خاص بآفاق البيئة والتنمية
اليوم، لم يعد هناك مجال للحديث عن انتهاكات السكان للبيئة والتنوع الحيوي الذي تمتاز به فلسطين، فآلة الحرب الإسرائيلية تكفلت بكل شي، ومسحت هذا التنوع عن بكرة أبيه. تصبح الحاجة ملحة الآن -أكثر من أي وقت مضى- لإعادة الاعتبار للزراعة، ولا يمكن النهوض بها، إلا إذا عدنا لأساس العملية الزراعية، وإحياء البذور البلدية التي اختفت على نحو كبير في السنوات الماضية، لصالح البذور المستوردة. قابلت "آفاق" منسقة برنامج المرأة في اتحاد لجان العمل الزراعي (فرع قطاع غزة)، المهندسة الزراعية سمر عودة؛ للحديث عن تأثير ممارسات الاحتلال والعدوان على التنوع الحيوي، وبشكل خاص على الزراعة، وتوجهات الاتحاد لإنقاذ التنوع الحيوي الزراعي في غزة.
|
 |
الصورة من موقع BBC News |
عدوان الاحتلال المستمر على قطاع غزة طال كل مقومات الحياة، ولم يعد هناك شيء إلا وطالته الصواريخ والقذائف. حتى الأشجار والأراضي الزراعية تم مسح السواد الأعظم منها، وخرجت كلياً من دائرة الإنتاج. واقع من شأنه إعادة القطاع عشرات الأعوام إلى الوراء، وبحاجة لخطط واستراتيجيات تمكن الناس من العودة إلى أراضيهم وفلاحتها بعد انتهاء العدوان. لعل الزراعة أهم ما يميز قطاع غزة، وإن تراجعت في السنوات الأخيرة، لكنها تبقى من أسس الاقتصاد الغزي، الذي تعرض على مدار سنوات لحصار خانق. اليوم، لم يعد هناك مجال للحديث عن انتهاكات السكان للبيئة والتنوع الحيوي الذي تمتاز به فلسطين، فآلة الحرب الإسرائيلية تكفلت بكل شي، ومسحت هذا التنوع عن بكرة أبيه. تصبح الحاجة ملحة الآن -أكثر من أي وقت مضى- لإعادة الاعتبار للزراعة، ولا يمكن النهوض بها، إلا إذا عدنا لأساس العملية الزراعية، وإحياء البذور البلدية التي اختفت على نحو كبير في السنوات الماضية، لصالح البذور المستوردة.
فيما يلي مقابلة مع منسقة برنامج المرأة في اتحاد لجان العمل الزراعي (فرع قطاع غزة)، المهندسة الزراعية سمر عودة؛ للحديث عن تأثير ممارسات الاحتلال والعدوان على غزة على التنوع الحيوي، وبشكل خاص على الزراعة، وتوجهات الاتحاد لإنقاذ التنوع الحيوي الزراعي في غزة.

ما مدى خطورة العدوان الإسرائيلي على غزة على التنوع الحيوي والزراعة، خاصةً بعد تدمير الاحتلال وادي غزة الذي يعتبر مصدراً للتنوعِ الحيوي؟
في السنوات العشرة الأخيرة، كان للمؤسسات الدولية والقاعدية دور بارز ومهم في إعادة إحياء وادي غزة وتأهيله ليكون أهم محمية طبيعة في قطاع غزة، علماً أنّه كان يُستخدم مكب للمياه العادمة الناتجة عن المخلفات البشرية، وتم توجيه كافة الجهود لتحويله من مكب نفايات إلى محمية طبيعية. الزراعة في قطاع غزة كانت في تطور مستمر بحيث تم استغلال 180 كم2 من مساحة القطاع وذلك يعني استغلال كافة الموارد ومصادر التمويل لبناء قاعدة زراعية قوية ولتوفير متطلبات السكان الأساسية والوصول إلى الاكتفاء الذاتي من أهم مصادر الغذاء، وكان يتميز قطاع غزة بالتنوع المحصولي الواسع، وتوجهت كافة الجهود المحلية والدولية في الفترات الاخيرة إلى الحفاظ على التنوع الحيوي في ظل الاحترار العالمي ومشاكل التغيرات المناخية، علماً أن التنوع الحيوي والبيولوجي هي سمة مهمة لنجاح أي عملية زراعية.
أثّرَ العدوان الإسرائيلي على القطاع الزراعي في غزة بشكلٍ كبير:
- تدمير 80% من الأراضي الزراعية
- تدمير 100% من الغطاء النباتي والحيواني في وادي غزة
- إيقاف عمل 100% من محطات المعالجة
- 50 ألف عامل في القطاع الزراعي فقدوا عملهم ومصدر رزقهم بالكامل
وهناك عواقب سيواجهها التنوع الحيوي في غزة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي، حيث تتوسع آثار الحرب البيئية إلى آثار كيميائية نتيجة لاستخدام الأسلحة والمتفجرات الملقاة داخل منطقة الوادي والتي أفقدته الحياة البرية والطبيعية. إلى جانب آثار فيزيائية تُفقد التربة الزراعية خواصها نتيجة تدمير التربة بفعل آليات الاحتلال ومعداته؛ ما تسبب في موت كافة أشكال الحياة البرية من نباتات وحيوانات برية وهجرة الطيور.
هل هناك استراتيجيات محددة لإعادة إحياء التنوع الحيوي الزراعي في غزة بعد انتهاء الحرب؟
في ظل الأزمة الحالية ليس هناك استراتيجيات محددة وواضحة للنهوض بالقطاع الزراعي أو إعادة إحياء التنوع الحيوي.
