إلهام الطبيعة.. كيف شكلّت الكائنات الحية مفاهيم الابتكار البشري؟
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تلعب الحيوانات والطيور دورًا ثقافيًا وترفيهيًا، حيث توفر الجمال الطبيعي الذي يلهم الفنون والثقافة، وتساهم في صناعة السياحة البيئية التي تعزز الاقتصاد المحلي وتحافظ على البيئة، فوجودها في الحياة البرية والمحميات الطبيعية يوفر فرصًا للتعلم والبحث والابتكار.وقد تقود دراسة الطبيعة وسلوك الكائنات الحية من حيوانات وطيور وحشرات إلى ابتكارات هامة تعزز التقدم البشري في مختلف المجالات، وتلعب دورًا محوريًا في إلهام الإنسان وابتكاراته المتنوعة في مجالات البيئة والعلوم الإنسانية والطبيعية والتكنولوجية، ما يسهم في تحسين جودة الحياة والبيئة المحيطة بالإنسان. لا يمكن تصوّر حياة الإنسان دون وجود الحيوانات والطيور، فهي تشكّل دعامة أساسية للنظام البيئي الذي يدعم الحياة البشرية، وتسهم في الصحة العامة، والاقتصاد، والثقافة، والتعليم، لذا، الحفاظ على هذا التنوع البيولوجي ضرورة حتمية لضمان استدامة الحياة على كوكب الأرض.
|
 |
اللقلق الأبيض White Stork المهاجر في سهول جنين |
تلعب الكائنات الحية من حيوانات وطيور وحشرات دورًا محوريًا في إلهام الإنسان وابتكاراته المتنوعة عبر مجالات البيئة والعلوم الإنسانية والطبيعية والتكنولوجية.
وفي العلوم الإنسانية، ألهمت دراسة السلوك الاجتماعي للحيوانات لتطوير نظم إدارة وتنظيم فعالة في المجتمعات البشرية، إضافة إلى دراسات ساعدت في تطوير تقنيات الاتصال وتحليل اللغات، ما عزَّز الفهم البشري للسلوك الاجتماعي والتواصل.
أما في العلوم الطبيعية، فإن تقنيات مثل تصميم المواد المستوحاة من حرير العنكبوت توفر مواد قوية وخفيفة تُستخدم في التطبيقات الطبية والهندسية، كما أن الحركة الديناميكية للطيور والأسماك ألهمت تصميمات الطائرات والسفن لتحسين الكفاءة والأداء.
في التكنولوجيا، تُستوحى تصميمات الروبوتات من حركة الحشرات والحيوانات، ما يؤدي إلى تطوير روبوتات متعددة الاستخدامات قادرة على العمل في بيئات معقدة، كما أن دراسة نظم التهوية في جحور النمل الأبيض ساعدت في تصميم مبانٍ تستخدم التهوية الطبيعية لتقليل استهلاك الطاقة.
بهذا، يتجلّى كيف أن دراسة الطبيعة وسلوك الحيوانات والطيور يمكن أن تقود إلى ابتكارات هامة تعزز التقدم البشري في مختلف المجالات، ما يسهم في تحسين جودة الحياة والبيئة المحيطة بالإنسان.
تلعب الحيوانات والطيور دورًا حيويًا في حياة الإنسان والبشرية كاملة، مساهمةً في تحقيق التوازن البيئي بواسطة دورها في السلاسل الغذائية، حيث تعمل كمفترسات وفرائس، ما يساعد في تنظيم أعداد الأنواع المختلفة والحفاظ على صحة النظام البيئي وتعزيز التنوع البيولوجي الذي يعتمد عليه كوكب الأرض، كما تلعب بعض الكائنات الحية أيضًا دورًا هامًا في الزراعة وذلك بالتلقيح.
 |
 |
دُجَاجَة الماء ،Moorhen في وادي المقطع – جنين وهي طائر مائي شائع في فلسطين |
طائر الزقزاق المظفر في سهل مرج ابن عامر – جنين |
الحيوانات والطيور وتقنيات التكنولوجيا والهندسة
استلهم الإنسان من التصميم الطبيعي وسلوك بعض الحيوانات والطيور تقنيات وابتكارات في مجالات متعددة من التكنولوجيا والهندسة.
