شذرات بيئية وتنموية...مهرجانات وأزمات وزحف وعيد وبطالة..
خاص بآفاق البيئة والتنمية

مهرجان الفقوس في دير بلوط
طفرة
تتابع منذ سنوات "حمى" المهرجانات الثقافية والتراثية والفنية، وتراقب زيادة المتخصصة منها بتسويق المحاصيل الزراعية، فثمة مهرجان للفقوس في بيت ساحور (يقام منذ 11 عامًا)، وتحتفل دير بلوط منذ سبع سنوات بمهرجان الفقوس أيضًا، وأقامت بتير مهرجان الباذنجان بالنسخة الرابعة قبل أيام، وتنظم إرطاس مهرجان الخس منذ عام 1994، وتحتفل بيت لحم وسلفيت بمهرجان الزيتون منذ عام 2000، وتبتهج جفنا بمهرجان المشمش، وتتخصص الخليل بمهرجان العنب، وتبعتها جنين بمهرجانات مماثلة لعنبها (الموسم الثالث أقيم نهاية الشهر الفائت)، وتُنفذ أريحا مهرجان التمور، وتطلق غزة مهرجان "الفراولة الثقافي"، وتقيم أريحا مهرجان البرتقال التعاوني، وتنفذ عين عريك بمحافظة رام الله والبيرة مهرجان الرُمّان، وتستضيف تل بمحافظة نابلس مهرجان التين، فيما أقامت نعلين بمحافظة رام الله مهرجان التين الشوكي (الصبر)، وُتطلق قرية فقوعة بمحافظة جنين مهرجان السوسنة ( الزهرة الوطنية لفلسطين) منذ ثلاث سنوات، وغيرها من تظاهرات.

مهرجان العنب في الخليل
تحمل المهرجانات أهدافًا تعريفية، وتُعد حلقة وصل مباشرة بين المزارعين والمتسوقين، وترافقها فقرات فنية وتراثية، وفيها ترويج لمنتجات الجمعيات النسوية والخيرية.
وغالبًا ما ترعى شركات ومؤسسات تجارية كبيرة، ومنظمات أجنبية، ووسائل إعلام المهرجانات، ولكن تغيب المراجعة والتقييم لهذه التظاهرات الثقافية، والرسائل التي حققتها، والإخفاقات المصاحبة لها، والحالة الفنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي أحدثتها، أو التي لم تنجح فيها، وحجم التمويل المرصود لها.
من المهم تدخل وزارات: الثقافة، والاقتصاد الوطني، والسياحة، والزراعة للإشراف على المهرجانات وتخطيطها بشكل فعّال؛ هرباً من التكرار، ولتفادي دفع المزيد من الأموال في غير مكانها، وحتى تصبح أكثر تنظيمًا، وبفائدة ومتعة وجدوى أكبر، وبلا تشتيت للجهود.

أطباء
"بِيضُ الحمائمِ حسبهنه أني أردد سجعهنه" حفظنا عن ظهر قلب قصيدة المبدع إبراهيم طوقان عام 1985. يومها عرفنا أنه يصف الممرضات، خلال وجوده على سرير الشفاء بلبنان. في السنة ذاتها، دخلت لأول مرة مستشفى جنين الحكومي؛ لجرح عميق في فمي. بعدها، رافقت والدي-رحمه الله- في جولاته الجراحية، ومعركته الشرسة مع السرطان، التي انتهت بانتصاره على الداء الأسود، ولازمت أمي-أطال الله في عمرها- في غير وجع وضعف. يستحق الأطباء ومعهم ملائكة الرحمة كل ثناء، يكفي أنهم يتخلون عن وقتهم وليلهم في تطبيب غيرهم. ولا أظن أن طبيبًا يمتلك ذرة ضمير واحدة، يٌقدم على ارتكاب خطأ مقصود، أو يعتدي على مرضاه، وإن وقع ذلك، فمن غير اللائق التعميم، وشن حرب شعواء على كل الأطباء. قابلت من الأطباء من هم غاية في الإنسانية والمهارة والتواضع، والتقيت بنوع يتعالى على الموجوعين، وتعاملت مع قسم "حولوني وأنا داخل المستشفى" إلى عياداتهم الخاصة، وتصادفت بنوعية تُشوه المهنة وشعارها "الكشفية أولًا"، وهذا موجود في كل قطاع.
لم تكن نقابة الأطباء موفقة في إدارة الأزمة الأخيرة، وكان عليها استنفاذ الحوار مع ذوي الشأن، وعدم خوض إضراب في مهنة إنسانية، ومداوة الجرح لا رش الملح عليه. المهم والمرجو ألا تتكرر في القريب حالات مُشابهة تتعطل معها عجلة القطاع الطبي، وتُوفّر الجهود كلها لتحسين الحال الصحي في بلادنا.

