مع قدوم العديد من التقنيات الحديثة، ازدادت المشاكل التي يعاني منها النظام البيئي، وأصبح حلّها يرتبط بتقنيات أخرى مشابهة لها وأصبح التخلي عنها يجلب ضرراً أكبر من النفع الذي يأتي منها. فقد أصبح معظم المزارعين يستسهلون إتباع هذه التقنيات دون الحاجة للتفكير المطول بالنظام البيئي المتكامل، ومحاولة إيجاد حلول لا تضر بالبيئة، أو بالأحرى محاولة التغيير في الأساليب المتبعة من الأساس في سبيل تقليص نسبة المشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي. هناك العديد من الأفراد الذين ثاروا على هذه التقنيات ولاحظوا حجم الضرر الذي تخبئه في ثناياها على المدى القريب والبعيد معاً، وكان لهؤلاء الأفراد قدرة التأثير على شعوبهم أو على مجموعة معينة من الناس الذين آمنوا بهم وبأفكارهم، لإثباتهم القدرة على التعامل مع الأرض والمزروعات بجدارة بعيداً عن جميع الإضافات والتلميعات التي أضافها لنا العصر الحديث. تروي هذه المقالة قصة اثنين من هؤلاء الأفراد أو المزارعين الذين أثبتوا جدارتهم في هذا المجال، وتعرض مجموعة من الدروس البسيطة في كيفية التعامل مع مشاكل بيئية وزراعية استناداً إلى تجاربهم الخاصة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الفيلسوف والمزارع الياباني فوكوكا المتماهي مع الطبيعة |
في عصرنا الحديث، أصبح معظم الناس ينتظرون تأكيداً علمياً على كل خطوة يقومون بها، وهذا يعود بشكل كبير لعصر العولمة الذي أتى علينا بالكثير من التقنيات والأدوات الحديثة التي أصبح يعتقد الناس أنها "ضروريات" وليست مكملات، وأصبح الاستغناء عنها أمراً في غاية الصعوبة. هذا مفهوم إلى حد ما، لأنه مع قدوم العديد من هذه التقنيات الحديثة، ازدادت المشاكل التي يعاني منها النظام البيئي، وأصبح حلّها يرتبط بتقنيات أخرى مشابهة لها وأصبح التخلي عنها يجلب ضرراً أكبر من النفع الذي يأتي منها.
فقد أصبح معظم المزارعين يستسهلون إتباع هذه التقنيات بدون الحاجة للتفكير المطول بالنظام البيئي المتكامل )والمعقد للبعض( ومحاولة إيجاد حلول لا تضر بالبيئة، أو بالأحرى محاولة التغيير في الأساليب المتبعة من الأساس في سبيل تقليص نسبة المشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي. هناك العديد من الأفراد الذين ثاروا على هذه التقنيات ولاحظوا حجم الضرر الذي تخبئه في ثناياها على المدى القريب والبعيد معاً، وكان لهؤلاء الأفراد قدرة التأثير على شعوبهم أو على مجموعة معينة من الناس الذين آمنوا بهم وبأفكارهم، بعد أن استهجنهم المعظم في بداية طريقهم، لا لشيء، بل لإثباتهم القدرة على التعامل مع الأرض والمزروعات بجدارة بعيداً عن جميع الإضافات والتلميعات التي أضافها لنا العصر الحديث.
في هذه المقالة سنروي قصة اثنين من هؤلاء الأفراد أو المزارعين الذين أثبتوا جدارتهم في هذا المجال، وسنقوم بعرض مجموعة من الدروس البسيطة في كيفية التعامل مع مشاكل بيئية وزراعية استناداً إلى تجاربهم الخاصة.

