تحقيق: تصدير السموم...مبيدات أوروبية محظورة تغزو الأسواق الفلسطينية
(نسخة أولية)
رغم خطورتها الواضحة، لا تزال أنوع كثيرة من المبيدات المحظورة في أوروبا تجد طريقها إلى مناطق السلطة الفلسطينية والعديد من البلدان العربية، عبر نظام قانوني أوروبي، وتشريعات تغض الطرف عما يصدَّر إلى الخارج من هذه السموم، وتشكل ازدواجية معيار الاتحاد الأوروبي هذه تحديات حقيقية لمعايير السلامة البيئية والصحية والاجتماعية، ومع فشل تمرير تعديلات على قانون تصدير المبيدات الخطيرة خارج الحدود؛ تستمر لوبيات المبيدات في حصد مليارات الدولارات على حساب صحة وحياة البشر والكائنات التي تشكل أهمية كبرى زراعياً، في وقت لا تتوفر فيه إحصاءات واضحة عن الآثار لهذه المبيدات في الدول الفقيرة المستوردة لها. أكثر من 500 مبيد مسموح الاستخدام في الأراضي الفلسطينية، منها أنواع محظورة في الاتحاد الأوروبي بسبب أضرارها على الصحة والبيئة، لكنها تجد طريقها إلى موائد الفلسطينيين. تبرر الجهات المسؤولة في الضفة الغربية السماح بدخول مبيدات أوروبية محظورة، باختلاف الظروف بين أوروبا وفلسطين وحاجة المزارع لهذه المبيدات، وأن "منعها في أي بلد لا يعني حظرها محلياً"! وثق التحقيق 13 مبيداً محظوراً أو مقيد الاستخدام في الاتحاد الأوروبي جرى تصديرها إلى الأراضي الفلسطينية في الفترة بين 2018 - 2023.
الخضار الفلسطينية في الأسواق الفلسطينية دون فحوصات مخبرية دورية منتظمة لعينات منها
أكثر من 500 مبيد مسموح الاستخدام في الأراضي الفلسطينية، منها أنواع محظورة في الاتحاد الأوروبي بسبب أضرارها على الصحة والبيئة، لكنها تجد طريقها إلى موائد الفلسطينيين. تبرر الجهات المسؤولة في الضفة الغربية السماح بدخول مبيدات أوروبية محظورة، باختلاف الظروف بين أوروبا وفلسطين وحاجة المزارع لهذه المبيدات، وأن "منعها في أي بلد لا يعني حظرها محلياً".
وثق التحقيق 13 مبيداً محظوراً أو مقيد الاستخدام في الاتحاد الأوروبي جرى تصديرها إلى الأراضي الفلسطينية في الفترة بين 2018 - 2023. مبيدات تقول وزارة الزراعة الفلسطينية عبر مدير دائرة المبيدات سلامة شبيب إنها ستكون على طاولة اللجنة العلمية لدراستها وإعادة تقييمها واتخاذ قرارات بالسماح أو حظر الاستخدام.
لكن تلك اللجنة لا تضع في حسبانها عند حظر أي مبيد أو السماح به، المخاطر الصحية والبيئية كأولوية، وإنما تنظر إلى اعتبارات أخرى، مثل الأهمية الاقتصادية لاستمرارية الإنتاج الزراعي. وقد أشار إلى ذلك تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في تشرين الأول/أكتوبر 2021 الذي خلص إلى "ضعف فعالية أعمال اللجنة العلمية من حيث عدم وجود دليل إجراءات ينظم أعمالها، وعدم تحديث دليل المبيدات بما يتوافق مع الدراسات والأبحاث العالمية، بالإضافة إلى أن عدم تقييم المبيدات المتداولة من شأنه تداول مبيدات تم منع استخدامها دولياً نتيجة وجود مواد ضارة فيها".