بلدة برقين في أواخر الثمانينات
أزمنة
قُرعت أعمدة الكهرباء صباح الإثنين 7 آب 1989، وهو الإنذار المتعارف عليه للإبلاغ عن اقتحام جيش الاحتلال للبلدة. كنا في المدرسة على غير العادة، عقب إقفالها 7 أشهر متتالية العام السابق، واختلاف مواقيتها. وقتئذ طغى أزيز الرصاص على صوت الطباشير، وقُطع درس القواعد للأستاذ أبو ناهض. غادرنا إلى ساحة البلدة، والرواية الوحيدة: قتلوا محمدًا، ومحمد استشهد، من هنا أطلقوا عليه النار، وهذا دمه. كان محمد علاونة (أو محمد الجابر) أول شهيد يُعطر ثرى برقين بدمه خلال انتفاضة الحجارة، وقتها آثر عدم إكمال حفر أساسات بيته، واختار مكانًا يليق به في قائمة الشرف العظيم.
تعود بعد 30 عامًا من ارتقاء محمد للسير في البلدة ومحيطها وجبالها؛ لتتبع أحوالها وبيئتها، فقد تغير المشهد كثيرًا، واختفت المساحات الخضراء من وسطها، وما عادت أشجار التوت الضخمة، والنخيل الباسقة، والتين الممتدة متاحة داخل حواري البلدة، وغابت الأبنية القديمة، وتآكلت مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة: المرج القبلي، والسهول الغربية، وما عادت أشجار الزيتون الكثيفة في الوجه الغربي والشرقي كما كانت، فطالها العمران، وشوهها الإسمنت، وضاقت شوارع البلدة بالمركبات، وارتفع عدد الدفيئات البلاستيكية، وأضيفت الكثير من الأراضي والحقول إلى لائحة الهجرة من أصحابها، وجف نبع "الحاووز"، وتشوه الأفق، وانتشرت أبراج الاتصالات الخليوية، بما تحمله من قلق ورعب وتداعيات.
يبدو حال بلدتك مماثلًا للقرى والتجمعات المجاورة، فالمشهد واحد، والحرص على البيئة والمساحات الخضراء عملة نادرة، والتراث المعماري في غرفة العناية الفائقة.

نفايات عيد الأضحى
حلول
في كل عيد، لا تفهم سر "الفن" العظيم الذي نتقنه، فلا نجد شارعًا في قلب كل مدننا وتجمعاتنا إلا وتحول إلى مكب ضخم للنفايات، وكأن العيد والفرح يعني انتهاك البيئة، وتحميلها المزيد من الأعباء.
ترصد ممارسات خاطئة تطال بيئتنا كل عيد، فالشراء بكل تفاصيله، والبيع والتغليف، والاستهلاك المفرط للحوم والحلوى، وزحام المركبات، والإسراف في الإضاءة لحد الجنون، والتصرفات الفردية والجماعية تتغير نحو الأسوأ.
تبدو الحلول سهلة، ويمكن لهيئة محلية واحدة، أو مجلس خدمات مشتركة للنفايات الصلبة في محافظة ما أن يبادر ويقرر تغريم كل مستورد وصاحب متجر وبائع متنقل مبلغًا كبيرًا بدل كل كيلو غرام نفايات يتسبب به خلال العيد، وبذلك سيحرص هؤلاء على سلوك مُغاير، وسيفكرون مئة مرة قبل طرح نفاياتهم في الشوارع العامة، وتحويل الميدان والدروب إلى مكبات نفايات ضخمة.

