خاص بآفاق البيئة والتنمية
تأمل الوادي العميق الذي يخترقه مجرى مائي يبث بعضاً من الحياة في محيطه فيكتسي بالخضرة، أم الاستماع إلى أصوات غير مألوفة لطيور مهاجرة وأخرى لا نراها في المدن، عدا عن رؤية الأفق اللامتناهي مع انثناءات التلال المتلاصقة، والتقاط بعض المشاهد السريعة لحيوانات تعيش بتناغم مع البرية...كل ما سبق مشاهد لا يمكن معايشتها بالمركبات الحديثة، وما بعد تلك المشاهد حالة اندماج كبيرة مع الطبيعة من المستحيل أن نفهمها وسط المدن المزدحمة وهيمنة اللون الواحد...
تفاصيل تلك المغامرات المثيرة وسط الطبيعة الفلسطينية عايشها مجموعة من محبي ركوب الدراجات الفلسطينية والذين أطلقوا على أنفسهم "دراجو فلسطين... اكتشاف الوطن على عجلتين" حيث كانت انطلاقتهم في السنوات الأخيرة بإمكانيات بسيطة وما زالت تقتصر على توفر دراجة هوائية وخوذة وشغف الاستكشاف والطاقة لاستكمال الرحلة حتى النهاية.
أجرت "مجلة آفاق البيئة والتنمية" الحوار التالي مع أحد المؤسسين الشاب مهند السلعوس، حيث تحدث بإسهاب عن فكرة المجموعة والهدف منها وأجمل اللحظات:
|
|
دراجو فلسطين أمام جامعة بير زيت |
دراجو فلسطين في أحد التجمعات البدوية الفلسطينية |
· متى تأسست المجموعة وما الهدف من تأسيسها؟
تأسست عام 2012 بهدف إتاحة الفرصة لمحبي ركوب الدراجات ممارسة هذه الرياضة في فلسطين، من خلال اكتشاف ربوع الوطن على امتداده الواسع.
· لماذا اخترتم هواية ركوب الدراجات، خاصة أنها رياضة ليس دارجة في فلسطين ؟
تم اختيار هذه الرياضة لأنها تعتبر من الهوايات المفضلة لمؤسسي المجموعة، وكذلك فإن اختيار هذه الرياضة سوف يشجع على انتشارها وتعميمها في فلسطين، عدا أنها وسيلة مساعدة ومرنة لاكتشاف تفاصيل الجغرافيا والتاريخ في الوطن.
· كم يتراوح عدد أفراد المجموعة، وكيف تنظمون جولاتكم زمنيا ومكانيا؟
يتراوح عددنا من 30-40 درّاج من الضفة الغربية ومناطق الـ 48 وخاصة من شمال فلسطين، ونقوم بترتيب جولاتنا مرة كل أسبوع من خلال مواقع التواصل مثل الـ Facebook أو الـ WhatsApp، حيث نقوم بترتيب الامور اللوجستية بالتعاون بين المشاركين بشكل بسيط وسلس ودون ترتيبات مسبقة.
· هل هناك مشاركة نسوية ؟
هنالك مشاركة نسوية ولكنها عادةَ ضعيفة، وذلك لأن غالبية رحلاتنا تكون في الجبال والمسارات صعبة وخطرة على النساء، ومنذ تأسيس المجموعة لم تشارك معنا إلا شابتين في الرحلات الجبلية، ولكن بالطبع نحن دائماً نشجع النساء على المشاركة والدخول في مثل هذه الرياضات.
|
|
دراجو فلسطين في قضاء عكا |
دراجو فلسطين في وادي القلط |
المستحيل ممكن مع "دراجي فلسطين"
· استطعتم من خلال المجموعة التنقل في المناطق البعيدة عن المدن، ومنها دخلتم إلى داخل الخط الأخضر، صف لنا ما هو الشعور حين تخترقون بدراجاتكم المناطق الممنوعة على الفلسطينيين إلا بتصاريح ؟
برأيي لا يوجد "ممنوع" في موضوع المناطق، فعلى سبيل المثال وفيما يتعلق بالمناطق المصنفة جـ، وخاصةً تلك الصحراوية الجبلية ما بين القدس والممتدة إلى البحر الميت، فإن تلك المناطق داخل حدود الضفة الغربية ومن السهل الوصول إليها، ولكن بسبب قلة ثقافة الاستكشاف لدينا فنحن لا نحاول اكتشاف وطننا والذي لا تفصلنا عنه أية حواجز.