ومن بين المبيدات الممنوعة في أوروبا، ويتم تصديرها إلى فلسطين: مبيد "مانكوزيب" الذي تم منعه محليا في 2012، لكن اللجنة العلمية الفلسطينية أعادت السماح باستخدامه في 2017 وهو مسموح حتى الآن. هذا المبيد تبيعه شركات عدة، منها "باسيف"، و"سينجنتا " للمزارعين في فلسطين تحت أسماء تجارية أبرزها: "ريدوميل جولد ام زد"، و"أكروبال". يسبب هذا المبيد خللا في الغدد الصماء لدى البشر لأنه يغير التوازن الهرموني، وفقًا لتقرير الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية الذي أدى إلى حظرها في عام 2020. وعلى الرغم من الأدلة العلمية التي يسببها "المانكوزيب" في الوظيفة الإنجابية للرجال والنساء، إلا أنه يباع في فلسطين كمبيد فطريات ضد الآفات التي تهاجم محاصيل البطاطا والطماطم.
وتترافق العشوائية في آلية السماح بالمبيدات، مع ضعف فعالية الإجراءات الرقابية في ضبط السوق المحلي، وإمكانية قيام بعض المستوردين بالالتفاف على الإجراءات الرسمية الخاصة بعملية ترخيص المبيدات، وفق تقرير ديوان الرقابة. وإلى جانب ذلك، كشف التقرير عن ضعف عملية الإرشاد والتوعية حول استخدام المبيدات بالطرق الآمنة، ما يؤثر على صحة المواطنين وسلامة المنتجات الزراعية، وسلامة البيئة المتمثلة بالتربة والمياه الجوفية. واقع عبر عنه مزارعون في أحاديثهم لمعدي التحقيق ومنهم المزارع سمير خضيرات من منطقة الأغوار.
المزارع سمير خضيرات في الأغوار
واقع الرقابة الهش الذي تحدث عنه خضيرات، كان دافعا للتحقيق مجددا في فوضى وعشوائية استخدام المبيدات في الأراضي الفلسطينية بعد تحقيق سابق نشر في 2020. لم يتغير الحال، بل ازداد سوءا في ظل تراخي الجهات الرسمية في تشديد الرقابة من جانب، والسماح باستيراد مبيدات محظورة في أوروبا، من جانب آخر.
أوروبا والدول النامية: معايير مزدوجة
ينتقد مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة باسكوت تونكاك، ما يراها "معايير مزدوجة" في التعاطي مع تصدير المبيدات السامة للدول الفقيرة وحظرها في البلدان الغنية، بقوله لمعد التحقيق: "عندما تقوم بعض أغنى البلدان في العالم بتصدير هذه المواد الكيميائية إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن ذلك يتجاوز النفاق، إنها ممارسة مؤسفة للغاية، إنه تنازل سياسي من أجل الصناعة. عندما تمت صياغة القوانين بحيث تقيد استخدام مواد معينة داخل أوروبا أو داخل أميركا الشمالية، تمت صياغتها بطريقة تسمح بتصنيع تلك المواد وتصديرها، لا يمكنك استخدامها داخليا، ولكن يمكنك تصنيعها وشحنها إلى مكان آخر".
ويتفق معه، الباحث المتخصص في شؤون الزراعة والغذاء بمنظمة Public Eye السويسرية لورنت غابريل: "هناك معايير مزدوجة وأمثلة واضحة على النفاق، لأن ما هو خطير جداً للاستخدام في أوروبا هو أيضاً خطير جداً للاستخدام في أي مكان. وسيكون أكثر خطورة في إفريقيا أو في مصر مثلا لأن المزارعين ببساطة يستخدمون تلك المبيدات دون أي حماية أو تدريب، وبدون قدرة على استخدامها بأمان، وأيضًا لأن حكومات هذه البلاد لديها قدرات أقل بشكل أساسي لمراقبة ورصد كيفية استخدام هذه المبيدات في البلاد".
وليس أدل على ذلك من الحالة القائمة في الأراضي الفلسطينية، حيث الرقابة معدومة وتوعية المزارعين ليست أولوية باعتراف مدير دائرة المبيدات في وزارة الزراعة الفلسطينية سلامة شبيب: "نحن في الدائرة عبارة عن ثلاثة موظفين بمن فيهم أنا.. ويضاف إلينا مفتش في كل مديرية تابعة للوزارة وعددهم 14 في كل الضفة.. هذا العدد لا يفي بالغرض، لأن المفتش مسؤول عن المحال والمشاتل وإصدار الشهادات الصحية ومتابعة اللجان وتختيم المبيدات و100 شغلة.. بتصفي الرقابة مشكلة".
