انعدمت الخيارات أمام زينب صالحة (أم فارس) في مخيم جباليا، وأصبح لزاماً عليها أن تفكر بطريقة مجدية حتى توفرّ لأسرتها القليل قدر المستطاع بما يغطي جزءاً من حاجتهم في أيامهم الصعبة. صحيح أن معرفتها بالزراعة ما تزال بسيطة، لكنها فخورة بما قامت به وبتجربتها الناجحة. تعيش أم فارس المجهول كل يوم، لا تعرف في أي لحظة من الممكن أن تترك وأبناؤها وزوجها وأحفادها المنزل مجدداً عندما يشتد القصف ويقترب. في كل نزوح تلوذ وأفراد أسرتها بالفرار لا يعلمون أي مصير ينتظرهم، ولا ما سيحل بمزروعاتها التي تركتها خلفها، إلا أن الحاجة للغذاء، دفعتها للتحلي بالإرادة والعزيمة كي تواصل ما بدأت به، مقابل الحصول على الخضار اللازمة بدلاً من أن تصبح أسرتها فريسة للجوع والمعلبات الضارة من بازلاء وفاصوليا ولانشون وحلاوة، إلى درجة أنهم مرضوا بسبب تناولها. المواطنون بعد الحرب أدركوا أن الزراعة أساس الحياة والأمان، لذا سيتشبثون بالزراعة حتى آخر رمق، طالما أن جزءًا من البذور والمدخلات يتوفّر لهم. ومن التجربة برّمتها، كان الدرس الأهم: أهمية المحافظة على مقدّرات قيّمة مثل البذور تمامًا كما أرواحنا، خاصة أنها لا تتطلب مساحة كبيرة للاحتفاظ بها.
بصيص أمل عاد لحياة أم فارس في الحرب
مشى خطوتين ولمس نبتة زرعها البارحة
خرج نسغ من يديه إلى عروقها
خرجت من عينيه أوراق إلى غصونها
وحين أراد العودة لم يبرح مكانه
كانت قدماه تحولتا جذوراً
وديع سعادة- شاعر لبناني
لم تضع يوماً زينب صالحة يدها في التراب، هي التي ما تزال صامدة مع أسرتها في جباليا، ما خطر لها يومًا أن تصبح مزارعة، بعد أن خيمّت المجاعة القاسية على شمال قطاع غزة.
قبل الحرب الإسرائيلية المندلعة منذ عام كامل، كانت حياة أم فارس "كما تُكنى"، تسير كبقية الناس، أثبتت جدارتها في مجال تصميم الأزياء النسائية، حيث كانت مدربة لطلبة معاهد تصميم الأزياء والخياطة، وقد حققت نجاحاً في عملها الذي كرّست وقتها وجهدها لأجله.
هذا العمل كان سندًا لها ولأولادها السبعة وتعليمهم الجامعي، حيث وقفت إلى جانب زوجها في سبيل توفير حياة كريمة وتأسيس أسرة متعلمة وسعيدة.
تقول لمراسلة "آفاق البيئة والتنمية": "انعدمت الخيارات، وأصبح لزاماً علي أن أفكر بطريقة مجدية حتى أوفرّ لأسرتي القليل قدر المستطاع بما يغطي جزءاً من حاجتنا في أيامنا الصعبة".
وتعترف: "صحيح أن معرفتي بالزراعة ما تزال بسيطة، حتى أني أحيانًا أشعر بالخجل، لكني فخورة بما قمت به، وأراها تجربة ناجحة".
أحفاد أم فارس فوق سطح المنزل
أشتال البندورة
لا شيء في يد المرأة البالغة من العمر ( 55 عاماً) سوى النية والعزم، لكن حجمهما أكبر بكثير من قبضة يدها، ومهما تربصّت بها الصعاب لا يَفتران، فمع مطلع هذا العام وبمجرد أن ظهر شبح المجاعة والحرمان، سارعت أم فارس مع أولادها إلى نقل التربة من أرض مجاورة إلى سطح المنزل، مستعينة بعدد من الشباب، واشترت ما يلزم من تربة وسماد بنحو ألفي شيكل (نحو 560 دولاراً) كي تحصل على النتيجة المرجوة، مزرعة متواضعة تعكس إرادة صاحبتها، التي حايلت التعب في كل مرة انقضّ فيها عليها، من أجل أن تتناول عائلتها البندورة والجرجير والبقدونس والفلفل والجرادة والسلق وغيرها من الخضراوات.
