دراسة تحليلية: فلسطين بحاجة ماسة لتعديلات في القوانين المحلية لتتناغم مع الاتفاقيات البيئية الدولية
تسلط "مجلة آفاق البيئة والتنمية" في هذا التقرير الضوء على الاتفاقيات والمعاهدات البيئية التي انضمت إليها السلطة الفلسطينية لتعزیز مكانتها كدولة في الأمم المتحدة، خصوصاً أنها حصلت على مسمى دولة مراقب في هذا الجسم الأممي عام 2012، واعترفت بها الجمعیة العامة على أنها دولة. يرصد التقرير أبرز الملاحظات على الفجوات بين القوانين المحلية والدولية والخطوات واجبة الاتخاذ لتحقيق الفائدة القصوى من هذه الخطوة، التي يرى مراقبون أنها في كل الأحوال تشكل ورقة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي المسيطر على كل شيء في الأراضي المحتلة. وفي منتصف شهر مايو أيار الماضي، عقدت شبكة المنظمات البيئية الأهلية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين ورشة نقاش مسودة دراسة تحليلية للتشريعات المحلية ومدى موائمتها مع الاتفاقيات البيئية الدولية، والتي تأتي ضمن مشروع تعزيز دور المؤسسات الأهلية في تنفيذ هذه الاتفاقيات، وتوطين المفاهيم والمبادئ الدولية لحماية البيئة فلسطينيا.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
ناديا الخضري مديرة مرفق البيئة العالمي في الأاراضي الفلسطينية أثناء ورشة التشريعات المحلية والاتفاقيات البيئية الدولية |
إنضمام فلسطين لمجموعة من الاتفاقيات الدولية دون تحفظات، فتح النقاش على مصراعيه حول ضرورة مواءمة التشريعات والقوانين المحلية مع القوانين الدولية، وإلا فإن خطوة التوقيع على هذه الاتفاقيات تبقى منقوصة وربما تقيد الطرف الفلسطيني في جملة من الجوانب.
في هذا التقرير تسلط "مجلة آفاق البيئة والتنمية" الضوء على الاتفاقيات والمعاهدات البيئية التي انضمت إليها السلطة الفلسطينية لتعزیز مكانتها كدولة في الأمم المتحدة، خصوصاً أنها حصلت على مسمى دولة مراقب في هذا الجسم الأممي عام 2012، واعترفت بها الجمعیة العامة على أنها دولة. يرصد التقرير أبرز الملاحظات على الفجوات بين القوانين المحلية والدولية والخطوات واجبة الاتخاذ لتحقيق الفائدة القصوى من هذه الخطوة، التي يرى مراقبون أنها في كل الأحوال تشكل ورقة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي المسيطر على كل شيء في الأراضي المحتلة.
في منتصف شهر مايو أيار الماضي، عقدت شبكة المنظمات البيئية الأهلية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين ورشة نقاش مسودة دراسة تحليلية للتشريعات المحلية ومدى موائمتها مع الاتفاقيات البيئية الدولية، والتي تأتي ضمن مشروع تعزيز دور المؤسسات الأهلية في تنفيذ هذه الاتفاقيات، وتوطين المفاهيم والمبادئ الدولية لحماية البيئة فلسطينيا، الممول من قبل مرفق البيئة العالمي- برنامج المنح الصغيرة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
أعد الدراسة عميد كلية القانون في جامعة النجاح الوطنية د. جوني عاصي، الذي أشار – في حديث مع آفاق-إلى وجود حاجة ماسة لإحداث نوع من التناغم بين القوانين المحلية والدولية وملاءمة الاتفاقيات الثنائية مع الاتفاقيات الدولية. مشيراً إلى أن هناك فجوات واضحة مع وجود جهود محلية لتطوير إلتزامات الدولة الفلسطينية مع اتفاقيات البيئة الدولية.
ويضيف: "يشكل القانون الوطني أهم الادوات لتطبيق القانون الدولي ومعاييره، لهذا من الضروري العمل على تطوير القانون الوطني ومصادره. بيئيا، انضمت السلطة الفلسطينية الى ثلاث اتفاقيات دولية والتي تشكل مجموعة معينة من ناحية اهدافها وموضوعاتها: اتفاقية بازل الخاصة بالنفايات الخطرة وحركتها والتخلص منها، واتفاقية روتردام الخاصة بالمواد الكيماوية ومبيدات آفات معينة خطرة، واتفاقية ستكهولم الخاصة بالملوثات العضوية الثابتة".
