ثقافة التخييم ... شباب "خارج التغطية" وإشارة تصالح قوية مع الطبيعة ...!
ثقافة التجوال والتخييم جديدة على مجتمعنا لكننا الأحوج لها، لا سيما وأن الصحفيين والمصورين والأكاديميين والناشطين الشباب بإمكانهم إعادة الاعتبار وتوسيع دائرة هذه الثقافة. كل من يمارس حياة التخييم لا بد أن يحافظ على الطبيعة والنظافة وحياة المشاركين، لأن طقوس التخييم محفوفة بالمخاطر في ظل أجواء وبيئات متنوعة وصعبة. معظم أماكن التخييم تكون فيها إشارة الهاتف المحمول ضعيفة أو منعدمة، هي فرصة للتحالف مع الطبيعة، حيث يتصل الانسان مع النجوم والهواء والماء والليل، وهذا الواقع يجعل نشطاء التخييم في حالة اندماج حقيقية مع التخييم. الشباب الفلسطيني وعلى الرغم من الظروف التي تعترض ثقافة التخييم، يحاول تقوية مضامينها وملامحها؛ كله من أجل التشابك والتصالح مع الأرض والعودة للطبيعة، والانتصار على مغريات التكنولوجيا.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
من أرجوحة قماشية، نُصبت بين جذعي شجرة سرو، يتمايل جسده داخلها على وقع كلمات""HELLO IT'S ME… (مرحباً هذا أنا )؛ ليذهب ببصره بعيداً صوب الساحل الفلسطيني من ربوة مرتفعة في ريف رام الله.
الصوت القادم من هاتفه الذكي، المستند على حجر تحت سريره القماشي، هو صوت الفنانة البريطانية أديل، هي ربما تغني لحبيبها البعيد، وهو في حالة عشق خاص مع حبيبته الأرض، كل هذا يحصل قرب موقد من النار شُيد من حجارة شبه كروية.
بهذا الوصف، يستذكر الناشط الشبابي عبد الله معطان حكاياته مع التخييم، " بدأت اكتشافاتي لمتعة التخييم في الصين، قبل أعوام، وتحديداً فوق سور الصين العظيم، رغم درجات الحرارة المتدنية إلا أنها كانت متعة حقيقية وبداية للتعلق بهذه الحياة، حياة التخييم" ...
 |
 |
تخييم شبابي بمحاذاة قرية فرخة- محمد الشعيبي |
تخييم شبابي قرب قرية فرخة- محمد الشعيبي |
"التخييم .. من الصين إلى فلسطين"
معطان ربما قادته الصين؛ ليطلب التخييم في فلسطين، وعن هذه التجربة يقول: " بأدوات بسيطة، وفي أماكن مثل مطلة البحر الميت وعين قينيا وفي ريف رام الله، استمتع بحياة التخييم في فلسطين، أحياناً احتفي برأس السنة مع أصدقائي؛ نتبادل الأحاديث والأفكار ونقاشات متنوعة والأجمل هذا الشعور بأنك ملك نفسك، بعيداً عن غرفتك والحياة الاعتيادية، وأحياناً كثيرة تكتشف أن هذه الحياة كفيلة بتفريغ الطاقات السلبية وأنت في الطبيعة".
وعن أجمل أوقاته أثناء التخييم: " بصراحة لا يوجد وقتٌ محدد لوصفه بالأجمل؛ لكن قمة التجلي حين تنهض من سريرك المعلق بشجرة وتتأمل السماء وأصوات العصافير، وكل شيء يثير في النفس الطمأنينة والراحة"، يقول معطان.
 |
 |
تخييم مجاور لقرية فرخة- محمد الشعيبي |
عبد الله معطان ناشط التخييم وعاشق الطبيعة في رام الله والصين |
"جودة البيئة: لنمارس حقوقنا في الطبيعة"
مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة د. أيمن أبو ظاهر أبدى خلال مقابلة معه مدى تحمسه وانتصاره لتوجهات المجموعات الشبابية التي تحاول أن تعيد مفهوم التصالح مع الطبيعة من خلال التخييم:" ضمن استراتيجية "جودة البيئة" نشجع الشباب على المسارات والتعرف على السياحة البيئية، وكذلك التخييم الذي يختلف في أنواعه؛ سواء إذا كان لفترة قصيرة أو طويلة، والأهم أن هذا الشكل ينبغي أن يتقاطع مع الأبعاد الوطنية للحفاظ على النظام البيئي وتعميق الترابط الحي مع الوجود الفلسطيني".