وتوضح معنى النجاح حسب رأيها: "حمداً لله، بعد فترة طويلة من الجهد والمعاناة أثمر السلق والسبانخ، وحضرّت لأسرتي الفطائر الشهية، ومن الباذنجان صنعت "المكدوس"، وطهوت لهم منه، ومن الذرة أكلنا، ومن الفلفل صنعنا مأكولات لذيذة، وكذلك من البامية والكوسا والرجلة، ولولا البندورة ما أكلنا طبق السَلطة كثيراً، بينما يشتهيها معظم الناس".
الفلفل الأخضر الطازج
أم فارس لا تبخل على الأحباء والجيران بما يجود به زرعها
من أجل عائلتي
كابدت أم فارس المشقة، والأهم شعورها بالخوف والرعب جراء ضراوة الحرب، وتكرار النزوح هنا وهناك تحت وابل الصواريخ، حاولت استنطاقها بالأسئلة، حيث لم تكن متباهية أو مهتمة بأن يُلقى الضوء عليها لأول مرة في الإعلام.
تخبرني بقولها: "نعيش المجهول كل يوم، لا نعرف في أي لحظة من الممكن أن نترك المنزل مجدداً عندما يشتد القصف ويقترب، في كل نزوح نلوذ بالفرار لا أعلم أي مصير ينتظرنا ولا ما سيحل بمزروعاتي التي أتركها خلفي، إلا أن الحاجة للغذاء، دفعتني للتحلي بالإرادة كي أواصل ما بدأت به، مقابل الحصول على الخضار اللازمة بدلاً من أن نصبح فريسة للجوع والمعلبات الضارة من بازلاء وفاصوليا ولانشون وحلاوة، إلى درجة أننا مرضنا بسبب تناولها".
وتوضح الدافع بلهجتها العامية: "الإنسان الذي يحب أسرته بذوب عشانهم زي الشمعة عشان ينور لهم"، وتزيد بالقول: "لقد فرضت المجاعة الطويلة علينا البحث في المستحيل، بعد انقطاع الخضرة في شمال قطاع غزة بسبب قصف المزارعين في أراضيهم، وما ترتب عليه من شح في الأسواق، لذا كنت وسأظل مصرّة على توفير الخضروات لأبنائي وأحفادي من عرق جبيننا".
الإرادة والتحدي تتجلى في قصة صمود أم فارس
البذور التي زرَعتها في بداية القصة، كانت من البقوليات المتوفرة لديها، تحديداً من بقايا البذور في مطبخها من فول وحمص ولوبيا وقرع، واشترت بذوراً أخرى من المشتل مثل الجرجير، والفجل، والجرادة، والبقدونس، والكوسا، واليقطين، والبندورة، والبصل، والذرة، والسلق، والباذنجان، والفلفل، والمولخية.
ابتسامة على محياها ارتسمت، وهي تقول: "كانت لحظة سعيدة حين وزّعت أول مرة على جيراني مما زرعت، كان الجميع مشتاقين لتذوق أي شيء أخضر، رأيت الفخر بهذا الإنجاز في عيون من حولي".
وفي السياق ذاته واصلت الحديث: "كان شعوري بالفرح لا يوصف مع جني أول الثمار، بالرغم من أننا وقتها كنا نشتهي اللحوم، أصبح الجيران يسألونني عن التجربة ولم أبخل عليهم بالنصح وإعطاء المشورة، وشجعتهم على الزراعة".
تهطل قطرات المطر بنعومة، فتسكن نفسها، ثم تقطع الصمت بهذه العبارة: "يكفيني الجلوس مع عائلتي والاستمتاع بجمال الزرع وأكل الثمار، شعور البساطة بالرغم من المعاناة باعث لفرحة دافئة".
وما تلبث غمامة الحزن تعود إليها حين واصلت كلامها: "في مرة، نزحنا من المنزل عشرين يومًا، وقبلها كنا قد صمدنا أربعة أيام في بيتنا، وبطبيعة الحال لم نتمكن حينها من الصعود إلى السطح لسقاية الزرع، لأن الماء المتوفر كان يكفي بالكاد للشرب وأغراض الحياة اليومية".