أما وصولنا إلى مناطق الخط الأخضر فيتم عادةً بمحض الصدفة حيث يستبعد الاحتلال أن نكون نحن "هواة الدراجات" بزيهم الرياضي الخاص فلسطينيين، فيدعنا نمر بسلام معتقداً أننا أجانب. هذه الحظوظ المحفوفة بالمخاطر تدعنا نتعرف على امتداد وطننا الآخر من يافا إلى المثلث فحيفا وعكا وحتى الحدود اللبنانية.
فمثلاً رحلتنا إلى حيفا، بدأت حين قررنا في يوم وبشكل غير مخطط له، السفر من رام الله إلى حيفا بالدراجات أي قطع مسافة (160) كم. غادرنا تمام السادسة صباحا، ووصلنا حيفا في السادسة مساءً، أي استغرقت الطريق 12 ساعة من المتعة والإثارة، في اليوم الثاني أكملنا الركوب لنصل الحدود مع لبنان من جهة معبر رأس الناقورة، في العودة مررنا مجددا من حيفا وعدنا إلى رام الله، كان يوماً لا ينسى خاصةً أننا كسرنا القيود واستكشفنا وطننا الجميل.
|
|
دراجو فلسطين لا يعرفون الخوف بل القوة |
دراجو فلسطين يجوبون تلال وجبال فلسطين |
· ماذا تشعر وأنت تقود الدراجة بين التلال؟
شعور رائع، فمن الممكن أن تنسى تفاصيل أي جولة تقوم بها بالسيارة بسهولة ولكن الجولة التي تقوم بها بالدراجة فنسيانها يكون مستحيلاً، وخاصة مع كافة المتاعب والصعوبات. كذلك يراودنا إحساس بالاقتراب أكثر من الأرض ونحن على الدراجة، حيث يمكنك تحسس المكان واشتمام رائحته التي لا يمكن نسيانها أيضاً.
· وانتم تسيرون وسط الطبيعة باختلاف تضاريسها ماذا يستوقفكم من مشاهد طبيعية؟
طبعاً يستوقفنا جمال الطبيعة الفلسطينية الخلابة والمناخ الجميل أيضاً، وكذلك نقاء الجو والأشجار والنباتات الأصلية والحيوانات الجميلة، ونتعلم من خلال مساراتنا أمور لم نكن نعلم بها، فعلى سبيل المثال:
في يوم ونحن نتجول في مسار الخروبية، (شفا عمرو) شاهدنا أفعى سوداء كبيرة كانت تقطع الطريق (المسار) ودخلت بالخطأ بين حديد عجل احد الدرّاجين، لكن للأسف الكاميرا لم تكن توثق المشهد فضاع، ومن خلال البحث عن تفاصيل هذا الحيوان الزاحف على الانترنت، اتضح لنا لاحقا انه ليس ثعبانا بالضبط بل ما يعرف بالعربيد الأسود.
في يوم آخر ونحن نستكشف احد المسارات القريبة من رام الله صادفنا طيراً جارحاً كبيراً يصارع أفعى وخلال ثوانِ استطاع أن يقطعها لنصفين ويطير بالنصف السفلي، ولكن للأسف الكاميرا أيضا لم تلتقط المشهد. ولكننا استطعنا تصوير نصف الأفعى الآخر، واتضح لنا لاحقا أن من هاجمها هو العقاب المرقط وهو احد أنواع الطيور العابرة للبلاد.
|
|
دراجو فلسطين يستخدمون دراجاتهم في شوارع المدن أيضا |
دراجو فلسطين يستكشفون المناطق الفلسطينية الصحراوية |
· ما أجمل المناطق التي زرتموها ولماذا؟
أجمل المناطق هي مسار عين الفوار ووادي القلط وذلك لوجود الاشجار والنباتات الجميلة وينابيع المياه العذبة وخاصة في فصل الشتاء حيث تكون الحياة قد انتعشت، كذلك بعض المناطق الجبلية والمطلة على البحر الميت والتي تمكننا من رؤية كامل البحر الميت بشكل بانورامي.
