الاحتلال الإسرائيلي دمر البنية التحتية والنظم البيئية تدميرا شاملا.. ماذا بعد؟
خاص بآفاق البيئة والتنمية
العدوان الدموي الإسرائيلي المتواصل في قطاع غزة دمر البنية التحتية والنظم البيئية تدميرا شاملا. إصلاح النظم البيئية في قطاع غزة وإعادة بنائها، بعد توقف عدوان 2023-2024، يشكل تحديا عظيما يتطلب نهجا شاملا ومتكاملا متعدد الأوجه. إعادة بناء البنية التحتية وأنظمة المياه والطاقة والزراعة والخدمات العامة بطرق مستدامة ومرنة أمر بالغ الأهمية. كما أن علاج التلوث واستعادة التنوع البيولوجي وإشراك المجتمعات المحلية أمر أساسي. ومن خلال الالتزام المستمر والحلول المبتكرة، يمكننا إعادة بناء قطاع غزة أكثر اخضرارا ومرونة.
|
|
اعتماد تقنيات متقدمة لتحويل النفايات إلى طاقة يساعد في تحويل نفايات ما بعد الحرب على غزة إلى موارد قيمة مثل الكهرباء أو الوقود الحيوي |
خلال عدوانها الدموي المتواصل على قطاع غزة، دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي البنية التحتية والنظم البيئية تدميرا شاملا. وسيشكل إصلاح هذه النظم وإعادة بنائها تحديا عظيما يتطلب نهجا شاملا متعدد الأوجه.
ماكينة التدمير الإسرائيلية دمرت أكثر من 80% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية في قطاع غزة. التدمير المنهجي للقطاع الزراعي مجرد جانب في الإبادة البيئية الشاملة التي شملت دمارا واسع النطاق وطويل الأجل لحق بالبيئة الطبيعية. فالقصف الإسرائيلي السجادي والأحزمة النارية المكثفة طيلة أشهر طويلة على مدار الساعة، والحصار التجويعي أدى إلى انهيار كامل للبنية التحتية المدنية في قطاع غزة، بما في ذلك معالجة مياه الصرف الصحي، والتخلص من النفايات، وإدارة المياه، وإمدادات الوقود.
وبسبب قطع إسرائيل امدادات الوقود يتم تصريف أكثر من 100 مليون لتر من مياه الصرف الصحي في البحر يوميا. السموم والذخائر الحربية فاقمت تلويث المياه الجوفية الملوثة أصلا قبل العدوان. الغازات والجسيمات السامة الناتجة عن القصف لوثت الهواء. تقديرات خبراء البيئة الأمميون قدروا (في أوائل حزيران الماضي) بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية خلفت 39 مليون طن من الحطام والمواد الخطرة، ما يعادل 107 كيلوغرامات من الأنقاض لكل متر مربع في قطاع غزة، يحوي الكثير منها على أشلاء بشرية وعشرات آلاف القنابل. القصف العنيف لوث التربة والمياه الجوفية على المدى الطويل، فضلا عن إطلاق مواد خطرة من المباني المتضررة والمدمرة.
برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) أفاد بأن الذخائر والمواد الكيميائية المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان أدت إلى تلوث التربة وموارد المياه، وأن خطر تسرب المعادن الثقيلة نتيجة تلف الخلايا الشمسية يعد كبيرًا.
ماكينة التدمير الإسرائيلية دمرت أكثر من 80% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية في قطاع غزة
تدمير النظام المناخي
أجرى باحثون في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية دراسة حديثة تناولت الآثار البيئية والمناخية الكارثية لإعادة إعمار قطاع غزة، ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تفاصيلها. كشفت الدراسة أن تكلفة الكربون لإصلاح الدمار الهائل الذي خلفه جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ستكون أكبر من انبعاثات غازات الدفيئة السنوية التي تنتجها 135 دولة بشكل فردي، ما يزيد من تفاقم حالة الطوارئ المناخية العالمية.
وأشارت الدراسة إلى أن إعادة بناء نحو 200 ألف مبنى سكني، مدارس، جامعات، مشافي، مساجد، مخابز، ومحطات المياه والصرف الصحي التي دمرها جيش الاحتلال، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العدوان على قطاع غزة ستولد ما يصل إلى 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (tCO2e)، أي ما يعادل إجمالي انبعاثات عام 2022 لدول مثل البرتغال والسويد، وأكثر من ضعف الانبعاثات السنوية لأفغانستان.
