـ 8 ليلا تقريبا، وضعت الطعام كالعادة، لكن فوكس لم تأكل، بل نظرت إليّ وأطالت النظر مدة 15 دقيقة، ثم أدارت ظهرها ومشت بعيداً، ولم تعد".
علِم ماضي من رجل في المدينة أن صياداً قتل صغيري ثعالب، فعلم سرّ نظرة "فوكس" الحزينة له ذلك المساء، وظلّ كل ليلة ينادي على الثعلبة وينتظرها لكنها لم تأت، وبعد مدّةٍ ؛ تلت اعلانه المتكرر عن اختفائها في صفحته على الفيسبوك، علِمَ أنها قُتلت أيضاً على يد صيادٍ من المدينة، ما أصابه بحزن شديد، فقد خسر رفيقه اللطيف الذي كان يأتي له فرحاً كلما ناداه في المساء.
|
|
الثعلب الأحمر- تصوير محمد الشعيبي |
الثعلب الأحمر في فلسطين- تصوير محمد الشعيبي |
معلومات عن الثعلب الأحمر
عن الثعالب في فلسطين، يفيد الباحث في الحياة البرية أ.داوود الهالي بالمعلومات التالية: اسمه العلمي Vulpes ، ينتشر في ربوع فلسطين التاريخية ومحيطها العربي، منه أربعة أنواع، لكن يعد الثعلب الأحمر أكثرها انتشاراً وقرباً من التجمعات البشرية، يفضّل الثعلب العيش منفرداً وليس ضمن مجموعة. ويتميز عن باقي أنواع الثعالب في بلادنا بأنه أكبرها حجماً وهو أكثر المفترسات شيوعاً، وذو نشاط نهاري وليلي، وإن كان يفضل التحرك ليلاً بحثاً عن الطعام. هو نوع متنوع التغذية، فتراه يتغذى على الفواكه والحشرات والقوارض والعقارب والطيور والزواحف.
وغالباً، يضيف هالي، ارتباط الثعلب في الموروث الثقافي على أنه حيوان ماكر مخادع غالباً ما يهاجم الحظائر ومزارع الدواجن ويفتك بها، علماً بأن توفير بناء متقن سيحول دون وصول الثعالب وغيرها من المفترسات لتلك الأماكن. ويعتبر الثعلب الأحمر من الأنواع المهمة في طبيعة فلسطين، فهو حيوان قمامة يساهم في التخلص من الجيف التي لو تُركت في الطبيعة لتسببت في نشر الأمراض والأوبئة، كما أن الثعلب يتغذى على الأفاعي والقوارض الصغيرة المنتشرة في الطبيعة.
وهو بلا شك، وفق أ. هالي، بات عُرضة للتهديد من قبل السكان سواءً من خلال تعرضه للصيد والقتل باستخدام السموم والدهس على امتداد الطرق السريعة، أو حتى من خلال تهديد موائله بفعل الزحف العمراني، وما تسبب به جدار الفصل العنصري من حدّ حركة مختلف أنواع الحيوانات.
|
|
فوكس تتناول طعامها اليومي الذي دأب ماضي على توفيره لها |
فوكس وقد أمنت وجودها بالقرب من ماضي |
البيئة: نبحث تغيير القوانين
رئيسة سلطة جودة البيئة "عدالة الأتيرة" ترى أن هناك تهويلاً بعض الشيء فيما يتعلق بحالات قتل الحيوانات البرية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فهي ليست بهذا السوء، لكنها بذات الوقت أشادت بتنامي الوعي الفلسطيني من خلال تعميم مثل تلك المنشورات والمساهمة بالإبلاغ عن مخالفات وانتهاكات بيئية، داعيةً المواطنين للتواصل مع شرطة البيئة التابعة لمراكز الشرطة في أي محافظة ومديريات البيئة للإبلاغ عن أي انتهاك بيئي.
وأكدت وجود قانون يُدرس حالياً "حماية الطبيعة" بالتعاون بين وزارة الزراعة وسلطة البيئة، حيث سيكون أكثر شمولية وتشدداً من حيث العقوبة المتعلقة بالاعتداء على مكونات الحياة البرية، لكنها لا تعلم متى سيتم إقراره.
"لدينا ملفات عديدة أحيلت للقضاء فيما يتعلق بالاعتداء على الحياة البرية، إن بُلّغنا ووصلتنا معلومات فلن نقف مكتوفي الأيدي". ختمت الأتيرة
عقوبات غير رادعة
حول الاعتداء على الحياة البرية دون رقيب أو حسيب، يرى مدير عام المصادر الطبيعية د. عيسى موسى من ذات المؤسسة أن العقوبات مخففة في قانون البيئة لعام 1999 ولا تلبي الحد الأدنى من الحفاظ على التنوع الحيوي، فكما ورد في المادة رقم 41:
"يحظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والبحرية والأسماك المحددة باللائحة التنفيذية لهذا القانون، ويحظر حيازة هذه الطيور والحيوانات أو نقلها أو التجوال بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة ، كما يحظر إتلاف أوكارها او إعدام بيضها".
أما العقوبة، فجاء في المادة 71: "كل من يخالف أحكام المادة 41 من هذا القانون يعاقب بغرامة مالية لا تقل عن 20 ديناراً أردنياً ولا تزيد على مائتي دينار، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، والحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد على أسبوعين أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ولكن يرى د. موسى أن العقوبة بوضعها الحالي لو طبقت فستردع قليلاً، لكن ما يحصل أن الجناة يقترفون فعلتهم ولا يبلغ عنهم احد أو لا يثبت عليهم أي دليل فينجون من العقاب. لذلك، يناشد د. موسى المواطنين بإبلاغ السلطات وعدم الصمت على مثل تلك الجرائم والاعتداءات.
ويؤكد أن لديهم في سلطة البيئة 40 ملفاً لمعتدين على الغزلان تم إحالتهم للقضاء، وفيما يتعلق بالثعالب وبالرغم من انه حيوان غير مهدد بالانقراض كالضبع والغزال، فهو جزء من مكونات الحياة البرية وقتله مخالف للقانون، مؤكداً أن القانون سيتغير بالمستقبل ويصبح أكثر تشدداً، ولكن التوعية تأتي قبل القانون، وهذا ما تسعى إليه سلطة البيئة.