خاص بـ "آفاق البيئة والتنمية"
بصدور هذا العدد، يكمل عدوان الاحتلال الشرس على غزة وتصعيده في الضفة الغربية عامه الأول، ويعيد هذا التوقيت فتح أسئلة مهمة وصعبة حول حضور قضايا البيئة وزوايا تغطيتها، بالتزامن مع مشهد حزين وحرب مفتوحة على البشر والحجر والشجر. تعالج (آفاق) سبل الحديث عن البيئة وتغطية قضاياها التقليدية في زمن العدوان، وتبحث عن كيفية ربطها بما يجري على أرض الواقع، وتتطرق إلى الصعوبات التي تواجه المؤسسات البيئية، وتعترض الإعلاميين المنحازين لشؤونها في متابعة رسالتهم، وأداء دورهم، وتنفيذ برامجهم الاعتيادية في وقت عصيب. وتجمع المجلة من مختصين وباحثين ومسؤولين تجاربهم ومقترحاتهم للدمج بين متابعة عدوان الاحتلال، ومواصلة التوعوية البيئية وأنشطتها الميدانية والإعلامية، بحيث تبقي على العدوان باعتباره القضية المركزية.
|
 |
آثار الدمار الذي خلفته قوات الاحتلال في مختلف أنحاء جنين |
بصدور هذا العدد، يكمل عدوان الاحتلال الشرس على غزة وتصعيده في الضفة الغربية عامه الأول، ويعيد هذا التوقيت فتح أسئلة مهمة وصعبة حول حضور قضايا البيئة وزوايا تغطيتها، بالتزامن مع مشهد حزين وحرب مفتوحة على البشر والحجر والشجر.
تعالج "آفاق" سبل الحديث عن البيئة وتغطية قضاياها التقليدية في زمن العدوان، وتبحث عن كيفية ربطها بما يجري على أرض الواقع، وتتطرق إلى الصعوبات التي تواجه المؤسسات البيئية، وتعترض الإعلاميين المنحازين لشؤونها في متابعة رسالتهم، وأداء دورهم، وتنفيذ برامجهم الاعتيادية في وقت عصيب.
وتجمع المجلة من مختصين وباحثين ومسؤولين تجاربهم ومقترحاتهم للدمج بين متابعة عدوان الاحتلال، ومواصلة التوعوية البيئية وأنشطتها الميدانية والإعلامية، بحيث تبقي على العدوان باعتباره القضية المركزية.

مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين د. عبد الرحمن التميمي
التميمي: امتحان عملي عسير
بدوره، قال الأمين العام لحزب الخضر الفلسطيني، ومدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، د. عبد الرحمن التميمي "إننا نتناول البيئة من خلال ثلاث زاويا، في مقدمتها التدمير اليومي للبيئة الذي يؤثر على الحياة اليومية للمواطنين، وليس على المدى البعيد، وهو أمر مهم لارتباطه العضوي بصحة الناس وقدرتهم على العيش".
وأوضح أن معالجة المشهد البيئي يتم من جانب أنه "يمكننا تعديل بعض القضايا، مقابل ملفات أخرى يصعب القيام بذلك الإجراء معها".
وأكد التميمي أن إحدى "القضايا المحورية" تتمثل في كون التدمير البيئي الحاصل في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 ليس بفعل الطبيعة، بل بسبب ممارسات البشر، وهم في هذه الحالة المحتلون الذين يدمرون بيئتنا، وهو ما يهدد بتحويل بيئتنا إلى مكان غير قابل للعيش فيه، مثلما يصعب إعادة ترميم البيئة مستقبلاً.
وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني جزء من العالم، ويؤثر ويتأثر بالتغير المناخي، ويقلقه ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع منسوب مياه البحر، ويراقب باهتمام تغير مواسم المطر.
وبيّن وجود قضايا باستطاعتنا "التكيف والتعايش والتأقلم" معها كبعض الملفات الخاصة مثل الزراعة، وهناك أخرى لا نستطيع ذلك، بحكم أننا لا نملك سيادة على الأرض ولا على الهواء أو الماء، وبالتالي نعجز عن خلق آليات للتكيف مع عوامل الطبيعة.
وأقر التميمي بـ "وجود صعوبة بالغة في تناول القضايا البيئية من ناحية عملية، لكنها نظرياً هم يومي للصحفي ولصانع القرار وللمزارع وللشرائح كافة".
ورأى بأن "السؤال الجوهري" هو كيف يمكن لكل فرد التعامل مع المشهد البيئي من زاويته، فهناك قضايا يمكن معالجتها، وثمة ملفات مُعقدة نعجز عن التعاطي معها.
وشدد على أن قضايا المناخ تحتاج إلى موارد بيئية ومالية وبشرية، وهي غير متاحة للشعب الفلسطيني.

