خاص بآفاق البيئة والتنمية
مئات آلاف النازحين يعيشون في خيام لم تجد نفعا مع حرارة الصيف اللاهبة، وبالتأكيد لن تكون فعالة في مقاومة الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة. انقلب الحال رأساً على عقب على مدار عام كامل من حرب بشعة دمرت كل شيء في قطاع غزة. لم يعد هناك أي من مقومات وأساسيات الحياة، لا مياه، لا كهرباء، لا بيوت، لا طعام... القائمة تطول وربما لا مجال لحصرها. ورغم أن الحرب لم تتوقف، يطرح سؤال مشروع في غزة: متى سيبدأ الإعمار؟ بالطبع، لن يعود قطاع غزة إلى ما كان عليه في رمشة عين. الأمر يحتاج سنوات وسنوات، وربما عقوداً. لكن ما يشغل البال الآن، هو إعمار بالحد الأدنى الذي يمكن السكان من الحصول على سقف يأوي العائلات من برد الشتاء القريب على الأقل.
|
|
الدمار في مختلف أنحاء قطاع غزة |
الشتاء على الأبواب. مئات آلاف النازحين يعيشون في خيام لم تجد نفعا مع حرارة الصيف اللاهبة، وبالتأكيد لن تكون فعالة في مقاومة الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة. انقلب الحال رأساً على عقب على مدار عام كامل من حرب بشعة دمرت كل شيء في قطاع غزة. لم يعد هناك أي من مقومات وأساسيات الحياة، لا مياه، لا كهرباء، لا بيوت، لا طعام... القائمة تطول وربما لا مجال لحصرها.
ورغم أن الحرب لم تتوقف، يطرح سؤال مشروع في قطاع غزة: متى سيبدأ الإعمار؟ بالطبع، لن يعود القطاع إلى ما كان عليه في رمشة عين. الأمر يحتاج سنوات وسنوات، وربما عقوداً. لكن ما يشغل البال الآن، هو إعمار بالحد الأدنى الذي يمكن السكان من الحصول على سقف يأوي العائلات من برد الشتاء القريب على الأقل.
مليون شخص بلا منازل
أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة إلى دمار هائل تسبب بفقد أكثر من مليون شخص منازلهم وفقا لبيانات البنك الدولي، وتعرض ما يقرب من 90% من المرافق الصحية إلى دمار كلي أو جزئي، كما دمرت المدارس والبنية التحتية لقطاع غزة الذي تحول إلى أكبر منطقة ركام في العالم.
من جانبه، حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من كارثة إنسانية تواجه مليوني نازح فلسطيني في مناطق مختلفة بالقطاع مع حلول فصل الشتاء.
وقال المكتب الحكومي إن 74% من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام وإن 100 ألف خيمة من أصل 135 ألفا بحاجة إلى تغير فوري وعاجل نتيجة اهترائها. وأشار المكتب الحكومي إلى أن إغلاق إسرائيل للمعابر منع إدخال قرابة ربع مليون خيمة وكرفان.
الدمار والخراب أصبح المشهد المهيمن على جميع زوايا ومناطق قطاع غزة
تكلفة الإعمار
من السابق لأوانه تحديد تكلفة إعادة بناء قطاع غزة مع استمرار الدمار. لكن دراسة لمؤسسة راند البحثية الأميركية كشفت أن إعادة إعمار القطاع ستكلف أكثر من 80 مليار دولار، وأن إزالة الأنقاض وحدها ستكلف ما يزيد على 700 مليون دولار.
وخلصت الدراسة إلى أن الحرب على قطاع غزة خلّفت 42 مليون طن من الأنقاض، وهو ما يكفي لملء ما يزيد على 1.3 مليون شاحنة، مشيرة إلى أن تكلفة إزالة الركام والأنقاض يزيد على 700 مليون دولار وتستغرق عدة سنوات.
ونوهت الدراسة إلى أن عملية إزالة الأنقاض معقدة بسبب وجود القنابل والألغام والصواريخ غير المنفجرة والمواد الملوثة الخطيرة والجثث التي لا تزال تحت الأنقاض، فضلا عن مصاعب العثور على مواقع للتخلص من كل تلك الأنقاض الملوثة.
وخلصت الدراسة كذلك إلى أن أكثر من 70% من مساكن قطاع غزة تضررت بين تدمير كلي وجزئي، إلى جانب المشافي والمرافق الأخرى، والمصانع، والورش، والشركات. في حين أدت الحرب لدمار اجتماعي كانت محصلته تمزيق الأسر وهو ما خلّف أكثر من 17 ألف طفل يتيم. كما أن عشرات آلاف الأسر فقدت عائليها، حيث تظهر تقديرات منظمة العمل الدولية أن 25% ممن استشهدوا في قطاع غزة كانوا من الرجال في سن العمل.