يقول الدكتور عماد دواس، المحاضر الأكاديمي في هندسة التخطيط الحضري والإقليمي لـ "آفاق البيئة والتنمية": "قادت دراسة الطبيعة وسلوك الحيوانات إلى ابتكارات وتطورات هامة في مجالات التكنولوجيا والهندسة، ما أسهم في تحسين الكفاءة والفعالية في تطبيقات متعددة".
ويستشهد ببعض الأمثلة: "ألهمت الهياكل العظمية للحيوانات تصاميم هندسية متينة وخفيفة الوزن تُستخدم في بناء الجسور والمباني، كما ألهمت نظم التهوية الطبيعية في جحور النمل الأبيض؛ لتصميم مبانٍ مستدامة تستخدم التهوية الطبيعية لتقليل استهلاك الطاقة، كما أن تصميم أجنحة الطيور وميكانيكية طيرانها ألهمت تطوير أجنحة الطائرات لتحسين الديناميكا الهوائية وزيادة كفاءة الطيران".
ويستطرد دواس في حديثه قائلاً: "وألهم تصميم أجسام الأسماك وحركتها في الماء تطوير تصميمات السفن والغواصات لتحسين كفاءة الحركة وتقليل مقاومة الماء، وعلى صعيد التخطيط الحضري والبيئي فإن دراسة كيفية تنظيم الحيوانات لموائلها، مثل جحور القوارض وأعشاش الطيور، ألهمت تصميم مجتمعات بشرية مستدامة وفعالة".
ويضيف: "لقد ألهمت حركة الحشرات تصميم روبوتات صغيرة و"متعددة الاستخدامات"، قادرة على التنقل في بيئات معقدة، مثل الروبوتات الشبيهة بالحشرات المستخدمة في مهام البحث والإنقاذ، كما أن دراسة كيفية تحرك النمل في الطرق المعقدة والضيقة ألهمت العلماء لتطوير أنظمة نقل فعالة داخل المصانع والمستودعات، مثل الأنظمة الروبوتية التي تحاكي حركة النمل لتنظيم العمليات اللوجستية".
وحسب اطلاعه، ألهمت قوة ومرونة حرير العنكبوت تطوير مواد جديدة قوية وخفيفة، تُستخدم في التطبيقات الطبية والهندسية مثل الخيوط الجراحية والألياف الصناعية.
 |
 |
العُوَيْسِقُ، وهو طائر جارح مهاجر عابر - جنين |
العُصفور الدوري، وهو طائر مقيم في فلسطين - لوحة للباحث خالد ابو علي |
كما أن نظام تحديد المواقع باستخدام الصوت (السونار) مستوحى من الخفافيش التي تستخدم ترددات صوتية عالية لتحديد مواقع الأشياء في الظلام؛ ألهم تطوير تقنيات السونار المستخدمة في الملاحة البحرية.
ويذكر دواس: "ألهمت قدرة الأسماك الكهربائية على تحديد المواقع باستخدام الحقول الكهربائية؛ تطوير أجهزة الاستشعار تحت الماء، فضلاً عن تصميم السيارات الحديثة الذي اُستلهم من شكل الأسماك لتحسين كفاءة الديناميكا الهوائية وتقليل استهلاك الوقود، ودرس العلماء حركة الديدان لتطوير هياكل مقاومة للزلازل، مستلهمين من قدرتها على التحرك في التربة بطريقة فعّالة".
وفيما يتصل بالطيور والحيوانات، يوضح دواس: "لقد استرشد العلماء بحدّة بصر الطيور الجارحة لتطوير أنظمة الكاميرات عالية الدقة والمستخدمة في التطبيقات الأمنية والطبية، كما استلهمت أنماط هجرة الطيور لتطوير أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) وتحسين كفاءة المسارات الجوية للطائرات، كما استفاد الباحثون من استراتيجيات الصيد للفهود، لتطوير روبوتات ذكية قادرة على اتخاذ قرارات فعّالة في بيئات متغيرة".
 |
 |
سلحفاة مهمازية الورك وهي السلحفاة البرية الوحيدة التي تعيش في فلسطين |
افعى فلسطين، Daboia palaestinae، وهي أفعى سامة جدا |
الحيوانات وتقنيات الاستشعار
تعد الحيوانات مصادر إلهام قيّمة للإنسان لتطوير تقنيات استشعار متقدمة تساعد على حماية البيئة مساعدة أكثر فعالية ودقة، حيث توجد حيوانات عدة تعتمد على استشعارات متطورة للبحث عن الموارد والتكيف مع التغيرات البيئية، ويمكن الاستفادة من هذه الاستراتيجيات لتصميم أنظمة استشعار متقدمة لرصد التغيرات في البيئة.
