مناطق السلطة الفلسطينية تشق طريقها للتصدي لظاهرة التغير المناخي... ومليارات مرصودة لم يتم استثمارها بعد
وقّعت السلطة الفلسطينية في نيسان 2016، لأول مرة في تاريخها، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، على اتفاقية باريس للتغير المناخي، فما الذي أرادته السلطة من هذه الخطوة، وما انعكاساته علينا كفلسطينيين؟ علما أننا كفلسطينيين لسنا متسببن في التغير المناخي كدولة فلسطين، فكل حجم الانبعاثات التي تخرج من الضفة الغربية وقطاع غزة لا تصل لمستوى مصنع مواد خطرة أو حتى إجراء إسرائيلي. تبلغ التكلفة الاجمالية، في المستوى الفلسطيني، لتنفيذ اجراءات التخفيف حوالي 10.6 مليار دولار، وتتعلق بإجراءات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والبنية ذات الفعالية في توفير وحفظ الطاقة، الاضاءة عالية الكفاءة بزيادة كفاءة المصابيح من خلال معايير جديده، الطاقة الناتجة عن المخلفات الصلبة والمستخدمة في صناعة الاسمنت، الطاقة الكهربائية المنتجة من جمع واستغلال غازات المكبات، تحويل 1000 سيارة أجرة إلى سيارات تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط، تحويل 1000 سيارة الى سيارات تعمل بالكهرباء، وإنشاء وصيانة ممرات للنقل السريع، وزراعة مساحات إضافية من أراضي الغابات.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الاستيطان الصهيوني والجفاف يزحفان على الأراضي الزراعية الفلسطينية |
التغير المناخي، لا أحد يختلف معنا أننا ضحية له، هذا الكم الهائل من الغبار والغازات السامة التي تنطلق عبر مصانع العالم تصل لأنوفنا وتخترق قصباتنا الهوائية دون تصريح عبور، من يطلقها هي الدول الصناعية المتقدمة، وشئنا أم أبينا نحن شركاء مع العالم بغلافه الجوي الواحد.
بتاريخ 22 نيسان 2016 وفي مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وقّعت السلطة الفلسطينية لأول مرة في تاريخها على اتفاقية باريس للتغير المناخي، فما الذي أرادته السلطة من هذه الخطوة، وما انعكاساته علينا كفلسطينيين؟
"نحن لسنا متسببن في التغير المناخي كدولة فلسطين، فكل حجم الانبعاثات التي تخرج من الضفة الغربية وقطاع غزة لا تصل لمستوى مصنع مواد خطرة أو حتى إجراء إسرائيلي"، يقول المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة مراد المدني.
لماذا ارتبطنا باتفاقية المناخ؟
يشير المدني "كل الانبعاثات الخاصة بالسيارات والمركبات التي تسير في مناطق السلطة الفلسطينية لا تساوي شيئا مقابل أي بلد آخر في العالم، لذلك ارتباطنا في الاتفاقية كوننا طرفٌ مثل باقي الأطراف الدولية المنتمية لهذه الإتفاقية، ومن خلالها نجسد الحضور السياسي لدولة فلسطين، ونحصل على حقنا كفلسطينيين مثل باقي المجتمعات الدولية بإنفاذ مبدأ قانوني مهم تتبناه هذه الإتفاقية، والمبدأ هو المسؤولية المشتركة، ولكن مع الحفاظ على التباين بينهما.
وقال المدني: "إن هذا المبدأ كان نتاج مفاوضات شاقة بين الدول الغنية والدول الصناعية والنامية، الأخيرة التي نحن نُشكل جزءاً منها، فالدول الغنية تريد منا المسؤولية المشتركة فقط، بحيث تكون كل دول العالم مسؤولة عن التغير المناخي، لكن ليست جميعها مسؤولة بذات القدر، مثلا لا يمكن تحميل الصومال مسؤولية التغير المناخي بنسبة مساوية لمسؤولية اليابان أو الهند، من هنا نستفيد أننا كدولة فلسطين مسؤولون بحجم انبعاثاتنا وبالتالي نعمل على تخفيضها".
وتابع قائلا: "المسؤولية الأكبر التي أحاول تنفيذها تتعلق بالشق الثاني للاتفاقية، حيث هناك شقان، الأول: وهو شق التخفيف من آثار التغير المناخي، والشق الثاني: شق التكيف مع الآثار المناخية، وكفلسطينيين يمكننا العمل بالتخفيف ولدينا بعض الإلتزامات بهذا الشأن، وتم إنجاز الكثير منها وتعميم التجربة على العديد من الدول".
أمّا الشق الثاني الذي يتحدث عن التكيف مع التغير المناخي والذي هو تحصيل حاصل لهذه الظاهرة الكونية، فهو بمتابعة الإجراءات الوطنية التي يفترض من الدول المتسببة بالتغير المناخي بدعم الدول النامية لمواجهة الظاهرة، وهي ليست منحة أو منّة منهم لأن الدول النامية وُضعت قسراً في هذه الظروف البيئية الصعبة.

