"الزراعة الحضرية".. مصدر آمن للغذاء وطوق نجاة لمئات العائلات في غزة
تضمنت أنشطة الزراعة الحضرية في قطاع غزة، والتي أشرف عليها مركز العمل التنموي/معا، تلبية الاحتياجات الغذائية الفورية لما يقارب ألف أسرة من مناطق متفرقة في قطاع غزة لتعزيز السيادة الغذائية وتحسين نوعية الغذاء للأسر المستهدفة، من خلال تنفيذ عدد من الأنشطة تتضمن توزيع قسائم غذائية متنوعة، وتعزيز الوعي حول مفاهيم وتطبيقات الزراعة الحضرية، بالإضافة إلى دعم إنشاء عدد من وحدات الزراعة الحضرية داخل منازل الأسر المستهدفة لتحسين الإنتاج المنزلي الآمن للغذاء. من فوائد الزراعة الحضرية خفض التلوث الناتج من زيادة مساحات المباني والمنشآت، خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون من خلال استهلاكه في عملية البناء الضوئي التي تقوم بها النباتات، إنتاج غذاء طازج وآمن وخالي من المبيدات، إتاحة فرص عمل لكبار السن، تعليم الأطفال حب النباتات من الصغر، وتحويل سطح المنزل الى مكان مفيد ومنتج وحديقة مثمرة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية/ غزة
|
الزراعة الخضرية على أسطح المنازل في مدينة غزة |
في وقت يعاني قطاع غزة من أكبر نسبة كثافة سكانية في العالم -حيث يعيش أكثر من مليوني نسمة على مساحة 365 كيلو متر مربع- بات التمدد السكاني والعمراني غولين ينهشان ما تبقى من آلاف الدونمات الزراعية وذلك بتسارع مرعب، يهدد سلّة غذاء للسكان قادرة على أن تغنيهم مؤونة الاستيراد من الخارج.
أمام هذا الواقع الأليم، انبرت أصوات خبراء البيئة تحذّر من مشاكل جمة سيواجهها القطاع الساحلي مع غياب مشاريع إستراتيجية للسنوات القادمة، فبدأت أفكار ومقترحات عديدة تطفو على السطح، من شأنها أن تساهم في إبقاء غزة حاضرة بلونها الأخضر النباتي.
مشروع "الاستجابة الإنسانية لاحتياجات الغذاء والمياه في قطاع غزة مع اعتبار الابتكار في العمل الإنساني"، كان واحدًا من تلك الأفكار، التي نجحت في تحقيق هدفٍ عام يتمثل في تحسين القدرة على الصمود وتخفيف المعاناة، وتعزيز آليات التأهب للأسر الأكثر هشاشة، والمساهمة في تعزيز ونشر ثقافة الزراعة الحضرية في قطاع غزة.
عن المشروع
نُفّذ هذا المشروع مركز العمل التنموي/ معًا، بالشراكة مع البرنامج المشترك للمساعدات الدنماركية/ النرويجية. يهدف إلى نشر وتعزيز ثقافة الزراعة الحضرية، السيادة الغذائية، تمتين الجانب الاقتصادي، وإيجاد مشاريع مدرة للدخل لبعض المستفيدين.
تضمنت أنشطة المشروع تلبية الاحتياجات الغذائية الفورية لألف أسرة (7781 فرد) من مناطق متفرقة في قطاع غزة من خلال تنفيذ أربعة أنشطة رئيسة مختلفة هي: القسائم الالكترونية من الخضار والفواكه والدواجن الطازجة والبقالة، قسائم المياه المحلاة الصالحة للشرب، الزراعة الحضرية داخل منازل الأسر المستهدفة لتحسين الإنتاج المنزلي الآمن للغذاء، نشاط الجهوزية للعمل في أوقات الطوارئ.
الزراعة على الأسطح في غزة
الزراعة الحضرية ...ما هي؟
خلال أنشطة المشروع جرى إنشاء 8 وحدات مشاهدة في مختلف مناطق قطاع غزة (الشمال-غزة-الوسطى-خانيونس-رفح)، وعقدت جلسات توعوية لقرابة 2249 فرد عن أهمية الزراعة الحضرية ونشر ثقافتها، ونفذ أيضًا تدريبٌ نظري وعملي عن الزراعة الحضرية لـ300 أسرة، وإنشاء 3 وحدات منزلية مدرة للدخل..
