الطـــــاقــــات المــتــجــددة وغيــــر المتـــجــددة وتــــداعــيـــات التحـــــول (ملخص رسالة دكتوراه في القانون العام)
ملخـــص تنفيذي
أدت الطاقة ومازالت تؤدي دوراً حيوياً ومهماً في عجلة التطور الاقتصادي والاجتماعي؛ باعتبارها أحد أهم مستلزمات القطاعات الاقتصادية المختلفة، فهي قاطرة لتحقيق النمو وركيزة أساسية من ركائز التطور الاجتماعي وارتقاء مستوى الحياة وتحسين رفاهية الناس وصحتهم. ما أوجد تعاملا فوق العادة يتجاوز النطاق التقني البحت، إلى قضايا دولية معقدة أصبحت تشكل جزءا من نسيجنا التاريخي. في هذا المقال سنتحدث حول من يتحكم بهذه الموارد ومن يستغلها، وعن النتائج البيئية لهذا الاستغلال.
نجدُ أن معظم الحوادث والحروب التي شهدها ويشهدها العالم سببها التزود بالطاقة، فالتاريخ البشري القديم والحديث، كان شاهداً على أن غالبية الصراعات الدولية كان محورها الطاقة، وإن أخذ ألواناً وأشكالاً وذرائع خفية. لهذا أصبح التحدي الأكبر يكمن في إيجاد نموذج وأسلوب ناجع وكفؤ يعزز عنصر الأمن لتحقيق درجة عالية من السلام والتوافق، بحيث يربط بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة، ويستوعب طبيعة التطورات العالمية ومتغيراتها من خلال سياسات الإنتقال التدريجي من المصادر الهيدروكربونية نحو مصادر طبيعية متجددة.
الهدف من الدراسة
الفكرة الأساسية التي تحاول الدراسة إثباتها، هي وجود علاقة إيجابية تبادلية بين الطاقة والسياسات الخارجية والاستراتيجيات الدولية وقضايا تهم البيئة والتنمية، بحيث يمكن تصور هذه العلاقة بين دوائر متحدة المركز؛ الدائرة المركزية التي تتجلى في الحماية ضد الانقطاع المادي للإمداد (أمن الطاقة) الذي يعتمد عليه الاقتصاد والمجتمع، الدائرة الثانية هي الاحتياطات الإستراتيجية والسياسات الطاقية التي تحمي من الضغوط المتزايدة من مزودي الطاقة والأسواق، والدائرة الثالثة الطاقة كأداة لتعزيز أهداف السياسة الخارجية بناءً على إستراتيجية أمن الطاقة العالمي، التي تأخذ في الحسبان دور التكنولوجيا والبيئة والتنمية المستدامة.
الغايات والأبعاد
- إن دراسة وتحليل موضوع متشعب يجمع الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي؛ يفرض خلفية واسعة، تنتج عنها مرونة إضافية لفهم وتقدير دور الطاقة. وهذه الخلفية لن تتأتى إلا من خلال مناقشته من وجهة نظر العلوم الاجتماعية، ومن ضمنها علم العلاقات الدولية، الذي يعد مجالا شاسعاً للدراسة الأكاديمية للجذور والمحصلات، فهو يضم مجموعة من الحقول الفرعية، كما أنه يعد مجالا للتفاعل بين الاستمرارية والتغيير الذي يطال موضوع بحثنا.
- مواضيع الطاقة لم تعد تناقش وتدرس ضمن مناهج علوم الفيزياء والتكنولوجيا فحسب؛ بل إنه وابتداءً من الثمانينيات القرن الماضي، ظهر نوع من الدمج بين العلوم التطبيقية والتكنولوجيا والمجتمع، لتطوير التفكير والتحري قدر الإمكان عن الخيارات المتاحة التي تتناسب مع الظرفية الحالية. وبالأخص القضايا المعقدة، والتي تتصدر النقاش الحالي ولها تأثير يمتد إلى عدة أجيال في المستقبل.
الآفاق المرجوة :
- إمكانية تدريس سياسات الطاقة وإتفاقياتها ضمن تخصصات علوم القانون كما هو الحال مع سياسات التدبير البيئي.