ويضيف شبيب في حديثه مشكلة أخرى وصفها بالخطيرة تتمثل بعدم اقتناع المزارعين خاصة في منطقة الأغوار التي تضم المزارع الرئيسية والكبرى ببطاقة البيان باللغة العربية".
ويتفق عضو اللجنة العلمية المختصة بإقرار المبيدات المسموحة في الأراضي الفلسطينية سامر صوالحة، مع شبيب: "الرقابة بحاجة لإمكانيات، وهي ضعيفة لدينا. لا يتوفر لدينا عدد موظفين كاف، إلى جانب نقص الإمكانيات اللوجستية".
حسبة الفارعة في الأغوار الفلسطينية
ومع ذلك، كشف شبيب وهو عضو في اللجنة العلمية ممثلا عن وزارة الزراعة، عن أن اللجنة العلمية بصدد مراجعة وتقييم كل المبيدات المستخدمة واتخاذ قرارات بالسماح أو حظر الاستخدام مع حلول شهر نيسان/أبريل 2024.
تختص اللجنة العلمية الفلسطينية بما يلي:
* تحديد أنواع المبيدات الزراعية المسموح بتداولها وطرق استخدامها
* تقييم المبيدات الزراعية الموجودة في المناطق الفلسطينية وإعادة تسجيلها
* وضع آلية لمراقبة وضبط جودة المبيدات الزراعية المتداولة
* دراسة أية موضوعات تعرض عليها من الجهات المعنية وإصدار التوجيهات بشأنها
الربح فقط!
تعتبر اللائحة الأوروبية لمبيدات الآفات (EC 1107/2009) واحدة من أشد التشريعات صرامة في هذا المجال على مستوى العالم، لكن لورنت غابريل يرى في حديثه لنا، أن "ذلك القانون مبني بطريقة تغطي فقط استخدام مبيدات الآفات في أوروبا، وهذا لا يؤثر على تجارة هذه المبيدات خارج أوروبا، مما سمح للشركات بشكل أساسي بالاستمرار في صنع هذه المبيدات للتصدير وتصديرها إلى البلدان التي لا يزال مسموحًا باستخدامها فيها، بما في ذلك دول شمال أفريقيا".
في تقرير باسكوت تونكاك، المقرر الخاص السابق المعني بآثار الإدارة السليمة بيئياً للمواد والنفايات الخطرة والتخلص منها على حقوق الإنسان؛ ذكر بتأييد 35 من زملائه الخبراء في مجلس حقوق الإنسان، أن ممارسة الدول الغنية بتصدير موادها الكيميائية السامة المحظورة إلى الدول الفقيرة حيث تكون القوانين أقل صرامة حين تفتقر إلى القدرة على السيطرة على المخاطر وهو أمر مؤسف ويجب أن ينتهي. ويضيف التقرير أن "الاتحاد الأوروبي يواصل تصدير مبيدات الآفات والمواد الكيميائية الصناعية السامة هذه، ما يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في الحياة والكرامة والتحرر من المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل".
وفي هذا السياق تقول إنجا هازكامب، العضو في البرلمان الأوروبي عن حزب (PVDAEuropa) ونائب رئيس اللجنة المعنية بالبيئة والصحة العامة وسلامة الأغذية في البرلمان الأوروبي، إن السبب الرئيسي وراء استمرار تصدير هذه المبيدات المحظورة هو الربح فقط، وإن "هناك عدداً قليلاً جداً من شركات مبيدات الآفات الكبيرة جدا في الاتحاد الأوروبي، مثل باير وباسف، وهذه الشركات لا تتوقف عند أي شيء لتحقيق الأرباح. كما أنها تضغط بشدة في الاتحاد الأوروبي لمواصلة جني الأرباح من منتجاتها السامة".
