خاص بآفاق البيئة والتنمية

الحكواتي حمزة العقرباوي
أعادت مجموعة "حكي القرايا" بناء تفاصيل عرس فلسطيني تقليدي، فحضر الزجل، واعتلى العريس محمد السرطاوي فرسًا، فيما ركبت عروسه سناء عامر الهودج المحمول على جمل، وصدحت النساء بأغان شعبية تراثية، حافظت على اللهجات المحلية، ونثر أهالي كفل حارس، شمال سلفيت، الحلوى على صفي الزفة، وتنافس شعراء شعبيون على استراد ألوان زجلية قديمة منها "حيّد عن الجيشة يا غبيشي".
وقال عضو الهيئة الإدارية للمجموعة، مراد سرطاوي، إن "حكي القرايا" انتقلت مرة أخرى من صفحات" فيس بوك" الافتراضية في مهرجان تراثي ثالث، يسعى لاستعادة التفاصيل القديمة، والتي تركها الجيل الجديد.
 |
 |
المسلوعة طعام ريفي فلسطيني تراثي |
رئيس بلدية كفل حارس |
"جيش" متطوعين
ورأى بأن غاية المجموعة التي تضم اليوم 100 ألف عضو، من تنفيذ مهرجان "مقامات"، تسليط الضوء على بلدة كفل حارس، والتعريف بمقاماتها، التي تتعرض للتهويد، وتشهد اقتحامات متكررة للمستوطنين.
وبدت السعادة على وجه سرطاوي، وهو يشير إلى أن مهرجاني ترمسعيا بمحافظة رام الله، وبرقين في جنين، و"مقامات" كفل حارس تسير جميعها في طريق إحياء التراث. وقال بلهجة عامية إن جدته كانت ترافق والدتها، وتفرش أرض مقام ذي الكفل، وتُشعل سراجه، ثم تصلي وتفي بنذرها وتعود إلى قريتها.
وارتدى رئيس بلدية كفل حارس، عصام أبو يعقوب، زيًا تراثيًا، وأشار أمام حشد من محافظات الوطن، والجليل، والمثلث ومغتربين إن البلدة الممتدة على 10 آلاف دونم خسرت 3 آلاف دونم من الاستيطان، فيما تشهد مقاماتها اقتحامات متكررة للمستوطنين.
ورسم صورة قاتمة لتفاصيل الاقتحامات، إذ يمنع الاحتلال التجول، ويبدأ المستوطنون بالعربدة، ويرشقون البيوت بالحجارة، ويعطبون مركبات المواطنين، ويحطمون زجاجها، ويهتفون ضدهم.
واعتبر أبو يعقوب إقامة المهرجان، وباسم "مقامات" ناقل لأحوال البلدة، ومعرف بمقاماتها، ومروّج لشجرة السدر التاريخية في وسطها.
وانتقد ظاهرة هجرة الأرض، والتحول إلى العمل في المستوطنات، ووصف الإهمال الذي تشهده حقول الزيتون بـ" الغريب عن عاداتنا."
وقال إن كفل حارس، وكل الأرياف والتجمعات، كانت تعتمد على ذاتها، وتوفر مونة البيت، وتجفف التين والعنب، وتبادل أهلها الطعام، وكانوا يقترضون الخبز من بعضهم البعض، ولم يعرفوا شراء الخبز، وكانت الطوابين في كل البيوت.
واستعرض أبو يعقوب العادات التي انقرضت من أعراسنا، فلم يعد الجيل الجديد يعرفها، فمثلاً كانت "شاة الشباب" تؤخذ من عائلة العريس، الذين يحضرون لطلب العروس من أهلها، في عادة اسمها "الفاردة".
وزاد: " تعتبر كفل حارس أن رسالة المهرجان قد وصلت بسرعة، فالكثير من المشاركين يدخل إلى البلدة لأول مرة، وبعضهم كان لا يفرق بين جارتنا حارس وكفل حارس، ولم يسمع يومًا بالمقامات.
 |
 |
زفة وحناء |
زي تراثي للأطفال |
عرس وبيئة
فيما أوضح عضو تنسيقية "حكي القرايا" في جنين، عبد الكريم شلاميش أن "مقامات" أوصلت رسائل عديدة، فعدا عن استحضارها للعرس الفلسطيني، فقد روجت للعمل التطوعي، إذ إن العشرات انخرطوا في تنظيف البلدة قبل المهرجان وبعده.
وقال: "أصرت مجموعتنا ألا تشرق الشمس، في اليوم التالي للمهرجان، إلا وقد أزيلت كل النفايات".
ووفق شلاميش، فإن "حكي القرايا" تتعلم من تجربتها، ويساعدها التنوع الكبير في تخصصات مسؤوليها وأعضائها، واختلاف مواقعهم، وسيكون مهرجانها الرابع دون أي تكرار، وستترك بصمتها الإيجابية، وخاصةً بالحرص على البيئة، وإعادة الروح الغائبة للعمل التطوعي.