بداية صعبة ومعرفة بسيطة بشئون الزرع تقود أم فارس إلى تطوير التجربة
تشتيل أصناف متنوعة من الخضراوات
كان من أصعب المواقف، كما تقول، حين تساقطت القذائف على الغرف وتناثر الزجاج، وكادوا يفقدون أرواحهم، لولا لطف الله.
تكتفي بهذا التعقيب: "لم نكن نعرف هل سنعيش أم لا، مشاعر لا توصف، دموع وصراخ ورعب لن ننساه".
تتذكر تلك الأيام: "حين عدنا إلى البيت صُدمنا لهول الدمار الذي حلّ به، لم نجد أي شيء من الزرع حياً، كله احترق وفسد، بينما قبل أن نتركه كان قد بدأ يزهر ويثمر، لكن الحرب اللعينة كانت أقوى مني، والحمد لله على كل حال".
وتشير إلى أن ألواح الطاقة الشمسية التي كانت تساعد في رفع الماء إلى السطح، أيضاً دُمرّت، ما اضطرها إلى شراء ألواح طاقة بسيطة بأسعار باهظة، لرفع الماء.
أما الصعوبة الأبرز، فقد تمثلت في تدمير آبار المياه، تحكي بألم: "الفكرة قائمة، والبذور متوفرة، لكن الحياة معدومة، وصدق الله تعالى في قوله "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
بماذا شعرتِ حين رأيت تعبك أصبح أثراً بعد عين؟ تجيب عن سؤالي: "بقيت محبطة ومريضة لثلاثة أيام، المشهد صعب، كنت أخطط لأن نعتمد لفترة على ما نزرعه، ومع ذلك قررت ألا أنظر للخلف أو أدع ما حدث يؤثر على همتي".
لقد أعادت أم فارس الزراعة مرّة أخرى، ثم نزحت من جديد، وكانت تلك المرة الرابعة، أعياها التعب والخوف، لكنها لم تنسحب من المعركة.
تشتيل أصناف متنوعة من الخضراوات
تشتيل أصناف متنوعة من الخضراوات
ستواصل الزراعة
أم فارس البارعة في تطريز الثوب الفلاحي، تجد روحًا مشتركة بين مجال عملها السابق والزراعة، "الطبيعة تثير حنيني وهي القاسم المشترك الذي لطالما حاولت تجسيده في تصاميمي" تقول.
وفي القصة ثمة خبر سعيد، وهي أنها استطاعت التأثير في دائرتها الضيقة، منهم ابنتها المتزوجة التي نفذّت الفكرة وزرعت في بيتها، يسبق كلامها ضحكة: "ابن البط عوام، اشترت بنتي دجاجتين وديك، بسعر مرتفع، وأضحت مزارعة ومربية دواجن، حتى تحصل على البيض لصغارها، وأرى أنها نجحت"، معربة عن ارتياحها لبدء بعض من جيرانها تطبيق التجربة.
لم تتوقف الصعوبات التي واجهتها عند تدبر أمر توفير التربة والبذور والسماد، بل امتدت إلى عدم معرفتها بالزراعة وافتقارها للخبرة، إضافة إلى طول الفترة المنتظرة لجني المحصول، معقبة: "كل شيء يبدو أصعب يومًا بعد آخر من أجل قطف الثمار".
وتردف حديثها قائلة: "المسألة كلها توفيق من الله، اشتريت شريحة إنترنت، وأخذت مع أولادي نتابع معًا أسرار وطرق الزراعة، وبعدها تغيرت حياتي، إذ كان يغلب عليها رتابة الحرب، أصبحت الآن متجددة أكثر، حياة فيها جَمال، حتى لو كانت مصحوبة بالذعر من المجهول من قتل وتدمير وتشرد".
"ألا تخافين من الصعود إلى السطح كل يوم بينما الطائرات الحربية لا تبرح السماء؟".. يرد توكلّها نيابة عنها: "شو ربنا مقدّر وكاتب.. هنشوف".
صباح جديد على زرع أم فارس يتحدى المجهول
ومن جهة أخرى، تؤكد أنها لم تتلّق المساعدة من أي مؤسسة لتوفير متطلبات الزراعة، "كان الله معنا وفي عوننا جميعًا" تقولها برضا عميق.