وتضيف هازكامب أنه لا ينبغي لهدف هذه الشركات المتمثل في تحقيق المزيد من الأرباح أن يتغلب على المصلحة العامة، سواء كانت المصلحة العامة في الاتحاد الأوروبي أو المصلحة العامة للناس في أماكن أخرى من العالم.
وقبل شحن مبيداتها إلى الخارج، يتعين على الشركات إخطار السلطة الوطنية -التي تقوم بعد ذلك بإبلاغ وكالة الكيمياء الأوروبية- بالكميات التي تخطط لإرسالها. إخطارات التصدير هذه هي البيانات العامة الوحيدة التي توضح حجم التجارة الدولية في هذه المواد الكيميائية المحظورة وذلك بحسب قواعد التصدير الأوروبية.
ويشير تقرير المقررة الخاصة المعنية بالحق في الغذاء في منظمة الأمم المتحدة إلى أن "مبيدات الآفات التي يروج لها بشدة تعد شاغلا عالميا من شواغل حقوق الإنسان، ويمكن أن يفضي استخدامها إلى عواقب وخيمة جدا تمس التمتع بالحق في الغذاء. وهي مسؤولة عن نحو 200 ألف حالة وفاة سنويا جراء التسمم الحاد منها 99% في البلدان النامية".
دفيئات الزراعات الكيميائية في الأغوار الفلسطينية
تجارة الموت
وفق تقرير منظمة الصحة العالمية "هناك أكثر من 1000 نوع من مبيدات الآفات يجري استخدامها في جميع أنحاء العالم لضمان عدم تضرر المحاصيل الغذائية أو تلفها بسبب الآفات. ولكل مبيد من هذه المبيدات خصائص مختلفة وآثار سُميّة متباينة".
كما تعد مبيدات الآفات، شديدة الخطورة حسب مدونةالسلوكالدوليةالخاصةبإدارةمبيداتالآفات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومنظمة الصحة العالمية، لكن الاستهلاكالزراعيالعالمي لمبيدات الآفات نما بشكل مطرد منذ العام 1990 إلى العام 2021، حيث بلغ استهلاك مبيدات الآفات في العام 2021 -في جميع أنحاء العالم- ما يقرب من 3.54 مليون طن متري.
وكشف تقرير نشرته منظمتا غرينبيس وpublic eye، غير الحكوميتين عن بيع أكثر من 81615 طناً من المبيدات شديدة الخطورة في العام 2018 خارج الاتحاد الأوروبي، حيث تم حظر هذه المبيدات في دول الاتحاد بسبب "المخاطر غير المقبولة التي تشكلها على صحة الإنسان والبيئة". وذكر التقرير أن المملكة المتحدة، وإيطاليا، وهولندا، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، تستحوذ على أكثر من 90 في المئة من هذه الصادرات، كما أن ثلاثة أرباع البلدان المستوردة لهذه المبيدات المحظورة البالغ عددها 85 دولة، هي بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل، حيث يسمح باستخدام هذه المواد رغم مخاطرها.
رشفة واحدة تقتل
خلال تحقيقنا رصدنا قائمة من 13 مبيدا ممنوعا داخل أوروبا والتي يتم تصديرها إلى بلدان عدة في المنطقة العربية مثل فلسطين.
مبيدات ممنوعة في دول الاتحاد الأوروبي تسوق في مناطق السلطة الفلسطينية
الغليفوسات، أحد المبيدات التي وجدها التحقيق أيضا، وهو من أخطر أنواع المبيدات المستخدمة للقضاء على الأعشاب. وفي هذا السياق تشير إنجا هازكامب إلى أن "الغليفوسات قصة مختلفة تماماً، لأن المفوضية الأوروبية لا تدرك حتى أنه منتج خطير. كما أنها تضغط من أجل استعماله لعشر سنوات أخرى". وتضيف أن العديد من الدراسات تؤكد أن الغليفوسات كارثة على البيئة، وسام للحيوانات التي تعيش في الماء، كما يسبب السرطان للثدييات وأمراضا عصبية مثل الزهايمر، وباركنسون وغيرها.