وتهدف هذه الاتفاقيات الثلاث الى حماية صحة الانسان وحماية البيئة من خلال ضبط النفايات الخطرة وحركتها والتجارة بالمواد الكيماوية والمبيدات الزراعية وبالملوثات العضوية الثابتة، حيث تشكل اتفاقيات روتردام واستكهولم امتداداً لاتفاقية بازل من ناحية حظر وتقييد المواد الخطرة.
ومن خلال الدراسة إتضح أن هناك مجموعة من الالتزامات المؤسساتية والقانونية التي يتطلبها توطين معايير الاتفاقيات الثلاث ومنها:
ورشة عمل حول مدى موائمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات البيئية الدولية
الالتزامات المؤسساتية
في مناطق السلطة الفلسطينية، فإن الجهة المختصة في موضوع النفايات العشوائية والخطرة هي سلطة جودة البيئة. وظيفة هذه السلطة وضع معايير الحد الأدنى في عملية تجميع ومعالجة النفايات والتخلص منها. بالاضافة الى مسؤولية وضع نظام رقابة على حركة النفايات، نوعيتها، كميتها، ووتيرتها والهدف من نقلها. هذا ينطبق أيضا على المواد الكيماوية والملوثات العضوية الثابتة من ناحية مسحها وتصنيفها وضبط انتاجها وتوزيعها وتجارتها. الا انه وبسبب كون موضوع البيئة يخص قطاعات مختلفة، فمن المهم التفكير في آليات التعاون بين الوزارات المختلفة وسلطة جودة البيئة لتنفيذ الالتزامات فيما يخص حماية صحة وبيئة الإنسان الفلسطيني.
فعلى سبيل المثال، يمنح قانون الزراعة رقم 2 لسنة 2003 وزارة الزراعة صلاحيات في مجال إنتاج واستيراد وتخزين المواد الكيماوية،ـ كما أن موضوع التجارة يدخل ضمن صلاحيات وزارة الاقتصاد كما يشير قرار وزير الاقتصاد رقم 1 لسنة 2003 بشأن حظر إدخال بعض السلع والمواد الكيماوية إلا بموافقة مسبقة من وزارة الاقتصاد وسلطة جودة البيئة
تعريف وجرد النفايات الخطرة والمواد الخطرة
طبقاً لاتفاقية بازل؛ التعريف هو بالأساس عبر تحديد خصائص النفايات الخطرة من خلال القائمة الشاملة لهذه النفايات، والتي يمكن أن يضاف إليها مواد جديدة (من قبل مؤتمر الاطراف أو من قبل الدول) ويتم اخطار الدول من قبل "الوادع" وهو سكرتير الأمم المتحدة.
فمثلا القائمة "أ" (المرفق الثامن من الاتفاقية) يقول إن هناك نفايات مصنفة على أنها نفايات خطرة. القائمة ب (المرفق التاسع): النفايات المصنفة بأنها غير خطرة لكنها قد تتضمن مواد تخضع لنظام الرقابة من قبل بعض الدول. القائمة من Y1-Y45 (المرفق الاول) هي نفايات تخضع لنظام الرقابة، القائمة Y46-Y47 (المرفق الثاني) نفايات تحتاج إلى معالجة خاصة، وقائمة ه (المرفق الثالث) تتعلق بخصائص النفايات الخطرة: معدية، سامة، أكالة، قابلة للانفجار وقابلة للاشتعال. النفايات الخطرة هي النفايات المصنفة في المرفق الثامن بالإضافة إلى النفايات في المرفق الاول إذا تضمنت خصائص المرفق الثالث والنفايات الاخرى (مادة 1 من الاتفاقية). وفق اتفاقية بازل يتم استثناء نفايات تخضع لاتفاقيات دولية أخرى مثل النفايات النووية (اتفاقية 1997) ونفايات تخص تفعيل السفن (اتفاقية لندن 1972).
فيما يتعلق باتفاقية روتردام يوجد تعريف حول المواد الكيماوية المحظورة والمواد المقيدة والتي تتطلب موافقة مسبقة وفق المرفق الثالث. وبالنسبة الى الملوثات العضوية الثابتة يوجد تصنيف لقسمين: مواد محظورة وفق المرفق الاول ومواد مقيدة وفق المرفق الثاني.
