نالت لقب واحدة من أفضل 3 معلمين في الوطن...آيات مبسّلط: البيئة حياتي ونحتاج تعليمًا ثوريًا
نالت المعلمة آيات مبسّلط التي تحمل درجة الماجستير في العلوم الحياتية لقب واحدة من أفضل ثلاثة معلمين في الوطن. وقدمت مبسلط نموذجًا للزراعة المائية في مدرسة طوباس الثانوية، لفت انتباه الطالبات والزائرين، ما شجع على توسيعه وزيادة مساحته وتطويره بصورة مستمرة، ليتحول إلى نظام زراعي عضوي، وفي هذا العام تحول إلى نموذج أخضر بالكامل بإضافة اللوحات الشمسية، لتشغيل المضخات بالطاقة النظيفة. تمنح مبسلط طالباتها تعليمًا مغايرًا، وتساهم في إعدادهن للحياة العملية، وتهتم كثيرًا بالبيئة وتحدياتها، وبالغذاء الصحي، والعمل التطوعي، والتدوير، وإعادة الاستخدام. وطورت مع طالباتها (بيتزا) بلا إضافات صناعية، واستطاعت إيصال فكرة الأضرار الكثيرة للأغذية ذات الأصباغ والمواد الحافظة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
نالت المعلمة آيات مبسّلط لقب واحدة من أفضل ثلاثة معلمين في الوطن، واختيرت من بين 14 معلمًا وصلوا القائمة القصيرة من المنافسة، التي أعلنتها هيئة تطوير مهنة التعليم بوزارة التربية والتعليم العالي.
تحمل الماجستير في العلوم الحياتية والدرجة الأولى في التخصص ذاته من جامعة النجاح الوطنية، والتحقت في سلك التدريس عام 2002، وقدمت نموذجًا للزراعة المائية في مدرسة طوباس الثانوية، وتمنح طالباتها تعليمًا مغايرًا، وتساهم في إعدادهن للحياة العملية، وتهتم كثيرًا بالبيئة وتحدياتها، وبالغذاء الصحي، والعمل التطوعي، والتدوير، وإعادة الاستخدام.
عملت مبسلط منسقة لجائزة المدرسة الدولية للمجلس الثقافي البريطاني التي فازت فيها للمرة الثانية، وبنت جسورًا مع مؤسسات تعليمية في العراق، وباكستان، وعُمان، واليمن، والهند، والنرويج. وطورت مع طالباتها (بيتزا) بلا إضافات صناعية، واستطاعت إيصال فكرة الأضرار الكثيرة للأغذية ذات الأصباغ والمواد الحافظة، وعرفتهن على مفهوم تحجيل الطيور ومراقبتها عبر زيارة علمية لمركز التعليم البيئي. تحاور "آفاق" آيات، وتتتبع تجربتها الخضراء.
البداية.. النهر الميت
متى بدأ اهتمامك بالبيئة، ولماذا سرتِ في هذا التوجه ؟
اهتمامي بالبيئة كان نتاجًا طبيعيًا لما كنا نقرأه عن ظاهرة الاحتباس الحراري وثقب الأوزون خلال سنين نشأتنا. وكان مقالٌ بعنوان ( النهر الميت) أول ما لفت انتباهي، يومها ناقشته مع زميلاتي في الصف العاشر. وقد أثرّت دراستي للعلوم الحياتية في التعرض أكثر لمفاهيم بيئية متفاوتة، وإن كانت بصورة غير عميقة، وخلال سنوات تدريسي للطالبات لم تكن مفاهيم البيئة محورًا أساسيًا في الصفوف الثانوية التي أعلمها منذ دخولي في سلك التدريس، وكان المنفذ لي ملاحظات عابرة هنا وهناك أوجهها للطالبات؛ للفت انتباههن بضرورة الحفاظ على البيئة واستدامتها. وكان تشكيل النادي العلمي في مدرسة بنات طوباس الثانوية عام 2014، ومشاركة المدرسة في جائزة المدرسة الدولية (ISA) بداية تركيز الجهود لرفع الوعي بيئيا، وزيادة اهتمام الطالبات بالبيئة. وقد نفّذت المدرسة عددًا من الأنشطة اللامنهجية ركزت على قضايا البيئة.

