قطاع غزة على صفيح ساخن.. الأزمات البيئية تزداد حدّة
أعلن اتحاد بلديات قطاع غزة، في 21 فبراير/ شباط الماضي، حالة الطوارئ بما يشمل تقليص كافة الخدمات الأساسية المقدمة للسكان، بنسبة 50%؛ لتجنُّب انهيارها بشكل كامل". الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لساعات طويلة أثّر بشكل سلبي على تقديم الخدمات للمواطنين القائمة على الكهرباء أو الوقود. نسب تلوث الشاطئ في قطاع غزة تتفاقم بدرجة كبيرة حيث وصلت الى 73% من طول الشاطئ الكلي. كما أن تلوث المياه وصل لمستويات خطيرة، إذ أن 98% من مياه الخزان الجوفي غير صالحة للشرب بسبب ازدياد تركيز الأملاح وتدهور خواصها الكيميائية. المطلوب العمل الفوري دو تلكؤ لحل مشكلة انقطاع الكهرباء، ودعم البلديات بالوقود الذي يمكّنها من تشغيل محطات ضخ ومعالجة المياه العادمة، فضلا عن الاستفادة القصوى من مياه الأمطار، والمياه العادمة المعالجة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
أكوام النفايات الطبية تنتشر في زوايا أحد المشافي في قطاع غزة بسبب إضراب عمال النظافة |
جاء اتفاق المصالحة الموقع بين حركتيْ فتح وحماس في العاصمة المصرية القاهرة في شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، على عكس ما كانت تشتهي وتأمل البيئة الفلسطينية وقطاعاتها المتهالكة في غزة.
فمنذ ذاك التاريخ يلحظ مراقبون ومختصون تفاقم الأزمات التي تعصف بمدن وبلدات قطاع غزة ومنها ما يتعلق بالجوانب الصحية والبيئية، في ظل تواصل الاتهامات بين الحكومة الفلسطينية وحركة حماس وتحميل كل طرف للآخر مسؤولية تأخر إنجاز اتفاق المصالحة.
حالة السجال السياسي جعلت قطاع غزة تائه في منطقة رمادية، حيث تخلت وزارات غزة التابعة للحكومة التي كانت تديرها حركة حماس عن متابعة مسؤولياته، بينما لمّا تزل الحكومة الفلسطينية لم تتولَ تدبير أمره بعد، وهو ما يفاقم من الكارثة الإنسانية والبيئية التي أسسّها الحصار الإسرائيلي المتواصل للعام الـ12 عشر على التوالي فضلًا عن تعرضه لـ3 حروب مدمرة أتت على جزء كبير من البنى التحتية والإيكولوجية.
في 21 فبراير/ شباط الماضي، أعلن اتحاد بلديات قطاع غزة، "حالة الطوارئ بما يشمل تقليص كافة الخدمات الأساسية المقدمة للسكان، بنسبة 50%؛ لتجنُّب انهيارها بشكل كامل".
واضطر الاتحاد للإعلان عن خطوته تلك في ضوء ما قال "كارثية الوضع الحالي وبدء انعدام مقومات الحياة".
يأتي هذا الإعلان بعدما توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، عن العمل لأكثر من مرة خلال الفترات الماضية؛ بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيلها، بحسب شركة توزيع الكهرباء في غزة.
ويشهد القطاع ازدياد ساعات قطع التيار لـ20 ساعة يومياً، فضلًا عن توقف معظم المنح والمساعدات الخارجية وتمويل المشاريع، خاصة التي تمس الخدمات الأساسية، لا سيما الوقود وتشغيل عمال النظافة.
وأعلن اتحاد بلديات قطاع غزة نيته إغلاق شواطئ القطاع بالكامل لضخ مياه الصرف الصحي فيها؛ بسبب عدم قدرة البلديات على توفير الوقود لمحطة المعالجة، وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية والبيئية.
النفايات الطبية الخطرة تنتشر في غرف المرضى في مشافي قطاع غزة
واقع سيء
ويقول الأستاذ الدكتور سمير عفيفي مدير وحدة الدراسات البيئية بكلية العلوم بالجامعة الإسلامية بغزة، إن الفترة القادمة "لا تبشر بخير على النواحي البيئية المختلفة" في قطاع غزة.