وفيما يتعلق بتأثيرات العدوان على النظام المناخي، أوضحت الدراسة أن الهجمات الجوية والبرية الإسرائيلية خلال أول أربعة أشهر من العدوان، وَلَّدَت انبعاثات مسببة للاحترار العالمي تفوق البصمة الكربونية السنوية لـ 26 دولة حول العالم. ومن المثير أن أكثر من 99% من الكمية المقدرة بـ 652,552 طن متري من ثاني أكسيد الكربون التي تولدت في الأشهر الأربعة الأولى للعدوان، مرتبطة بالقصف الجوي الإسرائيلي والغزو البري لقطاع غزة.
كما أن حوالي 30% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نتجت عن الجسر الجوي العسكري الأميركي الداعم للعدوان، وتحديدا 244 طائرة شحن أميركية معروفة زودت دولة الاحتلال بالقنابل والذخائر والإمدادات العسكرية الأخرى.
وبالعودة إلى الوراء، قبل العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، فإن الحروب التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، فضلا عن المناورات والتدريبات والعمليات العسكرية العدوانية اليومية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب في فلسطين ولبنان وغيرهما، تسببت في انبعاث مئات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون وسائر غازات الدفيئة. وتعادل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة نتيجة للنشاطات العسكرية الإسرائيلية العدوانية، تلك الكمية الناتجة عن تسيير عشرات ملايين السيارات في شوارع فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي.
ومنذ عام 2000 حين اندلعت انتفاضة الأقصى الفلسطينية، مرورا بحرب تموز 2006 ضد لبنان، وانتهاءً بالحروب الدموية الشاملة على قطاع غزة (أي حروب ما قبل العدوان الأخير: 2008-2009، 2012، 2014 و2021)، وكذلك العمليات والتحركات العسكرية اليومية المكثفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ منذئذ تقدر كميات الوقود الأحفوري التي استهلكتها الآليات والمعدات والطائرات العسكرية الإسرائيلية بمئات مليارات اللترات. ويمكننا القول إن كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق هذه الكمية الضخمة من الوقود تقدر بعشرات ملايين الأطنان. هذا دون الحديث عن النشاطات العسكرية التي نفذتها، والحروب التي خاضتها إسرائيل في العقود السابقة لانتفاضة الأقصى.
العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة خلف عشرات ملايين الأطنان من الحطام والمواد الخطرة
تحديات إعادة الإعمار
استعادة بيئة قطاع غزة بعد توقف عدوان 2023-2024 يشكل تحديا عظيما يتطلب نهجا شاملا ومتكاملا. إعادة بناء البنية التحتية وأنظمة المياه والطاقة والزراعة والخدمات العامة بطرق مستدامة ومرنة أمر بالغ الأهمية. كما أن علاج التلوث واستعادة التنوع البيولوجي وإشراك المجتمعات المحلية أمر أساسي. ومن خلال الالتزام المستمر والحلول المبتكرة، يمكننا إعادة بناء قطاع غزة أكثر اخضرارا ومرونة.
تتطلب إعادة إعمار قطاع غزة معالجة مستويات مختلفة، تتلخص أبرزها بما يلي:
البنية التحتية: العدوان الإسرائيلي دمر إمدادات المياه والبنية التحتية للصرف الصحي. إن استعادة الوصول إلى المياه النظيفة مسألة مصيرية للصحة العامة ولاستعادة النظام الإيكولوجي، فضلا عن إصلاح وتحديث أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة بناء محطات المعالجة والأنابيب ومرافق التخزين، ومعالجة تلوث المياه وإدارة المياه والتخلص من النفايات. كما أن الاستثمار في محطات تحلية المياه يمكن أن يوفر المياه النظيفة للزراعة وللاستخدامات المنزلية.
استعادة أنظمة المياه الطبيعية مثل طبقات المياه الجوفية والأراضي الرطبة يمكن أن تساعد في تنظيم تدفقات المياه وجودتها.
كما أن التقنيات المتقدمة في معالجة المياه، مثل "الترشيح الغشائي" أو "التخثير الكهربائي"، تساعد في استعادة جودة المياه في الأنظمة التالفة، فضلا عن أن تنفيذ الحلول المستندة إلى الطبيعة مثل الأراضي الرطبة المبنية أو الأسطح الخضراء تعزز عمليات الاحتفاظ بالمياه والترشيح والتنقية، ما يسهم في استعادة النظام البيئي. علاوة على ذلك، دمج مبادئ التصميم الحضري الحساسة للمياه في تخطيط البنية التحتية تساعد في تقليل الفيضانات وتحسين جودة المياه وتعزيز المرونة الشاملة.