وبحسب هازكامب، تنتج شركة "باير" مبيد الغليفوسات وتحقق أرباحا ضخمة من هذا المنتج. وهي ليست على استعداد للتوقف عن إنتاجه وترويجه وتقول على لسانهم: "سنفعل كل شيء، بما في ذلك حجب الدراسات الضارة، والمعلومات المضللة… يفعلون كل شيء للحفاظ على الغليفوسات في السوق"، تضيف هازكامب.
في مناطق السلطة الفلسطينية يروج "الغليفوسات"، وهو مبيد عشبي، بأسماء تجارية متعددة منها: "راوند أب، وروندوباز، وجلايفون أب، وجلايفوس، وجلايفوجان".
ويبرر سامر صوالحة من وزارة الصحة الفلسطينية (عضو اللجنة العلمية)، استمرار السماح باستخدام مثل هذه المبيدات رغم ما يثار حولها من تحذيرات، بعدم وجود بديل لها: "لم يستطع أحد منعها. ممكن منعوه (الغليفوسات) في بعض الدول، لكنهم سيعودون له".
ويضيف: "هذا مبيد عام ممتاز ورخيص وفعال، هناك دراسات قالت يحتمل أن يكون مسرطنا.. كل المبيدات مسرطنة!".
ويصف قرار منع مثل هذه المبيدات بأنه "ليس سهلا.. لما تكون في موقع قرار عليك أن توفر المطلوب للمزارعين حتى تمشي الزراعة في البلد.. بدك تمسك العصا من النص".
محاولات التصدي
تشعر ميشيلريفاسي، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الفرنسيEFA ، بقلق عميق إزاء تصدير أكثر من خمسين مبيدًا محظورًا في أوروبا لأنها شديدة السمية على صحة الإنسان والبيئة، وتقول: "أنا أكافح منذ سنوات لأقول، سنقوم بحماية الصحة والبيئة في أوروبا، وعلينا أيضًا حماية الصحة والبيئة خارج أوروبا".
تواصلنا مع مفوضية الاتحاد الأوروبي، وجاء في ردها أن "المفوضية تدرس حاليا خيارات مختلفة لتنفيذ هذا الهدف، بما في ذلك مراجعة التشريعات"، وألقى الردّ بالكرة في ملعب الدول النامية حيث تتيح اتفاقية روتردام المنظمة لتجارة المبيدات، لهذه البلدان، اختيار ما إذا كانت ستستورد مبيدات الآفات الخطرة، خصوصا أنها تحصل -حسب اللوائح- على معلومات تتعلق بالمبيدات محل السؤال حتى يكونوا قادرين على أخذ قرارهم.
وأوضح الرد المكتوب أنه في استراتيجية المواد الكيميائية من أجل الاستدامة، التزمت المفوضية بالعمل "بما يتماشى مع الالتزامات الدولية، لضمان عدم إنتاج المواد الكيميائية الخطرة المحظورة في الاتحاد الأوروبي للتصدير، بما في ذلك عن طريق تعديل التشريعات ذات الصلة إذا لزم الأمر، ولا تزال اللجنة تدرس الخيارات المختلفة لتنفيذ هذا الهدف".
علاوة على ذلك، أوضحت المفوضية أن الاتحاد الأوروبي يقوم أيضًا بدور استباقي في تشجيع التخلص التدريجي، قدر الإمكان، من استخدام مبيدات الآفات التي لم تعد معتمدة في الاتحاد الأوروبي وتشجيع المواد منخفضة المخاطر وبدائل مبيدات الآفات على مستوى العالم، من خلال عرض هذه المناقشة على المجتمع الدولي.
واعتبرت المفوضية أن فرض حظر على الصادرات من الاتحاد الأوروبي لا يعني تلقائيًا أن دول العالم الثالث تتوقف عن استخدام هذه المبيدات. وقد يستمرون في استيرادها من أماكن أخرى. ولذلك فإن إقناع هذه البلدان بعدم استخدام مثل هذه المبيدات الحشرية يظل أمراً بالغ الأهمية. وهو جزء من التوعية والدبلوماسية الخضراء المعلن عنها في استراتيجية "من المزرعة إلى الشوكة" لتحقيق نظم غذائية أكثر استدامة على مستوى العالم.
