خاص بآفاق البيئة والتنمية

أظهرت ورشة تدريبية، عقدتها سلطة جودة البيئة في جنين خلال أيلول الفائت، فجوة كبيرة بين التشريعات الخاصة بإدارة النفايات الصلبة، والممارسات على الأرض. وقدم مختصون وقانونيون أرقامًا ومعطيات أكدت وجود فارق كبير بين النصوص القانونية الناظمة لقطاع النفايات الصلبة، وما يجري فعلاً من عشوائية.
وكشف أيمن أبو ظاهر من الإدارة العامة للتوعية والتعليم البيئي في "جودة البيئة"، أن النفايات المنزلية تبلغ نحو 2,551.0 طن يوميًا لعام 2015، بواقع 1,835.0 طن في الضفة الغربية، و716.0 طن في قطاع غزة.
وأوضح أن الطمر الصحي يجري في مكبات: زهرة الفنجان، ودير البلح وأريحا، والمنيا. بمعدل 1100 طن يوميًا، أي ما يعادل 40% من كمية النفايات المنتجة كل يوم.
وبين أبو ظاهر أن التخلص من الكميات المتبقية يتم إما في مكبات مراقبة، أو في مكبات عشوائية لا تلبي المعايير البيئية والصحية، وتشكل 36% من النفايات.

156 مكبًا عشوائيًا
وذكر أن عدد المكبات العشوائية يصل إلى 156 مكبًا، تشكل نقاطا للتلوث، في وقت تعاني القوانين والتشريعات التعارض والازدواجية، وعدم الشمولية والانسجام، فالأدوار والمسؤوليات تختلف من قانون لآخر.
ولخص أبو ظاهر أبرز التحديات، التي تواجه قطاع النفايات الصلبة، كتفاوت مستويات الإدارة الفاعلة للنفايات بين المناطق المختلفة، وانتشار العديد من المكبات العشوائية والمفتوحة، والنقص الواضح في عدد المكبات الصحية، وغياب فرز ومعالجة النفايات الصلبة الخطرة بما فيها الطبية، باستثناء محاولات محدودة لجزء منها في مجمع رام الله الطبي، وفي جنوب الضفة، وعدم فرز النفايات الصناعية.
وقال إن الإطار المؤسسي والقانوني لإدارة قطاع النفايات الصلبة "ينطوي على العديد من التعارض والفجوات والتداخلات". وأفاد بأن النظام المالي لإدارة النفايات الصلبة غير موحّد، ويحتاج الى تطوير بما يخدم التخطيط المستقبلي، فيما يشوب الضعف نظام الرقابة والتفتيش البيئي على نظام ادارة النفايات الصلبة لا سيما المعالجة والتخلص، عدا عن غياب قاعدة بيانات وطنية موحدة للنفايات الصلبة.
وأوضح أبو ظاهر إن الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، تعني "تخفيض كمية و /أو سمية النفايات من مصادر إنتاجها"، عبر أية عملية أو نشاط أو تقنية خلال مراحل حياة المنتج، كتصميمه، وتصنيعه، وتداوله في الأسواق، واستعماله.
واختتم بأن الإدارة المتكاملة للنفايات تُحقق حماية البيئة من الآثار السلبية للنفايات، وتهتم بالأبعاد الاقتصادية، وتسهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية لتحقيق التنمية المستدامة. أما الإنتاج المستدام فيعني الاهتمام بتخفيض النفايات من المصدر، وإعادة الاستخدام، والتدوير، والإصلاح، ورفض السلع والمنتجات التي تسبب التلويث.

ورشة تدريبية حول إدارة النفايات الصلبة
تشريعات خضراء
من جانبه، عرض المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة، مراد المدني، المنظومة التشريعية للنفايات الصلبة والخطرة في فلسطين المستندة إلى قانون رقم 7 لسنة 1999 بشأن البيئة وتعديلاته، وقانون الصحة العامة رقم 20 لسنة 2004، وقانون رقم 1 لسنة 1997 بشأن الهيئات المحلية، ونظام إدارة النفايات الخطرة، ونظام إدارة النفايات الطبية رقم 10 لسنة 2012، ونظام إدارة النفايات الصلبة.
