خاص بآفاق البيئة والتنمية

الصحافيات الصغيرات أثناء نشاط ميداني
علت لافتة بيضاء الجدار الجنوبي لجمعية طوباس الخيرية، وفيها فراشات تحيط بزهرة شقائق النعمان، وآلة تصوير، ومشاهد بيئية. فيما برزت عبارة "المخيم الصيفي الإعلامي البيئي السابع: صحافيات صغيرات"، الذي امتد لعشرة أيام.
وتحلقت 20 زهرة طاولة مستديرة ناقشت التحديات البيئية الأبرز في فلسطين وطوباس، بعد فيلم وثائقي عالج قلق التغير المناخي، وأظهر درجة مساهمة البشر في تدمير كوكبهم.
وباحت قصاصات ورقية خطتها الصغيرات بلائحة قلق وأحلام مزدوجة، قالت إحداها "من يحب وطنه لا يتعامل معه كمكب نفايات كبير". فيما تمنت أخريات مشاهدة مدينة خضراء، تحترم البيئة، ويكف أهلها عن اقتلاع الأشجار لصالح الكتل الإسمنتية، وتكون نظيفة من حرق النفايات.

الصحافيات الصغيرات أمام كنيسة المهد في بيت لحم
لائحة ومعرفة
ودونت الصغيرات بقاموس خاص مفاهيم تنقية المياه العادمة، وأنواع الطيور وتحجيلها، وإعادة التدوير، وفرز النفايات، ومبادئ الاستهلاك البيئي، ومخاطر حرق النفايات، والشرطة الخضراء، والتنوع الحيوي، والزراعة العضوية، والأسمدة العضوية، وغيرها.
وفتحت الصحافيات حواراً لساعة مع رئيس بلدية طوباس خالد عبد الرازق، ونائبه محمد أبو خضر، وتقدمن باقتراحات لتحسين المشهد البيئي في المدينة، بعد يوم واحد من إطلاقهن لمنتدى شقائق النعمان البيئي.
وطرحن على طاولة المجلس البلدي أسئلة تتبعت أداء المجلس، ولاحقت العقبات التي تواجهه، واستفسرت عن طرق قياس رضا المواطنين عن هيئتهم المحلية.
وقدمت كرمل عيسى نبذة عن "صحافيات صغيرات"، والمبادرات التي نفذنها، وحواراتهن السابقة مع وزير الصحة، والمحافظ، ومدير عام شركة الكهرباء، وأشارت إلى الأفلام الوثائقية التي أنتجنها، وعالجت الواقع البيئي في المدينة، وحال الزراعة، وعطش الأغوار.
وقال عبد الرازق إن المجلس البلدي "يشجع الأجيال الصاعدة على المشاركة في الشأن العام"، وسبق وأن رعى انتخابات للمجلس الشبابي للبلدية، وطلب من الزهرات تنظيم ورشة موسعة؛ ليستمع منهن لمقترحات ومبادرات تساعد الهيئة المحلية في تنفيذ مهامها.

الصحافيات الصغيرات في بلدة بتير
حوار ومبادرات
وعرضت ريم خضيري سؤالًا عن مدة الانتهاء من حفر الشوارع، خلال ورش الصيانة والتمديدات المختلفة. ورد عبد الرازق بأن البلدية، ووفق النظام المعمول به، تمنح المقاول بين 3-6 أشهر للانتهاء من المشاريع، وتحرص على عدم إعاقة الحركة، وتبذل كل جهد لصيانة الطرقات.
وتتبعت هامة دراغمة الجهات المانحة للبلدية، ودرجة تضررها بوقف واشنطن مساعداتها للشعب الفلسطيني، وممارستها للضغوط السياسية عليه. فأكد رئيس البلدية أن التمويل يجري عبر صندوق تطوير وإقراض البلديات الذي أنشئ بقرار مجلس الوزراء قبل 14 عامًا، باعتبارها مؤسسة شبه حكومية يشرف عليها وزير الحكم المحلي، ويلتزم بتطبيق التشريعات المتصلة بإدارة المال العام، وكيفية توزيع الأموال والنتائج المترتبة على استخدامها. وبين عبد الرازق رفض البلديات، كجزء من الحكومة للمال السياسي، الذي يسعى لابتزاز شعبنا وقيادتنا.