فخ اتفاقية روتردام
"الهـدف مـن هـذه الاتفاقية هـو تشـجيع المشـاركة في المسؤولية وفي الجهود التعاونية فيما بين الأطراف في الاتجار الدولي بمواد كيميائية خطرة معينة بغية حماية صحة البشر والبيئة من الأضرار المحتملة"
بحسب وكالة الكيمياء الأوروبية، تنظم لائحةالموافقةالمسبقة التي دخلت حيز التنفيذ في آذار/مارس 2014 تجارة بعض المواد الكيميائية الخطرة المحظورة أو المقيدة بشدة في الاتحاد الأوروبي. ويفرض التزامات على الشركات التي ترغب في تصدير هذه المواد الكيميائية إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو استيرادها إلى الاتحاد الأوروبي.
وبحسب موقع الاتفاقية على الإنترنت، تعتبر الموافقة المسبقة (PIC) تنفيذا لاتفاقية روتردام داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تعمل على تعزيز المسؤولية المشتركة والتعاون في التجارة الدولية للمواد الكيميائية الخطرة. وتحمي صحة الإنسان والبيئة من خلال تزويد البلدان المستوردة بالمعلومات حول كيفية تخزين المواد الكيميائية الخطرة ونقلها واستخدامها والتخلص منها بشكل آمن.
يذكر باسكوت تونكاك أن اتفاقية روتردام تحولت إلى درع تستخدمه الشركات والدول، ويرى أن هذه الاتفاقية لم تعمل كما كان من المفترض لأكثر من 15 عاماً.
باسكوت تونكاك- مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة
من جهتها، ترى البرلمانية الأوروبية ميشيلا ريفاسي أن هذه الاتفاقية متساهلة للغاية، فهي موجودة فقط لكنها ليست نافذة ورادعة بما يكفي، لعدم وجود عقوبات مالية على مستخدمي هذه المبيدات.
ويقول لورنت غابريل في مقابلة خاصة: "تستخدم شركات المبيدات والحكومات الأوروبية حجة أن البلدان -مثل مصر وغيرها- عليها أن تقرر بنفسها إن كانت ستستخدم هذه المبيدات... إنها حجة استعمارية، والمشكلة أن العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض -ببساطة- ليس لديها القدرات اللازمة لاتخاذ قرار مستنير، ومن السهل القول لقد أبلغناهم، وهم وافقوا على أنهم يريدون تلك المواد".
من جانبها تؤكد إنجا هازكامب أن اتفاقية روتردام مهمة، لكنها ليست كافية، إذ هناك حاجة إلى حظر تصدير هذه المبيدات للتأكد من أن المنتجات الخطرة على الأوروبيين لا يتم تصديرها إلى أجزاء أخرى من العالم، حيث يمكن أن تضر بحياة الناس والبيئة هناك.
وحينما تلقى الكرة في ملعب الدول المستوردة لاتخاذ قرارات بسماح أو حظر دخول المبيدات الممنوعة في أوروبا إليها، تجد هذه الدول ومنها فلسطين، أنه لا مفر سوى السماح بالاستيراد، بداعي أنه لا غنى عنها وأن المعايير مختلفة بين الدول المصدرة والمستوردة. وتعبر عن ذلك، عضوة اللجنة العلمية دعاء عبد الله، وهي ممثلة سلطة جودة البيئة الفلسطينية في اللجنة: "حسب اتفاقية روتردام، وصلتني مؤخرا إشعارات لإدخال عشرة مبيدات، وهي مسجلة في فلسطين، وبالتالي دخولها قانوني".
وبخصوص السماح لمبيدات محظورة أوروبيا بالدخول إلى الضفة الغربية، تقول عبد الله: "ليس بالضرورة أن كل مبيد محظور أوروبيا أن يمنع محليا، فالمعايير الصحية والبيئية مختلفة: هل متوفر بديل؟ عندهم مزارع نحل ومصادر مياه وبحار، وهذه المعايير مثلا لا تنطبق علينا".