وأردف أبو الظاهر:" مبادرات الشباب الفلسطيني في غاية الأهمية وتعكس الوعي، وهذا ما جسدناه في برامج تدريبية وشراكات ومذكرات تفاهم، ونحن نشجع هذا الفكر ولا بد من مأسسة الجهود ضمن رؤى ممنهجة وعلمية".
أبو الظاهر خلال حديثه لـــ"آفاق البيئة والتنمية" شدد على عدة رسائل حملت دلالات مهمة إذ قال:" دائماً نركز على تعزيز معاني المواطنة لنمارس حقوقنا في الطبيعة، وهو ما نراه متناغماً مع أهداف التنمية المستدامة، لكن بالمقابل لنعطي الطبيعة حقها، وهذه العلاقة التبادلية نريد أن تتعمق سواء في مبادرات الشباب أو السياحة البيئية أو المسارات وغيرها".
 |
 |
عبد الله معطان ناشط التخييم في رام الله والصين |
عبد الله معطان ناشط التخييم والمتصالح مع الطبيعة في رام الله والصين |
"خارج التغطية .. داخل المجرة"
الصحافي والمصور أيمن نوباني، هو أحد الناشطين الشباب والذي لديه تجربة مميزة ويحاول بعدسته أن يوثق حياة التخييم وما بعدها من اكتشافات ومعارف ومغامرات.
نوباني، وبمعية أصدقاء وزملاء مهنة الصحافة، تراه يتنقل من مكان لآخر، وعن عالمه الذي يشغله في التخييم يقول: " يلفتني كثيراً مراقبة وجه السماء ليلاً، لدي شغف كبير لتصوير المجرة والنجوم؛ خاصة من منطقة مطلة البحر الميت وبرية القدس وهذا الاسم أطلقناه على المنطقة بعد تنقيب عن اسم يخالف مسميات الاحتلال، وهذا نهج من شأنه إبراز اسم فلسطين ومعالمها الطبيعية للعالم في ظل طغيان الخطاب الاحتلالي وسيطرته على الهوية الفلسطينية".
واستطرد نوباني:" أعتقد أن ثقافة التجوال والتخييم جديدة على مجتمعنا لكننا الأحوج لها لا سيما وأن الصحفيين والمصورين والأكاديميين والناشطين الشباب بإمكانهم إعادة الاعتبار وتوسيع دائرة هذه الثقافة؛ لكن أنصح كل من يمارس حياة التخييم أن يحافظ على الطبيعة والنظافة وحياة المشاركين لأن طقوس التخييم محفوفة بالمخاطر في ظل أجواء وبيئات متنوعة وصعبة".
الصحفي نوباني عن أجمل ما يشعر به عندما يكون "خارج التغطية" فيقول: "معظم الأماكن التي تكون فيها إشارة الهاتف المحمول ضعيفة أو منعدمة، هي فرصة للتحالف مع الطبيعة، حيث أتصل مع النجوم والهواء والماء والليل، وهذا الواقع يجعلني كما أصدقائي في حالة اندماج حقيقية مع التخييم".
 |
 |
قرية الشباب - شارك |
قرية الشباب - شارك |
"قلاية بندورة وشواء مارشميلو"
الناشطة الشبابية زينة عواد، سَحرها شروق الشمس وغروبها أثناء تخييمها لأول مرة قرب البحر الميت، "تعرفتُ على حياة التخييم قبل عامين تقريباً ولا أنسى المرة الأولى التي رأيت فيها ولادة الشمس، ما بعث في نفسي الهدوء الذي لا يوصف".
عواد تحدثت عن طقوس التخييم والتي تكون بالعادة ضمن مجموعات شبابية لديها اهتمام بالمسارات، "بالعادة يكون معنا الزوادة وأثناء الليل نحضر قلاية بندورة على الحطب ونشوي المارشميلو وأحياناً الكباب".
وعن أبرز النصائح التي وجهتها لجهات الاختصاص خاصة ًبذلك وزارة السياحة والآثار، فهو توفير مرحاض "تواليت" في بعض المناطق النائية والتي تكون مقصداً للتخييم.
 |
 |
قرية الشباب - مؤسسة شارك |
مشهد التقط أثناء نشاط التخييم في مطلة البحر الميت والرشايدة- زينة عواد |
"التخييم لتوثيق الحياة البرية"
الناشط والمصور محمد الشعيبي، يتفق مع زميله نوباني، في ضرورة توخي الحذر خلال التخييم، "السلامة الشخصية مهمة جداً، والحفاظ على البيئة وعدم التعدي عليها، والحذر من الحيوانات الضارية والحشرات، ولا بد من التزود بأدوات للإسعاف الأولي أو حتى مضادات للدغات الأفاعي وهذا كفيل بضمان أجواء مريحة وآمنة للتخييم..". قال الشعيبي.