الدواب في قطاع غزة أصبحت من وسائل النقل الأساسية
عقود من الزمن لإعادة الإعمار
وفقاً للخبير الاقتصادي في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) رامي العزة، فإن "الأمر سيستغرق عقوداً من الزمن، وإرادة من قِبل المجتمع الدولي لتمويل عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات لإعادة إعمار غزة".
وقدر البنك الدولي الرقم المطلوب بنحو 18.5 مليار دولار، لكن هذا لا يمثل سوى الأضرار حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024. وسيكون قطاع الإسكان هو الأكثر كلفة في عملية إعادة البناء بنسبة 72% من التكاليف الإجمالية، تليه البنية التحتية للخدمات العامة مثل المياه والصحة والتعليم بنسبة 19%.
وبالطبع هذا الرقم لا يشمل تكاليف إبقاء الناس على قيد الحياة من خلال المساعدات الإنسانية على مدى السنوات القليلة المقبلة. وسيتعين أيضا إزالة القنابل القاتلة غير المنفجرة في جميع أنحاء قطاع غزة، الأمر الذي "سيستغرق سنوات"، وفقا لدائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام.
وليس من الواضح على الفور ما إذا كانت الأموال اللازمة لإعادة الإعمار ستأتي قريباً، وهناك بعض التساؤلات الكثيرة الأخرى بهذا الشأن.
وقال الخبير الاقتصادي في الأونكتاد إنه إذا بدأت عملية إعادة الإعمار فور انتهاء الحرب، وإذا انتهى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 18 عاماً، ومع نمو مستمر بمقدار 10%، سيستغرق القطاع حتى عام 2035 للعودة للمستويات التي كان عليها في 2006 أي قبل الحصار الاسرائيلي للقطاع.
وحذر العزة من أن العودة إلى الوضع القائم قبل تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023، يجب ألا يكون خياراً مطروحاً على الطاولة، حيث كان معدل النمو السنوي للاقتصاد في قطاع غزة خلال الستة عشر عاما الماضية 0.4% فقط.
وأضاف أنه "إذا حدث ذلك فإن عودة الاقتصاد أو الناتج المحلي لمستوياته التي كان عليها عام 2022، يحتاج فترة من الزمن تمتد حتى عام 2092".
وقال الخبير في أونكتاد إن دائرة الدمار وإعادة الإعمار غير الكافية ليست خيارا لسكان قطاع غزة، مضيفا "نحن بحاجة إلى استعادة الأمل لدى الناس في المستقبل".
خيام النازحين في رفح
سقوط حر
قال البنك الدولي إنه بعد مرور 11 شهراً على الحرب، تقترب الأراضي الفلسطينية من السقوط الاقتصادي الحر، وسط أزمة إنسانية تاريخية في قطاع غزة.
وتكشف البيانات الرسمية عن انحدار بنسبة 35% بالناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الأول من عام 2024 للأراضي الفلسطينية بشكل عام، ما يمثل أكبر انكماش اقتصادي لها على الإطلاق، وفق تقرير البنك الدولي المحدّث الصادر في نهاية أيلول/سبتمبر 2024، الذي حمل عنوان "انعكاس الصراع في الشرق الأوسط على الاقتصاد الفلسطيني".
وأوضح البنك الدولي أن الصراع دفع اقتصاد القطاع إلى حافة الانهيار التام، مع انكماش مذهل بنسبة 86% في الربع الأول من عام 2024. كما ترك التوقف شبه الكامل للنشاط الاقتصادي القطاع في حالة ركود عميق، حيث انخفضت حصته من الاقتصاد الفلسطيني من 17% - في المتوسط بالسنوات السابقة - إلى أقل من 5% حالياً.
وبالتوازي مع ذلك، انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 25 % بالربع الأول من عام 2024، حيث شهدت قطاعات التجارة والخدمات والبناء والتصنيع أكبر انخفاضات.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلك السنوي بشكل كبير، بنحو 250%، بسبب اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الصراع.
وشدد تقرير البنك الدولي على أن تأثير "الصراع" على الناس كان كارثياً، وقد منعت الحرب والإغلاقات المستمرة دخول الإمدادات الأساسية إلى القطاع، ما أدى إلى انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع ونقص حاد في المياه والوقود والمعدات الطبية، إلى جانب انهيار تقديم الخدمات. ويتفاقم الوضع الإنساني بسبب نزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص، مع امتلاء مراكز الإيواء وعدم كفاية خدمات الصرف الصحي.
وتزداد التقارير عن الظروف الشبيهة بالمجاعة وسوء التغذية والأمراض، في حين تستمر الحواجز الرئيسية في الحد بشدة من الوصول إلى المساعدات الإنسانية، ما يعوق الجهود الرامية إلى معالجة الأزمة.