- دعوة موجهة للمؤسسات الرسمية المعنية بشؤون البحث العلمي والأكاديمي للعمل على إحداث شعبة للدراسات في شؤون الطاقة، برحاب المؤسسات الجامعية والتي ستشكل أول بادرة بالمغرب، من حيث كون:
- الطاقة عصب الحياة الإقتصادية وروح العلاقات الدولية والسياسية.
- الطاقات المتجددة رافد إقتصادي واستراتيجي يعرفه العالم وبالأخص الدول النامية
- الطاقات المتجددة ستعمل على ترسيخ الموقع الجيوستراتيجي للمغرب... وغيرها.
عــرض عـــام
إذا كان من الصحيح أن جوهر الحياة هو الماء، فما يصح أيضا أن جوهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية هي الطاقة، وقد ارتبطت الطاقة ومند زمن بعيد بالقوة والثراء، واكتسبت السيطرة عليها أهمية قصوى. فمنذ اكتشاف الإنسان للمحروقات، دخل الاقتصاد الدولي بأوجهه منعطفاً أساسيا، تجلى في نسج شبكة من العلاقات بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك، فأصبح لدينا على الساحة الدولية مناطق ذات بعد جيوبوليتيكي، بالإضافة إلى ظهور عدة مفاهيم تحيط بهذه المادة الإستراتيجية، أثرت على محددات العلاقات بين الدول، كمفهوم أمن الطاقة الذي يحتل المرتبة الثانية بعد الدفاع عن الأمن القومي في الأجندات السياسية الخارجية للدول الصناعية الكبرى.
فمثلا شكل النفط العمود الفقري لهيكل الطاقة العالمي حيث تجاوزت نسبة إسهامه أكثر من %95 من مجمل إنتاج الطاقة واستهلاكها مند بداية القرن العشرين. "فهو قوة في زمن السلم على تطوير مؤسسات صناعية، وقوة في زمن الحرب على توسيع وممارسة القوة عبر مسافات شاسعة... هذه الأهمية تعيد لنا إلى الأذهان مقولة اللورد "كرزون" خلال الحرب العالمية الأولى في كون الحلفاء "عاموا إلى النصر على موجة من النفط وأن الافتقار إلى النفط، كان من العوامل المهمة في هزيمة الألمان". وهذا ما زاد من حدة التنافس من أجل تأمين إمداده، فالسيطرة عليه تعني ضمان استمرار عمل الآلة الصناعية والآلة العسكرية معًا، أي الرخاء والقوة... وأصبح له حيزٌ في الأجندة السياسية الخارجية كونه عاملاً مؤثراً في العلاقات الدولية والسياسية الدولية، فالمسألة لم تعد فقط هيمنة من طرف هياكل خاصة تتحكم فيها قوى السوق؛ بل هناك تدخل للحكومات لخدمة مصالحها الاقتصادية وفرض السيطرة على الساحة الدولية.
وبالتالي لم يعد بالإمكان معالجة قضايا الطاقة بمعزل عن معالجة العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية، التي يجب أن تقوم عليها العلاقات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، ويتجلى هذا بوضوح في سرعة تغير خريطة الطاقوية تماشيا مع التغيرات والتحولات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية وأيضا الآثار البيئية، خاصة وأن العالم عرف ظهور فاعلين جدد باستراتيجيات جديدة، ليس بالضرورة عدوانية أكثر مما هي دبلوماسية سلمية تسعى من ورائها لتحقيق المصالح.
لذلك نجد اهتماماً كبيراً لدى مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية والغربية، والأكاديميات الرسمية في كافة دول العالم، بدراسة مستقبل الصراع الدولي حول مصادر الطاقة، وما إذا كانت ندرتها في ظل الطلب عليها تسبب صراعا قد يصل إلى مواجهة،[1] مع العلم أن التاريخ البشري القديم والحديث، كان شاهدا على أن غالبية الصراعات الدولية كانت وستكون حول الطاقة.
