اشترى الشاب تامر ماكينة لتقشير كوابل النحاس وفصله عن البلاستيك من إيطاليا، كون عمليات الحرق في غالبيتها تستهدف معدن النحاس من أجل بيعه في السوق السوداء كونه الأعلى ثمنا، حيث يصل الكيلوغرام الواحد منه في بعض الأحيان إلى (80 شيقل) أي ما يعادل 22 دولار، بسبب تزايد الطلب عليه. تهدف مبادرة تامر إلى الحد من عمليات حرق المعادن التي ألحقت أضراراً بالبيئة، وبصحة التجار أنفسهم، والمواطنين أيضا، حيث ازداد عدد زبائنه، كون عملية التقشير خالية من الأضرار، وتقي السكان من شر استنشاق الهواء الملوث الناجم عن عملية الحرق.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
أكوام الخردة البلاستيكية قبل فرزها |
أدّى تراكم السحب السوداء الناجمة عن حرق الكوابل البلاستيكية التي تحوي معادن "النحاس، والحديد، والألمنيوم" أو كما يسميها البعض بـ "الطقش" في مناطق الجنوب الفلسطيني بالشاب تامر زاهر (38 عاماً)، من بلدة إذنا جنوب المحافظة إلى التفكير جلياً في معالجة الأزمة التي ألحقت أضرارا بمكونات الحياة البيئية والصحية للمواطنين، وإيجاد بدائل لعمليات الحرق تلك.
ففي مطلع العام (2012)، اشترى الشاب تامر ماكينة لتقشير كوابل النحاس وفصله عن البلاستيك من إيطاليا، كون عمليات الحرق في غالبيتها تستهدف معدن النحاس من أجل بيعه في السوق السوداء كونه الأعلى ثمنا، حيث يصل الكيلوغرام الواحد منه في بعض الأحيان إلى (80 شيقل) أي ما يعادل 22 دولار، بسبب تزايد الطلب عليه.
وعمل تامر على عرض خدمته على تجار "الطقش" للحد من عمليات حرق المعادن التي ألحقت أضراراً بالبيئة، وبصحة التجار أنفسهم، والمواطنين أيضا، حيث ازداد عدد زبائنه، كون عملية التقشير خالية من الأضرار، وتقي السكان من شر استنشاق الهواء الملوث الناجم عن عملية الحرق.
الخردة البلاستيكية قبل فرزها
عن المقشرة
وتمر عملية تقشير المعادن بخمس مراحل أساسية: الأولى تبدأ بفرز أصناف المواد التي تم جمعها من حديد ونحاس وألومنيوم وبلاستيك وغيرها من القرى المجاورة، ومن ثم تنظيفها من الشوائب والمواد غير القابلة للصهر، ومن ثم فرزها حسب سماكة ووزن ونوعية كل معدن.
وفي المرحلتين الأخيرتين يتم إدخال المعادن عبر أقسام آلة التقشير، لتعزل المواد في مرحلتها الأخيرة إلى صنفين، الصنف الأول يتم بيعه إلى الشركات والمصانع التي تحتاجها، والآخر يتم بيعه للملاعب الخماسية ليحل مكان الإنجيل الاصطناعي، كما يستخدم في تعبيد الطرقات ومداخل القصور والحدائق المنزلية، بعد أن يتم تحويله إلى حبيبات أشبه بالرمل.
إقبال ولكن!
ويقول زاهر لـ "آفاق البيئة والتنمية": "كان الإقبال على المقشرة في بداية الأمر ضعيفاً جداً، مرّت شهور دون أن أستطيع تحصيل مصروفي اليومي، حيث بنيتُ لي مشغلا في منطقة بعيدة عن مركز إذنا على أرض مساحتها (1300 متر مربع) لتلاشي الازدحام المروري كون المركبات التي تحمل "الطقش" كبيرة، بالإضافة إلى تراكم أطنان المواد الخام والمواد المصهورة، والتي بعد تقشيرها تحتاج لمساحة كبيرة تلقى فيها".