وتأمل من المؤسسات المَعنية توفير الدعم اللازم للمشاريع المنزلية مثل مزرعتها المتواضعة والصغيرة، على حد وصفها، ليتسنى لها تطويرها كما يجب.
تعلمت هذه السيدة دروسًا عدة الفترة الماضية، منها الصبر، والعطاء بروح طيبة، وحسن انتظار المرء كي يفرح بجني الثمر.
كان سؤالي الأخير لها إن كانت ستواصل الزراعة عندما تنتهي الحرب، لتعطيني الجواب الجازم: "مستمرة في كل الأحوال، حتى إن لم تتوقف الحرب، وأتمنى أن أمتلك في المستقبل أرضًا حتى أمارس الزراعة بقوة وبمقومات جيدة من دفيئات "بيوت بلاستيكية"، وماء، وتربة، وسماد، وعلاج للأمراض الزراعية، وأن يوجهني مهندس زراعي ماهر".
طبخة بنكهة التعب والحب المستمد من روح الزرع
فطائر السبانخ والسلق مما جنته أم فارس في مزرعتها المتواضعة
بريق أمل في مشهد قاتم
وعن الدور الذي تضطلع به المؤسسات المهتمة بالجانب الزراعي في هذا الوقت العصيب، يخبرنا م. كمال عابد الممثل للجمعية العربية لحماية الطبيعة في شمال القطاع، أن المؤسسات العاملة في القطاع الزراعي تتجه حاليًا نحو الجانب الإغاثي، في حين أوقفت الجانب التنموي، مع الأسف، بسبب ظروف الحرب، والكلام له، حيث القليل منها يرغب في التقدم في المناطق الخطرة لتقديم العون، تبعاً لحديثه مع مجلتنا.
فبعد اندلاع الحرب، ونزوح كثير من المزارعين في الشمال إلى الجنوب، لاحت في الأفق بعد وقت يسير، أزمة وعجز في توفير الغذاء، جراء تجريف الاحتلال الأراضي الزراعية في أولى عملياته العسكرية في شمال القطاع، وتدميره المحال التجارية وأصحاب الشركات الزراعية والمدخلات، ما خلق كارثة حقيقية، يقول م. عابد.
ويضيف: "هرعت الجمعية العربية لدعم المزارعين في الشمال، بعد توجه مزارع أو اثنين من بيت لاهيا للزراعة في الأراضي التي تقع أمام بيوتهم، حيث يقطنون في مناطق آمنة نسبيًا، لذا توجهنا للمزارعين وعرضنا عليهم فكرة برنامجنا الذي يقوم على إمدادهم بالبذور والأشتال وتركيب النايلون في الدفيئات الزراعية، وكذلك تزويدهم بالأسمدة وشبكات الري والمبيدات، ووجدنا إقبالاً منهم لإحياء المنطقة".
وعن الصعوبات التي واجهت الجمعية لتحقيق أهدافها في هذا الصدد، يذكر أن من أهمها، صعوبة التحرك بسبب انقطاع المواصلات، وكون أغلب المناطق حدودية، وهي عرضة للقصف المستمر بقذائف المدفعية.
حلوى الحلبة وزرع مبهج من صنائع أم فارس
محصول الباذنجان
ويشير م.عابد، وهو عضو مجلس إدارة نقابة المهندسين الزراعيين، إلى غياب المدخلات الزراعية، حيث لم تسلم حتى البذور من سرقة اللصوص، فضلاً عن تدمير الاحتلال للشركات المختصة، موضحاً: "لقد صعّب ذلك علينا كله البحث عن مصادر البذور والأشتال، إلى درجة أننا كنا نبحث تحت الأرض حتى نجد البذور، ومع ذلك، شتلنّا ما استطعنا في مشتلٍ بقي أهله صامدون في الشمال، ولكن في العملية العسكرية الثانية جرّف الاحتلال المشتل كاملاً".
لم تستسلم الجمعية العربية، واتجهت لمشتلٍ آخر، حيث شتلّت هذه المرة 100 ألف شتلة في المرحلة الأولى ووزعتها على المزارعين، وشجعتهم على المضي قدماً، وكان الوقت مناسبًا حينها لأشتال الباذنجان خاصة، وتابعت العمل عن كثب.