الزراعة المائية في مدرسة طوباس الثانوية والتي أشرفت عليها المعلمة آيات مبسلط
ما هي أبرز مبادراتك الخضراء؟ وماذا عن رمزية وجودها في المدرسة؟
كان هناك مبادرات بيئية بالتعاون مع معلمات المباحث العلمية في المدرسة لأهداف التدوير وإعادة الاستخدام على مدى السنوات الماضية، ومن أبرزها تجربة طالبات المدرسة عام 2015 ولفتهن الأنظار لمشكلة تلوث مياه وادي الباذان باعتماد المنهج العلمي، وبحثهن الميداني وجمعهن للعينات وتحليلها، ومناقشتهن للتأثيرات المترتبة على هذا التلوث بيئيًا، ونشرهن للنتائج بالتعاون مع وزارة الإعلام. وقد انطلقنا من شعار:" أنت قادر على إحداث التغيير...البيئة وحمايتها مسؤولية الجميع"، وهذا المغزى الذي نأمل تأصيله في الطالبات وأقرانهن.
كما بنينا نموذجًا بيئيًا أخضر في مدرسة بنات طوباس الثانوية، بدأ بالزراعة المائية التي لفتت انتباه الطالبات والزائرين، ما شجعنا على توسيعه وزيادة مساحته وتطويره بصورة مستمرة، ليتحول إلى نظام زراعي عضوي، وفي هذا العام تحول إلى نموذج أخضر بالكامل بإضافة اللوحات الشمسية، لتشغيل المضخات بالطاقة النظيفة. ووجود هذا النموذج في المدرسة له دور كبير في تأصيل مفاهيم الحلول البديلة والصديقة للبيئة، وإذكاء روح المبادرة للطالبات قبل انتقالهن للجامعة وللحياة العملية.
الفراولة أول الغيث
إلى أين وصل مشروع الزراعة المائية؟ وما الخطوة التالية؟
المشروع في مرحلته الثالثة اليوم، وقد نجحنا في مرحلته الأولى التي كانت بتصميم نموذج صغير لمشاريع المدارس الدولية، لم يتعد يومها 32 نبتة فراولة، والطريف أن طلبة مدرسة ذكور مجاورة وصلوا إلى الحديقة خلسة، وقطفوا ثمارها كلها.
ثم بدأنا بتوسيع المشروع، فتواصلنا مع وزارة الزراعة، وقدمنا محاضرات للطالبات اللواتي صممن نشرات تعريفية بالزراعة المائية، ووسعنا التجربة، وضاعفنا مساحتها.
وخلال المرحلة الثانية تحولنا إلى النموذج المائي العضوي بالاعتماد على مخلفات الأسماك كبديل للأسمدة الكيميائية، وأضفنا حوض أسماك للنموذج، ووفرت مخلفتاها سمادًا عضويًا للنبات، بينما تعمل الجذور على تنقية الماء وإعادته للحوض.
واليوم، نعكف على تشغيل المضخات على طاقة الشمس النظيفة؛ للوصول بالطالبات إلى تجربة تعليم أخضر مكتملة.

المعلمة المبدعة آيات مبسلط
كيف تتفاعل الطالبات والمجتمع المحلي مع البيئة ومبادراتك؟
في الصفوف تجلس أنوية التغيير، وعلينا تحفيز طالباتنا، والتجديد والخروج من النمطية، والتغلب على الخوف من تجربة كل جديد. وكان لإدخال الطالبات في خضم التجربة دور كبير في التفاعل الدائم مع الفكرة والسؤال المستمر عنها. وأسئلة مثل: لماذا؟ وكيف؟ كانت مؤشر النجاح، وتكررت عند الدخول لمرحلة جديدة، أو طرح مبادرة ما.
ولعل خير دليل على تفاعل الطالبات والزائرين المستمر كان إصرارهم على التقاط الصور للنموذج الزراعي، واستفساراتهم أحيانا بالمكالمات الهاتفية بعد نشر الصور أو الأخبار على موقع المدرسة.
وقد حرصنا على إشراك المجتمع المحلي حولنا بالتجربة، وكان لمحاولاتنا الصدى الطيب لدى وزارة الزراعة، فكانت الداعم الأول، وقدمت لنا المحاضرات وزودتنا بأشتال وأسماك ومواد أخرى، كما ساهم المركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بتوسيع النموذج وتزويدنا بالأشتال والأسماك، وكان لشركة كهرباء طوباس دور فاعل في تزويد النموذج باللوحات الشمسية؛ وواكبت وزارة الإعلام تجربتنا وسلطت عليها الضوء.
البيئة همّ وهاجس
في الجائزة الدولية عدة مبادرات، لماذا ركزت في بعض جوانبها على البيئة؟ وكيف تفاعلت المدارس العربية والأجنبية والمحلية معها؟
ضمت الجائزة الدولية عددًا من المحاور على مدى 3 سنوات، وتابعنا التراث، وقضايا الوطن، والغذاء الصحي، أما البيئة فكانت محورًا يفرض نفسه دائما لعدة أسباب، فالتحديات البيئية الكبيرة التي تعانيها فلسطين تُعزى في جزء كبير منها للاحتلال وصعوبة السيطرة على مواردنا، مع غياب المسؤولية الشخصية لقطاع لا بأس به من المواطنين على الأغلب؛ نتيجة للجهل بالآثار المدمرة لهذه السلوكيات.
كما أن الوعي البيئي الواقعي غائب، فالمعلومات المقدمة للطلبة عموميات ومفاهيم وليست حلولًا وأفكارًا تطبيقية في واقع فلسطيني زراعي إلى حد كبير، يعتمد على البيئة ويعج بمشاكلها، التي تحد من الإنتاجية على المدى البعيد، كونها تستنزف هذه الموارد ولا تسهم في استدامتها.
وباعتبار البيئة ومشكلاتها همًا عالميا مشتركًا يمكن أن يُسهل التواصل مع الآخرين، رغم حواجز اللغة والثقافة، والأهم إمكانية الاستفادة من تجارب الآخرين، لإيجاد حلول للمشكلات البيئية المحلية والقياس عليها.
ولاقت التجربة كنموذج في المدرسة قبولاً جميلًا واستحسانًا لدى المدارس التي تعرفت على تجربتنا، مثل الهند، وباكستان، ومصر، واليمن، والعراق، ومدارس محلية بعضها بدأ بإعداد نماذج شبيهة.