الفيلسوف والمزارع الياباني فوكوكا
ماسانوبو فوكوكا
أحد أهم المؤثرين في عالم الزراعة هو المزارع والفيلسوف الياباني ماسانوبو فوكوكا (١٩١٣- ٢٠٠٨) الذي ولد لعائلة ثرية بحيث أن والده كان يمتلك العديد من الأراضي في جزيرة شيكوكو في جنوب اليابان. ترك فوكوكا قريته وهو شاب ليبدأ رحلته المهنية كعالم أحياء في يوكوهاما. تخصص في علم أمراض النباتات وعمل لعدة سنوات في مختبر كمفتش جمارك زراعية. أدرك وهو بعمر الـ ٢٥ بتحفيز من تجربة شخصية مر بها أن له هدفاً آخر في هذه الحياة، فترك عمله وعاد إلى قريته ليبدأ بسلسلة تجارب لفحص مدى صحة أفكاره من خلال تطبيقها على حقول والده الزراعية. المميز بفلسفة فوكوكا الزراعية هو أن تدخّله بالمجتمعات النباتية والحيوانية في الحقول قليل جداً، ويحاول دائماً أن يعمل بالتناسق مع الطبيعة لا ضدها (فوكوكا، ١٩٧٨)
جاءته الفكرة الأساسية في يوم من الأيام أثناء مروره بجانب حقل كان يبدو أنه مهجور وغير محروث لسنوات عديدة. لاحظ وجود العديد من شتلات نبات الأرز التي كانت تنمو بين مجموعة متشابكة من الأعشاب. منذ ذلك الوقت، توقف فوكوكا عن إشباع حقله المزروع بالأرز بالمياه، وتوقف عن زراعة بذر الأرز في فصل الربيع وأصبح يزرع البذور في فصل الخريف بحيث تسقط مباشرة في الأرض.

تحويل الأراضي الجافة والمتصحرة في بوركينا فاسو في إفريقيا إلى مساحات خضراء تتميز بالتويع الزراعي من خلال تقنية زاي
القواعد الأربع
ركز فوكوكا في فلسفته التي سماها الزراعة الطبيعية على أربع قواعد، ووصف لنا حقله الذي يطبق فيه هذه القواعد بالتالي: حقل تتطاير فيه الفراشات واليعسوب، ويطنطن النحل فيه من زهرة لزهرة. إذا نظرت من بين الأوراق ترى حشرات، عناكب، ضفادع، سحالي وغيرها من الحيوانات الصغيرة الأخرى، الديدان والخلد يحفرون جحورهم تحت الأرض. بالنسبة لفوكوكا، هذا هو النظام البيئي المتوازن وكل صنف من هذه المخلوقات أو النباتات يربطهم علاقة معينة مع بعضهم البعض ، وبالعادة تكون النباتات محصنة من الأمراض (فوكوكا، ١٩٧٨)
أول قاعدة من قواعد فوكوكا الزراعية هي عدم الحراثة أو تقليب التربة. يقول فوكوكا أنه لعصور مضت اعتقد المزارعون أن الحراثة هي عملية ضرورية لزراعة المحاصيل، لكن في الزراعة الطبيعية عدم الحراثة هي قاعدة أساسية. اعتقاده هو أن الأرض تقوم بحراثة نفسها طبيعياً عن طريق جذور النباتات وحركة الكائنات الحية الدقيقة تحت الأرض، وأن حراثة التربة تغير من معالم البيئة الطبيعية بشكل كبير. على سبيل المثال، عندما تتم حراثة منطقة طبيعية فإن أنواع معينة وقوية من الأعشاب تأتي لتسيطر في تلك المنطقة مثل عنق الثيل والحماض، وعندما تسيطر مثل هذه الأنواع فإن المزارع يجد نفسه أمام مهمة صعبة لإزالة هذه الأعشاب في كل سنة، وفي العديد من الأحيان تُهمل ومن ثم تهجر الأرض.