يقول الدكتور أحمد الشريدة - رئيس الجمعية الأردنية للتنمية البشرية والبيئية لمراسلنا: "تستخدم الجمال والإبل أنظمة استشعار متقدمة للتكيف مع ظروف الصحراء، مثل القدرة على اكتشاف مصادر المياه والأعشاب لمسافات بعيدة، ويمكن دراسة آليات استشعارها لتطوير أنظمة استشعار بيئية تعمل على تحسين فعالية مكافحة التصحر، كما تتّبع الطيور المهاجرة نماذج معقدة للطيران والتغذية، مستفيدة من استشعاراتها لتوجيهها إلى الوجهات الموسمية، ويمكن الاسترشاد في هذه الاستراتيجيات لتطوير أنظمة مراقبة جوية تساهم في رصد التغيرات البيئية والمساهمة في مكافحة التصحر".
هذا، وتعتمد الحيوانات المائية مثل الحيتان على استشعاراتها للتوجيه في المياه والبحث عن مصادر الغذاء، ويمكن تطوير تقنيات استشعار بحرية متقدمة مستلهمة من سلوك هذه الحيوانات لمراقبة التغيرات البيئية في المحيطات والسواحل، كما تستخدم الحيوانات البرية الكبيرة مثل الأسود والذئاب استشعاراتها للبحث عن فريسة والتوجيه في المناطق البرية، ويمكن الاستفادة من هذه الاستراتيجيات لتطوير أنظمة استشعار ومراقبة تساهم في الحفاظ على التوازن البيئي، تبعاً لحديث الشريدة.
 |
 |
خفاش الفاكهه، ويُطلق عليه اسم الثعلب الطائر أيضًا، يُفضل تناول ثمار الفاكهة والنباتات |
السلمندر، من البرمائيات وسجل وجوده في الجليل في فلسطين |
الكائنات الحية اكتشافات طبية ثورية
إن دراسة سموم بعض الكائنات الحية يمكن أن يقود إلى اكتشافات طبية ثورية تساهم في علاج الأمراض وتحسين صحة الإنسان، حول هذا، تقول الصيدلانية سامية طرزي لـ"آفاق البيئة والتنمية": "لقد استفاد الإنسان من التصميم الطبيعي ومن سلوك بعض الحيوانات والزواحف لتطوير تقنيات وابتكارات في مجال الطب والسموم والأمصال، وهناك عديد من الأدوية والعلاجات الحديثة طُورّت، بدراسة السموم الحيوانية، مثل سم الأفاعي الذي يحتوي على مركبات تستخدم في تطوير أدوية لعلاج ارتفاع ضغط الدم".
وتشرح طرزي: "مثال على ذلك؛ كابتوبريل (Captopril) الذي يستند إلى بروتين موجود في سم الأفعى، وسم العقارب الذي يُستخدم في تطوير أدوية لعلاج أمراض المناعة الذاتية، فمادة الكلوروتوكسين (Chlorotoxin) المشتقة من سم العقرب تستخدم في علاج سرطان الدماغ".
وعلى صعيد المضادات الحيوية، والمركبات المضادة للبكتيريا، تلفت إلى أن بعض أنواع الضفادع تفرز مواد مضادة للبكتيريا والفطريات على جلدها، والتي استفاد منها العلماء في إنتاج مركبات جديدة لمكافحة العدوى.
كما أن السلمندر (السمندل)، وهذا الحيوان لديه قدرة فائقة على تجديد أطرافه المفقودة، حيث استلهم العلماء من آلية التجديد في السلمندر لتطوير تقنيات تجديد الأنسجة في البشر، تتابع طرزي حديثها.
وتردف قائلة: "يمكن لبعض السموم العصبية لعلاج الأمراض مثل سم العنكبوت الذي يحتوي على مركبات؛ أن تُستخدم لتطوير علاجات لأمراض الجهاز العصبي، مثل الصرع والشلل والرعاش".
 |
 |
الجمل في صحراء وبرية بيت لحم ولديه قدرة على التكيّف في مناخ الصحراء |
العنكبوت الذئب Wolf Spider وهو صياد ماهر يتمتع بحدة البصر |
الحيوانات والطيور والعلوم الاجتماعية والإنسانية
إن استلهام الأفكار من الطبيعة والاستفادة من سلوك الحيوانات يمكن أن يحرز تقدماً كبيرًا في فهم وتحسين التفاعلات والسلوكيات البشرية في المجالات الاجتماعية والإنسانية المختلفة.
