غالبا ما ينظرُ المواطنون إلى الحيوانات الضالة خاصة الكلاب والقطط على أنها مصدر إزعاج، وتشكل خطراً على الصحة والسلامة العامة، أو تعتبر نجسة من المنظور الديني وسبباً مباشرا للقلق، مما يجعلها مستهدفةً على حد سواء من الجهات الرسمية التي تقودها البلدية، وغير الرسمية )التي يقودها المواطنون) بالأساليب العشوائية.
تاريخياً، كانت تدابير الرقابة على الحيوانات الضالة تتم عبر التسميم، أو استخدام الذخيرة، والتي أعطت دليلاً واضحاً على انخفاض أعداد الكلاب الضالة، ولكن في المقابل تُسبب معاناة للحيوانات بشكل كبير، وتؤذي البيئة المحيطة والمجموعات الأخرى المنتشرة في المنطقة، ناهيك عن الخسائر المادية...
عموما، تنحدر الحيوانات الضالة من الحيوانات التي تم الاحتفاظ بها كحيوانات عاملة، أو كحيوانات أليفة، والتي إما هربت أو تم التخلي عنها، وهي تعتمد على العيش على مقربة من البشر من أجل البقاء. لذلك نجدها تنجذب نحو الأماكن التي يعيش فيها الناس، حيث يتوفر الغذاء وإلى حد أقل المأوى. وتعتبر النفايات التي تُدار بصورة سيئة هي أكبر جاذب للحيوانات الضالة، إذا ما لم يتم التخلص منها بشكل صحيح، فإنها ستجذب حتما الكلاب والقطط، وغيرها من الحيوانات مثل الفئران.
وعلى الرغم من بعض الأدلة على تصرف الكلاب بعدوانية تجاه الناس، إلا أن الكلاب بطبيعتها ليست حيوانات خطرة. وكقاعدة عامة، لن تهاجم الكلاب الناس دون استفزاز. إلا أن المشكلة التي يعاني منها غالبية السكان هي الضوضاء، والإزعاج الناجم عن نباح الكلاب أو القتال فيما بينها.
لذا من المفترض أن يبادر كل فرد في المجتمع للمساعدة والمساهمة للحد ومكافحة هذه الظاهرة، حيث أن الفشل في القيام بهذه المهمة سيؤدي إلى آثار سلبية ستتراكم وستتحمل البلديات والمجالس المحلية والقروية واللجان تكاليف هي في غنى عنها.
لذلك من المهم أن تتخذ السياسات والإجراءات لمعالجة هذه المسألة عبر برنامج التعقيم والتطعيمات الذي عمدته غالبية الدول، وأظهر نجاعته مقارنة مع الأساليب الأخرى المعمول بها كالقتل والمخالفة لأحكام ديننا الحنيف الذي أمر بالرفق بالحيوان والإحسان إليها"... أرفعوا الأذى عن كل ذي كبد رطب". وطبيعة الحال فمثل هذه البرامج تسبقها تدابير تكميلية لتوعية المجتمع.
في هذا الإطار، ومن الإجراءات التي اتخذها المغرب، إبرام إتفاقية الإطار للشراكة والتعاون لمعالجة ظاهرة الكلاب والقطط الضالة، وذلك بناءً على التوجيهات الملكية الآخذة في الاعتبار البُعد الصحي والوقائي للمواطنين. مبادرة أدخلت أملاً لغالبية الجمعيات المدافعة عن الحيوانات، لكن في المقابل نجدها تضمنت بنود يعتريها الكثير من الغموض، إضافة إلى ضعفها البنائي من حيث الجهات المشاركة وأيضا غياب الإطار العام المنظم والمؤطّر لحقوق الحيوان. وهو ما دفعنا كفريق fan مهتم بالشأن البيئي -خاصةً رعاية الحيوانات وحماية الطبيعة- أن نبادر إلى توضيح هذه النقاط وتقديم البديل، وهو "مشروع قانون الحقوق الأساسية للحيوان".
- إتفاقية الإطار لمعالجة ظاهرة الكلاب والقطط المتشردة بين الغموض والعمومية
الإطار العام للاتفاقية جاء للوقاية من بعض الأمراض الفتاكة المتنقلة عبر الكلاب والقطط الضالة (خاصة داء السعار)، وأيضا من أجل تفادي ظاهرة التكاثر العشوائي وتحسين محيط الساكنة وتخليصه من الأخطار الناجمة عن هذه الظاهرة. وفق مقاربة جديدة ترتكز على ضوابط علمية، تحترم معايير الرفق بالحيوان، بدل نهج الأساليب التقليدية المتمثلة في القتل رمياً بالرصاص، أو التسميم داخل النفوذ الترابي للجماعات الترابية.