"الزراعة الحضرية" عبارة عن استغلال المساحة المتاحة في إنتاج الغذاء، من خلال استثمار الموارد المتوفرة والمساحات غير المستغلة في المدن من الأراضي الفارغة بين الأبنية والمساحات فوق أسطح الأبنية السكنية، والمستشفيات والمدارس، وجوانب الطرق لزراعة الخضروات. وقــد تتضمن أنشـــطة أخرى لإنتاج الغذاء كتربية الدواجن، والحيوانات المنزلية والأسماك وغيرها.
الزراعة على الأسطح في مختلف لأنحاء بقطاع غزة
أحد المستفيدين
المواطن صالح الحمايدة، من سكان محافظة رفح -منطقة تل السلطان، أحد المستفيدين من المشروع الذي تمكن من خلاله إعالة أسرته المكونة من 11 فردًا وزوجته.
يسكن صالح (53 عامًا) وأسرته في بيت متواضع يتكون من طابقين، وعند إجراء طاقم "معا" زيارة ميدانية لهم، تبين أن الأسرة تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وتعيش تحت خط الفقر المدقع.
استفادت أسرة صالح من نشاط القسائم الالكترونية الشرائية، حيث وفر لها المستلزمات الغذائية من الخضار والفواكه والدواجن الطازجة وأصناف البقالة لمدة 3 شهور، كما استفادت من قسائم مياه الشرب.
قدّم المشروع خدمات تدريبية نظرية وعملية لأسرة "صالح" حول الزراعة الحضرية وأهم تطبيقاتها، وتم تزويده بمدخلات زراعية لإنشاء وحدة زراعة منزلية فوق سطح منزله، وتقديم المساعدة الفنية له من خلال الزيارات الارشادية التي نفذها فريق المهندسين الزراعيين.
بعد ذلك قام المستفيد بتطوير وتوسيع وحدة الزراعة الحضرية الخاصة به، حيث أنشأ دفيئة زراعية بدائية بمدخلات مستخدمة من الأخشاب والنايلون وقام بزراعتها بأصناف من الخضار الموسمية وهي (بندورة، خيار، باذنجان، فلفل رومي، فلفل حار، كوسا، بامية، لوبيا وقرع أصفر)، فضلًا عن زراعة أشجار داخل براميل مستخدمة، (كلمتينا، قشطة، جوافة، برتقال).
وتنقسم الوحدات المنزلية لقسمين: حديقة المنزل "مساحة زراعية حول المنزل" والثانية على الأسطح وبلغت مساحة الحديقة 30 مترًا.
انتشرت في السنوات الأخيرة الزراعات الحضرية في مختلف مدن قطاع غزة
فوائد كثيرة
ويقول صالح: "تتصف الخضار المنتجة بطعمها المميز بسبب خلوها من الكيماويات". ويضيف أن وحدة الزراعة الحضرية اقتصدت من المصروف اللازم لتغطية الاحتياجات الغذائية من الخضار بنسبة 60%.
لم يتوقف الأمر عند الربح فقط، فقد أفاد المواطن الخمسيني أن الأسرة باتت تعتبر الوحدة مكاناً رائعاً للترفيه عنهم، إضافة إلى تشجيع أطفاله على التنافس في زراعة أصناف داخل الوحدة التي أصبحت أيضاً مكاناً لتفريغ الضغوطات النفسية التي يعاني منها صالح.
ويؤكد المهندس "مصطفى حنون" المشرف على المشروع أنه نفذَ -بالإضافة إلى تحقيق الأمن الغذائي للأسر- بهدف كسر حدة المشهد البنياني وتلوينه بالأخضر "في إشارة إلى المزروعات".
ويعدُّ هذا المشروع امتدادًا لمشروعين سابقين نفذا من قبل مركز معا، استهدف الأول 50 مزارعًا والثاني 170 مستفيدًا، في حين سيتم تنفيذ مشروع آخر مستقبلاً، وذلك للنجاح الكبير الذي حققته تلك المشاريع.
وفيما يتعلق بوحدات المشاهدة؛ فقد أكد م. حنون أنها اكتسبت نجاحًا كبيرًا، حيث زارتها العديد من الوفود الخارجية لتكتسب المعرفة وتكتب قصصاً عن دورها في اعانة أهل القطاع.