آلة الإجرام الإسرائيلية دمرت أكثر من 80% من منازل ومنشآت قطاع غزة
واعتبر التميمي أن "متابعتنا لقضايا المناخ فيها جزء من الترف؛ نظراً لطبيعتها المتخيلة، ولوقوفنا عاجزين عن فعل شيء، ولمعرفتنا بالمعيقات التي تحول دون أي فعل".
وذكر بأن نهر الأردن كمثال، يبرهن على صعوبة حالتنا البيئية، فكلنا يعرف المشكلة والأسباب، ويمنعنا الاحتلال حتى من مجرد مشاهدة النهر، وبالتالي لا نثير قضيته من باب المناخ، بل من زاوية نهب الاحتلال له وتحويله مجراه، وتغيير طبيعة الأجزاء الجنوبية منه إلى صرف صحي لمدينة طبريا.
واستطرد التميمي أن الحديث عن التغير المناخي وإعادة ترميمه والتكيف معه لا يمكن من ناحية نظرية المضي فيه، لوجود قوة أخرى تنفذ تدميراً يومياً للبيئة، كما يحدث في قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.

طفل غزي يتأمل دمار وخراب حيه السكني
وقدر الفترة المطلوبة لترميم التدمير الحاصل في قطاع غزة بعشرات السنوات، وقد لا نستطيع الترميم الفعلي؛ لأن ما حدث يفوق الزلازل، ودمر البشر والشجر والحجر على نطاق واسع، وبشكل مقصود ومبرمج.
وتساءل عن مستقبل الثروة السمكية على شاطئ غزة، التي تعد مصدر رزق لعدد كبير من العائلات، كما أشار إلى تلوث المياه، وتدمير الأراضي الزراعية على نطاق واسع.
وخلص إلى القول "إن قطاع غزة قُتِل أرضاً وبشراً وبيئية ومستقبلاً، وهو ما يعقد تناول البيئة من المدافعين عنها بشكل كبير".

القائم بأعمال مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة، م. أمجد جبر
"جودة البيئة": تسخير الفعاليات البيئية لغزة
من جانبه، أكد القائم بأعمال مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة، أمجد جبر، أن السلطة نفذت عديد اللقاءات الإعلامية عبر التلفزيون الرسمي والمحطات المحلية تناولت أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كما جرى توظيف مواقع التواصل الاجتماعي للسلطة لنشر تقارير عن ضرر العدوان على قطاع غزة من الجوانب كافة، كالمياه العادمة، والنفايات الصلبة، والأمراض، وتدمير محطات تحلية المياه والصرف الصحي.
وبّين أن تنفيذ أنشطة بيئية اعتيادية في ظل ما يحدث في قطاع غزة، يجب ألا يتجاوز ما يعيشه القطاع، وينبغي أن نبدأ الفعاليات بإشارة له في أية مناسبة، ويمكن أن نربطها بغزة، وعلينا تجنب أي مظهر احتفالي.

خراب كبير خلفته آلة التدمير الإسرائيلية في جنين
وأوضح جبر أن تنظيم مسار بيئي، أو حملة نظافة، أو فعاليات غرس للأشجار، أو عقد ندوات ليس احتفالاً، و"يجب أن يحترم ما يجري في قطاع غزة، وألا ينتهي دون الحديث عن تدميرها الشامل".
وأفاد بأن الإشارة للتغير المناخي في ظل الظرف الصعب في قطاع غزة، يجب أن يكرس للحديث عن تأثيرات هذا التغير على الإنسان بشكل مبسط، مع عدم إهمال ما يحدث من حرب على قطاع غزة.

