"التوعية بالأمراض المنقولة عبر الماء والغذاء" حملة في قطاع غزة أثَّرت في النازحين
خاص بآفاق البيئة والتنمية
متطوعون ومتطوعات يشاركون في حملة "التوعية بالأمراض المنقولة عبر الماء والغذاء"، التي تُنفذ في مراكز الإيواء من مدارس وخيام وأماكن متفرقة لتوعية النازحين. أكثر من ١٠٠ متطوع ميداني يؤدون رسالتهم التي يؤمنون بها، رغم الصعوبات والظروف القاهرة التي تواجههم، كونهم جزءاً لا يتجزأ من سكان قطاع غزة. بعد الانتشار اللافت للأمراض المعدية بين سكان قطاع غزة، وخاصة بين النازحين مثل أمراض الجهاز الهضمي، والتهابات الجلد والأمراض التنفسية، تزايدت المخاوف من تفشي أوبئة متعددة بسبب الظروف السلبية التي خلّقتها الحرب، ومن هنا انبثقت فكرة إطلاق الحملة، كون الوقاية من الأمراض المعدية ممكنة وبتدابير وإجراءات قد لا تكون معقدة، موضوعات عدة تتناولها الحملة، من أهمها مكافحة القوارض والقمل، والالتهابات الجلدية، والالتهابات المهبلية، ومرض شلل الأطفال، وفساد الأغذية، وسلوكيات خاطئة مثل استخدام المياه الملوثة في غسل الملابس وما ينجم عنها من أمراض جلدية، وعدم فصل النفايات وإدارتها بالطريقة السليمة.
|
 |
أطفال غزة من الفئات المستهدفة للتوعية الصحية |
يتحلّق مجموعة من النسوة والأطفال حول متطوعين ومتطوعات يشاركون في حملة "التوعية بالأمراض المنقولة عبر الماء والغذاء"، التي نُفذّت في مراكز الإيواء من مدارس وخيام وأماكن متفرقة لتوعية النازحين.
د. عبد الرؤوف المناعمة أستاذ الأحياء الدقيقة في الجامعة الإسلامية، ومسؤول الحملة التي أُطلقت في شهر يوليو- تموز الماضي؛ رافعة شعار "كن جزءاً من الحل"، يقول عما دفعه لهذه الخطوة، إنه بعد الانتشار اللافت للأمراض المعدية بين سكان قطاع غزة، وخاصة بين النازحين مثل أمراض الجهاز الهضمي، والتهابات الجلد والأمراض التنفسية، تزايدت المخاوف من تفشي أوبئة متعددة بسبب الظروف السلبية التي خلّقتها الحرب، ومن هنا انبثقت فكرة إطلاق الحملة، كون الوقاية من الأمراض المعدية ممكنة وبتدابير وإجراءات قد لا تكون معقدة، تبعاً لحديثه مع مراسلة "آفاق البيئة والتنمية".
وحصلت الحملة على تمويل لفترة محدودة، ومع هذا تستمر وتتطور موضوعاتها بحسب الظروف الميدانية.
وبما أن الظروف التي خلقتها الحرب ستظل قائمة لفترة قد تطول، حتى عند توفير إسكان مؤقت، فإن استرجاع البُنى التحتية والخدمات للسكان يستغرق وقتاً، ما يرّجح استمرارها.
موضوعات عدة تتناولها الحملة، من أهمها مكافحة القوارض والقمل، والالتهابات الجلدية، والالتهابات المهبلية، ومرض شلل الأطفال، وفساد الأغذية، وسلوكيات خاطئة مثل استخدام المياه الملوثة في غسل الملابس وما ينجم عنها من أمراض جلدية، وعدم فصل النفايات وإدارتها بالطريقة السليمة.
وبشأن الأهداف التي تسعى الحملة لها كي تسلّط الضوء على الأمراض المنقولة عبر الماء والغذاء، يخبرنا عبد الرؤوف المناعمة أن نشر الوعي الصحي بين النازحين يأتي على رأسها، إضافة إلى تعريفهم بالاحتياطات والاجراءات التي تقلّل من فرص الإصابة بالعدوى.
وحسب د. المناعمة، فإن المنضّمين إلى الحملة حاولوا جاهدين إنشاء لجان توعية صحية، وتزويدها بالمواد اللازمة لتثقيف صحي مستدام، باستخدام العروض التقديمية، والمحاضرات، وجلسات حوارية وتفاعلية، و"بوسترات توعوية".
 |
 |
الأمهات هن الأكثر تفاعلا مع الحملة التوعوية الصحية |
تتناول الحملة التوعوية الصحية موضوعات عدة منها السلوكيات الخاطئة والحلول المبسّطة |
روح المبادرة
نجحت الحملة في استقطاب مجموعة من المتطوعين، من أصحاب التخصصات الطبية وتكنولوجيا المعلومات أيضاً.