ويقدّر عفيفي، أن الصيف القادم سيكون سيئًا جدًا على واقع المواطنين الفلسطينيين في غزة إذا ما استمرت الأمور على حالها.
ويحذر من تبعات إعلان البلديات لحالة الطوارئ، مشيرًا إلى أنها أعلنت عن خطوتها تلك "مضطرة" في ظل أن إمكانياتها متواضعة مع تواصل الحصار الإسرائيلي.
وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، أعرب في 20 فبراير/شباط الماضي، أمام مجلس الأمن الدولي عن قلقه من "تفاقم" الأوضاع في قطاع غزة.
ويؤكد عفيفي أن البلديات أصبحت غير قادرة على تقديم الحد الأدنى للسكان في ظل تصاعد الأزمات.
وفي ضوء ذلك، يشير إلى أن سيارات جمع النفايات ستضطر لتقليص تحركاتها بسبب نقص مشتقات الوقود وهو ما يعني تراكم النفايات قرب الحاويات المنشرة في الشوارع، في ظل عدم واقعية ذهاب المواطنين مباشرة إلى مكبات النفايات الرئيسية، بسبب بُعد المسافة.
وينبه الخبير البيئي العفيفي، إلى أن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لساعات طويلة (4 ساعات وصل مقابل 20 قطع)، أثّر بشكل سلبي على تقديم الخدمات للمواطنين القائمة على الكهرباء أو الوقود.
وهذا يعني بأن تقوم المحطات المتفرقة في المحافظات بضخ المياه العادمة إلى ساحل البحر المتوسط أو إلى وادي غزة وهو ما يحذّر عفيفي من خطورته.
ويلفت الانتباه إلى مشكلة أخرى ستواجه قطاع غزة ستظهر تجلياتها فعليًا في فصل الربيع، حيث تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع ومعها سيبدأ البعوض بالتكاثر والانتشار.
النفايات تنتشر في غرفة حاضنات الأطفال الخدج في أحد مشافي قطاع غزة بسبب إضراب عمال النفايات
مؤشرات غريبة
وفي هذا السياق، يكشف عن ما وصفها بـ"مؤشرات غريبة" مع رصد أنواع معينة من البعوض في غزة يختلف تمامًا عن أنواع البعوض التقليدية المعروفة، ولا يعرف حتى اللحظة إن كانت ناقلة للأمراض أم لا.
ويتوقع أن يكتوي المواطنون بلسعات البعوض في ليالي الصيف القادم، مع تقليص مهمات محطات مياه المعالجة وما يحتمل أن يُنجم عنها من وجود لتجمعات برك المياه وعدم إدخال ما يلزم للقضاء على تكاثر البعوض.
كما نبه إلى أن للبحر الأبيض المتوسط نصيب وافر من الحظ السيء أمام هذا الواقع، مشيرًا إلى أن 100 ألف متر مكعب من المياه العادمة يتم ضخها يوميًا إلى البحر.
ويعد بحر قطاع غزة المتنفس الأبرز لسكانه في فصل الصيف ويقصده مئات الآلاف خلال عطلة الإجازة الصيفية.
كذلك يحذّر عفيفي من أن ينقل البحر العديد من الأمراض للمصطافين إذا ما تواصل ضخ المياه العادمة المعالجة إلى البحر.
ويتفق معه في ذلك المهندس رياض جنينة رئيس مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين في غزة مقدرًا بأن تأثيرات ستطال كل جوانب الحياة البيئية والمائية في غزة خصوصًا أن معظمها يتوقف على عمل الطاقة (الكهرباء والوقود).
مزيد من المعاناة
وأشار جنينة، إلى أن التأثيرات السلبية تطال الجوانب الصحية للسكان بما يُنذر بكارثة بينهم إذا ما توقفت محطات الصرف الصحي عن عملها.