محمد ضبابات الناشط البيئي والمجتمعي
ضبابات: نموذج حيّ من الأغوار
كان محمد ضبابات المرافق الدائم لجده الراحل جميل الحصني، وتعرف منه على تفاصيل الأغوار الشمالية، وأقام فيها ليله ونهاره، وصار ملماً بوديانها، وعرف أزهارها، وينابيعها، وكل أسرارها، ووثق بعدسته الجبال والوديان والتجمعات والطيور والأزهار، ونظم مسارات في تلال الحمة، ووادي الفيران، وخربة المزوقح، والساكوت، وجباريس.
لكن ضبابات لم يتمكن منذ عام من الوصول إلى عمق الأغوار، وتخلى عن اصطحاب الكاميرا، وصار يمضي وقته في مساعدة أهالي الفارسية، ويوثق ما يستطيع من معطيات وقصص معاناة، صارت تتفاقم بعد العدوان على قطاع غزة.
وقال: "استعمال كاميرا مهنية كان قبل العدوان يعرض صاحبها للمضايقة، غير أنها اليوم قد تكون سبباً في اعتقاله أو حتى قتله".
وأضاف أنه يجد اليوم حرجاً في نشر أي صورة للحياة البرية أو الأزهار، ويكتفي بتوثيق ما تتعرض له الأغوار من حواجز، وملاحقة، وما تعيشه من مصادرة وتهويد، عدا عن الإغلاقات المتكررة.
وبحسب ضبابات، فإن الأغوار اليوم "وحيدة وبلا أب"، كما يغيب عنها الحضور الإعلامي، وتوقفت مساراتها البيئية، وجولات صحفييها، وتضاعفت ملاحقة مزارعيها.
ورأى أنه "من غير اللائق" نشر صور من طبيعة الأغوار، في ظل حربين الأولى تشن على أهلها لترحيلهم، والثانية على غزة تستهدف البشر والحجر والشجر وتسميم الحياة.
وبيّن أنه كان ينشر ما يرصده على "فيس بوك"، و"إنستغرام" و3 مواقع عالمية رقمية بالطبيعة والطيور، وكان همه الوحيد إيصال صورة الأغوار وجمالها إلى كل عين، لكن هاجسه اليوم تغير، وأصبح يرثي ضياع الأغوار ومحاصرتها، ويساهم في نقل جانب من معاناة أهلها، في ظل غياب إعلامي واضح.