وينبه إلى أن بعض المستفيدين عملوا على تحويل الوحدات إلى مشروع مدرٍّ للدخل، وهو ما يسعى إليه مركز معا من خلال العمل على توسيع هذه الوحدات وبيع منتجاتها في الأسواق من قبل المستفيدين أنفسهم.
واللافت هنا أن ما تنتجه "وحدة الزراعة "العضوية" يقارب ما تنتجه الزراعة العادية بنفس المساحة، مع فارق في الجودة وسلامة في البيئة، كما يقول.
وتجدر الإشارة إلى أن مركز "معا" عمل على توفير كافة التدابير اللازمة لإنجاح المشروع، بدءًا من التدريب والارشادات وخزانات المياه، وذلك لتلاشي أزمة انقطاع المياه، فضلًا عن دعم المستفيدين بالبذور والأشتال والكومبست.
زراعة اقتصادية وصحية
عدد المهندس طارق عبد العاطي أحد المشرفين على المشروع من مركز معا، أنماط الزراعة الحضرية ما بين إنتاج نباتي (زراعة فناء وحول المنازل، زراعة أسطح المنازل)، إنتاج حيواني ( دواجن، أغنام، أرانب)، استزراع سمكي (تربية الأسماك).
ويؤكد م. عبد العاطي أن الزراعة الحضرية تتميز عن الزراعة التقليدية، بأنها تعتمد على موارد بسيطة وغير مكلفة، وتستخدم مساحات صغيرة، وتوفر الاستهلاك المنزلي من الغذاء، وتنتج غذاء سليماً وخالياً من المبيدات الخطيرة.
ويضيف عبد العاطي: "تتعدد فوائد الزراعة الحضرية، فمن ناحية اقتصادية: زيادة كمية الغذاء، توفير مصدر دخل، الاستفادة من المخلفات النباتية والحيوانية كسماد في المزارع والحدائق الحضرية، واستثمار الموارد غير المستغلة.
أما من ناحية المنفعة البيئية فتعمل الزراعة الحضرية، وفق عبد العاطي، على تلطيف درجة حرارة الجو، وتقليل الضوضاء والرياح وامتصاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وخفض انبعاث غاز الميثان من مكبات النفايات، وتقليل استخدام المدخلات الكيميائية الملوثة للتربة.
ويلفت أيضاً إلى منافعها الصحية والاجتماعية عبر زيادة فرصة الوصول إلى الغذاء الصحي، وتحسين صحة الأفراد بفعل تناول الغذاء النظيف من الكيماويات، وزيادة النشاط البدني عبر العمل بالبستنة، وتوفير السيادة الغذائية في حالة تردي الوضع الاقتصادي وفي ظل الكوارث.
زراعة الخضار على أسط المنازل في غزة
نصائح وإرشادات
وفق عبد العاطي، يمكن لأي شخص إنشاء مزرعة حديقة فوق الأسطح أو في البلكون أو في الفناء الخلفي أو في ممر المنزل بناءً على الموارد المتاحة لديه من مياه ومساحة وموارد أخرى متتبعا الخطوات التالية: اختيار المكان المناسب، مصادر المياه المتوفرة، مدى توفر الإضاءة (أشعة الشمس)، التسميد، الموسم الزراعي.
وبحسب عبد العاطي، يعتمد قرار إنشاء الحديقة المنزلية على المساحة المتوفرة في المنزل، حيــث يمكن إنشاؤها في أي مكان فارغ ولكن لابد أن يكون معرضاً لضوء الشمس لأطول مدة خلال اليوم.
أيضًا يمكن لأي مهتم إنشاء الحديقة في أكثر من مكان في المنزل، بناء على ما يتوفر لديه من قطعة أرض فارغة سواء أمام أو خلف المنزل، سطح المنزل، الممرات – البلكونات، الجدران المعرضة للضوء.
وهنا -كما يضيف عبد العاطي- يجب أن يكون المهتم بإنشاء الحديقة على دراية تامة بمصدر المياه لديه، فعلى سبيل المثال هل هي مياه بلدية أم مياه بئر، ثم يجب معرفة نوعية المياه المتوفرة وتركيز نسب الأملاح الذائبة في المياه التي تحدد أنواع الزراعات المستقبلية، فهنالك محاصيل متحملة للملوحة ومحاصيل متوســـطة التحمل ومحاصيل حساسة للملوحة.