وقبل نحو عامين، وبعد تزايد قناعة العاملين والتجار في مجال المعادن بأهمية المحافظة على حياتهم وحياة أطفالهم وبيئتهم بصورة صحية خالية من الدخان وآثاره الصحية المدمرة، ومحاربة أمراض الربو والسعال وإصابة الرئتين بالأمراض، زاد إقبال العاملين في المعادن على مقشرة زاهر بدل عمليات حرقها، لكن ما زال الكثير منهم يلجأون للحرق وخاصة في القرى المجاورة لإذنا كدير سامت والكوم وبيت عوا.
ويعمل في المقشرة سبعة عمال، يمارسون عملهم في جو صحي وآمن، بعد أن كادت عمليات الحرق تصيبهم بأمراض خاصة بعد كي النيران لبيئتهم وصحتهم، وفق دراسات بلدية إذنا عام (2014).
وليس لمقشرة زاهر أي آثار جانبية من شأنها إلحاق الضرر بالبيئة أو بالصحة الجسمانية للعاملين فيها، وقد اختفت روائح الحرق عن محيط المكان، ما جعله يفكر أيضا في شراء أجهزة قادرة على كتم صوت الآلات التي تعمل في تذويب المعادن.
ولا يخفي زاهر أن عمله في المقشرة ضاعف من أرباحه السنوية، خاصة بعد محاربة المجلس البلدي والجهات الحكومية المختصة لظاهرة حرق المعادن في أجزاء واسعة من البلدة ووسط المناطق المأهولة بالسكان، وهو ما دفع ببعض العاملين فيها إلى اللجوء للمقشرة.
ويؤكد المواطن إياد بشير من بلدة إذنا أن إدخال ماكينات التقشير على مهنة المعادن خفف من حدة الاحتقان الداخلي في البلدة خلال السنوات الأخيرة، كون عمليات الحرق تتسبب بمشكلات وخلافات عائلية أيضا، وبات يشعر بالأمان أكثر من السابق في ظل تلاشي هذه الظاهرة وسط الأحياء المأهولة بالسكان.
وطالب بشير الجهات المختصة بضرورة القضاء على ظاهرة حرق المعادن نهائيا، وتخفيض رسوم جمارك آلات التقشير لتشجيع العاملين في مهنة "الطقش"، على شرائها، خاصة؛ وأنها باتت مصدر رزق للكثير من العائلات في البلدة.
من جانبه، لفت الناشط الاجتماعي يوسف اطميزي لـ "آفاق" إلى أن الأهالي لمسوا تحسناً على المستوى الصحي لأطفالهم، حيث انخفضت معدلات الإصابة بالأمراض الناتجة عن عمليات الحرق، وباتت البلدة أكثر أمناً واستقراراً بسبب توجه العاملين في مجال الخردة إلى التقشير بدل عمليات الحرق.
ويعتزم زاهر تركيب ألواح الطاقة الشمسية فوق سطح مقشرته المغطاة بألواح من الصفيح، خاصة في ظل الحديث عن ارتفاع أسعار الكهرباء، حيث يدفع ما يقارب (40 ألف شيقل شهرياً) ما يعادل 10 آلاف دولار، ثمناً للكهرباء.
من جانبه، قال رئيس بلدية إذنا معمر الطميزي لـ "آفاق": "عملت المجالس البلدية طيلة السنوات الماضية على معالجة مشكلة حرق المعادن، وسعينا لتوفير معدات خاصة لتقشيرها بطريقة صديقة للبيئة والإنسان، ولكن ارتفاع أسعار الآلات والوضع المالي الذي تعيشه البلدية حال دون ذلك".
يشعر زاهر بالفخر مما حققه في هذا المشروع فهو يملك المقشرة الوحيدة في الضفة الغربية ويسعى إلى توسيعها من خلال زيادة عدد الماكينات لاستيعاب أكبر كم ممكن من المعادن غير الصالحة للاستعمال الآدمي بطريقة صديقة للبيئة.
|
|
البلاستيك الناتج بعد استخراج النحاس من الكوابل |
النحاس الناتج بعد مروره عبر مراحل التقشير في الآلات |
رأي آخر: المقشرة ليست حلاً
الصحفي أياد رجوب من قرية الكوم جنوب غرب الخليل، أحد المناهضين لحرق الخردة منذ سنوات، يرى أن المقشرة وبالرغم من أهميتها لعلاج مشكلة الحرق في مناطق إذنا والكوم وديرسامت وبيت عوا، إلّا أنها حلٌ غير مجدٍ لموضوع حرق الخردة والسبب عائد إلى عقلية تجار الخردة التي لا تعرف غير الإيرادات، ولا تقبل أو تستوعب أن يكون عملها منظمًا وآمنا وصحيًّا مقابل زيادة بسيطة في المصروفات.