ميساء بشارات الصحفية البيئية في مجلة آفاق
بشارات: اشتراطات للتغطية الإعلامية
من جانبها، أكدت الزميلة الصحفية في "آفاق" ميساء بشارات أن تناول القضايا البيئية في ظل الأوضاع الراهنة والعدوان على قطاع غزة "يتم على استحياء"، لكنها أشارت إلى ربطها الدائم بين معالجاتها الصحفية وما يعيشه القطاع.
وأكدت أنها واكبت تدمير الاحتلال للبنية التحتية في مخيمي طولكرم ونور شمس، وتعمقت في سرد الزوايا البيئية في المخيمين كالنفايات والركام، كما أنها لم تهمل خلال الحديث عن الإغلاقات والحواجز ما يعيشه قطاع غزة.
وأوضحت بشارات أن تسليط الضوء على النفايات في الضفة الغربية، على سبيل المثال، يجب ألا يعزله الإعلامي عن التداعيات البيئية الخطيرة في قطاع غزة، وعدم قدرة العاملين في جمع النفايات من ممارسة عملهم، وتدمير الطرق، واستهداف مركبات جمع النفايات.
وقالت إن ما تعيشه الضفة الغربية لا يختلف كثيراً عن المشهد في قطاع غزة، إذ أثرت حواجز الاحتلال على عمل مجالس الخدمات المشتركة في نقل النفايات إلى مكب زهرة الفنجان في جنين، وتعجز الشاحنات الكبيرة عن سلوك طرق بديلة ووعرة، ما فاقم الأوضاع في المدن المختلفة كحال مدينة البيرة، وتكدس النفايات فيها.
وتطرقت إلى ما وصفته بـ "عدم فهم" بعض المسؤولين والعاملين في المؤسسات لأهمية تسليط الضوء على القضايا البيئية، التي يعتبرونها من وجهة نظرهم "غير مهمة وسطحية، ويجب عدم تناولها، في ظل العدوان الدموي على غزة".
وحسب بشارات، فإن الصحافة البيئية كما سواها "رسالة وليست مهنة فقط"، ويتوجب عليها في ظل العدوان تتبع البعد البيئي لما يتعرض له قطاع غزة، لأن الشأن البيئي يوازي في أهميته القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها.
ورأت بأن من حق الفرد والمجتمع العيش ببيئة نظيفة صحية سليمة، وهذا ما كفلته القوانين المحلية والدولية، كونها ليست قضايا هامشية، ورفع وتنمية الوعي البيئي وغيره للمواطنين مسألة مهمة، يمكن تناولها في كل الظروف.
واستنادًا لبشارات، فإن نجاح الصحفيين في تتبع القضايا البيئية في ظل حالات العدوان والظروف الصعبة تعتمد على مهاراتهم وقدراتهم في ربط الأحداث والقصص المعتادة بما يجري في قطاع غزة.
وأردفت: "الكتابة مثلاً عن كميات النفايات والركام وآثار الدمار في قطاع غزة ومخيمات جنين، وطولكرم، ونابلس، وطوباس، ستجعل المتلقي لا يميز بين أمكنة تدمير البنية التحتية، والخسائر التي منيت بها، فالتشابه كبير".

د. سعيد ابو معلا أستاذ الإعلام الرقمي في الجامعة العربية الأميركية
أبو معلا: العدوان الحدث المركزي في التغطية
بدوره، قال أستاذ الإعلام الرقمي في الجامعة العربية الأميركية برام الله، د. سعيد أبو معلا، إن "السؤال الأساسي ينغي أن يتمحور حول إمكانية أن تسير الحياة باعتياديتها في ظل الحرب البشعة في مقطع من الوطن"، والإجابة ستكون بالنفي في كل مفاصل الحياة وقطاعاتها كالتعليم والعمل والتجارة والثقافة والإعلام ومنه الإعلام البيئي.
ورأى أنه "في حال تصرفنا بحس مسؤولية عالٍ وأننا جسد واحد، فعندها ستتوقف كل الأنشطة الاعتيادية في حياتنا، وستكرس المتابعات للقضية الكبرى المتصلة بالعدوان الواسع على قطاع غزة".
وشدد أبو معلا، على أنه يمكن للإعلام البيئي أن يكون حاضراً في ظل الأزمات والعدوان، إذ بوسعه معالجة عشرات القضايا ذات الصبغة البيئية في زمن العدوان، كتكدس النفايات، وتدمير قنوات الصرف الصحي، وشلل الأطفال، والتجويع، وغيرها.
واشترط "وجود الوعي للإعلامي ولمؤسسته"، التي تجعل نقله للأحداث محكوماً بما يجري من عدوان على قطاع غزة، وتدفعه لاعتبار قضايا غزة أولوية، وتحتم عليه إدماج الحرب على القطاع في المتابعات البيئية، بحيث يكون العدوان عليه في خلفية الحدث أو باعتباره الحدث المركزي.
وأوضح أبو معلا بأن التغطيات الإعلامية يجب أن تكون في إطار "اعتبار الصحفي نفسه جزءاً من حالة المواجهة"، وتدفعه للبحث عن قصص ومتابعات بيئية متصلة بقطاع غزة، أو أن القطاع جوهرها؛ عندئذ ستجد من يتابعها.
 |
 |
مربعات سكنية كثيرة دمرتها آلة القتل الإسرائيلية على رؤوس ساكنيها في غزة |
مئات المنشىات التجارية والمنازل دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنين ومخيمها |