للتعامل مع هكذا مشاكل؛ يعتقد فوكوكا أن أفضل حلّ هو التوقف عن الممارسات التي أدت إلى هذه النتائج بالأساس، ويقترح أموراً بسيطة كنشر القش وزراعة البرسيم للتحكم بالأعشاب بدلاً من الكيماويات والمواكن التي تعمل على الإبادة الجماعية، وبالتالي فإن البيئة ستعود لتوازنها الطبيعي وبنفس الوقت التحكم بالأعشاب المسببة للأضرار (فوكوكا، ١٩٧٨)
القاعدة الثانية هي عدم استخدام أي سماد كيماوي. إن الأسمدة الكيماوية باعتقاده تجرد التربة من مغذيات ضرورية، والنتيجة تكون استنزاف سنوي للأرض، التي إذا تركت لوحدها تحافظ فيها التربة على خصوبتها بطريقة طبيعية وبالتوافق مع دورة الحياة المنظمة للنباتات والحيوانات. إذا تركت الطبيعة لنفسها، فإن خصوبتها تزيد بحيث أن البواقي العضوية للنباتات والحيوانات تتجمع وتتحلل على السطح عن طريق البكتيريا والفطريات، ومع حركة مياه الأمطار تشق هذه المغذيات طريقها عميقاً في الأرض لتصبح غذاءً للكائنات الحية الدقيقة ودود الأرض وحيوانات أخرى صغيرة.
أما جذور النباتات، وفق فوكوكا، فإنها تصل إلى أعمق طبقة في التربة وبالتالي تحمل المغذيات معها إلى السطح مجدداً. بالنسبة للمحاصيل الزراعية، فإن استخدام السماد المحضّر يمكن إيقافه أيضاً، وبالمقابل فإن زراعة سماد طبيعي أخضر دائم بين المحاصيل ووضع القش كما ذُكر سابقاً، سيكون كافياً للمحافظة على خصوبة التربة. للمساعدة في تسريع تحلل القش، (بالإمكان الإستعانة بسماد حيواني (فضلات الحيوانات) مثل فراخ البط الذين كان يجلبهم فوكوكا مع بدء موسم الزراعة، وكان نموهم متوافقاً مع نمو المزروعات، وكانوا يساعدون أيضاً في التحكم بالأعشاب (فوكوكا، ١٩٧٨).
القاعدة الثالثة هي عدم التعشيب عن طريق الحراثة أو وضع المبيدات الحشرية. يقول فوكوكا أن الأعشاب لها دورها في خصوبة التربة وفي موازنة المجتمع الحيوي. ما هو ضروري هو التحكم بالأعشاب وليس إبادتها كلياً. للتأقلم والتعامل مع الأعشاب يجب الأخذ بعين الاعتبار كما ذكر سابقاً عدم حراثة الأرض وتقليب التربة لأن هذه العملية تقوم بنقل بذور مدفونة في أسفل التربة إلى الأعلى وبالتالي تحفيزها على النمو. أفضل طريقة للتحكم بهذه الأعشاب هي من خلال نشر القش مباشرة بعد الحصاد، وأيضاً زراعة البرسيم الأبيض مع المحصول كغطاء نباتي بدوره يساعد في التحكم بكمية الأعشاب (فوكوكا، ١٩٧٨)
القاعدة الرابعة هي عدم استعمال الكيماويات أو الإعتماد عليها نهائياً. منذ أن أصبحت النباتات ضعيفة نتيجة لممارسات غير طبيعية كالحراثة واستخدام السماد الكيماوي، أصبح انتشار الأمراض والحشرات الضارة يشكل مشكلة كبيرة في الزراعة. إذا تركنا الطبيعة لوحدها فهي في توازن كامل، ومع أن الحشرات الضارة والأمراض متواجدة دائماً إلا أن تأثيرها لا يكون لدرجة تتطلب استخدام الكيماويات السامة. أكثر طريقة منطقية للتحكم بالأمراض والحشرات هي من خلال زراعة وتنمية محاصيل قوية في بيئة صحية. إذا توقف المزارعون عن استخدام أصناف بذور ضعيفة "ومطورة"، وإذا توقفوا عن إضافة الكثير من النيتروجين للتربة وقللوا كمية مياه الري حتى تستطيع الجذور أن تنمو بقوة، ستختفي جميع هذه الأمراض ويصبح استخدام الكيماويات غير ضروري. الأمر مشابه مع الحشرات الضارة، أهم شيء هو عدم قتل الأعداء الطبيعية لهذه الحشرات من حيوانات وحشرات أخرى، لترك المجال لها للقيام بدورها الطبيعي في النظام البيئي المتكامل (فوكوكا، ١٩٧٨.