الأمر المؤكد هنا أننا نعيش في عالم يتطور ويتقدم باستمرار، ذي تداعيات وتغيرات اقتصادية وديمغرافية، أثرت على السلم والأمن الدوليين، ومنها على الأخص قضية التغير المناخي وانبعاثات غازات الدفيئة، ما أجبر الحكومات وصناع القرار حول العالم لاستكشاف أساليب جديدة لإستغلال الطاقة.
وفي هذا الإطار، قدمت العديد من السيناريوهات التي تخدم النمو الاقتصادي مع مراعاة أنظمة التنمية المستدامة. ووقع الإجماع من طرف غالبية العلماء والخبراء والمهتمين بشؤون البيئة والمجتمع الدولي، على إتباع إستراتيجية التغيير من عصر الاقتصاد الكلي على الطاقة الأحفورية، إلى عصر استخدام مصادر الطاقة البديلة والمتجددة؛ نظرا لضخامة مواردها وغزارتها وتنوعها (من الطاقة المستمدة من الشمس والرياح والمياه والطاقة الجوفية للأرض وكذلك الطاقة الحيوية) تماشيا مع طبيعة المناخ لكل منطقة. خاصة أنه تم تطويع هذه المصادر عبر خلق تكنولوجيات وتطبيقات، تستطيع من خلالها الاستفادة بشكل لا يخدم الاستعمالات البسيطة فقط، بل أيضا تشغيل مصانع ضخمة ومحطات ذات قدرة عالية، وأضحت في متناول الجميع وتستجيب لمتطلبات العصر.
وعندما نتحدث عن التكنولوجيا والخيارات المتاحة بين أيدينا، يجب أن نضع في الحساب أن أي خيار له نتائجه الاجتماعية. لذلك فالأمر متعلق بالدرجة الأولى بالأسلوب الفعال والناجع والتقنية الكفؤة؛ للحصول على خدمات الطاقة في مستوياتها الأساسية، ولا سيما في المناطق البعيدة والمناطق الريفية الفقيرة التي تفتقر فيها إلى الإمدادات المركزية، وهذا لن يتأتى إلا بسيادة الوعي داخل المجتمع. لذا يجب أن ينظر للطاقات المتجددة كأداة لمعالجة العديد من الاحتياجات والتحديات الملحة في عالم ميزته التطور والتغيير.
ومن هنا يتضح أن مواضيع الطاقة لم تعد تناقش وتدرس ضمن مناهج العلوم (الفيزياء والتكنولوجيا) فحسب؛ بل إنه وابتداءً من ثمانينيات القرن الماضي ظهر نوع من الدمج بين العلوم التطبيقية والتكنولوجيا والمجتمع، لتطوير التفكير والتحري قدر الإمكان عن الخيارات المتاحة التي تتناسب مع الظرفية الحالية. وبالأخص القضايا المعقدة، والتي تتصدر النقاش الحالي ولها تأثير يمتد إلى عدة أجيال في المستقبل.
وبالتالي، إن دراسة وتحليل مثل هذا الموضوع، المتشعب والذي يجمع الجانب السياسي والإقتصادي والاجتماعي والعلمي؛ يفرض علينا خلفية واسعة، تنتج عنها مرونة إضافية لفهم وتقدير دور الطاقة، وهذه الخلفية لن تتأتى إلا من خلال مناقشته من وجهة نظر العلوم الاجتماعية، ومن ضمنها علم العلاقات الدولية، الذي يعد مجالا شاسعا للدراسة الأكاديمية للجذور والمحصلات، فهو يضم مجموعة من الحقول الفرعية، كما أنه يعد مجالا للتفاعل بين الاستمرارية والتغيير الذي يطال موضوع بحثنا.
هذا يوصلنا مباشرة للتساؤل عن كيف يمكن للطاقة (بغض النظر عن نوعها أو مصدرها) أن تكون عاملاً مؤثراً في صناعة تشريعات تخدم الجانب البيئي، وفي نفس الوقت؛ عربة لتطوير أهداف دولية تعزز سلم وأمن العالم في مواجهة أمن الإمداد وحماية تغير المناخ، ونشر التقنية اللازمة لتنمية الأهداف الاقتصادية والاجتماعية؟
لجنة مناقشة رسالة الدكتوراه لجميلة مرابط (جامعة سيدي محمد بن عبد الله / المغرب)