وأوضح أن النفايات الخطرة تخرج تمامًا من الإطار القانوني الذي ينظم الإدارة والتعامل بالنفايات الصلبة، كما اعتبر القانون رواسب محطات معالجة المياه العادمة (الحمأة) من النفايات الصلبة. كما شرح المرفق الأول لاتفاقية بازل بشأن النفايات، الذي يوضح النفايات الخطرة ويفسر 34 نوعًا منها.
وبيّن أن نظام النفايات الصلبة اعتمد تعريف النفايات الصلبة الوارد في قانون البيئة، كما صنف النفايات إلى منزلية، وهي العضوية والورق والكرتون والبلاستيك، ونفايات مخلفات الأثاث والأدوات المنزلية المختلفة، والنفايات البلدية، وهي النفايات المنزلية والمدارس وأماكن العبادة والمؤسسات.
وقال إن النفايات الخاصة، هي التي لها مشاكل محددة في الإدارة والتخلص النهائي وتحتاج إلى معاملة خاصة، أما النفايات الإنشائية فتشمل الأتربة والأنقاض الناتجة عن عمليات الحفر والبناء والهدم والترميم.
عقوبات وإجراءات
وأشار المدني إلى أن المادة 65 من نظام النفايات الصلبة تعاقب على مخالفة أحكام المادة 23 (الخاصة بحظر إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة والمخلفات الصلبة إلاّ في الأماكن المخصصة لها) بغرامة لا تقل عن 10 دنانير ولا تزيد عن 100 دينار، والحبس مدة لا تقل عن يومين ولا تزيد عن أسبوعين.
وأوضح أن المادة (74) من قانون البيئة تلزم إزالة النفايات والضرر الذي تسببت به على نفقة المخالف. مشيرًا إلى أن المادة 62 من قانون البيئة تعاقب على مخالفة أحكام المادة 12، الخاصة بالتعامل بالنفايات الخطرة، وفقًا لاشتراطات وتعليمات الأنظمة التي تضعها سلطة جودة البيئة، بغرامة تصل إلى ثلاثة ألاف دينار والحبس إلى ثلاث سنوات. كما أن الفقرة أ من المادة 63 تعاقب على استيراد النفايات الخطرة إلى فلسطين بالإشغال الشاقة المؤبدة، أما الفقرة ب من المادة 63 فتعاقب على استيراد النفايات الخطرة بغرامة تصل إلى عشرين ألف دينار والحبس مدة تصل إلى 15 سنة.
وبحسب المدني، يحظر التخلص من النفايات بالحرق المكشوف أو العشوائي، ويتم التخلص منها إما بالتدوير أو إعادة الاستخدام، أو التخلص الحراري (الحرق المُحكم أو التحلّل الحراري)، أو المعالجة بالطرق الكيميائية أو البيولوجية أو الفيزيائية الأخرى التي توافق عليها السلطة بالتنسيق مع الجهات المختصة، أو بالطمر الصحي.
وتابع: "بموجب أحكام نظام إدارة النفايات الطبية، فإن منتجها يكون مسؤولاً عن فرزها وفصلها وتجميعها وتخزينها مؤقتا، ومعالجتها قبل نقلها إلى مكب النفايات. وفي حال عدم تمكن المُنتج من المعالجة؛ يسلم النفايات لهيئة الحكم المحلي وفق أصول وإجراءات خاصة يقرها النظام. بعدها تنقلها الهيئة إلى محطات المعالجة، ثم إلى المكب".