وفي هذا السياق، يوضح: "اشتملت الحملة على لجنة تأسيسية "لجنة علمية"، ومصممين، ومتطوعين ميدانيين، لديهم خبرة في مجال التثقيف الصحي، وأغلبهم شارك في الحملات السابقة التي كنا نديرها، أبرزها الأسبوع العالمي للتوعية بمضادات الميكروبات".
وثمَّن المسؤول الأول عن الحملة، روح المبادرة التي تجلّت في المتطوعين، لمحاولتهم إنقاذ المجتمع الفلسطيني من الأمراض المعدية عبر التثقيف الصحي، وفق تعبيره.
وعبَّر عن ارتياحه بقوله: "لدينا اليوم أكثر من ١٠٠ متطوع ميداني يؤدون رسالتهم التي يؤمنون بها، رغم الصعوبات والظروف القاهرة التي تواجههم، كونهم جزءاً لا يتجزأ من سكان القطاع".
وبعد ستة شهور من انطلاق الحملة، وصلت إلى 40 ألف نازح عبر أنشطة ميدانية وإلكترونية، يتحدث عن الجهد المبذول في هذا الجانب: "عقدنا 435 جلسة توعوية في 113 مركز إيواء، تضمنت المراكز الرسمية كالمدارس والعشوائيات كالمخيمات، وذلك بتعاون ١١٧ متطوع في مختلف محافظات غزة الأربعة (شمال غزة، غزة، الوسطى، خانيونس) أما محافظة رفح فقد حالت الظروف الأمنية دون الوصول إليها".
وبموجب الحملة، أُنشئت صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا واحد من أشكال التوعية الإلكترونية التي يوضحها د. عبد الرؤوف: "كذلك، أعددنا تطبيق جوال يعمل بواسطة "هواتف الأندرويد" يحمل اسم (الوقاية من الأمراض المعدية)، إذ يعرض المادة التثقيفية بما يتلاءم مع ظروف الإنترنت في القطاع، كما وأنشأنا موقع ويب يعرض ما توصلت إليه المبادرة التوعوية، فضلاً عن إعداد "كتاب الأمراض المعدية زمن الحروب والكوارث" وعُرض على منظمة المجتمع العلمي العربي في قطر ليُنشر".
 |
 |
د. عبد الرؤوف المناعمة يتوسط المتطوعين في الحملة |
محاضرات توعوية بين خيام النازحين |
مشكلات تساهم في نشر الأمراض
"ماذا عن الصعوبات التي واجهتكم في تنفيذ الحملة على جميع الصعد؟".. يجيب قائلاً: "بالتأكيد أولها، اضطراب حالة الأمن في المناطق جراء قرارات الإخلاء المفاجئة التي اتخذها الاحتلال، وصعوبة المواصلات تحدٍ آخر يواجهه المتطوعون، زد على ذلك؛ تغيرات الطقس المصحوبة بالأمطار والرياح التي تقيّد حركتهم".
ولطالما راعى القائمون على الحملة سلامة متطوعيها، إذ على أساسها يتحرك الجميع، وفي حال صدور أوامر بالإخلاء أو التحذير من مناطق غير آمنة، عندئذ يلزم الكل مكانه، ولا يمنع هذا، أن خطر القصف كان محدقًا بالجميع.
ويواصل كلامه في الصدد ذاته: "من المؤسف أنه لا يتوفر مكان مخصص للتوعية داخل مخيمات النزوح، ولدينا صعوبة في إيجاد ممول للحملة لتغطية المصاريف، كما أننا نفتقر إلى توفير العلاج المتاح في قطاع غزة بسبب إغلاق المعابر".
ويتطرق إلى معوقات أخرى، منها ارتفاع أسعار الصابون ومواد التنظيف، ورفض بعض ممثلي المخيمات تقديم التثقيف الصحي دون عائد مادي يعود على النازحين، كما أن بعض الجهات لا تسمح للفرق المتطوعة بتنفيذ أنشطتها، وليس من السهل التنسيق لحشد النازحين لحضور ندوات التوعية الصحية.
ومن المثير للاهتمام أنه يُشهد تفاعل كبير من النازحين من الفئات العمرية كافة، وخاصة طلبة المدارس والأطفال، والكلام للمناعمة، حيث تتخلّل المحاضرات التوعوية جلسات حوارية للاستماع لمشاكلهم الصحية وتصحيح بعض السلوكيات، كما يُقاس مدى الفائدة عبر طرح المتطوعين الأسئلة على الحاضرين.