محاولات فلسطينية متواضعة لإنقاذ الأراضي من الجفاف والاستيطان
الإجراءات القانونية
حول الإجراءات القانونية قال المدني أنها مبدأ قانوني متبنى في الإتفاقية، يعتمد على مجموعة كبيرة من الخطوات والإجراءات السياساتية والفنية، السياساتية منها ما يتعلق بتبني مجموعة من السياسات الحكومية أو غير الحكومية من أجل الالتزام بها والتي أما تقلل من انبعاث الغازات أو تساهم في عملية التكيف مع التغير المناخي.
"كفلسطينيين لدينا الإستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغير المناخي، والتي تُبلّغ فيها الدول الأطراف وتعمّم عليها وتحدد مجموعة من الخطوات والبرامج الفنية والتنفيذية التي تتخذها الدولة العضو على أرض الواقع، ومنها ما له علاقة بالطاقة البديلة وتقليل الإنبعاثات والرقابة، وتخضير وتنفيذ مشاريع، وما إلى ذلك" يوضح المدني.
من جهته أوضح نضال كاتبة مستشار سلطة البيئة لشؤون التغير المناخي، أن إجراءات التخفيف تشمل التكيف في خطة التكيف الوطنية، واستراتيجيات إدارية وتشغيلية، تغيرات في البنية التحتية، وإدخال تعديلات على السياسات أو بناء القدرات.
بعض الإجراءات يتضمن تعديل الأنشطة الحالية )لمقاومة تغير المناخ(، في حين أن البعض الآخر جديد، أو يتطلب تحولات كبرى في العمليات وبعضها قائمة على النظم الإيكولوجية، من أجل مساعدة الناس على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ من خلال الحفاظ على النظام البيئي والتنمية المستدامة، وإعادة تأهيل النظم البيئية.
وأشار كاتبة إلى أن الإجراءات المقترحة في المساهمات المحددة وطنيا لا يمكن تنفيذها الا بوجود الدعم الدولي المناسب، وتبلغ التكلفة الاجمالية لتنفيذ اجراءات التخفيف حوالي 10.6 مليار دولار، وتتعلق بإجراءات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والبنية ذات الفعالية في توفير وحفظ الطاقة، الاضاءة عالية الكفاءة بزيادة كفاءة المصابيح من خلال معايير جديده، الطاقة الناتجة عن المخلفات الصلبة والمستخدمة في صناعة الاسمنت، الطاقة الكهربائية المنتجة من جمع واستغلال غازات المكبات، تحويل 1000 سيارة أجرة إلى سيارات تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط، تحويل 1000 سيارة الى سيارات تعمل بالكهرباء، وإنشاء وصيانة ممرات للنقل السريع، وزراعة مساحات إضافية من أراضي الغابات.
التمويل لتنفيذ السياسات
يشير المدني الى أن آلية تنفيذ هذه السياسات ترتبط بالتمويل، ومصدره الصندوق الأخضر والذي من خلاله تم عمل تقرير المساهمات المحددة وطنيا، وهذا التقرير يحدد للاتفاقية وطنيا ما العمل خلال العشر سنوات القادمة وكم تكلفته، وسيتم الطلب من الصندوق لدعم تمويل تكاليف هذه الإجراءات والتي تخص كافة القطاعات، وهنا دور المؤسسات في كافة القطاعات بتقديم المقترحات لتنفيذ ما يقع عليها من التزامات تدخل في اختصاصها من قبل هذه المساهمة.
وقال المدني: "هناك مشروعين لوزارتين في هذا المجال، ولكن إجمالا حجم التجاوب الرسمي وغير الرسمي لم يرقَ للمستوى المطلوب رغم انعقاد ورش العمل المتعددة للتعريف بضرورة الاستفادة من المنح المتاحة للفلسطينيين في هذا المجال، مع الاشارة الى أن "هناك اجراءات معقدة لكن نحن نتحدث عن مليارات مرصودة لصالح مناطق السلطة الفلسطينية علينا تقديم المشاريع للاستفادة منها".
أما الجهات التي يمكن أن تستفيد من هذه المنح، وفق المدني، فهي المؤسسات التي لديها خبرات وكفاءات وشراكات مع جهات مؤتمنة، بحيث تضمن تنفيذ هذه المشاريع، نظراً لكون قيمة المنح كبيرة جداً.

مراع فلسطينية آخذة في التصحر
آثار التغير المناخي فلسطينيا
سيمون عوض -الباحث والمدير التنفيذي لمركز التعليم البيئي- سلط الضوء بدوره على الآثار الناجمة عن التغير المناخي والتي يمكننا لمسها فلسطينيا، حيث شهدت الفترة الماضية التذبذب في درجات الحرارة من حيث الإنخفاض الحاد أو الإرتفاع الحاد خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كما مرت المنطقة بنحو سبع سنوات من الجفاف، فالمطر مواسمه قليلة ومعدل الأمطار لم يكن منتظما وفي أوانه، وهذا أثّر على جميع مناحي الحياة في فلسطين.
