خاص بآفاق البيئة والتنمية

الثلوج في ساحات مسجد الأقصى في شباط 2012
يمتاز شهر شباط بتقلباته الحادة، وتضرب فيه الأمثال، ويقال إن رائحة الصيف تبان فيه، وحل الزائر الأبيض خلاله ضيفًا على فلسطين في مناسبات متكررة. ويبدو الشهر الثاني من العام الميلادي القصير بعدد أيامه " مزاجيًا" أكثر هذه العام، ففيه جاء سعد الذابح حارًا بدرجات فاقت المعدل 12 درجة في بعض الأيام، ولم يطرق الشتاء بابه ( حتى كتابة هذه السطور) إلا في الثالث عشر والسابع عشر والثامن عشر والثالث والعشرين.
تسير في أسواق جنين، فترى الكثير من المارة قد تخلوا مبكرًا عن ملابسهم الشتوية والربيعية، وأسرعوا إلى الملابس الصيفية في النصف الأول من شباط. تبدو هذه الحالة غريبة، وخاصة أن الحرارة قد هبطت دفعة واحدة أكثر من 14 درجة مئوية( وصلت إلى 12 درجة أعلى من معدلها المعتاد، وخلال السابع عشر من شباط انخفضت درجتين دون المعدل).

تدفق المياه الغزيرة في أحد أيام شباط هذا العام
أرقام وسجلات
تبحث حول الفترة الأولى من خمسينية الشتاء، والمتعارف عليها بالموروث الشعبي بـ"سعد الذابح"، (30 كانون الثاني ولغاية 11 شباط)، فترى أن هذا العام لم يشهد أي تساقط للأمطار، وهي الفترة التي تشكل أمطارها عادةً ما نسبته 12% من المعدل الموسمي العام.
ووفق الأرصاد الجوية الأردنية، فقد بلغ معدل درجة الحرارة في محطة رصد مطار عمان المدني 14.7 درجة مئوية بزيادة مقدارها 6.4 درجة عن المعدل العام للفترة نفسها من العام، وهي الأعلى منذ 95 سنة ماضية، إذ بلغ معدل الحرارة العظمى فيها 20.7 درجة بزيادة عن معدلها العام 7.9 درجة مئوية، فيما بلغ معدل الحرارة الصغرى 8.7 درجة بزيادة عن معدلها بمقدار 4.9 درجة.
وبالعودة إلى السجل المناخي، فإن توزيع الأمطار التاريخي لفلسطين وفق الأشهر وفي الأحوال الطبيعية، تكون أكبر كمية فيه خلال كانون الثاني، يليه شباط، ثم كانون الأول، وبعده آذار، فتشرين الثاني، ثم نيسان، وصولاً إلى تشرين الأول، فأيار الأقل مطراً. واللافت هذا العام أن أشهر تشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول لم تشهد هطولا للأمطار إلا بكميات محدودة وبفترات متباعدة، بينما هطلت في كانون الثاني كميات كبيرة فاقت 400 مليمترًا في العديد من المناطق.
 |
 |
الخريطة الجوية في شهر شباط عام 2011 |
تقلبات شهر شباط الأخير |
تذبذب وتفاوت
في العادة فإن التذبذب على الأمطار بشكل عام سيد الموقف لأمطار فلسطين، وبرصد مواسم المطر في منطقة مثل جنين على مدار ثمانية عقود، نجد التذبذب الواضح في الهطول من سنة لأخرى، وبشكل واضح ولافت. فمثلا، كان الشتاء عام 1927 بالمليمترات 598، وبعد عام واحد تراجع إلى 429، وفي سنة 1929 بلغت الكمية 788، ولكن في عام 1932 تراوح المعدل 329 مليمتراً. أما عام 1945 فكان 717 مليمتراَ، وعام 1947 انخفض إلى 253 مليمترا فقط. بينما ارتفع عام 1950 إلى 722 ليتراجع بعد عام واحد إلى 215 مليمترًا، وفي عام 1960 كان الشتاء 261 مليمترًا، ليزيد عام 1961 بنحو 425 مليمترًا. فيما كانت الهطولات عام 1979 بمعدل 289 مليمترًا زادت عام 1980 إلى 700 مليمترًا، وعام 1991 هطلت الأمطار بنحو 400 مليمترًا، لترتفع برقم قياسي عام 1992 إلى 1037 مليمترًا، أما عام 1998 فكان المجموع التراكمي للأمطار 535 مليمترًا، وبعد عام واحد قلت النسبة إلى 256 مليمتراً.
تقرأ كثيرًا عن حرارة فلسطين، التي يعد شهر كانون الثاني قطب البرودة فيها، أما شهر آب فهو أكثر شهر في السنة حرارة، وتتفاوت متوسطات درجات الحرارة في كانون الثاني من إقليم إلى آخر، فهي تتراوح بين 8 و10 في المرتفعات الجبلية، وبين 12 و13 في وادي الأردن، وتبلغ 12 في السهول الساحلية. ويحدث التفاوت الإقليمي نفسه في شهر آب مع اختلافٍ في الأرقام فتراوح المتوسطات بين 22 و26 في المرتفعات الجبلية، وبين 28 و34 في وادي الأردن، وبين 24 و26 في السهول الساحلية.
وكقاعدة عامة تهبط درجات الحرارة في جميع أجزاء فلسطين بسرعة ابتداء من شهر تشرين الثاني، ويحدث أبرد أيام السنة في كانون الثاني أو في شباط. ومن جهة ثانية تأخذ درجات الحرارة في الارتفاع ابتداء من شهر آذار، حتى إذا ما حل شهر آب شهدت فلسطين أكثر أيام السنة حرارة.