يتنفس الصعداء قائلاً: "بعد مرور خمسة أشهر من الحرب وغياب أي نوع من الخضار في الشمال، وأخيرًا بدأ الناس يَرون بعض الخضار، وإن كانت في البداية بكميات قليلة، ثم أخذت الجهود بفضل الله تؤتي أكلها أكثر".
مؤكدًا: "حاولنا تغيير المشهد للأفضل، وخفّضنا سعر كيلو الباذنجان من 50 شيكلًا لــ 25 شيقلاً، والمولخية من 30 ل 7 شواكل".
محصول البطاطا
"البذور" الدرس الأكبر لنا
ماذا عن تقييمكم لتجربة الزراعة المنزلية في الحرب؟.. يجيبني م.عابد بقوله: "تجربة جيدة ورائدة، لكن أغلب المواطنين لا يعرفون طرق التعامل الصحيحة مع الأشتال، الشتلة تمامًا كالصبي تحتاج إلى الرعاية والفيتامينات والأسمدة، وإذا ما أصيبت بالأمراض يجب أن نمدها بالمبيدات المناسبة، إلا أن الذين انخرطوا في التجربة بعد زراعتهم للأشتال لم يجيدوا التعامل معها، ما أدى إلى موتها".
وحول الآلية التي تغلبوا بها على هذه المشكلة، يلفت إلى أن المبادرات الثلاث التي بموجبها وزعت الجمعية 40 ألف شتلة في إطار الزراعة المنزلية في كل من بيت حانون، وبيت لاهيا، وجباليا البلد والمخيم، كانت ترافقها ورقة تتضمن إرشادات التعامل مع الشتلة، لا سيما في حال إصابتها بالأمراض، وقد حصد الأهالي نتائج إيجابية.
ويرى أن ظاهرة الاستغلال والاحتكار من قِبل التجار، يمكن أن تُجابه بزيادة المساحات الخضراء في الشمال.
وفي حرب التجويع التي مارستها إسرائيل، تبعاً لحديثه، أعادت الجمعية تأهيل عدد من البيوت الزراعية، بتغطية أكثر من 14 حمام زراعي بالنايلون، بالاستعانة بما توفر من نايلون في غزة وشمال القطاع، حيث ستوضع فيها الأشتال، وهذه الخطوة سيُشهد أثرها في المرحلة القادمة، حسب تأكيده.
وفي السياق ذاته، يضيف: "شتَّلنا البندورة والخيار وكذلك الفلفل والباذنجان لموسم الشتاء القادم، والإنجاز هنا تحديداً في أخذنا بذور البندورة التي كانت ملكاً لشخص واحد، وتقديمها دعمًا للمزارعين"، مشيراً إلى زراعة نحو 300 دونم من الخيار والكوسا والبندورة والفلفل والباذنجان، والذي في إثره، وعما قريب، ستشهد المنطقة نقلة نوعية في الأمن الغذائي، على حد قوله.
جدير بالذكر أن المهندس عابد الممثل للجمعية، يسكن في مخيم جباليا، وكان يزرع في بيته الذي قُصف ودُمرّ لاحقًا ولم يتبق له شيء بعد أن أحرقه الاحتلال في البداية وأصيب أفراد عائلته.
ويرّجح أن المواطنين بعد الحرب أدركوا أن الزراعة أساس الحياة والأمان، "لذا سيتشبثون بالزراعة حتى آخر رمق"، طالما أن جزءًا من البذور والمدخلات يتوفّر لهم.
ومن التجربة برّمتها، كان الدرس الأهم، في نظر م. عابد، أهمية المحافظة على مقدّرات قيّمة مثل البذور تمامًا كما أرواحنا، خاصة أنها لا تتطلب مساحة كبيرة للاحتفاظ بها.
ويختم الحديث: "كما تحتفظ ربات البيوت بالبهارات والتوابل، حَريٌ بكل منزل أن يحتفظ بعلب تُوضع فيها بذور الجرجير والسلق والبقدونس والفجل والسبانخ، وأن يستثمر الناس المساحة الصغيرة أمام بيوتهم لزراعة الأشجار المثمرة مثل الليمون وبعض الفاكهة كالجوافة والتين، لأن وجودها "يحل أزمة" دون مبالغة".