وأشار عوض إلى أن قضية التغير المناخي علمية بحتة ويصعب حسم السبب فيها، لكن هناك مؤشرات يؤخذ بها وتقود نحو السياسات الأفضل لتجنب الضرر، فمثلا قام مركز التعليم البيئي في جامعة بيرزيت بعمل دراسة لعشر سنوات مضت لمراقبة الطيور ضمن محطة تحجيل الطيور، ووجد الباحثون أنه خلال تلك المدة قلّ عدد الطيور من أصل 14 طيراً إلى 10 طيور وهذا مؤشر هام، لأن الطيور تستوطن المنطقة أو تمر عبرها بأنواعها وأعدادها المعهودة منذ ملايين السنين، وبالتالي ما نوهت إليه الدراسة هو مؤشر لتأثير التغير المناخي على التنوع الحيوي.
ولفت عوض إلى إمكانية رصد أثر التغير المناخي على الزراعة من خلال الحرائق التي جُزءٌ كبير منها مفتعل، والجزء الآخر نتيجة ارتفاع الحرارة، وبالتالي أدت هذه الحرائق لأذى كبير للأراضي الزراعية والغطاء النباتي، كما أثرت الحرارة المرتفعة على المحصول الزراعي من جفاف وقلة إنتاج وغيره، وقصّرت مدة المواسم الزراعية مثل المشمش، كما أن كمية المتساقطات المطرية لم تكن منتظمة بالفترة الأخيرة.
عراقيل يضعها الاحتلال
وقال عوض أن الاحتلال الاسرائيلي لا يتوانى في وضع المعيقات أمام التحرك الفلسطيني، وبخاصة فيما يسمى مناطق "جـ" تحديدا والتي يقومون فيها بتدمير منشآت الطاقة بحجة غياب التراخيص.
فيما أشار كاتبة إلى وجود عراقيل كثيرة تتعلق بالاحتلال، حيث يعيق بشكل كبير من قدرة دولة فلسطين على التكيف مع التغير المناخي، ما يضاعف الآثار السلبية للقطاعات الأكثر تأثرا بتغير المناخ. فعلى سبيل المثال: يحدّ الاحتلال الإسرائيلي من توفر الأراضي ويسيطر على الموارد الطبيعية، ويعيق حرية التنقل واستيراد وتصدير المواد الخام والمنتجات، وتطوير البنية التحتية وخاصة مناطق "جـ" التي تغطي 61 ٪ من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
وقال أن الظروف الخاصة بفلسطين أدت إلى زيادة الوعي والتركيز على تنفيذ الاجراءات والمشاريع المدرجة في الخطة
الوطنية للتكيف في المستقبل القريب ،وخاصة المشاريع التي تتعلق بالقطاعات الأكثر تأثراً، والتي تخضع لسيطرة الاحتلال الاسرائيلي.
وتغطي خطة التكيف الوطنية أيضا المشاريع على المدى المتوسط والبعيد والتي يمكن اتخاذها إذا ما تم انهاء الاحتلال
الإسرائيلي. وتهدف إجراءات التكيف للحد من الآثار السلبية لتغير المناخ أو زيادة القدرة على التكيف فيما يتعلق بالقطاعات
الأكثر عرضة للتأثر، والتي تأخذ بعين الاعتبار أهداف واستراتيجيات التنمية الوطنية.
حلول ومقترحات
وأشار سيمون عوض إلى أنه وعلى مستوى السياسات التي تخص التغير المناخي فلطالما التزمت السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات الدولية بهذا الشأن، وعلى سبيل المثال الاستثمار في الطاقة النظيفة، حيث تتميز المنطقة بتوفر 300 يوم مشمس في فلسطين يمكن استغلالهم لإنتاج الطاقة الكهربائية، ومن خلال صندوق الاستثمار وسلطة الطاقة تم تشجيع الاستثمار بالطاقة المتجددة، والآن هناك مناطق كاملة تزود بالطاقة البديلة، مؤكداً أن هذه السياسات تسير بالاتجاه الصحيح، ولكن بحاجة إلى تسهيلات وقروض بشكل أكبر لدعم هذا الجانب وضمان الاستقلالية عن الجانب الإسرائيلي، وبالتالي دعم الانفكاك الاقتصادي.
كما دعا عوض إلى لعمل على دعم الأبحاث العلمية التي تساهم في مواجهة التغير المناخي، وأشار إلى مبادرة شخصية طرحها عام 2005 ووافقت عليها وزارة الزراعة، وهي شجرة لكل طالب، أي زراعة مليون و250 ألف شجرة سنويا، عدا عن دعم المزارعين قدر المستطاع للمساهمة في زيادة الغطاء النباتي وحماية البيئة.