إعادة بناء الطرق والمباني والبنية التحتية الأخرى المدمرة ستشكل خطوة أولى حاسمة. وينبغي استخدام مواد وتقنيات بناء مستدامة ومرنة قادرة على الصمود في الحروب المستقبلية المحتملة. دمج البنية التحتية الخضراء مثل الغابات الحضرية والأراضي الرطبة يمكن أن يوفر فوائد متعددة مثل السيطرة على الفيضانات وترشيح الهواء والموائل. وقد تكون أنظمة البنية التحتية اللامركزية والموزعة أكثر مرونة من الأنظمة المركزية.
الهجمات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة وَلَّدت انبعاثات ضخمة مسببة للاحترار العالمي تفوق البصمة الكربونية السنوية لـعشرات الدول حول العالم
البنية التحتية للطاقة: المقصود هنا استعادة إمدادات الوقود وتلبية احتياجات الطاقة وإعادة بناء أنظمة توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها، علما أن قوات الاحتلال دمرت تدميرا كاملا محطات توليد الكهرباء وشبكات التوزيع والأعمدة وما إلى ذلك. لذا، لا بد من إعادة تسخير ضوء الشمس الوفير في قطاع غزة للطاقة المتجددة. الانتقال إلى الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيوفر طاقة نظيفة ومستدامة مع تقليل الاعتماد على الوقود المستورد. كما أن شبكات الطاقة المحلية الصغيرة اللامركزية تعزز المرونة وتُحسِّن الوصول إلى الطاقة والقدرة على الصمود، فضلا عن أن تحسين كفاءة الطاقة في المباني والصناعة يؤدي إلى تقليل الطلب.
يضاف إلى ذلك، نشر أنظمة microgrid ذات قدرات تخزين الطاقة، مثل بطاريات الليثيوم أيون أو خلايا وقود الهيدروجين، يمكن أن يعزز استقرار الشبكة وموثوقيتها في بيئات ما بعد الحروب. والمقصود هنا الشبكات الصغيرة، بمعنى مجموعة الأحمال والمولدات الكهربائية المتصلة فيما بينها ضمن نطاق محلي ضيق، وغير متصلة بالشبكات الكهربائية العامة.
ومن الأهمية بمكان تنفيذ استراتيجيات إدارة جانب الطلب، مثل العدادات الذكية أو الأجهزة الموفرة للطاقة، ما يسهم في تحسين استهلاك الطاقة وتقليل التكاليف التشغيلية في أنظمة الطاقة المعاد بناؤها. كما أن دمج مصادر الطاقة المتجددة مع أنظمة الطاقة الهجينة، والجمع بين تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية، يمكن أن يعزز أمن الطاقة واستدامتها.
الجدير ذكره، أن قطاع غزة، حتى ما قبل العدوان الإسرائيلي الأخير، لم يستكين للمحتل، رغم الحصار التجويعي ضد أهلنا هناك، منذ نحو سبعة عشر عامًا، بل ازداد عنفوانًا وإصرارًا على تحدي الاحتلال وابتكار الإنجازات التقنية والعلمية لتلبية احتياجاتهم الحياتية، بما في ذلك الطاقة الكهربائية؛ إذ شرع الأهالي منذ سنوات طويلة، في توسيع البنية التحتية للطاقات المتجددة، وتحديدًا بالاستفادة من الطاقة الشمسية باستخدام الخلايا الشمسية التي تعمل بطريقة الخلايا الكهروضوئية. إذ أصبح مشهدًا مألوفًا رؤية تلك الألواح في المباني العامة والسكنية والمستخدمة على نطاق واسع في مختلف أنحاء القطاع.