وبحثت رؤوم صوافطة في عمالة البلدية، وشكل العجز القائم، فرد عبد الرازق بأن المجلس يستفيد من توظيف عمال المياومة، ويمتلك 47 موظفًا ثابتًا، وتخضع قرارات التشغيل لموازنة المجلس وقدراته وحاجته.
وسألت كرمل عيسى عن ملامح الخطة الإستراتيجية للمجلس ودرجة استجابتها للبيئة، فأوضح رئيسه أنها تمتد حتى 2022، وأنجز منها المجلس حتى الآن نحو 45%، وتضم كافة مناحي الحياة.
وطلبت أنوار صوافطة تلخيصًا عن أبرز إنجازات المجلس خلال النصف الأول من العام الحالي، فقال عبد الرازق، ونائبه أبو خضر إنه جرى تأهيل الشارع الرئيس، من خلال وزارة الأشغال العامة، وتم الاستناد على مساهمات محلية لتدشين دواوير، وتم شق عدة طرق داخلية، عبر صندوق البلديات، ويجرى إنشاء 5 مدارس، عبر متبرعين المجتمع المحلي، ومدرسة مهنية زراعية في طمون، وتواكب البلدية بالشراكة مع المحافظة ووزارة الصحة توفير جهاز تصوير طبقي للمستشفى التركي، وتأهيل بئر البلدية، وإنشاء مجمع تجاري لتعزيز إيرادات البلدية، وهناك مشاريع لتوليد طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وتمتلك شركة الكهرباء مركزًا لصيانة المولدات.
وواكبت رهف صوافطة أسباب غياب حديقة للأطفال في المدينة، فأفاد عبد الرازق أن المجالس السابقة امتلكت رؤية لمنح المنتزه العام لأفراد بالمجان لتشغيله والحفاظ عليه، لكنها وقعت في إشكالية، وتوجهت للقضاء لحسم الخلاف، وتعد العدة لتوفير تمويل لافتتاح حديقة عامة في منطقة الأحراش على 25 دونماً.
واستفسرت لجين محاسنة عن أبرز التحديات التي تعترض المجلس، فرد رئيسه بوجود ديون متراكمة للبلدية على وزارة المالية.
وقدمت رغد فقهاء، وريم وإيمان خضيري، وهامة دراغمة أسئلة حول الموازنات والإيرادات والمصروفات، ومشروع الصرف الصحي، والواقع البيئي الذي يشهد اعتداءات على الأشجار، وحرق النفايات، في وقت تسعى البلدية لشراء 5 مركبات لجمع النفايات، لتغيير المركبات القديمة منذ عام 2008.

صحافيات صغيرات في المخيم الصيفي الإعلامي البيئي السابع
مهارات وتجوال
وتلقت الزهرات، مهارات إعلامية مكتوبة، وإذاعية، وإلكترونية، وفنون التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني، وفنيات الاتصال الفعّال، وأخلاقيات النشر، والابتزاز الإلكتروني. واستمعن إلى محاضرات حول التنوع الحيوي في فلسطين، والتغير المناخي، والتحديات البيئية، والتخلص الآمن من النفايات، ومهارات التدوير. كما تعرّفن على ملامح هامة في التاريخ والثقافة الوطنية.
وعرّف المصور المهتم بالبيئة محمد ضبابات الصغيرات على مفاهيم هامة في توثيق الحياة البرية، وقدّم إرشادات نظرية، وتدريب علمي للزهرات على استخدام العدسات، وعلاقة الصورة بالضوء. وقال إن التخصص في التقاط مشاهد البيئة وعناصرها ليس عملاً سهلاً، خاصة في الأغوار الشمالية.
وزارت المشاركات مركز التعليم البيئي، وبلدة بتير المدرجة على لائحة التراث العالمي، وكنيسة المهد. وتجولت المشاركات في الحديقة النباتية، ومتحف التاريخ الطبيعي، والمعرض البيئي، ومحطة طاليتا قومي لمراقبة الطيور وتحجيلها، وشاهدن نماذج إعادة استخدام المياه الرمادية، وتنقية المياه العادمة.