تقنية زاي في الزراعة الطبيعية
الفلسفة قبل العلم
يؤمن فوكوكا بمحدودية الطريقة العلمية ويعتقد أن الباحثين يجب أن يكونوا فلاسفة قبل أن يكونوا باحثين، ويجب أن يأخذوا بعين الاعتبار هدف الإنسانية وماذا عليها أن تصنع. ويقول أنه من خلال تطبيق نظرياته على الفلاحة، كان يقوم بتجارب عديدة على محاصيله مع وجود فكرة مرافقة له دوماً وهي تطوير طرق وممارسات قريبة للطبيعة.
محدودية الطريقة العلمية بالنسبة له، تأتي من واقع أن كل باحث يرى جانب واحد فقط من مجموعة لا حصر لها من العوامل الطبيعية، وأن الأبحاث المعاصرة تقسم الطبيعة إلى قطع صغيرة وتطبق اختبارات لا تتوافق مع قانون الطبيعة ولا مع التجارب العملية، وأن النتائج مرتبة لتلائم أهداف البحث وليس لتلائم حاجة المزارع (فوكوكا، ١٩٧٨).
بشكل عام فإن الفلاحة أو الزراعة الطبيعية التي اتبعها ماسانوبو فوكوكا لا تتطلب ماكنات، ولا كيماويات ولا حراثة ولا سماد محضر وتحتاج فقط للقليل من التعشيب. لأكثر من ٢٥ سنة تُركت التربة في أرضه من غير حراثة أو تقليب، ومع ذلك فإن الكميات الناتجة من محاصيله تنافس أكبر المزارع اليابانية إنتاجاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن طريقته تتطلب جهداً أقل ولا تسبب أي تلوث ولا تتطلب استخدام مصادر الوقود الأحفورية.
في مزرعة ماسانوبو فوكوكا الواقعة على تلة تطل على ميناء ماتسوياما يعيش طلابه ويعملون إما لفترات بسيطة أو لفترات طويلة. في ذلك المكان لا توجد وسائل الراحة الحديثة التي اعتاد عليها أغلبية الناس في عصرنا هذا، فالماء يتم حمله في دلاء من الينابيع، ووجبات الطعام يتم تحضيرها على نار الحطب، والإضاءة تأتي من الشموع أو من مصابيح الكيروسين. الجبل غني بالأعشاب البرية والخضراوات، وبالإمكان صيد السمك من أنهار قريبة (فوكوكا، ١٩٧٨).
يعقوبا سوادوجو
ولد يعقوبا سوادوجو عام ١٩٤٦ في محافظة ياتنجا الواقعة في شمال بوركينا فاسو في إفريقيا، وكان يعمل لفترة من الزمن كرجل مبيعات في سوق محلي. لم يكن يعرف سوادوجو أن عالمه كان سيتغير بشكل جذري في تلك الفترة، فقد عانت منطقته من موجات جفاف شديدة ومتكررة وكان أشدها عام ١٩٨٠، وكان لها العديد من الآثار الكارثية على الحياة في بوركينا فاسو (مؤسسة الأساس المعيشي الصحيح، ٢٠١٨).
موجات الجفاف المتكررة أدت إلى فشل متكرر للمحاصيل، وأصبحت النساء يمشين لمسافات أكبر لجمع الحطب، تم تدمير مساحة كبيرة من الغطاء النباتي ليس فقط من أجل تجميع الحطب، بل لتوسيع مساحة الأراضي المزروعة. نسبة المياه الجوفية تراجعت لما يقارب متر واحد سنوياً، والعديد من الينابيع والآبار جفت بعد وقت قليل من موسم الأمطار بسبب هذه الموجات. أصبحت زراعة مناطق المنحدرات العليا والوسطى صعبة ومستحيلة في العديد من الأحيان، أما مناطق المنحدرات السُفلى فقد كان يقوم المزارعون القريبون منها بزراعتها، ولكن مساحة الأراضي القاحلة بشكل عام كانت في امتداد متزايد (كابوري وريج، ٢٠٠٤).