الشعيبي، واحد من الشباب المبادرين، الذين يلجؤون إلى الطبيعة لغايات التخييم والمتعة والاكتشاف وهو يمارس حياة التخييم؛ لتوثيق الحياة البرية ونقل مشاهداته بعدسته ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الإعلامية التي يرى ضرورة توظيفها لخدمة هذه الثقافة الجديدة..".
واستطرد الشعيبي قائلاً: " بالنسبة لي، لا أجد أروع من الحياة في البرية، فما بالك حين توثقها وتنقلها عبر صور ومقاطع فيديو تعكس هذا التنوع البيئي"؟!
التخييم بالعادة حسب الشعيبي يقتصر على ليلة واحدة ويختلف عدد المشاركين في النشاط، "أحياناً نخيم في مغارة أو في منطقة الأغوار أو صحراء القدس ضمن مجموعات صغيرة لا يزيد عددها عن خمسة أشخاص، وأكبر تخييم بلغته مجموعته الشبابية كان 30 مشاركاً ..".
 |
 |
منزل معلق في منطقة التخييم قرب قرية فرخة- محمد الشعيبي |
هذا الطير الجميل تواجد في موقع التخييم الشبابي قرب قرية فرخة- محمد الشعيبي |
"نموذج ملهم للتعايش والتلاحم مع الأرض"
المدير التنفيذي لمنتدى شارك الشبابي بدر زماعرة هو واحد من الشباب الذين تستهويهم ثقافة التخييم، وهذه المرة عبر نموذج قرية الشباب التابعة للمنتدى التي ترجمت حسب شهادات مسؤولين وناشطين رؤية جديدة لحياة التخييم.
فوق ربوة في ريف رام الله الغربي، وضمن المناطق المسماة "ج"، تربعت قرية الشباب في وجه مستوطنات الاحتلال، لتشكل متنفساً للجيل الشاب للتعبير عن ذواتهم والتحالف مع الأرض" بصراحة توجُهنا للتخييم ليس بالجديد بل يعود تاريخه لعشرة أعوام تقريباً، من خلال تقديم الشباب كنموذج ملهم للتعايش والتلاحم وممارسات فضلى للتعامل مع الطبيعة حتى قبل تشييد القرية، وفيها نحاول أن نرسخ قيم المبادرة والتعاون والخروج من إطار البيت وغيرها من المهارات".
وعن طبيعة النشاطات التي تتقاطع مع فعاليات التخييم في القرية، فقال: "هنالك نشاطات كثيرة ننفذها؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر قطاف الزيتون كل عام بالتزامن مع التخييم، ومحاكاة طقوس الماضي عبر استضافة الحكواتي، والغناء، وهذه الممارسات عززت الاهتمام بالأرض وخلقت انتماءً لدى الشباب".
 |
 |
موقع التخييم الشبابي في مطلة البحر الميت والرشايدة- زينة عواد |
هذا المشهد الساحر التقط في موقع التخييم قرب قرية فرخة- محمد الشعيبي |
وعن اختيار المجموعات الشبابية، أردف زماعرة: "القرية ومرافق شارك كلها مفتوحة أمام الشباب، ومعظم النشاطات تكون خارجية، ويتم تصميمها عادةً وفقاً لمكونات الطبيعة بعيداً عن الفنادق والقاعات المغلقة، القرية تستوعب مبيت أكثر من 90 شاباً وشابة، وشبابنا المتطوعون والعاملون ببرامج المنتدى يخضعون لتجربة التخييم الأولى في القرية للتعايش مع الطبيعة.."
قد يبدو واضحاً أن الشباب الفلسطيني وعلى الرغم من الظروف التي تعترض ثقافة التخييم، يحاول بكل ما ملك من أدوات وأفكار تقوية مضامينها وملامحها؛ كله من أجل التشابك والتصالح مع الأرض والعودة للطبيعة، والانتصار على مغريات التكنولوجيا وبعض السلوكيات.

زينة عواد في منطقة التخييم في مطلة البحر الميت والرشايدة