الخلايا الشمسية كانت تنتشر في مختلف أنحاء قطاع غزة قبل العدوان الإسرائيلي الذي دمر معظمها
كلنا يعلم بأن قطاع غزة، قبل العدوان، وبسبب الحصار الطويل، كان يعاني أصلا من نقص حاد جدًا في الكهرباء؛ لا سيما أن النظام الكهربائي الرسمي كان يعمل بجدول 8 ساعات وصل تقابلها 8 ساعات فصل. سكان القطاع تعلّموا كيفية التعامل مع شح الكهرباء بمساعدة الطاقة الشمسية. ففي السنوات الأخيرة (قبل الحرب الأخيرة)، ربع قدرة توليد الكهرباء هناك كان مصدره الألواح الشمسية؛ أي أن حصة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة بقطاع غزة، تفوقت على ما هو قائم في إسرائيل ذاتها، رغم قدرات الأخيرة التكنولوجية والعلمية الهائلة التي لا تُقارن بالقطاع ذي المساحة الهامشية من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية. انتشار المنشآت والتصاميم الشمسية كان واسعا ولا يشمل المدن الغزية فحسب، بل أيضًا مخيمات اللاجئين، علما أن حوالي 96٪ من الخلايا الشمسية نُصبت على أسطح المباني الزراعية أو المساكن. وبالطبع، العدوان الإسرائيلي دمر معظم هذه المنشآت.
الزراعة: معظم الأراضي الزراعية والبساتين ومناطق الرعي في قطاع غزة دُمِّرت أو تلوثت بسبب العدوان. إعادة تأهيل الأراضي والبساتين واستعادة صحة التربة وإنتاجيتها أمر بالغ الأهمية لتحقيق السيادة الوطنية على الغذاء وسبل العيش. الأولوية الزراعية هي لمعالجة التربة الملوثة وإعادة زراعة المحاصيل والأشجار، واستعادة أنظمة الري. المعالجة الطبيعية للتربة الملوثة يمكن أن تكون من خلال المعالجة النباتية، باستخدام نباتات تتميز بقدرتها على امتصاص الملوثات، مثل عباد الشمس والصفصاف والحور القادرة على إزالة المعادن الثقيلة والسموم من التربة.
من الضروري اختيار المحاصيل المرنة التي تنمو في الظروف القاحلة، كزراعة أصناف القمح والشعير والبقوليات المقاومة للجفاف على سبيل المثال. وبالطبع، إصلاح وتحديث شبكات الري أمر بالغ الأهمية، فالري بالتنقيط يحافظ على المياه ويعزز غلة المحاصيل. ويفترض تمويل عملية توزيع البذور وفحص التربة وتدريب المزارعين على الممارسات الزراعية البيئية المستدامة.
إجمالا، اعتماد الممارسات الزراعية الإيكولوجية، مثل التنويع الزراعي وتناوب المحاصيل والحراجة الزراعية والإدارة الطبيعية غير الكيميائية للآفات والأمراض الزراعية، والري الموفر للمياه، يعزز خصوبة التربة والتنوع البيولوجي والقدرة على الصمود. والمقصود بأنظمة الحراجة الزراعية تحديدا، الجمع بين الأشجار والمحاصيل والماشية، ما يسهم في تحسين خدمات النظام البيئي وعزل الكربون والسيادة الغذائية في المناطق الزراعية المستعادة.
ولدت الحرب الإسرائيلية على غزة كميات ضخمة جدا من النفايات الصلبة المنتشرة في كل مكان وبين خيام النازحين والمسببة لأمراض وأوبئة خطيرة
استعادة عملية إدارة النفايات: ولدت الحرب كميات ضخمة جدا من الحطام والنفايات الصلبة. إزالة الأنقاض وجبال النفايات والتخلص السليم بيئيا من الذخائر غير المنفجرة والنفايات الخطرة، تتطلب آلات ثقيلة وعاملين مدربين، ناهيك عن إعادة بناء وتحديث مرافق جمع النفايات وإعادة تدويرها ومعالجتها. تنفيذ برامج الحد من النفايات وإعادة استخدامها وتدويرها يمكن أن يؤدي إلى تحويل النفايات من مدافن النفايات والبيئة.
كما أن اعتماد تقنيات متقدمة لتحويل النفايات إلى طاقة، يساعد في تحويل نفايات ما بعد الحرب إلى موارد قيمة مثل الكهرباء أو الوقود الحيوي، وبالتالي تعزيز مبادئ الاقتصاد الدائري. ناهيك أن تنفيذ حلول إدارة النفايات اللامركزية، مثل التسميد المجتمعي أو وحدات إعادة التدوير المتنقلة، تُحَسِّن معدلات تحويل النفايات وتقليل الآثار البيئية في أنظمة النفايات المعاد بناؤها. ولتعزيز الشفافية والكفاءة في عمليات إدارة النفايات بعد الحرب، يمكن استخدام تقنية blockchain لتتبع تيارات النفايات وفرض المساءلة.