ندوة بطالة خريجي الإعلام
رحى
ناقشت ندوة لوزارة الإعلام والجامعة العربية الأمريكية، بطالة خريجين الإعلام، واحتياجات سوق العمل، والإجراءات الممكنة للتخفيف من وطأتها.
وخلالها، أوضح مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ومستشار الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة في الوزارة، د. سامر عرقاوي أن سوق العمل المحلي محدود، ويعجز على استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين، وبخاصة مع وجود 17 جامعة، و17 كلية جامعية، و17 كلية متوسطة تضخ أعدادًا جديدة من الخريجين كل عام.
وبيّن أن الثقافة المجتمعية بحاجة إلى تصويب علاقتها مع التعليم التقني، والتخلي عن التخصصات التقليدية والنمطية، التي باتت تعاني تضخمًا في أعداد خريجيها، في وقت بتنا نشهد هجرة معاكسة لخريجين عملوا خارج الوطن، وتجبرهم الظروف على العودة، ما يزيد من حجم البطالة.
وشدّد عرقاوي على الشراكة والتكامل التي تنتهجها "التعليم العالي" بين مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والجامعات والوزارات، موضحًا توجهات الوزارة في التعليم التقني والمهني، والبرامج الثنائية التي تجمع الجانبين: العملي والنظري، وتؤهل خريجين منافسين.
وذكر عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين، عمر نزال، أن تراجع مكانة القضية الفلسطينية دوليًا وإقليميًا أحدث تغيرًا في مهنة الصحافة خلال السنوات الماضية، وفاقم حجم البطالة في صفوف الدارسين لها.
وقال إن أرقام البطالة لخريجي والصحافة والاعلام، وتشكيلها النسبة الأعلى، وفق دراسة "الإحصاء" الفلسطيني صادمة.
وأشار إلى أن الإعلام جاذب للطلبة، لكن في الوقت نفسه تغيب التوجهات التقنية والإدارية عن الخريجين كفنيي الإضاءة، ومختصي المونتاج، ومهندسي الصوت، ما يستوجب إعادة تقييم التخصصات الراهنة.
وعرضت مديرة دائرة احصاءات العمل في جهاز الاحصاء المركزي، سهى كنعان، ومدير دائرة التنسيق الإحصائي علي حسين، دراسة أعدها الجهاز حول الفجوة بين التعليم وسوق العمل، منتصف تموز الماضي، بمؤشرات تدق ناقوس الخطر، وتستدعي تدخلاً لتصويبها.
وفق الدراسة، فإن معدل البطالة بين الخريجين وصل نهاية 2018 إلى 58%، مقابل 31% المعدل العام للبطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبحسب بيانات مسح القوى العاملة، يدخل حوالي 40 ألف شخص سنويًا إلى سوق العمل ثلثهم من الشباب، وفي المقابل فإن السوق لا يستوعب أكثر من 8 آلاف فرصة بالحد الأقصى، ما يشكل 20%، فيما احتلت العلوم الإنسانية، والصحافة والإعلام، النسبة الأعلى لبطالة الخريجين.
ولفتا (كنعان وعلي) إلى إن الدراسة هدفت إلى وصف الفجوة بين التعليم الأكاديمي في الجامعات المحلية وسوق العمل، وأخذت مؤسسة "الجهاز المركزي للإحصاء" كحالة دراسية، كونه يعين 95% من موظفيه من خريجي الجامعات المحلية الجدد سنويًا.
وأشار الاثنان إلى وجود مسؤولية مشتركة للتحديات التي تواجه الخريجين الجدد، أبرزها عدم استيعابهم من سوق العمل، وغياب الدور الحكومي في التقليل من هذه التحديات، والفجوة في عدم تطوير المناهج الجامعية، وغياب المبادرة من الخريجين لتطوير قدراتهم ومهاراتهم.
ولاحظت الدراسة تراجعًا ملحوظًا في جودة التعليم الجامعي، إذ تفتقر فترة الدراسة الجامعية للتدريب في مجالات يحتاجها سوق العمل ضمن التخصصات التي يتم تدريسها، وسعي الجامعات الى الربح المادي، خصوصا عبر التعليم الموازي، والذي يتيح لفئات ذات مستوى تعليمي منخفض الالتحاق بتخصصات ذات مستوى تعليمي مرتفع، إضافة إلى انتشار مراكز الأبحاث التي يلجأ اليها الطلاب لإعداد الدراسات والأبحاث ومشاريع التخرج.
كاقتراح، يمكن التخفيف من أزمة بطالة الخريجين، عبر برنامج توجيه مٌبكر يستهدف طلبة المدارس، ويكتشف ميولهم، واتجاهاتهم، وينمي التعليم التقني بين صفوفهم، ويٌعرّفهم بالاحتياجات المطلوبة في سوق العمل، وينقل لهم إحصاءات عن حجم "جيش" الخريجين غير العاملين، ويسرد لهم قصص إبداعات من التحقوا بالتعليم التقني، وحققوا ذاتهم، واليأس الذي يسيطر على خريجي العلوم الإنسانية وأخواتها.
aabdkh@yahoo.com