لكن من المتوقع استحداث استراتيجيات تتوافق مع الوضع البيئي للقطاع بعد انتهاء العدوان وانسحاب قوات الاحتلال، وتلك الاستراتيجيات ستحتاج إلى دعم دولي ومحلي للعمل على تطويرها وتحديثها بشكل يناسب الأزمة الحالية.
ماذا عن فكرة إنشاء بنك بذور لإنقاذ ما تبقى من أصناف النباتات في غزة؟ وهل هناك توجه من قبل الاتحاد للعمل على هذه الفكرة؟
هناك حاجة طارئة لإنشاء بنك بذور بلدية في قطاع غزة، وذلك في ظل العدوان على القطاع وفقدان المزارعين القدرة على الصمود أمام العدوان الدموي، وضعف قدراتهم على توفير مدخلات الإنتاج الأساسية وأهمها أصناف البذور. وترجع أزمة البذور إلى الاعتماد بشكل أساسي على أصناف البذور الصناعية المهجنة المستوردة من خارج القطاع، بالتالي فقدان القدرة على إنتاج أصناف محلية يتم تخزينها بطرق تقليدية لمواجهة الازمة الحالية.
هناك توجه من قبل اتحاد لجان العمل الزراعي، ولكن هناك تحديات ملحوظة أهمها:
- نقص مصادر التمويل المخصص لأي فكرة تدعم استدامة الموارد
- خطورة الوضع الأمني الحالي وبالتالي صعوبة توفير مكان آمن لإنشاء البنك
- فقدان المزارعين أراضيهم، وبالتالي صعوبة الوصول إلى مزارعين قادرين على الوصول إلى أراضيهم
إثر العدوان على غزة وعدم مقدرة العمال الفلسطينيين على العمل في الداخل، برأيكِ هل يمكن أن تعود الزراعة الحرفة والمهنة الأولى للفلسطيني؟ وكيف يؤثر ذلك في خلق اقتصاد فلسطيني مستقل؟
برأيي ستكون الزراعة هي الحرفة الأولى والأهم للفلسطينيين، ويعود ذلك إلى صمود مزارعينا وتمسكهم بأراضيهم وقدرتهم على معالجة الأرض وإعادة تأهيلها. النزوح المستمر للأيدي العاملة من قطاع غزة إلى السوق الإسرائيلي تسبب في هجرة كثير من الأيدي الماهرة وأصحاب الحرف من قطاع غزة إلى الداخل؛ وبالتالي تكريس جهودهم ومهاراتهم لصالح دولة الاحتلال مقابل أجرة مرتفعة الثمن، إلا أن هذا الأمر لا يخلق منهم أصحاب اقتصاد مستقل أو التعامل معهم كأصحاب شركات، بل تقيدهم في منشآت عمالية بأجر مرتفع، لتقتل طموحهم في أن يكونوا أصحاب اقتصاد مستقل، فيبقوا مجرد عمال مهرة يتم إيقاف عقود عملهم ومصادر رزقهم في ظل أزمة أو حرب، كما حدث في العدوان الحالي الإسرائيلي على غزة.
من وجهة نظري، فإن تكريس الجهود والعمال المهرة داخل قطاع غزة لإعادة إعمارها هي فكرة مهمة ويجب تبنيها والعمل عليها بشكل جدي، لبناء اقتصاد فلسطيني مستقل، عبر تعزيز هذه الطاقات لتصبح قادرة على الحفاظ على مواردها وأراضيها ومصادر رزقها في الأزمات، وقادرة على الصمود مهما تغيرت الظروف والأحوال.
في الفترة الأخيرة تكرر مشهد منع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم من قبل الاحتلال، كيف يمكن للاتحاد تقديم المساعدة للمزارعين والحد من تكرار هذا المشهد؟
يكمن دور اتحاد لجان العمل الزراعي في تعزيز صمود مزارعينا والعمل على الحفاظ على بقائهم ودعمهم، ويمكن حصر هذا الدور بالنقاط الآتية:
- توثيق مستمر للانتهاكات الإسرائيلية تجاه المزارعين من استهداف مباشر لهم ولأسرهم، بقتلهم واعتقالهم، بالإضافة إلى الانتهاكات المستمرة لأراضيهم بتدمير الأرض وقطع مصادر المياه، وتدمير البنية التحتية، بالإضافة إلى حقن التربة بالمتفجرات الكيميائية، التي تسببت في فقدان التربة خواصها الكيميائية والفيزيائية والعضوية.
- دعم المزارعين بإعادة تأهيل أراضيهم بتوفير بعض مدخلات الإنتاج وتوفير شبكات الري.
- دعم المزارعين بتوفير بعض مصادر الطاقة الشمسية لإعادة تشغيل محطات المياه.
- دعم المزارعين النازحين في ربطهم مع أصحاب الأرض؛ للعمل مقابل أجرة يومية لتعزيز بقائهم وارتباطهم الوثيق بالأرض.
كيف يمكن تعزيز الوعي بأهمية التنوع الحيوي والزراعة خاصةً في ظل الحرب الحالية على غزة؟
تعزيز الوعي بأهمية الزراعة والتنوع الحيوي أمر بالغ الأهمية في ظل الأزمة الحالية، ويمكن تعزيزه من خلال إعداد حزمة تدريبية للمزارعين تشمل التوعية بأهمية الزراعة، وتحديد بؤر تواجد المزارعين والتواصل المستمر معهم لتوعيتهم، ودعم المزارعين العاملين بتوفير الدعم الفني والمعنوي، بالإضافة إلى العمل مع المُزارعات لتوجيهِهِنَ نحو الزراعة البيئية في ظل الظروف الحالية.