عندما فشلت المحاصيل الزراعية وأخذت بالتراجع، وأصبح عدد الناس الذين يموتون بسبب المجاعات في ازدياد، كان أمام الناس خيارين، إما الرحيل إلى المدن أو إلى مناطق أخرى أكثر خصوبة للزراعة فيها، أو لإيجاد فرص عمل ومصادر دخل أخرى وهذا ما فعله العديد من الناس، وإما البقاء ومحاولة التأقلم مع الوضع الحالي وإيجاد حلول مناسبة.

سوادوجو مبتكر تقنية زاي في الزراعة الطبيعية
ولادة "طريقة زاي"
ما حصل في تلك الفترة شكّل نقطة تحول في حياة سوادوجو، وقرر البقاء مصمماً على إيجاد حل لهذه الأزمة التي كانت تمر بها قريته. كانت رؤيته المرافقة له هي أن يقوم بزراعة الأراضي القاحلة وجعلها خصبة من جديد، وكان سر نجاحه يتمثل بتجاربه العديدة لتقنيات "زاي" التقليدية". في البداية عانى سوادوجو من معارضة المحليين له، فقد سمي بالمجنون وتم إشعال النار في حقله، ولكنه على الرغم من ذلك لم ييأس أبداً وأثبت لهم لاحقاً أنه كان على حق.
أثبت سوادوجو أن التقنيات التي كان يستخدمها ناجحة فقد قام بتحويل ما كان قبل ٤ عقود أرض قاحلة ومهجورة، إلى غابة وصلت مساحتها إلى 400 دونم. هذه الغابة تحتوي على أكثر من ٦٠ صنفاً من الأشجار والشجيرات، إلى جانب مجموعة متنوعة من أشكال الحياة البرية، وبذلك أصبحت غابته متميزة عن غيرها في منطقة السهل بكثرة تنوعها. (مؤسسة الأساس المعيشي الصحيح، ٢٠١٨)
تقليدياً، كانت تستخدم تقنية زاي على نطاق صغير لإعادة تأهيل أراضي قاحلة لم تعد مياه الأمطار قادرة على التغلغل فيها، وكانت تتشكل معظم هذه البقع نتيجة لتدمير غطائها النباتي. تتمثل تقنية "زاي" بإنشاء حفر تتواجد على أبعاد منتظمة بحيث يكون حجم الحفر متناسقاً مع حجم النبتة أو الشجرة. في التجارب الحديثة التي طبقت على هذه التقنية التقليدية، تمت زيادة أبعاد البقعة من ١٠-١٥ سم إلى ٢٠-٣٠ سم وعمق حوالي ٢٠ سم، بالإضافة إلى تحديث آخر وهو إضافة السماد إلى هذه الحفر. بهذه الطريقة تم تركيز المياه والمغذيات في بقعة واحدة في هذه الحفر المحسنة. يتم إنشاء الحفر خلال الموسم الجاف وتعمل المواد العضوية المضافة على جذب النمل الأبيض. يلعب النمل الأبيض دوراً مهماً من خلال حفر قنوات في التربة وهذا يعمل على تحسين بنيتها، وبنفس الوقت يقوم بهضم المواد العضوية الأمر الذي يسهل وصول المغذيات للمحاصيل المزروعة (كابوري وريج، ٢٠٠٤).