ونظرًا لأن الكثير من السكان خصوصًا في قطاع غزة يعانون من ندرة المياه في الأحياء الحضرية، ويكون وصولها في أيام محدودة من الأسبوع، يُنصح بتوفير بعض الخزانات البلاستيكية لحفظ المياه لحين الحاجة اليها، ثم البدء في التخطيط للحصاد المائي لمياه الأمطار وذلك عبر تنظيف سطح المنزل ومحاولة تصريف المياه وتجميعها في خزانات، زراعة نباتات ذات احتياجات قليلة للري مثل (الملفوف، الفجل، الفلفل، اللفت، الجرجير، الكوسا، الباذنجان والملوخية).
أيضًا من المهم توفر كمية مناسبة من الضوء (أشعة الشمس) في الحديقة، نظرًا إلى استخدام النبات للضوء في عملية البناء الضوئي، لذا يجب تجنب زراعة نباتات في أماكن مظللة على مدار اليوم، ومن الضروري محاولة إفساح المجال لدخول ضوء الشمس، وذلك بإزالة أي معيق يسهل إزالته ويحجب الضوء عن الحديقة.
وفي حالة الزراعة في البلكون وفق عبد العاطي، يجب وضع النباتات في المكان الأقرب للضوء، علما بأنه يجب توفير ثماني ساعات من الإضاءة للنباتات على الأقل، وفيما يتعلق بالتسميد فيجب الاعتماد على السماد العضوي والابتعاد عن الكيميائي، لما له من أضرار كثيرة على البيئة وصحة الإنسان.
وتوجد أنواع كثيرة من السماد العضوي منها المخلفات الحيوانية كزبل الدجاج والأغنام والأبقار والحمام، ويعد الكمبوست أفضل سماد عضوي، حيث أنه ينتج من تحلل المخلفات النباتية والحيوانية.
مركز معا أشرف على تنفيذ مئات وحدات الزراعة الحضرية في قطاع غزة
المعرفة ضرورية
يرى م. عبد العاطي، أنه من الضروري أن يعرف المهتم بإنشاء الحديقة للتوقيت المناسب للمزروعات، فالنباتات تزرع حسب موسمين، البارد مثل: (البطاطس، الثوم، البازيلاء، السبانخ، الخس، الفجل، الجزر، البقدونس، السلق، الفول)، أما نباتات الموسم الدافئ، مثل: (الشمام، البطيخ، البندورة، الملوخية، الكوسا، الباذنجان، الفلفل، البامية، الخيار).
وهناك نوعان من طرق الزراعة، الأول بالشتلات ومن محاصيلها: ( فراولة، فلفل، باذنجان، طماطم، نعناع، كرنب، البصل)، النوع الثاني: الزراعة بالبذور ومن محاصيلها: (اللوبيا، الفاصوليا، فول، بازيلاء، كزبرة، جرجير، شبت، ملوخية، خيار، كوسا).
وهناك اعتبارات يجب الأخذ بها عند زراعة الأسطح، وهي أن يكون النظام المستخدم خفيف الوزن (اختيار نظام الزراعة المناسب). أن لا يسرب النظام المياه من السطح إلى داخل البيت. أن يتعرض الزرع لأشعة الشمس المباشرة ( ٤ - ٥ ساعات على الأقل يومياً). تجنب الأماكن المعرضة للرياح الشديدة. وأن يكون الزرع قريباً من مصادر المياه.
كما يجب تنظيف المساحة المراد زراعتها من الأوساخ والحجارة والحشائش الضارة وأي مخلفات زراعية، وتسميد التربة من خلال إمداد التربة بالعناصر الغذائية الضرورية لنمو النباتات من خلال زيادة محتوى المادة العضوية في التربة، وأيضًا حرث التربة بهدف الحد من تواجد الآفات والحشرات، وزيادة مكافحة الحشائش الضارة وتهوية التربة، ويلزم أيضًا تخطيط الأرض والمقصود به تحديد خطوط الزراعة ومكان زراعة الأشتال، حسب المسافات المحددة لكل نبات، سواء اشتال شجرية او خضروات.
ويمكن مكافحة الآفات والأمراض التي تصيب المحاصيل بطرق طبيعية متعددة وسهلة التطبيق، وباستخدام موارد متاحة في كل منزل كمسحوق الفلفل والثوم.