ورأى مدير سلطة جودة البيئة في سلفيت، مروان أبو يعقوب، بأن اختيار كفل حارس مسرحًا للمهرجان في محله، خاصة لما تعانيه البلدة، ولما تتميز به من وجود ثلاثة مقامات مهددة.
 |
 |
سيدة الطابون |
عرس تراثي |
استيطان وتزوير
وأوضح بأن سلفيت تشهد أعلى معدل سقوط للأمطار، وكانت أول منطقة يغزوها الاستيطان؛ بهدف السيطرة على مخزونها الجوفي من المياه، وتعاني اليوم بفعل المستوطنات الصناعية، التي تلوث البيئة، وتسمم حياة المواطنين.
واعتلى الحكواتي حمزة العقرباوي مسرح "مقامات"، وقص روايات شعبية تتبعت تفاصيل طلب الغيث في سنوات انحباس المطر، واستعارت أزهار الأرض واشجارها، وتحدثت عن أيلول و"تصليب الصليب"، ولم تخل من دلالات وطنية حثت على العودة إلى الأرض، وتصويب العلاقة مع أشجار الزيتون، التي تعاني الإهمال.
وذكر المختص بالتراث الشعبي نبيل علقم أن الاحتلال يخوض منذ النكبة معركة شرسة على ثلاثة محاور: الأرض، والإنسان، والهوية، ويسعى لتزوير كل شيء. في المقابل، يحاول المهرجان إعادة التعريف بالتراث وأهميته.
وتناوبت فرق دبكة شعبية، ومجموعة "كي لا ننسى"، وأطفال ارتدوا الزي الشعبي وحملوا أدوات زراعية قديمة، على تقديم لوحات تراثية، لاقت تفاعل الجمهور، الذي صفق طويلًا بعد انتهاء مشهد يحاكي طُلبة قديمة للعروس.
في جهة مجاورة للمنصة، انهمك الناشط في "حكي القرايا" مطاوع بوزية، وعضو الأمانة العامة للمجموعة، سمية قشوع، ونساء ومتطوعون في تحضير وجبات طعام شعبية.
 |
 |
قشيات |
مهرجان مقامات حكي القرايا |
مسلوعة وقشيات
وقال بوزية إن المهرجان قدم طبخة المسلوعة، المكونة من العدس والأرز والبصل وزيت الزيتون، وهي طبق تراثي كان أجدادنا يتناولونه باستمرار، لكنه اختفى من مطبخنا الحديث.
واستضاف "مقامات" سوقًا شعبية قدمت منتجات تراثية وشعبية، فعرض عمار بعبول، القادم من أريحا مزيل عرق مصنوع من مواد طبيعية كالشبة والعسل، وقدمت منى بوزية قشيات تعلمت صنعها من والدتها وجدتها. وقالت إنها تدرّب مجموعات شبابية على تطويع القش، وصناعة الجونة (وعاء كبير)، والأطباق.
وأشارت إلى أن الطبق متوسط الحجم، يحتاج إلى عمل يستغرق ثلاثة أيام، ويباع بنحو 100 شيقل، غير أن المتسوقين "يفاصلون" كثيرًا على السعر.
وتشكو بوزية، العضو في غرفة سلفيت التجارية، تراجع توفر القش الطبيعي، بفعل هجرة زراعة القمح في سلفيت وغيرها، فلجأت إلى أغصان الزيتون، التي تنمو أسفل الجذع.
وراحت ندية محمد تشرح طريقة صنع القشيات، إذ يجري اختيار القش الجيد من القمح، ثم يترك في الماء، ويجري إحضار صبغة خاصة من الأردن، وتبدأ مرحلة "التقشيش"، ويتم بناء العقد وسط الوسط، وتربط كل خمس قشّات معًا.
وأضافت أن غياب خامات القمح، أدى إلى استعمال أنواع أخرى كالزيتون، وقش النخيل، لكنها ليست بجودة القمح.
وقالت إن استخدام القش تراجع، فقديمًا كان يستخدم لوضع كسوة العروس عليه، وبعضهم استخدمه للخبز، أو لتعليقه كتحفة على جدران المنزل.

نموذج محراث تقليدي
بيوت النار
وقصّت السبعينية فاطمة سمارة تفاصيل صناعة الطابون العربي، وقالت إنها تعلمت الصنعة من والدتها، وتبدأ بإحضار الحور (نوع من أنواع الصخور المتحللة) من منطقة رشمان، شمال كفل حارس، وتشكل تجويفة بيديها وتتركه حتى يجف، ويصبح بقدرة عالية على امتصاص الحرارة، وتبيعه بنحو 150 شيقلاً.
ووفق بوزية، فقد اختفت الطوابين تمامًا من البلدة، وحديثًا أقامت عائلة تسكن في منطقة جبلية بمفردها، طابونًا جديدًا، تستخدمه للخبز وللطبخ، ويعطي نكهة خاصة للطعام.
aabdkh@yahoo.com