من خلال تجاربه المرتبطة بتقنيات تقليدية من المنطقة، فقد طور سوادوجو مجموعة من أفضل الممارسات التي جعلت هذه المعجزة تتحقق في تلك الأرض القاحلة، كما ذكر في مقالة لـ (مؤسسة الأساس المعيشي الصحيح٢٠٠٤) هذه الممارسات هي كالتالي:
الزراعة
كما ذكر سابقاً يتبع سوادوجو تقنية الزاي عن طريق إنشاء حفر للزراعة ويقوم بملء هذه الحفر بسماد عضوي أو سماد من بواقي الطعام قبل زراعة البذور. يتبع أيضاً أساليب الحراجة الزراعية (وهي نهج متكامل يهدف للجمع بين المزايا التفاعلية للأشجار والشجيرات مع المحاصيل والحيوانات، لصحة واستدامة وتنوع أكبر في الأرض. بعض المحاصيل المزروعة بإتباع هذه الطرق هي الدخن أو الجاروس، السورغم والذرة. عندما لاحظ المزارعون في القرية كمية المحاصيل الناتجة من أرض سوادوجو التي كانت قاحلة لا تنتج شيئاً، آمنوا بطريقته وبدؤوا يطبقونها في أراضيهم.
المحافظة على المياه والتربة
يقوم سوادوجو بذلك من خلال بناء سدود حجرية لتهدئة جريان المياه أثناء تساقط الأمطار، فهذا يساعد التربة على امتصاص كمية أكبر من المياه والحفاظ على المغذيات. ويقوم أيضاً ببناء سدود صغيرة على البقع الخالية في غابته لتخزين المياه.
الحيوانات
أما بالنسبة للحيوانات فيحافظ سوادوجو دائماً على جذب الحيوانات إلى حقوله، فيقوم بوضع أواني مياه للطيور، التي تقوم بإحضار بذور من مناطق أخرى، وأحواض مياه على الأرض للحيوانات. يعتني أيضاً بالنحل بهدف إنتاج العسل وأيضاً للدور المهم الذي يقوم به النحل وهو التلقيح.
أثناء فترة تطبيق مشروع زراعي ممول من قبل مؤسسة أوكسفام في ياتنجا، لاحظ القائمين عليه الإمكانية المترتبة على طريقة سوادوجو وبدؤوا بالترويج لهذه الطريقة عن طريق دعوة الناس لزيارة هذه القرية للتعرف على هذه التقنية، وهكذا انتشرت تقنية الزاي في مناطق متعددة شيئاً فشيئاً. قام يعقوبا سوادوجو لاحقاً بافتتاح مؤسسة للترويج لتقنية زاي، ودرّب المزارعين في قرى عديدة عليها، ويقوم في كل سنة بتنظيم ما يسمى بـ "سوق الزاي". في بوركينا فاسو بحيث يحضر ممثلين عما يقارب المائة قرية لمشاركة تجاربهم الخاصة (كابوري وريج، ٢٠٠٤).
ماسانوبو فوكوكا ويعقوبا سوادوجو هما من الأمثلة القليلة لأفراد كان لهما تأثيرهما العميق على مجتمعاتهما أو على الأقل جزء منها، وعلى أفراد ومنظمات في مجتمعات أخرى بحيث كان لكلٍ منهما زواره الذي يقطعون مسافات طويلة في سبيل زيارة مشاريعهم، سواء للاستكشاف أو للتعلم من طرقهم البسيطة والمتناغمة مع ما حولهم من طبيعة ومع النظام البيئي ككل. هؤلاء الفلاحين وغيرهم الكثير ممن يعملون "وراء الكواليس" هم الأساس للعديد من الأيدلوجيات الفكرية التي اشتهرت حديثاً بمسميات مختلفة، ولم يعطهم التاريخ حقهم كاملاً في مساهمتهم لهذا الحقل المعرفي من خلال تجاربهم المتكررة وخبراتهم التي يعجز أي علم عن مضاهاتها في دقتها وغناها.
References:
Kabore, D., Reij, C. 2004. The emergence and spreading of an improved traditional soil and water conservation practice in Burkina Faso. International Food Policy Research Institute
Fukuoka, M. 1978. The One-straw Revolution: An Introduction to Natural Farming. New York Review Books.
The Right Livelihood Foundation. 2018. Yacouba Sawadogo. The Right Livelihood Foundation. Retrieved from https://www.rightlivelihoodaward.org/laureates/yacouba-sawadogo/