غيوم شباط في سنوات بعيدة خلت
شتاء وصيف
ولا يهبط المتوسط الشهري لدرجة الحرارة إلى درجة الصفر المئوية. ولكن بعض الأيام في الشتاء، ولا سيما في المرتفعات الجبلية، تشهد درجة حرارة تحت الصفر. ويتعرض السهل الساحلي للتجمد شتاء. وتحوم فيه درجات الحرارة في الصيف حول 40 درجة، ولا سيما في أيام الخماسين. وقد سجلت محطة الزراعة في غور الأردن في شهر حزيران 1941 درجة حرارة 54، وسجلت القدس في اليوم نفسه درجة حرارة 44. ومن جهة أخرى تقترب أدنى درجات الحرارة شتاء من الصفر. ففي يومي 5 و7 شباط 1950 بلغت درجة الحرارة في يافا درجة واحدة، وتدنت في الجليل الأدنى إلى 13 درجة تحت الصفر. وعلى أي حال فإنه لم تسجل في القدس طوال السنوات المئة الماضية حرارة أعلى من 44 ولا أدنى من 7 درجات دون الصفر المئوي.
تقول المعطيات إنه خلال أشهر كانون ثاني، وشباط وأوائل آذار 2013 تجاوزت درجة الحرارة المعدل السنوي بـِ 10-13 درجة، وفي تشرين الثاني من العام نفسه، كانت الحرارة في الساحل الفلسطيني الأعلى منذ ستين عاما في مثل هذا الوقت من السنة. إذ تراوحت بين 34-35 درجة مئوية، وهو ما اعتبر رقما قياسًيا.
ثلوج شباط
عودةً أخرى للمواسم التي هطلت فيها الثلوج في شباط، فقط سقطت الثلوج في هذا الشهر عام 2015، و2012، و2010، و2004، و2003، و1997، وحل الزائر الأبيض ضيفا على فلسطين لمرتين عام 1993، وأربع مرات عام 1992، وعام 1976، و1972، و1964، و1962، و مرتان عام 1959، ومرة عام 1957، و1950، وثلاث مرات عام 1949، ومرتان عام 1948، ومرة عام 1946، ومرتان عام 1945، ومثلهما عامي 1938، و1934، ومرة عام 1932، و1928، ومرتان عام 1927، وعام 1920، ومرة عام 1913، ومرتان عام 1911، ومرة يتيمة في شباط 1910.
قراءات عالمية
يدفعك هذا التذبذب والانقلاب على شتاء العام للبحث عن أحوال الشتاء في العالم، إذ تُعتبر منطقة لوبيز الكولومبية أكثر المناطق هطولاً للأمطار على وجه الأرض، وبمعدل هطول يبلغ 12892 مليمتراً سنويًا.
فيما شهدت منطقة ماوسينرام الهندية هُطول 26.000 ملم من الأمطار خلال عام 1985، وسجلت أكبر كمية هطول خلال 24 ساعة في محطة (فوك فوك) في جزيرة ريونيون بالمحيط الهندي، إذ سقطت 1825 مليمترًا خلال يوم واحد، هو السابع من كانون الثاني 1966، ويُعتبر هذا الرقم مُساوياً لما يهطل على العديد من مناطق الصحراء العربية خلال عشرات السنوات.
وسجلت مدينة شانغدي في الصين أكبر كمية هطول خلال ساعة واحدة، حيثُ هطل على المدينة أكثر من 400 ملم يوم 7 آذار 1975. وشهدت منطقة ميريلاند في الساحل الشرقي للولايات المتحدة أعلى كمية سقوط أمطار في دقيقة واحدة بلغت 31.2 مليمترًا يوم 4 تموز 1956 . فيما تشهد مدينة باهيا فيليكس التشيلية أكثر عددٍ من الأيام الماطرة مقارنة بباقي مدن العالم، وتعيش هذه المدينة ما مُعدله 325 يومًا ماطراً في العام ( أما معدل عدد الأيام في فلسطين فهي 52 يومًا تتركز في كانون الثاني وشباط، وبمعدل 6 مليمترات في اليوم).
aabdkh@yahoo.com