ويؤكد أن الأمهات هن الأكثر تفاعلاً مع المعلومات الصحية "ضمن سعيهن للحفاظ على صحة أفراد الأسرة، وبذلك، تبني المرأة بوعيها درعها الخاص حول العائلة"، فيما ينشغل الرجال في هذه الظروف بتأمين سبل الحياة لعوائلهم.
وعن المشهد القاتم الذي يسوده انتشار العدوى، وسلوكيات تهدد الصحة العامة، بيَّن المناعمة أن تحديات عدة كان النازحون عرضة لها، جرّاء التهجير القسري إلى مراكز الإيواء، حيث الاكتظاظ، وعدم توفر سبل النظافة الشخصية ومياه الشرب النظيفة.
علاوة على تحدٍ، يتمثل في تدمير الاحتلال للبنى التحتية للصرف الصحي، وعجز النظام عن استيعاب هذا الحجم من المياه العادمة، ما فاقم مشكلة التخلص من المياه العادمة بالطرق الآمنة.
ولا ينسى مشكلة التخلص من النفايات الصلبة التي أدت إلى تراكم آلاف الأطنان منها في مداخل المخيمات ومراكز الإيواء وعلى شاطئ البحر، مشدداً أن تلك المشكلة كانت عاملاً مؤثراً لجذب الحشرات والقوارض التي تسهم في نشر الأمراض، وانبعاث الروائح الكريهة التي تزعج السكان وتلقي عبئاً إضافياً بجانب نقص الغذاء والماء، والخوف من القصف وعدم الاستقرار.
ويزيد بالقول: "نقص الغذاء عمومًا، خاصة الغذاء الصحي، والخوف، والتنقل الدائم، ووجود النازحين في بيئة غير صحية ومتوترة، كل هذه عوامل فاعلة أدت إلى انخفاض المناعة وتوفر بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية بين السكان".
 |
 |
محاضرة حول الأمراض المنقولة عبر المياه في غزة |
محاضرة في غزة حول العوامل التي تساهم في نقل العدوى |
أهمية غسل اليدين
واللافت أن غسل اليدين من أهم الاجراءات التي تشدد عليها الحملة في إطار توعية النازحين للتقليل من فرص الإصابة بالعدوى.
يعقّب المناعمة بأن تعقيم المياه، وإجراءات سلامة الأغذية، بطبيعة الحال هي إجراءات مهمة، "لكن نظافة اليدين بالطريقة الصحيحة هي أهم إجراء صحي يمكن أن يقلل فرص الإصابة بالأمراض المعدية".
ويعطي لذلك تفسيراً بشرحه هنا: "إن ما يتواجد على سطح اليد من ميكروبات أكبر من عدد سكان كوكب الأرض، بمعنى آخر، تعد الأيدي وسيلة رئيسة لنقل الأمراض المعدية سواء نقلاً مباشرًا كالمصافحة أم بشكل غير مباشر بملامسة الأشياء المحيطة الملوثة بالبكتيريا أو الفيروسات من أيادي أشخاص آخرين في الأماكن العامة كمقابض الأبواب والسلالم المتحركة، وتعد الأظافر والمناطق المحيطة بها أكثر المناطق التي تتجمع بها الجراثيم على اليدين، لذا، هذا الإجراء البسيط عامل كبير في الحماية من الأمراض المعدية".
ومن جهة أخرى، فإن ما يُحسب للحملة المذكورة، أنها استطاعت الوصول إلى شمال القطاع، وليس في جنوبه فقط، مردفًا حديثه: "تتفرّع إدارة الحملة المركزية إلى إدارات فرعية لكل محافظة، بحمد الله وصل صوت الوعي الصحي في محافظة شمال غزة إلى جباليا، وبيت لاهيا، والشيخ زايد، وصلنا إلى ٢٦ مركز إيواء، بواقع ٧٧ نشاطًا ميدانيًا، وبجهود ٣١ متطوعًا".
"وبلغ عدد مراكز الإيواء المستهدفة في محافظة غزة ١٥ مأوى، تضمنت منطقة الرمال، وحي الدرج، والصحابة، وحي التفاح، والنصر، وشارع النديم، وساحة الشوا، والشيخ رضوان، والكرامة، حيث نظّم ١٩ متطوعًا أربع زيارات توعوية في تلك المناطق" يقول.
وعن الأثر الإيجابي الذي حققته الحملة، فقد لمسه المناعمة بالفائدة الملحوظة على النازحين المتلّقين للتثقيف الصحي، وتصحيح السلوكيات الخاطئة، وتزويدهم بالآليات الصحيحة، والبدائل الطبيعية لمستلزمات النظافة لمواجهة غلاء الأسعار أو انقطاعها.