وحاور المدير التنفيذي لـ"التعليم البيئي" سيمون عوض الزهرات، واستعرض أمامهن جهود المركز في التوعية البيئية، ومرتكزات التعليم البيئي، وأهمية إدماج الأطفال في تربية خضراء مُبكرة.
وقال: "إن المركز يرعى منتديات نسوية وشبابية وأندية بيئية في محافظات الوطن، وينفذ أنشطة وحملات وفعاليات تطوعية، تسعى لتعزيز الاهتمام بالبيئة".
ورافقت الصغيرات المشرفة التربوية جوان عيّاد، والباحث ميشيل فرهود في جولة في أقسام المركز وعرف الزهرات على التنوع الحيوي، وموجودات المتحف من الطيور المنقرضة والمهددة، والتي يعود تاريخ تحنيطها إلى عام 1902.
وتجولت الزهرات في بلدة بتير، وشاهدن نظامها المائي التاريخي، وبركتها الرومانية، وحقولها، واستمعن من خالد أبو حسن، الناشط في جمعية بتير التعاونية الزراعية إلى شرح عن البلدة، وما تعرضت له من مصادرة خلال النكبة والنكسة، وما تتميز به من معالم وطبيعة أدخلتها إلى لائحة التراث العالمي، كما أشار إلى طرق الزراعة وتوزيع المياه بين عائلاتها الثماني.
وزارت المشاركات كنيسة المهد، وتدربن في ساحاتها على أساسيات التصوير الفوتوغرافي، وكتبن مقطوعات تصف المدينة ومعالمها.
منتدى "الشقائق"
وأعانت الصغيرات إطلاق منتدى (شقائق النعمان) البيئي، الذي سيشهد تنفيذ مبادرات، وعقد لقاءات مكرسة لتخضير طوباس، والمحافظة على نظافتها، وإحياء المناسبات البيئية.
وبينت رئيسة جمعية طوباس الخيرية، مها دراغمة، أن المخيم التخصصي، نجح في تمكين وتطوير قدرات الزهرات، اللواتي أنتجن أفلامًا وثائقية حول الزراعة وتعطيش الأغوار والبيئة.
وذكرت أن "صحافيات صغيرات" يُكمل مساعي الروضة الصديقة للبيئة، ومنتدى السوسنة النسوي، المشتركان مع مركز التعليم البيئي، منذ 2013.
وأوضحت الناطقة بلسان المخيم، سديل أبو حلوة، أن المخيم منحهن فرصة للمعرفة الإعلامية والبيئية والتثقيف الوطني، وعرّفهن على أسرار الصورة الصحافية، والإلقاء الإذاعي، والكتابة الإبداعية، والأخبار، والبيئة، والتدوير، والتنوع الحيوي الساحر لفلسطين وطيورها البهية.
وأضافت: "نعدُ أنفسنا ونعدكم أن نواصل شغفنا بالمعرفة، ونقل هموم أطفال طوباس والأغوار الشمالية وآمالهم إلى كل مدى متاح، وأن ننتصر لبيئتنا ونبادر بكل جهد لحمايته، من خلال منتدى الشقائق".
وقال "التعليم البيئي" إن "شقائق النعمان"، الذي سيرعاه المركز، يضاف إلى قائمة منتديات بيئية شبابية ونسوية ومجتمعية تنشط في محافظات الوطن، وتسعى إلى التوعية بقضايا التنوع الحيوي، وتنفيذ أنشطة خضراء، وإحياء المناسبات البيئية الوطنية والعالمية، وتعمل بالفعل في حملات غرس للأشجار، وتطوع، نظافة، وتوعية.
وأكد أن التوعية البيئية تحتاج إلى جهود مضنية، ومبادرات، وعمل متواصل كي تتحول المسؤولية البيئية إلى ممارسة ومسؤولية فردية وجماعية.