جاءت الإتفاقية من حيث المنهجية وفق مرحلتين، المرحلة الأولى (إجراءات تحضيرية قبل تنفيذ برنامج التعقيم وتهمُّ حملات ثقافية وتوعية إضافية) والمرحلة الثانية (التنفيذ وما بعد التنفيذ) وفي هذه المرحلة بالضبط نجد العديد من المساطر المبهمة والتدابير غير الواضحة. فقبل الشروع في التوضيح، لا بد من الإشارة بماذا نقصد ببرنامج التعقيم، وهو برنامج ينشد منه تعقيم الحيوانات الإناث بإستئصال المبايض، وإزالة الخصي للذكور بالجراحة. وهي من الطرق الإنسانية المعمول بها عالميا، ونتائجها إيجابية على المجتمع من الناحية البيئية والإقتصادية والصحية. ويتم ذلك عبر اصطياد، تعقيم، تطعيم بالطعومات المناسبة وإعادتها إلى المنطقة التي تم القبض عليها.
فيما يخص النواقص التي تعتري الإتفاقية؛ سنبدأ بنص الإتفاقية، حيث أن إعدادها تم على النهج الإطاري، والذي يكون في الغالب ذي طبيعة عامة تاركا تحديد التفاصيل لاتفاقات مستقلة لاحقة، وهذه المسألة لا يعاب عليها على العكس تماما، لأن التطبيق الميداني للإتفاقية يختلف من جهة إلى جهة، ومن مدينة إلى مدينة. ونسب الوعي لدى الساكنة... وهو ما يتطلب وضع إستراتيجية عمل متكاملة تجمع عدة أطراف، بالإضافة للأطراف المتعاقدة المشار إليهم في المادة الثالثة.
وهذا يجرنا للملاحظة الثانية، بغياب بعض الأطراف تدخل ضمن مجال إختصاصهم، كالمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي في إعداد دراسات وأبحاث في ميادين مرتبطة بممارسة صلاحياتهم خاصة في المجال البيئي، غياب المجلس الوطني للبيئة كمنبر للتنسيق وتنظيم الانشغالات البيئية لكل القطاعات الوزارية، وتتبع الدراسات، وتوعية وتثقيف السكان... وأيضا غياب وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، وغموض فيما يخص دور وزارة الصحة كطرف رابع في الإتفاقية حيث تم حصره فقط في التثقيف.
كما نلحظ، أن الدور المركزي والمحوري أنيط لوزارة الداخلية (المديرية العامة للجماعات)، خاصة ترأسها للجنة التقنية للتتبع والتقييم وذلك لقربها من الساكنة، مع العلم أن هذا الدور يمكن أن تتقاسمه وتتشاركه مع الطرف المدني( الجمعيات البيئية المهتمة بالحيوانات) لأنها أكثر معرفة بطرق التعامل مع هذه الكائنات والأساليب اللازمة في رعايتها.
أما فيما يخص مسطرة تنفيذ الإتفاقية فهي بدورها يلفها الغموض وعدم الدقة:
- مسطرة جمع الكلاب والقطط الضالة، جاءت عامة ليس هناك تحديد دقيق لهؤلاء الأشخاص أو الفرق المتخصصة، كطرق تعيينهم، خبرتهم في المجال خاصة أننا نتعامل مع كائنات حية يجب مراعاة الرفق بها، مما يفرض تكويناً وتدريباً يحرص على المهنية والأخلاقية.
- مسطرة إجراء العمليات الجراحية لتعقيم الكلاب والقطط الضالة، هناك غياب لعدد الجراحات في اليوم، وبالتالي العدد الإجمالي للحيوانات المستهدفة من طرف البرنامج.
- مسطرة ما بعد الجراحة أي فترة النقاهة، لم يتم تحديد المدة اللازمة للحيوان لمكوثه في المحاجز، أو المأهل.
- مسطرة التتبع والفحص: بعد إطلاق الحيوان وتمييزه بحلاقات أو علامة عن غيره، هناك تقنيات أكثر تطورا تكنولوجياً يمكن أن تساعد في تتبع الحيوان عن بعد، دون الحاجة لإمساكه من جديد وتعريضه للألم من أجل الفحص الدوري.
كما أشرت سابقا، أن الطابع الإطاري للإتفاقية من بين الأسباب لهذه النواقص، وربما أيضا أن التجربة جديدة مع أن تطبيقها عرفته بعض المدن كالإتفاقية التي جمعت بين مجلس مدينة الرباط وإحدى جمعيات الرفق بالحيوان. إلا أنه يمكننا القول أن السبب المباشر هو غياب قانون أو تشريع عام منظم لحقوق الحيوان، ويعترف به ككائن له دوره في المجتمع وفي الدورة الإيكولوجية.