مكبات عشوائية تنتشر في مختلف أنحاء الضفة الغربية
نفايات خطرة
بدورها، عرفت دعاء عبد الله، من الإدارة العامة لحماية البيئة في "جودة البيئة" مفهوم النفايات الخطرة واتفاقية بازل، وقالت إن النفايات الخطرة تمتلك خواص الاشتعال، والتفاعل، والتآكل، والسمية، والإشعاع، والإضرار بالبيئة. وتشمل النفايات الطبية بأنواعها، وتلك الناتجة عن تصنيع واستخدام المواد الكيماوية، ومخلفات عصر الزيتون، ونفايات المنتجات التي تحتوي على الزئبق كالبطاريات وبعض أنواع المصابيح، ومخلفات الزيوت المستعملة، والإسبيتوس المستخدم في البناء (الإسبست)، ونفايات المواد اللاصقة والغراء، والمخلفات المنزلية الخطرة كمنظفات المجاري وإزالة الدهون، ونفايات البطاريات الجافة والسائلة، والنفايات الناتجة من المعالجة الصناعية للمياه العادمة، والنفايات من المواد والمركبات والأجهزة المحتوية على ثنائي الفينيل متعدد الكلور كزيوت العزل، وأجهزة التلفاز، والدهانات، والنفايات الإلكترونية والخردة، والإطارات المطاطية.
وقدمت عبد الله لائحة بالقطاعات المنتجة للنفايات الصناعية، تضمنت دباغة الجلود، وصناعات الألمنيوم، والمستحضرات الطبية، وجلفنة المعادن، والصناعات النسيجية، والغسيل الجاف، وورش الدهانات، والصناعات الخشبية، والمطابع، والإسفلت، وتدوير بطاريات السيارات، وصناعة المبيدات، والنفايات الناتجة عن التجارب والأبحاث الكيماوية.
وأوضحت التوزيع الجغرافي للمنشآت المنتجة للنفايات الخطرة، إذ تستأثر الخليل بـ 22%، ونابلس بـ 19%، وجنين 14%، وبيت لحم 13%، ورام الله والبيرة 12%، وطولكرم 8%، والقدس 5%، وقلقيلية 4%، وأريحا، وطوباس، وسلفيت بـ 1% لكل منها.
وأشارت عبد الله إلى أن توزيع النفايات الخطرة على القطاعات المنتجة للنفايات الخطرة في فلسطين يبين تسبب القطاع الزراعي بـ 79% منها، و11% للمنشآت الصناعية، و1% للرعاية الصحية، و9% من مصادر أخرى. فيما تتسبب مصانع الإسفلت بـ 72% من النفايات الخطرة للقطاع الصناعي، و9% للأثاث المعدني، ومثلها لصناعة الألمنيوم.
ولخصت عبد الله تداعيات النفايات الخطرة، فمعظم مكوناتها مقاومة لعمليات التحلل الحيوية في الطبيعة، ويؤدي ذلك الى تراكمها في البيئة لعشرات السنوت، ومن ثم انتقالها وتراكمها في السلاسل الغذائية، وتلويث مصادر المياه المختلفة، وتلويث التربة والتأثير على خواصها الكيميائية والفيزيائية وخصوبتها وقتل الكائنات الحية الدقيقة المفيدة، والتأثير على التنوع الحيوي، وزيادة نسبة بعض الملوثات الغازية الخطرة في الهواء الجوي عند حرقها او انفجارها، والمساهمة في تشويه المشهد الجمالي للبيئة الطبيعية.
وأوضحت أن اتفاقية بازل، التي انضمت فلسطين إليها عام 2015، "تهدف إلى الحد وتنظيم تحركات النفايات الخطرة بين الدول، وخاصة من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، وتسعى إلى التقليل من النفايات الخطرة المتولدة ومعاملتها والتخلص منها في نفس مكان تولدها، وتقديم المساعدة للدول النامية والدول ذات الاقتصاد المتغير".
وزادت عبد الله: "وضعت الاتفاقية الشروط والإجراءات المتعلقة بنقل النفايات الخطرة بين الدول، وارفقت الاتفاقية فئات النفايات التي يتعين التحكم فيها. فيما بلغت حالات تهريب النفايات الخطرة التي تم ضبطها من إسرائيل والمستوطنات حوالي 55 حالة منذ توقيع الاتفاقية حتى أيلول 2019".
