خاص بآفاق البيئة والتنمية

تشابكت نباتات برية على حافتي الطريق المؤدية إلى محمية وادي الفيران، 30 كم شرق طوباس. للوهلة الأولى، بدا المكان جديدًا لمعظم مواطني المدينة الأقرب إليه، فيما ثبّتت ما تسمى سلطة حماية الطبيعة لدولة الاحتلال، يافطات إرشادية تدلل على الوادي، وتُحدد الكلمات العبرية مساراته وألوانها، ودرجة خطورته.
تختار وصديقك د. عماد دوّاس، المهندس الشغوف بالبيئة والتقاط الصور الفوتوغرافية للطيور، الانطلاق في رحلة مشي إلى الوادي، في يوم من نهايات الشتاء.
أخذ الوادي بالارتفاع شيئاً فشيئًا، وصار يشرف على امتداد الحدود الفلسطينية –الأردنية، فيما تلونت الأرض بالأقحوان الأصفر، والعكوب، وكعب الغزال، أما شقائق النعمان فراحت تتمايل مع نسمات الرياح، التي سبقت منخفضًا جويًا سريعًا.

الزملاء عبد الباسط خلف ود. عماد دواس في وادي الفيران
سحر
قال عماد: ولدت في طوباس عام 1976، والمرة الأولى التي سمعت بها عن الوادي لم تكن إلا قبل 3 سنوات من اليوم، وهذه هي المرة الثانية التي أصل إلى المنطقة، لكنها الأولى التي أتوغل في عمقها، "وهي حقًا منطقة مذهلة".
وأضاف: مقصرون نحن في اكتشاف محطينا، وللدلالة على تميز الوادي، ذهل الأصدقاء حين شاهدوا صور التنوع الحيوي للوادي، وراحوا يخمنون مكان التقاط الصور. و"بعضهم ظنها من دولة أخرى".
وشق ممر مائي منحدرات صخرية، راحت تحوم فوقها أسراب من طائر العوسق، فيما كست أزهار ونباتات التلال القريبة، وتنافست الخبيزة على شغل حيز، فبدت من شدة الأمطار كشجيرات على غير العادة.
وخلا الوادي من المفتونين بالطبيعة، إلا مجموعات مستوطنين راحوا يلتقطون الصور، ويستمعون إلى مرشدهم بالعبرية.

تنوع نباتي ساحر في وادي الفيران
استلاب
وقال مراسل وكالة "وفا" الحارث الحصني: توحي رزمة من العبارات مكتوبة بالعربية والانجليزية والعبرية، على لوحة ارشادية عند مدخل إحدى الطرق الترابية في الوادي، بأن أرض المكان للتنزه.
وسرد: "هذه اللوحة واحدة من عشر لوحات وضعتها سلطات الاحتلال في الأغوار الشمالية، تحمل معظمها اسم محمية "أم زقة"، أو كما يسميها الفلسطينيون "مزوقح"، وهي تجمّع فلسطيني كان يضج بالحياة في القرن الماضي، لكن الاحتلال طرد سكانها الأصليين منها."
ووالى الحصني: تضم المحمية عشرات آلاف الدونمات من مناطق "السويدة"، و"سمرة"، و"مزوقح"، الرعوية المتعرجة بين الجبال المنتشرة على طول الشريط الحدودي بين الضفتين.
وأفاد: التعليمات واحدة من مجموعة سياسات استيلاء على المناطق الرعوية، كما يصفها حقوقيون بأنها ملموسة على أرض الواقع. فكانت واحدة من ضمن التعليمات بأن الرعي ممنوع فيها، بذريعة أنها محمية طبيعية.

مسارات متنوعة في وادي الفيران
حياة
تمضي وصديقك قرابة أربع ساعات في الوادي، تلتقطان الصور، وتشاهدان القليل من أسراب الحجل، والكثير من الفراشة الحمراء المزركشة، ولا تنجحان في توثيقٍ عن قرب لغزال الجبل الفلسطيني، الذي مر بسرعة من أدنى الوادي لأعلاه.
ووفق رئيس مجلس عين البيضاء، مصطفى فقها، فإن أمطار هذا العام ساهمت في ربيع مزهر في الأغوار، ولم تتكرر منذ عام 2003، وأضافت للمنطقة المزيد من البهجة.
وتبدو المعلومات شحيحة عن الوادي، وبالكاد يعرفه الرعاة، الذين يتنقلون في عدة مواقع، وبعض الباحثين عن العكوب كالشاب مراد جابر، الذي يؤكد أنه يصل الوادي منذ 4 سنوات، لجني الثمار الشوكية.
وأضاف: "أضع يدي على قلبي" وأنا أقطف العكوب، فالاحتلال يفرض غرامات باهظة علينا بحجة حمايته، لكن الوادي منطقة جميلة جدًا.

وادي الفيران
بعد يوم واحد من رحلة وادي الفيران. تنافست 13 قرية دمرها الاحتلال في طوباس والأغوار الشمالية عام 1967، على احتلال حيز من اللافتة التعريفية لمعرض هنا باقون، بالنسخة الرابعة.
وسردت غرفة تجارة وصناعة وزراعة طوباس، ومحافظتها، والاتحاد العام للمرأة، وجمعية طوباس الخيرية، التجمعات التي صارت أثرًا بعد عين كالساكوت، والدير، وميحان السمن، وجباريس، وداير أبو السوس وغيرها، لكن كل الحاضرين، الذين سألتهم، عجزوا عن تخمين أسباب تسمية الوادي.
وسيّطرت على دواس دوافع البحث في علاقة المواطنين بالطبيعة، وأسباب الخوف من التواصل معها، أو التجوال فيها.
وأفاد: "الأمر بالغ الأهمية، علينا البحث في الحذر الشديد من الطبيعة، والعوامل الطاردة منها، وسبل جذب الناس إلى بيئتهم، وتبديد مخاوفهم".

وادي الفيران قضاء طوباس
حدود
تصعدان إلى أعلى نقطة في وادي الفيران، فتشرف على الحدود الأردنية، فيما تستلقي في الأفق القريب بيوت ودفيئات زراعية، وتلتقط الأذن مكبرات الصوت من مساجد القرى الأردنية، وتبدو الصخور خشنة الملمس، ومصفوفة بشكل هندسي.
تحصيان عشرات أنواع الأزهار، إلا أن الغالب عليها: شقائق النعمان الحمراء، وزهرتان صفراوان يتيمتان منها، والأقحوان الأصفر، وكعب الغزال، وخف الجمل، والمرار، والخبيزة فارعة الطول، واللوف، وقرن الغزال.
يخطط دواس لواحد من أوائل المسارات المنظمة إلى الوادي قبل جفاف الربيع، وقال: "من لا يتواصل مع أرضه، فإنه سيخسر الكثير".
تودعان الوادي، على أمل التوصل إلى مصدر ما يسرد قصة متكاملة عنه، أو معلومات مُوثّقة تسهب في كشف حقائق المكان، وتستقطب المتنزهين إليه.
aabdkh@yahoo.com