من جانبه، يخبرنا ناصر مطر، خبير الدعم النفسي والاجتماعي، وهو مدير مؤسسة نفس، أن الإنسان استوحى من التصميم الطبيعي وسلوك بعض الحيوانات والطيور، تطوير تقنيات وابتكارات في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، على سبيل المثال، والكلام له، يُدرّس النمل والنحل لفهم الأنظمة الاجتماعية المعقدة، والتعاون الجماعي، وتقسيم العمل، وهذه الدراسات ألهمت أبحاثًا حول كيفية تحسين التعاون والإدارة داخل المجتمعات البشرية، كما أن دراسة هيكلة قطيع الذئاب والضباع وديناميكيات القيادة تساعد في فهم القيادة والعمل الجماعي داخل المجموعات البشرية".

ضفدع المستنقعات هو الاكثر انتشارا في فلسطين
وعن التعليم والتعلم يقول مطر: "بعض الطيور كالغربان والببغاوات، تُظهر ذكاءً وقدرة على التعلم بالتقليد والممارسة، واستُلهمت هذه القدرات لتطوير تقنيات تعليمية تعتمد على التعلم بالممارسة والتقليد، كما أن دراسة تعلّم القردة وكيفية تفاعلها مع بيئاتها قدمت رؤىً حول كيفية تصميم بيئات تعليمية تفاعلية للأطفال، وأيضًا، دراسة أنماط تغريد الطيور وكيفية تعلمها للأغاني ألهمت أبحاثًا حول تعلم اللغة عند البشر، وتطوير طرق جديدة لعلاج اضطرابات النطق واللغة".
ويتطرق إلى ما يخص علم النفس والعلاج النفسي: "اُستخدمت الحيوانات في العلاج النفسي لتحسين الصحة النفسية للمرضى، فمثلاً تُستخدم الكلاب والخيول لتقديم الدعم العاطفي وتحسين التفاعل الاجتماعي، كما أن دراسة سلوك الحيوانات وكيفية تعاملها مع التوتر والصدمات ألهمت تقنيات علاجية جديدة لمساعدة البشر في التعامل مع الضغوطات والتحديات النفسية".
 |
 |
اللقلق الأبيض المهاجر في استراحة على شجرة في جنين |
الطيور الجارحة المهاجرة في استراحة على اشجار مدينة جنين |
وختم مطر حديثه بالقول: "إن العناية بالحيوانات والطيور، وكذلك الاستفادة والاستلهام منها يمكن أن تكون لها أهمية بالغة في تخفيف الضغوط النفسية وتحسين المزاج، فوجودنا بالقرب من الحيوانات يمكن أن يخفف التوتر ويعزز مشاعر الراحة، وتفاعل الشخص مع حيواناته الأليفة يساعد على تقليل مستويات التوتر والقلق، في حين أن الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة أو العزلة قد يجدون في الحيوانات رفقة دافئة، حيث توفر روابط عاطفية تساهم في تقليل مشاعر العزلة وتحفيز الشعور بالحب والرعاية المتبادلة".
أخيرًا، تلعب الحيوانات والطيور دورًا ثقافيًا وترفيهيًا، حيث توفر الجمال الطبيعي الذي يلهم الفنون والثقافة، وتساهم في صناعة السياحة البيئية التي تعزز الاقتصاد المحلي وتحافظ على البيئة، فوجودها في الحياة البرية والمحميات الطبيعية يوفر فرصًا للتعلم والبحث والابتكار.
والخلاصة، لا يمكن تصوّر حياة الإنسان دون وجود الحيوانات والطيور، فهي تشكل دعامة أساسية للنظام البيئي الذي يدعم الحياة البشرية، وتساهم في الصحة العامة، والاقتصاد، والثقافة، والتعليم، لذا، الحفاظ على هذا التنوع البيولوجي ضرورة حتمية لضمان استدامة الحياة على كوكب الأرض.
 |
 |
هجرة اللقلق الأبيض المهاجر في سماء مدينة جنين |
كلب بلدي في أحراج ام صفا – رام الله |
 |
 |
فرس اصيل في جبال بلدة بيت أمر -الخليل |
بوم المخازن المقيم في فلسطين |