في انتظار الخطة التي ستعلن عنها وزارة البيئة، استباقاً لأزمة النفايات المتجددة، لا بد من إبداء ملاحظات سيتم على أساسها تقييم ما يفترض أن تقترحه الوزارة على مجلس الوزراء.
أولاً، يُفترض أن تتضمن الاقتراحات شقاً استراتيجياً للمرحلة المقبلة، وآخر يتعلق بالحالة الطارئة المستجدة الآن في العاصمة والمناطق.
في الشق الاستراتيجي، لم يُفهم بعد ما إذا كان سيتم طرح إستراتيجية إدارة النفايات، كما ينص القانون رقم 80 (بتاريخ 10/10/2018) الذي منح الحكومة (وزارة البيئة) 6 أشهر - تم تجاوزها - لعرض هذه الاستراتيجية، أم سيتم عرض خارطة طريق للوصول إلى مثل هذه الاستراتيجية (وهو الخيار الأسلم مبدئياً)، لفتح المجال أمام المعنيين (وهم كثر) للمشاركة في صياغتها، الأمر الذي لم يحصل. إذ لا يبدو أن الوزارة قد استعانت، حسب علمنا، بمن يعرف بكيفية وضع هذه الخريطة وتحقيق الاستراتيجية! إلا إذا اعتبر خيار الاستعانة بخبير أجنبي لوضع استراتيجية شكلية وترجمتها إلى العربية، رفعاً لأي عتب واستباقاً لأي نقد، التزاماً بموجبات القانون! في وقت لا تزال الحكومة (ووزارة البيئة) تعتمد على مجلس الإنماء والاعمار الذي يعاني من حساسية مفرطة إزاء أي نقاش عميق حول الخيارات الاستراتيجية، ويفضل العمل دائما في خطط طوارئ تحتاج إلى دراسات استشارية بسيطة وتلزيمات على الطلب، مكرراً خططه الفاشلة السابقة بردم البحر، ومتذرعاً - كالعادة - بأنه ينفذ ما يطلبه مجلس الوزراء.
وزارة البيئة الآن في وضع لا تحسد عليه. صحيح أنها ليست من وضع الخطة الطارئة البالغة السوء (عام 2016) التي تقضي بطمر النفايات على الشاطئ، إلا أنها مسؤولة عن الفشل الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه. فيما لا يزال في الوزارة فريق العمل الفاشل نفسه الذي أثبتت التجارب أنه لا يعرف بقضايا البيئة المعقدة أكثر من أي وزير "جديد"، ولم يكن يوماً قادراً على ممارسة دوره في فضح اتجاهات الوزراء أصحاب الصفقات. ولهذا فإن تغيير الوزراء، إذا لم يكن "ثورياً"، لن يجدي طالما بقيت "كيلة" الموظفين والمستشارين أنفسهم في طاحون الوزارة. والغريب أن في الوزارة من يعتقد، مخطئاً، أن في إمكانها أن تعمل من دون إدارة ومن دون مدير عام، أو مع مدير يعمل بشكل معاد لقسم من الموظفين، من دون أن يبتّ أحد بأمره وبالمخالفات والارتكابات التي تدور الشبهات فيها حوله وحول بعض الموظفين!
رغم ذلك كله، ورغم أن وزارة البيئة لم تكن وراء وضع الخطة الطارئة اثر أزمة العام 2015، فإن عليها واجب درسها وتقييمها، كإجراء ضروري ومرحلي وانتقالي قبل أن تقترح خطتها البعيدة المدى. وعملية التقييم يجب أن تشمل كل المرحلة السابقة، أي منذ بدء التفكير بضرورة انتهاء مفاعيل الخطة الطارئة الأولى العام 1997، والتعثرات المستمرة حتى يومنا هذا، مرورا بتقييم أزمة العام 2015، إلى تقييم أسس خطة العام 2016، والملاحظات التي لم يأخذ بها أحد، وهيمنة مجلس الإنماء والاعمار على التخطيط ووضع دفاتر الشروط والتأهيل والتلزيم والمراقبة… والنتائج الكارثية التي خلصنا إليها!