فلسطينيا، ما زالت هناك ضرورة لعملية مسح وجرد من خلال وضع قوائم للمواد الخطرة. ولا بد من التنويه إلى انه في مجال النفايات الخطرة تبذل سلطة البيئة جهودا في هذا الاطار، حيث تم رصد سبعة قطاعات أساسية (مخلفات صناعية، انشائية، بلدية، زراعية، ناتجة عن الزيوت والمذيبات، ناتجة عن التعامل مع النفايات والمياه العادمة، ناتجة عن مصادر اخرى)، ورصد 25 قطاعاً فرعية، ومن ثم تفصيلها الى 749 نفاية.
الالتزامات القانونية
تطالب الاتفاقيات الدولية المذكورة أعلاه الدول الاطراف باتخاذ التدابير القانونية والادارية لتنفيذها. في الحالة الفلسطينية يمكن ان نذكر تشريعيا قانون البيئة 1999 الذي يتضمن في مادة 12 الالتزام بالأنظمة الصادرة عن الوزارة فيما يخص بإنتاج وتوزيع واستخدام المواد الكيماوية، كما أنه يضع عقوبات معينة وفق مادة 62 . هنا لا بد من توضيح وتقييم هذه الانظمة واذا كانت تتلاءم مع متطلبات الاتفاقيات، وكذلك بالنسبة للعقوبات ومدى فعاليتها؟
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تطور القانون الفلسطيني من عدم الاهتمام بمراقبة المواد وتنظيمها (كما في قانون 1966 الخاص بالادوية وصناعتها أو في موضوع المواد الكيماوية العضوية في قانون الجمارك والمكوس 1963)، إلى حظر وتقييد المواد الخطرة (كما في مادة 14 ومادة 15 من قانون البيئة 1999).
إداريا يمكن ذكر قرار مجلس الوزراء رقم 9 لسنة 2012 المتعلق بإقامة لجنة علمية لدراسة المبيدات الزراعية، وتحديد أنواع المبيدات الزراعية المسموح بتداولها واستيرادها (اتفاقية روتردام). وقرار وزير الزراعة رقم 1 لسنة 2010 بشأن تداول وبيع مبيدات الآفات الزراعية، من الضروري في هذه النقطة وضع خطة تنظيمية وتقييمية للمواد الخطرة.
ورشة عمل لمناقشة مسودة دراسة تحليلية حول مدى موائمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات البيئية الدولية
التدابير القانونية والادارية المقترحة
تتضمن الاتفاقيات الثلاث مبادئ مثل الموافقة المسبقة، حيث ان مسألة الأخطار ترتبط بالموافقة المسبقة للدولة في حالة التصدير والاستيراد والعبور. في مادة 32 -35 من مسودة نظام ادارة النفايات الخطرة 2018 يتم تناول جمع المعلومات والوثائق مع موضوع الأخطار في حالة التصدير والعبور. يجب جمع المعلومات عن النفايات المنقولة، التي تم تصديرها والتي تم استيرادها والمنشأت التي تعمل على المعالجة والتخلص.
الأخطار لا تخص فقط حركة النفايات؛ إنما أيضا عملية التخلص منها، حيث أنه وبعد التخلص منها في منشأة مثلا في دولة تم استيراد النفايات إليها، يجب إخطار دولة المصدر بأن عملية التخلص قد تمت بنجاح.
وتقترح الدراسة في موضوع النفايات بتوسيع الدائرة على حلقات الإنتاج والاستخدام والتوزيع للمواد الكيماوية أو للمبيدات الزراعية من ناحية الاجراءات التنظيمية.
مباديء هامة يجب الالتفات إليها
من المبادئ المهمة في الاتفاقيات الثلاث هو مبدأ الادارة السليمة بيئيا، والذي وببساطة ينص على ربط تتبع ورقابة حركة النفايات الخطرة والمواد الخطرة مع تقليل الاضرار التي قد تلحق بالبيئة. وهذا يتطلب أيضا تشجيع المنشآت على انتاج مواد قابلة للتدوير، أو اعتماد مواد بديلة صديقة للبيئة، ما يعني ضرورة تقليل الضرر البيئي من تقليل الإنتاج للنفايات، حيث تشدد الاتفاقية على مسؤولية الدولة المصدرة بمعنى لا يتم تصدير نفايات إذا لم تكن ادارتها سليمة بيئيا خصوصا أن من أهداف الاتفاقية حماية الصحة البشرية والبيئة.