· ما الذي يزعجك خلال الجولات؟
أنزعج كثيراً حين أرى إساءة شعبي للبيئة والطبيعة، أرى مخلفات طعامهم وجلسات شوائهم في المروج والأحراش، كما أرى على بعض الموجودات والمعالم الأثرية خربشات على حجارتها وجدرانها وآثار حرق نار، عدا عن أكوام النفايات المنتشرة على أطراف الطرق.
|
|
دراجو فلسطين يستكشفون جميع أنحاء فلسطين التاريخية على دراجاتهم |
دراجو فلسطين |
· برأيك، كم هي رياضة الدراجات مفيدة للجسم والبيئة ؟
لا مجال للشك بأن رياضة الدراجات من افضل الرياضات ولها العديد من الفوائد على الجسم والصحة والبيئة، كما أنها تساعد على التقليل من تلوث البيئة والازدحام المروري في حال تم الاعتماد عليها كوسيلة للتنقل.
· هل تلتزمون بنظام غذائي معين للحفاظ على قدراتكم الجسدية أثناء أداء هذه الرياضة؟
لا يوجد نظام غذائي معين نعتمد عليه خلال ممارسة هذه الرياضة، ولكن هناك بعض الأمور الأساسية التي نحاول التركيز عليها مثل شرب الماء بكثرة، وتناول بعض الفواكه المنشطة مثل الموز والتمر والمكسرات.
· هل تستطيعون ممارسة تلك الرياضة بالشتاء؟
نعم فتقنيات ركوب دراجات الجبل تختلف باختلاف الفصول وحالة الطقس. في فصل الشتاء يجب على الدرّاج تعلم تقنيات ركوب الوحل من حيث استخدام الفرامل ووضعية الدراج واليات التوازن واندماج جسم الدرّاج مع الدراجة ومقاومة الرياح وشظايا الوحل والمطر وانزلاقات الطريق، كل هذه وغيرها من تقنيات ركوب الوحل تضفي طابعا خاصا للرحلة يتسم بكم اكبر من الإثارة والتحدي والمتعة.
|
|
دروب خطرة يرتادها دراجو فلسطين لكنها ممتعة |
شغف استكشاف الطبيعة سمة أساسية لدى الدراجين الفلسطينيين |
· ما هي التطلعات المستقبلية من المجموعة، والى أي مدى نجحتم في تنفيذ أهدافكم ؟
نتطلع مستقبلاً إلى زيادة انتشار رياضة ركوب الدراجات في فلسطين وخاصة ركوب الدراجات الجبلية، وكذلك بذل بعض الاهتمام من الجهات الرسمية والدولية لدعم هذه الرياضة وخاصة في مجال توفير مسارات مخصصة لذلك في الجبال والشوارع، حيث أنه حتى الآن لا يوجد أي مسار جبلي في الضفة الغربية للدراجات الهوائية تم تحديده بأيدي فلسطينية، بل جميعها للأسف تمت من قبل إسرائيليين.
· بكلمة أخيرة كيف تشجعون الأعضاء الجدد للانضمام إلى مجموعتكم وهل من شروط معينة؟
نحاول دائما تشجيع أي أعضاء جدد للانضمام إلى المجموعة وممارسة هذه الرياضة لفوائدها ومتعتها الكبيرة، وذلك بدون أي تكاليف أو أي شروط مسبقة، فقط يطلب منهم إحضار الدراجة المناسبة للجبال ( All Mountain) والخوذة والانطلاق. كذلك ومن واقع خبرتنا فإننا نقوم بتقديم التوجيهات المناسبة لهم، مع التأكيد على أننا مجموعة غير ربحية وكافة الرحلات التي نقوم بها مجانية.
|
|
مجموعة دراجو فلسطين تضم بعض النساء أيضا |
مجموعة دراجو فلسطين |