البيئة وخطة الطوارئ
ورغم أن خطة طوارئ العام 2016 "طارئة" وسيئة بكل المعايير، إلا أن لها قواعد لم يتم احترامها، يفترض بوزارة البيئة فتح تحقيق حولها، إن لناحية طرق الردم أو لناحية طرق عمل المطامر، أو طرق تشغيل المعامل وتطويرها للفرز والتخمير، ومخالفة شروط العقود لناحية التسليم، وسوء تقدير الكميات واحتسابها... الخ، إضافة إلى الإجراءات المتعلقة بحسن الطمر لناحية التغليف وسحب الغازات وكيفية المعالجة، أو لناحية معالجة العصارة وغيرها من الإجراءات المطلوبة من الشركات الملتزمة بعمليات الجمع والفرز في المصدر.
وقد تأخرت وزارة البيئة في توجيه كتاب إلى رئيس مجلس الإنماء والاعمار المهندس نبيل الجسر مؤخرا، تطلب فيه بدء تفعيل فرز النفايات من المصدر في أقضية جبل لبنان، تطبيقاً للمادة 2 من القانون 802018 التي نصّت على وجوب تطبيق مبدأ الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة (يشكّل الفرز من المصدر أحد أبرز عناصره)، واستنادا إلى عقدي كنس النفايات وجمعها ونقلها في أقضية جبل لبنان بإستثناء قضاء جبيل، اللذين وقعهما مجلس الإنماء والاعمار مع مجموعتي "رامكو" و"معوض إده" عامي 2016 و2017!
الجميع يعرف أن قدرة استيعاب مطمر الجديدة يفترض أن تكون قد انتهت، وأنه يتم التحايل على المساحات لشهر إضافي، وان أحدا لم يأخذ على محمل الجد التحذيرات والدعوات إلى الإسراع في إيجاد حلول إستراتيجية، مما يرفع من احتمال وجود نوايا مبيتة، لا تزال مسيطرة منذ سنوات، لتصبح الصفقات أمرا واقعا لا بديل عنه. وكما في كل مرة، سيأتي من يقول في اللحظة الأخيرة (التي لم تعد بعيدة): ليس أمامكم إلا توسيع خطة الطوارئ والمزيد من الردم، وتكبير مساحة الأرض المردومة لصالح القوى السياسية المهيمنة في المناطق، على حساب البيئة والأملاك العامة، مع كثير من الهدر في المال العام. كما أن ليس لديكم من حلول على المدى المتوسط والبعيد سوى المحارق!
انطلاقا من كل ذلك، المرجح أن لا تتضمن الخطة التي تقدم بها وزير البيئة إلى مجلس الوزراء أي اتجاه للمحاسبة والمراجعة للمرحلة السابقة، مقترحا في خطته "طبخة" فيها التخفيف والفرز والتخمير والطمر وتوسيع المطامر وصولاً إلى المحارق… مما يفسر عدم الاهتمام مجددا بالحلول الاستراتيجية، في مقابل إرضاء اكبر عدد ممكن من المطالبين بكل شيء وأي شيء، لاسيما المراهنين على قروض من "سيدر" لإنشاء محارق مكلفة جدا بكل المعايير!
كان الرهان أن يأتي وزير ثوري لا صوري إلى وزارة البيئة كي يضع ملفات البيئة الخطيرة على قاعدة إستراتيجية وعلى سكة الحل. إلا أن القوى السياسية التي اختارت حقيبة البيئة رغم كل الاخفاقات، لم تتعلم من التجربة السابقة أن مقاربة القضايا البيئية لا تكون على طريقة الجمعيات عبر الحملات الفولكلورية للنظافة! أو على الأرجح أنها تعلمت درسا آخر يقول إن السياسة في لبنان غنيمة، كما كان يحصل دائما… ومن دون حساب!