بالطبع، هناك اشارة في مادة(77) من قانون البيئة الفلسطيني إلى مكانة المعاهدات والإتفاقيات التي تكون فلسطين طرفا فيها، حيث أنها ستكون "سارية المفعول داخل الأراضي الفلسطينية وفقا لأحكام القانون، كما وتعتبر المعاهدات والإتفاقيات الدولية والإقليمية وأحكام الهيئات الدولية التي تكون فلسطين طرفا فيها أو أي قوانين أخرى متعلقة بالبيئة سارية المفعول في الأراضي الفلسطينية جزءا مكملا لهذا القانون".
الفقرة السابقة لا توضح مكانة القانون الدولي في القانون الداخلي، حيث يوجد نهجان لاستيعاب القانون الدولي في القانون الداخلي : "التوقيع والمصادقة" و"التشريع". والاختلاف بين هاذين النهجين يتقلص مع «ذاتية التنفيذ» Self-executing للإتفاقية، أي إذا كانت قابلة للتطبيق الفوري أو تحتاج الى تشريع تنفيذي.
في الحالة الفلسطينية يستخدم نهج آخر، وهو الانضمام بحد ذاته، والذي يتم تبريره بسبب الصلاحيات التشريعية والتنفيذية لرئيس السلطة الفلسطينية. ففي قرارات المحكمة الدستورية الأخيرة والمتعلقة بالاتفاقيات الدولية 2017 ومكانتها في القانون الفلسطيني، نجد أن المحكمة ارتكزت على قرارات القاضي الدولي بخصوص سمو القانون الدولي على القانون الداخلي، لكنها لم تأخذ بمواقف القاضي الدستوري مثل موقف المحكمة الدستورية الروسية من القانون الاوروبي لحقوق الانسان، وهذا الأمر ستقوم الدراسة التحليلية بتطويره في الدراسة النهائية.
سلطة البيئة: كيف يمكن للمجتمع المحلي الاستفادة من الإنضمام للمعاهدات؟
يقول المستشار القانوني في سلطة جودة البيئة مراد المدني إن الدراسة استنتجت بأن هذه الاتفاقيات متشابهة في الموضوع وأيضا في المبادئ الخاصة بالمواد والنفايات الخطرة، وهي تركز على أهمية الإدارة السليمة بيئيا للمواد والنفايات الخطرة وتضع تنظيما محكما لحركة المواد والنفايات الخطرة عبر الحدود والاتجار بها، كما انها تتبنى قوائم محظورة وأخرى مقيدة وأخرى مسموح التداول بها.
ويضيف: "في كل الاحول فإن هذه الدراسة مازالت مبدئية تحتاج الى جهد أكبر وأعمق فيما يخص تحليل التشريع الوطني، ومدى الحاجة لإجراءات أو تدخلات تشريعية لجعلها متناغمة مع هذه الاتفاقيات". وتابع: "أنتظر من هذه الدراسة أن توفر لنا إجابات حول كيفية استفادة المجتمع المحلي من هذا الانضمام وإذا كان باستطاعته استخدام الآليات التي توفرها هذه الاتفاقيات ليحمي نفسه من خطر المواد والنفايات الخطرة خاصة تلك التي يتم تهريبها والتخلص منها في الأراضي الفلسطينية من قبل الاحتلال؟".
وختم المدني الذي شارك ممثلا لسلطة جودة البيئة في نقاش مسودة الدراسة بالقول: " تهدف الدراسة أيضا لتعزيز معرفة القطاعات ذات العلاقة، بمتطلبات التشريعات الوطنية والدولية في مجال إدارة المواد والنفايات الخطرة، والواجبات والمسؤوليات بالإضافة الى الحقوق في هذا المجال".
على أي حال، لا بد من إجراء مزيد من التقاش المستفيض بين كل الجهات للوصول إلى مرحلة التناغم بين القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية لتحقيق أقصى فائدة من الانضمام إلى الأخيرة، وأن لا تبقى خطوات الانضمام في حدودها الرمزية. ما جرى من دراسة ونقاش بخصوص الاتفاقيات البيئية يستوجب سحبه على بقية الاتفاقيات، وإجراء النقاش المطلوب للوصول إلى التعديلات الملائمة في القوانين المحلية للاستفادة منها في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي في المضمار الدولي.