في الآونة الأخيرة، وخصوصاً مع القفزات النوعية التي طرأت في مضمار الذكاء الاصطناعي، تفاجأ العالم بأسره وفي كافّة القطاعات من الإمكانيات الهائلة التي قد تنتجُ عن تلاقُح الذكاء الاصطناعي بكلّ ما يمسّ الحياة البشرية. وعلى اعتبار أن العُلوم البيئية تُعد علوماً هامّة وحيويّة بالنسبة للإنسان، فإنّ العديد من الباحثين والعلماء حاول تطبيق التطويرات الحديثة في الذكاء الاصطناعي على مختلف قضايا البيئة. ومن هنا، يُحاول هذا المقال الوقوف –بشكل مُبسّط- على الطُرُق التي يتّبعها العُلماء والباحثون في توظيف الذكاء الاصطناعي في القضايا البيئية.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
منذ وقتٍ قصير مضى، كان البعضُ يُشكّك في الفائدة المرجوّة من أية تطبيقات للتطورات الرقميّة في الحياة الإنسانية، حتّى أن البعض اعتبر الروبوتات وسائر أشكال التقدم التكنولوجي خطراً وعبئاً على البشرية. أمّا في الآونة الأخيرة، وخصوصاً مع القفزات النوعية التي طرأت في مضمار الذكاء الاصطناعي، فقد تفاجأ العالم بأسره وفي كافّة القطاعات من الإمكانيات الهائلة التي قد تنتجُ عن تلاقُح الذكاء الاصطناعي بكلّ ما يمسّ الحياة البشرية.
بدايةً، يُمكنُنا تعريف الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) على أنه الفرع العلمي الذي يهتم بدراسة كيفيّة تحويل الماكينة الصناعية إلى شكلٍ أقرب للكائن البشري من ناحية التصرّف وتنفيذ المهام. وجديرٌ بالذكر أن هذا العلم يعُتبر محصّلة لتضافر مجموعة من العلوم المُكمّلة من قبيل علوم الأعصاب، الطب، علوم الحاسوب والبرمجة على اختلاف أنواعها. وعلى اعتبار أن العُلوم البيئية تُعد علوماً هامّة وحيويّة بالنسبة للإنسان، فإنّ العديد من الباحثين والعلماء حاول تطبيق التطويرات الحديثة في الذكاء الاصطناعي على مختلف قضايا البيئة. ومن هنا، يُحاول هذا المقال المُقتضب الوقوف –بشكل مُبسّط- على الطُرُق التي يتّبعها العُلماء والباحثون في توظيف الذكاء الاصطناعي في القضايا البيئية.
الزراعة الذكية (smart agriculture) ونظُم الغذاء المُحوسبة
لا يزال الباحثون يطوّرون تقنيات حديثة، بعضها أصبح متاحاً بالفعل في أوروبا وأميركا، بحيث يتم دمج النظم المحوسبة المعقّدة بالزراعة. وتقوم الفكرة أساساً على استخدام روبوتات قادرة على التنبؤ المبكّر بمختلف الأمراض التي تصيب المحاصيل، ومن ثُمّ تقوم بتخطيط ما يلزم من طرق العناية والوقاية بالمحاصيل، استناداً إلى لوغاريثمات مُتقدّمة مبنية على الطرق الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي. يعتقد الباحثون في هذا الشأن أنّ هذه التحسينات الحديثة من شأنها ترشيد استهلاك المياه والأسمدة، والزيادة من جودة وكفاءة القطاع الزراعي بشكلٍ عام.
التنبؤ بالمناخ والطقس عبر الذكاء الاصطناعي (Climate Informatics):
يعمل الباحثون مؤخراً على تطوير حقل علمي جديد يدعى (Climate Informatics)، وهو فرعٌ علميّ يستندُ إلى منظومات رقمية محوسبة قادرة على التنبؤ بالحالات المناخية والطقس بشكل دقيق، وذلك من خلال توظيف ما يدعى بـِ (deep learning) وهو قطاع علمي يهتمّ باللوغاريثمات المستوحاة من طريقة عمل وتقسيم الدماغ البشري. وعبر تطبيق هذه التقنيات، يتوقع الباحثون أن يكون بإمكاننا في المستقبل القريب أن نتنبأ بالكوارث البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية، مما يسهّل التصرف والوقاية بشكل مُسبَق.
الذكاء الاصطناعي والتحكم بتلوث الهواء:
من شأن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي أن يزوّدنا بوسائل تُمكّنُنا من التحكّم بالتلوّث الهوائي، وأن نُميّز بين مسبّبات التلوث الهوائي بشكل أسرع وأكثر دقة مقارنةً الوسائل التقليدية. في حالة التسرّب الغازي –على سبيل المثال- تُمكننا المجسّات الذكية (المزودة بال machine learning) من التصرف السريع بناءً على الدقة والسرعة المتاحتين بفضل هذه التكنولوجيا الحديثة. ومن جانب آخر، يمكن لاستخدام الذكاء الاصطناعي التقليل من التلوّث الهوائي بطرق مختلفة، مثل السيارات ذاتية القيادة (autonomous cars)، والتي إذا ما استُخدمت ساهمت في تقليل الانبعاثات الغازية السامة التي تصدر من وقود المركبات التقليدي عادةً.
تطبيقات بيئية أخرى للذكاء الاصطناعي:
إلى جانب ما أتينا على ذكره سابقاً، هنالك تطبيقات كثيرة أخرى للذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالشأن البيئي. يمكننا على سبيل المثال، أن نستخدم التطويرات الرقمية الحديثة في الذكاء الاصطناعي من أجل مراقبة المياه ومستوى تلوّثها، بالإضافة إلى استهلاك الطاقة بشكل عام من أجل اتخاذ الإجراءات الملائمة. كما يمكننا أيضاً بفضل التقنيات الرقمية الحديثة أن نقلل من كميّة النّفايات بشكل عام، عبر أنظمة ذكية خاصة في هذا المضمار. ومن جانب آخر، يمكن لاستخدام الذكاء الاصطناعي مستقبلاً من أن يقلل مما يعرف بالبصمة الكربونية (Carbon footprint)، وكشف مصادر التلوث الهوائي إلى جانب وضع اقتراحات مُحوْسبة للحد من أشكال التلوث المختلفة.
خلاصة:
بالإمكان الاستفادة من التقدمات الرقمية الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي في الشؤون البيئية، وقد رأينا كيف أن مثل هذه التطبيقات قد تُحدثُ تحوّلات جذرية في العديد من المُعضلات التي كانت عصيّة على الحل حتى وقتٍ مضى. بعض هذه التطبيقات أصبح بالفعل متاحاً في الدول الغربية، والبعض لا يزال قيد التجريب والتطوير. لذا، قد يكون هذا المجال من المجالات الهامّة أمام الطلاب والباحثين المستقبليين، وخصوصاً في البلدان العربية، ممّا قَد يؤدّي إلى خلق حلول جذرية وذكية لمشاكل بيئية مستعصية من قبيل التصحر، الجفاف، التلوث الهوائي، وسواها.
المراجع:
Li, X.. Peng, L. et al. (2016). Deep Learning architecture for air quality predictions. Environmental Science and Pollution Research, Vol. 23, 22: 22408-22417.
Lison, P. (2012). An Introduction to Machine Learning. Oslo: University of Oslo.
Pan, J., Yin, Y. et al. (2018). Deep Learning-Based Unnamed Surveillance Systems for Observing Water Levels. IEEE: 73561 - 73571
Russell, Stuart J. (2010). Artificial Intelligence : a modern approach. N.J. :Prentice Hall.