ويؤكد أن أساس المشكلة الواقعة في قطاع غزة مردها الحصار الإسرائيلي المفروض منذ سنوات، حيث تسعى إسرائيل إلى زيادة حجم الانقسام بين الفرقاء الفلسطينيين لإدامة الأزمات الفلسطينية ومنها البيئية.
ويشير إلى أن الحديث عن عمليات "التسليم والتمكين" والاتهامات المتبادلة بين الحكومة من جانب وحركة حماس من جانب آخر، زادت من عذابات الناس حيث لا دخل لهم في كل ما يحصل.
ويقول جنينة إن الأشهر القادمة ستشهد زيادة الطلب على استهلاك المياه الواصلة إلى البيوت، ومعها ستزداد كميات الصرف الصحي ويسبب ذلك أحمالًا إضافية لقدرة محطات المعالجة على التخلص من الكميات الواردة إليها.
ونبه إلى ما حصل العام الفائت حيث تلوث ساحل قطاع غزة بالمياه العادمة التي امتدت إلى السواحل الإسرائيلية.
والعام الفائت أظهرت نتائج الفحص لجودة مياه شاطئ محافظات غزة ارتفاع نسب تلوث الشاطئ بدرجة كبيرة حيث وصلت الى 73% من طول الشاطئ الكلي. وقد كانت سلطة جودة البيئة قد نّفذت هذا الفحص بسبب تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي آنذاك ما تسبب في تصريف مياه الصرف الصحي الى شاطئ البحر دون معالجة.
وينبه إلى أن المناكفات السياسية بين رام الله وغزة تأتي على حساب أرواح الناس والبيئة مشددًا على ضرورة تجنيب القضايا البيئية أي سجال سياسي وتضافر كل الجهود الفلسطينية لدرء الضرر عن القطاع وسكانه.
لذلك يطالب جنينه بالعمل الجاد والحثيث لحل مشكلة انقطاع الكهرباء، وكذلك دعم البلديات بالوقود الذي يمكّنها من تشغيل محطات ضخ ومعالجة المياه العادمة.
جدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية تذكر في مصادرها ذات العلاقة بأن السباحة في مياه ملوثة بالصرف الصحي تتسبب في حدوث التهابات الجهاز التنفسي العلوي والتهابات العيون والآذان وتجويف الأنف والجلد، إضافةً إلى التهابات الجهاز الهضمي لمن يبتلعون هذه المياه أثناء السباحة.
أهالي غزة مجبرون على شرب المياه الملوثة
أزمات متراكمة
ويتوقع المهندس بشار عاشور الخبير البيئي أن يصطدم قطاع غزة الصيف القادم بأزمات بيئية أسوأ من العام الماضي.
ويؤكد عاشور أن أزمات قطاع غزة ليست وليدة اللحظة بل هي متراكمة ومتراكبة بمعنى أن أزمة السولار تلقي بظلالها السلبية على المنشآت المائية ومنشآت الصرف الصحي.
ويحذّر من أن يشهد قطاع غزة تراكمًا للنفايات في الشوارع في الفترات القادمة أو حدوث طفح مجاري وعودتها إلى بيوت السكان إذا ما استمرت الأمور على حالها، ما سيهدد سلامتهم.
ويضيف أن خدمات المياه ستصل لمستوى ضعيف فضلًا عن تدهور الخزان الجوفي بسبب عمليات طفح المجاري وتوقف محطات الصرف الصحي عن القيام بمهامها، لافتًا إلى أن النزاع السياسي سيؤثر بشكل طويل المدى على الخدمات المقدمة للمواطنين.
وقال مدير معهد المياه والبيئة في جامعة الأزهر خلدون أبو الحن، إن أزمة المياه في قطاع غزة تتفاقم، ووصلت لمستويات خطيرة، وان 98% من مياه الخزان الجوفي غير صالحة للشرب، بسبب ازدياد تركيز الأملاح وتدهور الخواص الكيميائية لها.
وفي الدراسة المنشورة، دعا أبو الحن "جهات الاختصاص التحرك فورا لإيقاف هذه الكارثة، وإيجاد الحلول التي تؤدي إلى تعافي الخزان الجوفي، والاستفادة القصوى من مياه الأمطار، والمياه العادمة المعالجة".