وأنهت: معظم النفايات الخطرة التي يتم تهريبها تكون غالبًا إما كيماوية صناعية، أو زيوت معدنية، أو نفايات الأسبستوس، أو مبيدات منتهية الصلاحية وممنوعة، أو اطارات مستعملة.

ورشة تدريبية حول أزمة النفايات الصلبة وكيفية إدارتها
عوائق وخطط
وقدم المدير التقني لمكب زهر الفنجان محمد السعدي، عرضًا حول تقنية التدوير وصناعة الدوبال العضوي، وقال إن النفايات التي تصل المكب إما زراعية، أو صناعية، أو منزلية، أو تجارية، أو خطرة، تشكل المزاد العضوية منها 53,3%.
وذكر أن عمليات الفصل تتم إما من المصدر كالمنازل، والمتاجر، أو من المواطنين، وموظفي الهيئات المحلية والقطاع الخاص، وتعني الحصول على نسبة أعلى من المواد القابلة للتدوير، وتقليل التلوث، وعدم خلط النفايات القابلة للتدوير مع النفايات الأخرى.
وشرح آلية فصل النفايات في "زهرة الفنجان"، التي تبدأ في ساحة استقبال، تليها إزالة النفايات ذات الحجم الكبير، واستعمال فاتحة أكياس، ومغناطيس إزالة الحديد، وغربال لإزالة النفايات العضوية، وخطوط نقل لفرز النفايات القابلة للتدوير، وخط للنفايات المرفوضة التي يتم تحويلها للمكب، وأخرى لمعالجة النفايات وتحضيرها لنقلها لمصانع التدوير.
وأوضح أن الكرتون والورق يشكلان حوالي 14 %، والبلاستيك 9%، والمعادن بأنواعها لا تتعدى 3%، فيما نسبة فرز هذه المواد من خطوط الفرز لا تتجاوز 12 % من النفايات الكلية، وتحتاج إلى تحضير ومعالجة مسبقة قبل ارسالها للمصانع؛ لاختلاطها بالنفايات الأخرى قبل الفرز.
والكلام للسعدي: "فشلت تجارب الفصل اليدوي في قرية الجلمة، إذ مول المكب بالشراكة مع اليابان تجربة في القرية، لكن الأهالي لم يلتزموا بالفرز رغم الحوافز".
وبين أن جنين تنتج في اليوم 4 طن من الكرتون، "ولا يجري التعامل مع تدوير الورق محليًا، ويتم إرساله إلى داخل الخط الأخضر".
وقال إن الحصول على أفضل وأكبر كمية من الدوبال تستوجب توفر ظروف بيولوجية (وجود فطريات وبكتيريا وديدان) وكيماوية (وغذاء كاف للكائنات الحية)، وفيزيائية (حجم المواد وتقطيعها وتقليبها).
ولخص التحديات التي تواجه إنتاج الأسمدة العضوية، كالتسويق ومدى قبول السوق المحلي للمنتج، وجودة الدبال المنتج، والطريقة التقنية، وتوفر الخبرات، والروائح الكريهة، والتحكم والتقليل من الملوثات خلال التشغيل، والتكلفة.
وأوضح السعدي أن مشكلة زهرة الفنجان أنه صمم لمحافظتي جنين وطوباس، لاستقبال 300 طن يومًيا، لكنه صار يستقبل نفايات نابلس، وطولكرم، وقلقيلة، ورام الله والبيرة، وسلفيت، وارتفعت الكمية إلى 1200 طن يوميًا، وانخفض عمره الافتراضي من 35 إلى 12 عاماً.
وأشار إلى جهود حكومية لحل مشكلة المكب، من خلال طرح عطاء العام القادم لإنتاج الطاقة من النفايات، وهو ما يستدعي توسيع المكب، وإقامة إنشاءات إضافية.
وذكر السعدي أن إقامة المكب سبقتها دراسات ومفاضلة بين موقعين إضافيين في طوباس واليامون، وتمت مراعاة بعده عن السكان، واتجاه الرياح، واتجاه المياه الجوفية.
aabdkh@yahoo.com