وذكرت وزارة الإعلام إن عضوات المنتدى الجديد، تلقين تدريبات على مهارات إعلامية وبيئية وسبل تطوير الذات، ستساعدهن في تقديم مبادرات مجتمعية عملية، وتنفيذها، ونقل وتوثيق الاعتداءات على البيئة بطرق مُنظمة.
حوار أخضر
وحاورت الصغيرات مديرة "جودة البيئة" لمى جرّاد، بأسئلة سلطت الضوء على الواقع البيئي في طوباس والأغوار الشمالية، وأبرز التحديات التي تواجه المحافظة، وأسباب تراجع الوعي البيئي، وأهمية إيجاد سُبل لتقليل النفايات، وإنتاج الأسمدة العضوية، وأهمية إطلاق الشرطة الخضراء لملاحقة المعتدين على البيئة.
وقدمت جرّاد شرحًا حول عمل "جودة البيئة" وتأسيسها، وقانون البيئة الصادر عام 1999، وسبل ملاحقتها للمعتدين على التنوع الحيوي، وصلاحيات السلطة ووظائفها، ودورها التوعوي والرقابي.
وأكدت أن طوباس والأغوار من أكثر المحافظات نظافةً، لكنها تعاني كثيرًا بفعل انتهاكات الاحتلال للبيئة في الأغوار، كما تواجه تحدي النفايات الصلبة، والحفر الامتصاصية.
وقالت جرّاد إن التوعية البيئة مهمة، وتدخل في عمل السلطة، عبر الأندية البيئية، وورش التدريب في المدارس على مهارات التدوير وإعادة الاستخدام. كما تحدثت عن إطلاق مسار بيئي في محمية طمون، وتسعى للإعلان عن مسار مماثل في المالح.
وتعرفت الصغيرات خلال زيارتهن لمجلس الخدمات المشترك للمياه والصرف والصحي، على مشروع محطة التنقية، المُقام في تياسير، شرق المدينة، واستمعن في إيجاز حول أهميته من المدير التنفيذي للمجلس، م. عيسى ضبابات.
وأفاد مدير محطة التنقية، م. محمد دراغمة، أن المحطة ستعمل قبل نهاية الصيف، وسيبدأ الفحص الهيدروليكي لها، ولخطوطها، وإجراء تشغيل تجريبي، وصولًا للتدفق المناسب.
وأوضح أنها ستعمل بـ "نظام المعالجة الميكانيكية للمياه"، وستتسع لـ 4300 متر مكعب يوميًا. وستتكون من وحدة إزالة الرمال والحصى والشحوم، ثم تنتقل إلى العملية البيولوجية لتحليل المواد العضوية، ثم إلى وحدة الترسيب النهائي، التي ستتحكم بالنظام البكتيري الخارج من الحمأة النشطة الزائدة، والتي تعيده إلى حوض التهوية لتغذية النظام البيولوجي، وتدخل المياه في ثلاثة أحواض للتنقية آخرها حوض الترسيب النهائي، بعدها يجري تطهير المياه بالأشعة فوق البنفسجية، وهي معالجة ثلاثية متقدمة، لا تحتاج إلى الترشيح بالرمل.
وأشار دراغمة إلى أن تشغيل المحطة "سيكون عبر طاقة الرياح، والطاقة الشمسية"، وسنويًا ستحتاج إلى قرابة 4 مليون كيلو واط، ستتوفر بالطاقة النظيفة.
وذكر المفوض السياسي والوطني لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية، محمد العابد أن الاهتمام بالبيئة لا ينفصل عن التربية الوطنية، إذا لا يمكن الادعاء بحب الوطن بالتوازي مع تدمير التنوع الحيوي، وانتهاك البيئة، وتسميمها.
وأوضح نائب المدير العام للمركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، جمال خورشيد، أن تشجيع المبادرات الشبابية المتصلة بالبيئة يساهم في تغيير الواقع المحلي المتراجع، بمبادرات تشرك القطاعات المختلفة، وتنتصر للبيئة، وتنشر الممارسات الإيجابية تجاهها، وخاصة في ظل "تراجع الثقافة البيئية في مجتمعنا".
aabdkh@yahoo.com