وأضاف: "كنا نرصد الإشاعات حول تفشّي الأمراض المعدية، ونوصلها إلى الجهات المعنية، وحرصنا على خَتم الجلسات بطرح الأسئلة وإثارة النقاش الفعال".
 |
 |
محاضرة في غزة خلال العدوان الإسرائيلي حول المخاطر الصحية المرتبطة بالتسمم الغذائي |
محاضرة في غزة خلال العدوان الإسرائيلي حول غسل الأيدي |
استعادة مقومات الحياة المدنية
بعد شهور متتابعة من جهود التوعية يخرج عبد الرؤوف المناعمة بجملة من التوصيات، أبرزها تعزيز رصد نوعية المياه وسلامة الأغذية لتحديد مصادر التلوث، ومنع تفشي المرض بواسطة لجان لتحليل المخاطر، وإيجاد برامج مراقبة مستمرة للنظم البيئية في مراقبة انتشار مسبّبات الأمراض المنقولة بالمياه.
ويأمل من الجهات المعنية وفي وقت قريب، محاولة إصلاح نظام الصرف الصحي سريعًا وقدر المستطاع، وإنشاء لجان للاستشارات الطبية ونقاط فحص طبي في كل منطقة يُصرف الدواء فيها مجانًا، وفرض تدريس مادة علمية لطلبة المدارس والجامعات حول التثقيف الصحي، وكيفية التعامل وقت الأزمات والحروب والكوارث.
وأمام نقص المياه ومستلزمات النظافة والوضع المُزري الذي يعيشه الناس خاصة في الخيام، فإنه يرى برغم التحديات الثقيلة يمكن تنقية وتعقيم المياه الملوثة بطرق عدة ومتاحة كالغلي والكلورة.
وبدوره يؤكد: "نحن نقدم الحلول المبسطة التي قد يتمكن الجميع منها، نقترح البدائل الطبيعية المتاحة لذلك، على سبيل المثال، إن لم يتوفر الصابون يمكنك صناعته بطرق بسيطة، وإن تعذّر ذلك، اِغسل يديك بالماء فقط لكن بإطالة فترة الغسل قليلاً، تلك الإجراءات المتاحة على بساطتها؛ بوسعها حماية الأفراد من تفشي الأمراض المعدية".
سألناه عن مواقف صادمة صادفت المتطوعين، وأفاد أن لعب الأطفال بنفايات المراكز الصحية استوقفهم، "حيث يمثّل الطفل دور الطبيب بوخز صديقه بالإبر المستعملة، ولكِ أن تتخيلي كمية الأمراض المنقولة عبر هذه الإبر، منها ما ليس لها أي علاج وقد تودي بحياة الطفل"، والكلام له.
وفي إثر مظاهر من هذا النوع، فإن الحملة بادرت إلى إنشاء نشرة خاصة بتوعية عمال النظافة في المنشآت الصحية ودورهم المهم في التخلص الآمن من المخلفات الطبية، مشيرًا إلى صدور تعميم عن وحدة "السلامة ومكافحة العدوى" في وزارة الصحة بآلية معالجة صندوق الأدوات الجراحية في هذه الأزمة.
 |
 |
نساء في مراكز الإيواء بقطاع غزة يحضرن جلسات التوعية الصحية |
ورشة توعوية حول الأمراض المنقولة في قطاع غزة |
وبعد الحرب، يرى المناعمة أنه يصعب التنبؤ بما سيؤول إليه الوضع الصحي في قطاع غزة، لارتباط الأمر بعدة عوامل، ويذكرها على النحو التالي: "يتوقف ما سيصبح عليه الوضع الصحي على سرعة استعادة النظام الصحي قدراته، ومدى استجابة المنظمات الصحية المحلية والدولية ومساهمتها في توفير مستلزمات العناية الصحية من الأدوية واللقاحات، وتأهيل المشافي واستعادة القدرات التشخيصية، وعلاوة على ما سبق، القدرة على تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، والتخلص الآمن من المياه العادمة والنفايات".
وحسب رأيه، أن ما دمرّه الاحتلال على نحو مقصود، يهدف إلى ترك قطاع غزة مدمرًا بشكلٍ يجبر كثيرين على مغادرته، معربًا عن أمله بأن يتكاتف الجميع لاستعادة مقومات الحياة المدنية التي بدورها، كما يقول، ستزيد فرص التخلص من الأمراض المعدية.
وفي ختام حديثه، يتمنى أن تعمّ مثل هذه المبادرات التطوعية مختلف المجالات والميادين، للتخفيف عن سكان القطاع ويلات الحرب التي قاسوها، ممتنّاً لجهود الشباب المخلصين في الحملة، خاصة من تواجدوا في الميدان وخاطروا بحياتهم، من أجل إيصال رسائل الحملة لأكبر عدد ممكن من الناس.