آيات مبسلط أثناء تكريمها كأفضل ثلاثة معلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة
نعاني للأسف زحفًا عمرانيًا يفتك بمعظم الأراضي الزراعية، ما الرسالة التي يمكن أن تقُال في هذا المجال؟
أتألم بمشاهدة الغابات الرمادية الإسمنتية، وهي تبتلع المساحات الحرجية والسهول الخضراء، ولا أدري من الملام، ومن هو الذي يجب أن يحاسب المُعتدين على الأرض، وكل ما يمكن أن يقال كتبرير لسد حاجة السكان المتزايدة للحيز العمراني هو فعليًا انتقاص من حصتهم الغذائية على المدى البعيد. ولا بد من الانتباه إلى أن امتداد العمران على حساب المساحات الخضراء يؤدي أيضًا إلى تراكم النفايات، ومخلفات البناء التي تدمر الأنظمة البيئية، وتخلخل اتزانها ما يؤثر سلبًا على توزيع الأنواع الطبيعية وانتشار الآفات الزراعية التي تهدد الحقول.
التخطيط بعيد المدى يجب أن يبدأ بخلق إنسان متمكن ومتعلم بيئيًا، قادرٍ على تحمل المسؤولية تجاه البيئة واتزانها والمحافظة عليها، وهذا الدور مسؤولية المدارس والجامعات وتطبيق القانون؛ لضمان استدامة البيئة وحفظها للأجيال القادمة.
كيماويات وتعليم ثوري
يتم إنتاج الخضروات في طوباس والأغوار، بكيماويات ودون رقابة، كمقارنة بين ما نزرعه في المدرسة وأمام أعين الطالبات وما نشتريه من الأسواق، كيف هي الصورة؟
نضطر آسفين لهز ثقة الطالبات بما يتناولن على موائدهن من سموم مُقنّعة على هيئة خضار، ويحدث هذا عند مناقشة الآثار السلبية لهذه المواد المضافة للمزروعات على صحة الجسم وتأثيرها على الأنظمة البيئية وجودة المياه. أعتقد أن تطوير مفاهيم الزراعة العضوية والخضراء سيزيد مستقبلًا من الطلب على مزروعات صحية وعضوية، قد تشجع المزارعين على اعتمادها لسهولة تسويقها.

تربية الأسماك في مدرسة طوباس الثانوية
التعليم الزراعي والتدبير المنزلي للأسف فكرة أصبحت من الماضي، كيف يمكننا إنعاشها؟
نحتاج إلى ما يمكن تسميته بالتعليم الثوري، الخريجون يتراكمون بأعداد كبيرة وللأسف بتخصصات نظرية على الأغلب. وبرأيي إن إعداد الشباب عمليًا يوازي بأهميته أو يفوق إعدادهم نظريًا، لخلق جيل مبادر قادر على استغلال الإمكانات المتاحة والمتوفرة. ولعل المتابع لنمط التعليم والمناهج المطروحة اليوم في مدارسنا يلاحظ وجود مثل هذه الخطط التطبيقية والابتعاد قليلا عن نمطية التلقين في التدريس، وسيساعد دعم المؤسسات والمجتمع المحلي وتوجيه البوصلة لمسارات محددة في الوصول إلى جيل مبادر وقادر على صياغة مستقبله، وحب بيئته.

مدرسة طوباس الثانوية الخضراء
aabdkh@yahoo.com