يقول رجوب: "الأغلبية العظمى من التجار –ولا أعمم- الذين يمتهنون العمل في الخردة، لم يكونوا أصلا تجاراً منظمين يستوعبون مفهوم -أنه كلما زادت الإيرادات لا بد من التضحية بنسبة مصروفات- بل كانوا مواطنين بسطاء دخلوا هذا المجال بشكل عفوي ليوفروا قوت يومهم، وسرعان ما تطورت تجارتهم، وخلال بضع سنين صارت لهم محلات كاملة أصغرها لا تقل مساحته عن دونمين".
ويشير رجوب إلى أن تجار الخردة يستسهلون عزل المعادن عن المواد الأخرى بالحرق، فكلما تجمعت لدى أحدهم كميات من الخردة ينقلها ليلاً بسيارة إلى مكان آمن وبعيد عن عيون السكان، وخاصة بمحاذاة الجدار الذي يحيط المنطقة من الجهة الغربية، ويعطي عاملا لديه 100 شيقل أجرة حرق، فيعمد العامل لحرقها وتعود للتاجر معادن نقية ليس فيها أي مواد أخرى.
ويؤكد رجوب على أن التاجر الذي تتوفر له فرص الحرق وبمصروفات أوفر من ماكنة التقشير، لن يتركها ويذهب للماكنة ليدفع هناك عن كل كيلوغرام حوالي 7 شواقل.
ويرى رجوب أن مساهمة المقشرة ضئيلة جداً، بالرغم من اعترافه أن ظاهرة حرق الخردة خفّت بعض الشيء، غير أن السبب عائد إلى منع إسرائيل منذ عامين تقريبا تصدير الخردة للضفة، وهذا انعكس على تجارة محلات الخردة، وبالتالي على عمليات الحرق.. وهذا لا يعني، وفق رجوب، أنها تلاشت، بل الحرق موجود ولا يكاد يمر أسبوع دون أن تشهد 4 أو 5 ليالٍ منه بلا حرقٍ للخردة تغطي أدخنته منازل سكان قرية الكوم كلها ويمتد لساعات.
مقشرة الكوابل البلاستيكية في إذنا
الأضرار والحلول
وفق رجوب فأضرار حرق الخردة تتمثل بالتالي:
- ازدياد أمراض الجهاز التنفسي وخاصة بين الأطفال وكبار السن.
- تدمير الأراضي الزراعية والتربة والمزروعات وتسميم الثمار.
- ازدياد حوادث السير نتيجة اعتداءات أصحاب محلات الخردة على ارتدادات الشارع العام، وأحيانا وضع الخردة على جوانب الأسفلت دون ترك أي مجال للسائقين لتلافي حوادث السير، وقد حصلت عدة حوادث كانت فيها إصابات خطيرة جدا.
- تلويث أجواء المنطقة بالأدخنة السامة وحرمان السكان من استنشاق الهواء النقي وإجبارهم على إغلاق نوافذ بيوتهم.
- نشوب العديد من النزاعات الشخصية بين السكان ومن تُعرف هويته من حارقي الخردة.
ويختم رجوب -الذي يثمن دور المقشرة- بحل عملي لمشكلة حرق الخردة وهي ليست بأفضل الحلول البيئية ولكنها أخف ضرراً في حال فشلت خطط التوعية، وتتمثل بنقل تجارة الخردة وكل المحال التي تشتغل بها إلى مناطق نائية وبعيدة عن السكان، وخير مكان لذلك هو أراضي شرق محافظة الخليل المطلة على البحر الميت، فوقوع الخردة حينئذٍ في الجهة الشرقية لمحافظة الخليل وعلى مسافة عدة كيلومترات عن المناطق السكنية يبعد آثار الخردة السلبية ويحمي المواطنين.