بسبب قطع إسرائيل امدادات الوقود عن قطاع غزة يتم تصريف أكثر من 100 مليون لتر من مياه الصرف الصحي في البحر يوميا- أشرف عمرة
التنوع البيولوجي والبيئة البحرية: دمر العدوان الموائل وشرد الحياة البرية. لذا، استخدام تقنيات استعادة الموائل، مثل إعادة التحريج أو إنشاء الأراضي الرطبة، يعزز حفظ التنوع البيولوجي واستعادة النظم الإيكولوجية في المناطق المتأثرة بالحرب. استعادة المناطق الطبيعية وحمايتها مثل الأراضي الرطبة والغابات والأراضي العشبية يعد أمر بالغ الأهمية للتنوع البيولوجي. إعادة زراعة النباتات المحلية وإعادة التحريج (زراعة الأشجار المحلية)، والسيطرة على الأنواع الغازية، وإعادة إدخال الحياة البرية المحلية، يدعم موائل الحياة البرية ويساعد في استعادة النظم الإيكولوجية. كما أن إنشاء مناطق محمية وممرات إيكولوجية أو جسور الحياة البرية يؤدي إلى تيسير هجرة الأنواع والتبادل الجيني وحماية التنوع البيولوجي وتعزيز قدرته على الصمود.
وفيما يتعلق باستعادة النظام البيئي البحري، لا بد من استعادة الشعاب المرجانية المتضررة وبالتالي دعم التنوع البيولوجي البحري، كذلك يجب تعزيز ممارسات الصيد المستدامة.
المرافق التعليمية والصحية والخدمات العامة: دمج ميزات التصميم المستدام، مثل الطاقة المتجددة وكفاءة المياه والمساحات الخضراء، في سياق إعادة بناء المدارس والمشافي والمرافق العامة الأخرى التي تضررت جراء العدوان، يمكن أن يؤدي إلى تحسين المرونة والأداء البيئي. كما أن استعادة الحدائق ومناطق الترفيه والمواقع الثقافية تساهم في دعم رفاهية المجتمع وهويته.
أيضا، دمج معايير المباني الخضراء، مثل LEED أو BREEAM، في مشاريع البنية التحتية العامة يعزز كفاءة الطاقة وجودة الهواء الداخلي وراحة الناس في المرافق التي أعيد بناؤها. كما أن تنفيذ مبادئ التصميم الشمولي لإمكانية الوصول والحركة، يمكن أن يضمن إمكانية الوصول إلى الخدمات العامة لجميع أفراد المجتمع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة أو الاحتياجات الخاصة. وإنشاء مرافق رعاية صحية قادرة على الصمود في وجه الحروب والكوارث، ومجهزة بأنظمة طاقة احتياطية وقدرات التطبيب عن بعد، يمكن أن يعزز الاستجابة لحالات الطوارئ وتقديم الرعاية الصحية في حالات ما بعد الحرب.
التمويل: استعادة النظام البيئي والبنية التحتية في قطاع غزة تتطلب موارد مالية ضخمة. وتشمل مصادر التمويل المحتملة المساعدات الدولية والعربية، وبخاصة مساهمات المتمولين الفلسطينيين، وتخفيف أو شطب عبء الديون، والسندات الخضراء، والشراكات بين القطاعين العام والخاص. ويمكن لاستكشاف آليات تمويل مبتكرة، مثل السندات الخضراء أو الاستثمار المؤثر أو المدفوعات مقابل خدمات النظم الإيكولوجية، أن يجتذب رأس المال الخاص لمشاريع البنية التحتية المستدامة في المناطق المتأثرة بالحرب. وبالطبع، ضمان الشفافية والمساءلة والتوزيع العادل للأموال أمر بالغ الأهمية.
أيضا، الاستفادة من آليات تمويل المناخ، مثل صندوق المناخ الأخضر أو صندوق التكيف، يمكن أن توفر موارد إضافية لجهود إعادة الإعمار المقاومة للتغير المناخي في بيئات ما بعد الصراع. كما أن بعض المنظمات الدولية يمكن أن تقدم منحا للحفاظ على التنوع البيولوجي.
إن إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص أو تعاونيات مجتمعية لتطوير البنية التحتية، يمكن أن تعزز الملكية المحلية والمساءلة والاستدامة في مبادرات إعادة البناء. ومن خلال دمج الاستراتيجيات العلمية والتقنية والمالية المتقدمة في جهود الترميم وإعادة الإعمار، يمكن لأصحاب المصلحة تعزيز قدرة البيئة والنظم الإيكولوجية في المنطقة على الصمود والاستدامة وقابلية البقاء على المدى الطويل.