- التفعيل الناجع لمشكلة الحيوانات في المغرب من منظور fan
يجب أن ننطلق من حقيقة، أن قتل الحيوانات بدون دراسة للموقف بعناية قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان، صحته وماله وممتلكاته، كما يمكن أن يؤدي أيضا إلى الإخلال بالتوازن البيئي. والأمثلة على ذلك كثيرة وقد عرفتها البشرية عبر العصور إلى درجة انقراض بعض الأصناف من الحيوانات، وأخرى في طريقها للزوال. فمثلا الطاعون الأسود Black plaque، الذي حصد نحواً من ربع إلى ثلث سكان أوروبا بدءاً من عام 1346م، كان بسبب إبادة السكان للقطط التي يعتقدون أنها رمز للشيطان والشر والسحر والهرطقة (المتبادلة بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية) ، فكان في فرنسا، عند إعدام مجرمة ما تحرق معها 14 قطة !!، ومن ثم اختل التوازن الطبيعي، فتزايدت الفئران زيادة رهيبة، حاملة البراغيث التي تنقل هذا المرض الفتاك إلى البشر...!
ومسألة القتل والإبادة دون سبب مشروع أو عذر مقبول، منهي عنه في شريعتنا الإسلامية، فغالبية الفقهاء يرون أن تُرسل هذه الحيوانات إلى جمعيات أو مراكز رعاية الحيوان إن وُجدت لتقوم برعايتها والانتفاع بها...(هناك تفاصيل دقيقة في هذا الشأن تم تحديدها بالأدلة العلمية والفقهية في كتاب" من أين تستمد الحيوانات حقوقها؟ من المكانة الأدبية للحيوان إلى الحقوق الأساسية" لـــ (د.جميلة مرابط)). ما يمكن استخلاصه أن هذه الشريعة، وصلت إلى القمة في حفظ حقوق الحيوان المعنوية. يكفي أن نشير في هذا الإطار إلى البيان الذي صاغه الفقيه الإسلامي عز الدين ابن عبد السلام الذي اشتهر في القرن الثالث عشر ببيان عن حقوق الحيوان، هذا قبل أن يوجد ما يعرف حاليا الإعلان العالمي لحقوق الحيوان سنة 1976.
كما يجب أن نعلم حقيقة ثانية، أن المقاربات التي بنيت عليها غالبية البرامج التنموية، جاءت قائمة على ثلاث ركائز أساسية (البعد الإقتصادي والإجتماعي ثم البيئي). وعند التطرق للبيئة علينا أن ننطلق من منظور شمولي لا تجزيئي، بمعنى حماية المحيط بما فيه والحفاظ عليه. لأن كل نوع أو صنف من الحيوانات أو أي عنصر من عناصر البيئة هو جزء من الذخيرة الوراثية، وليس الواجب فقط الذي يفرض الاعتناء بها، بل المصلحة العامة والمشتركة لدى كافة الأفراد من مسؤولين وصناع القرار وكل شرائح المجتمع، والذين يجب أن يكون لديهم وعي ودراية تامة بكل جزء من أجزاء البيئة.
لكي نصل في الأخير إلى ما يعرف بمتطلبات العيش في إطار بيئة سليمة. وهو ما لم يغفل عنه الدستور المغربي 2011 حيث تم التنصيص عليه في الفصل 32 من الدستور. "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتسيير استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من أسباب التمتع بالحقوق التالية: العلاج والعناية الصحية... العيش في بيئة سليمة ..." بالتالي فمن المفروض ومن اللازم أن يتم تبني قانون يعترف بهذه الكائنات وبحقوقها الأساسية ومن ضمنها برنامج التعقيم والتطعيمات الذي تمت صياغته في إطار إتفاقية شراكة غير مقننة بشكل دقيق.
لهذا، قمنا بوضع وتجميع هذه الحقوق في الوثيقة التالية كفريق يهتم بالشأن البيئي في بلادنا، ليس فقط من أجل تلميع صورة المغرب، خاصة بعد حادثة آسفي المشينة في حقنا كمسلمين، بل كبلد له مكانته والتي لا تقل عن أي دولة في هذا المجال.
الهوامش:
- الدستور المغربي لسنة 2011 خاصة المادة 32 الباب الثاني الحريات والحقوق الأساسية
- إتفاقية إطار للشراكة والتعاون لمعالجة ظاهرة الكلاب والقطط الضالة بين وزارة الداخلية، المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة (فبراير 2019).
- الوثيقة الختامية لمؤتمر قمة الأمم المتحدة لإعتماد خطة التنمية لما بعد عام 2015،" تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة 2030"، نيويورك 2014.
- القانون التأسيسي والنظام الداخلي لمؤسسة fan(جمعية لرعاية الحيوانات والحفاظ على الطبيعة)
- يوسف عبد الله القرضاوي: كتاب "السنّة مصدرا للمعرفة والحضارة" .
- "بيان حقوق الحيوان" عز الدين عبد السلام، في كتاب " من روائع حضارتنا"، للدكتور مصطفى السباعي.