ويتشارك صوالحة الرأي مع عبد الله في جزئية اختلاف المعايير بين أوروبا وفلسطين: "هناك كثير من المبيدات الممنوعة في أوروبا لأسباب لا تنطبق علينا وأنا غير مهتم بها.. تمنع لتأثيرها على المسطحات والأحياء المائية.. أنا لا يوجد لدي بحيرات وأنهار وجداول.. لماذا أمنعها عندي.. في الضفة لا يوجد بحار ولا أسماك حتى أخاف عليها".
يعاني ما بين واحد إلى ثلاثة عمال زراعيين من كل 100 عامل في جميع أنحاء العالم من التسمم الحاد بمبيدات الآفات، وغالباً ما يكون المراهقون هم الضحايا، وفقاً لتقرير التسمم بمبيدات الآفات لدى الأطفال، للعام 2004، الذي نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
في أيار/مايو 2023 حث المقرر الخاص المعني بالمواد السامة وحقوق الإنسان؛ والمقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة بالأمم المتحدة، جميع الأطراف في اتفاقية روتردام على اعتماد تعديل يدرج المواد الكيميائية الخطرة ويعزز هذه المعاهدة الدولية المصممة لتسهيل اتخاذ البلدان قرارات مستنيرة فيما يتعلق بالتجارة في المواد الكيميائية الخطرة.
وبحسب البيان فإنه على الرغم من رغبة معظم الأطراف وجهودها لتعزيز اتفاقية روتردام؛ فقد قامت مجموعة من البلدان باستمرار منع إدراج المواد الكيميائية الخطرة، مما يقوض التعاون الدولي اللازم لإعمال الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة.
يقول باسكوت تونكاك: "كانت هناك مقاومة كبيرة من بعض الدول المصدرة لهذه المواد الكيميائية المحظورة والتي لا تريد استمرار الاتفاقية بأي طريقة أو شكل لتقوم بدورها المفترض. الولايات المتحدة ليست حتى طرفًا في الاتفاقية، وكانت تمارس ضغوطًا شديدة خلف الكواليس لضمان عدم تعديل الاتفاقية".
مخلفات عبوات المبيدات الكيميائية مبعثرة في أطراف العديد من الحقول الفلسطينية
أباطرة المبيدات
تعد شركات الكيماويات الزراعية "باير" و"باسف" و"كورتيفا" و"سينجينتا" و"FMC" من أكبر شركات المبيدات في العالم. وعلى الرغم من وجود منافسة بينها، تتعاون هذه الشركات لتكثيف جهود الضغط الخاصة بها.
وبحسب باسكوت تونكاك، المقرر الخاص السابق بالأمم المتحدة فإن هذه الشركات لديها قدرة على الضغط: "إنه لوبي قوي ليس، هناك شك في ذلك. ونتيجة لذلك، أصبحت صناعة الكيماويات الزراعية مربحة وقوية بشكل لا يصدق".
من جهتها، تقول ميشيلاريفاسي إن لوبي المبيدات يتحايل على القانون، وهو بصدد تصنيع منتجاته خارج أوروبا لبيعها في بلدان خارج دول الاتحاد. كما أن هناك عقبات كبيرة، وتبذل جماعات الضغط التجارية الزراعية كل ما في وسعها للتحايل على القانون "هناك دائمًا طرق ملتوية يستخدمها لوبي المبيدات، فهم يقولون لسنا نحن، بل حكومات تلك الدول هي التي توافق على استخدام المبيدات المحظورة".
وتشير إنجا هازكامب من جانبها إلى أن شركات مبيدات الآفات تمارس ضغوطًا هائلة على الشركاء التجاريين وعلى المفوضية الأوروبية، وكذلك على البرلمان الأوروبي، لمواصلة أعمالهم الخطرة قائلة للتحقيق: "بالطبع، في بعض الأحيان نقف بمفردنا وأحيانًا نكون معزولين، لكن كما قلت، أنا ناشطة ولا يهمني أن أعضاء البرلمان الأوروبي الآخرين، أعضاء المفوضية الأوروبية، يعزلونني لأنهم في كثير من الأحيان يعيرون انتباههم إلى المصالح الاقتصادية وأرباح الشركات".
وحسب لورنت غابريل فإن هذا اللوبي يستخدم الحجة الكلاسيكية، بقوله إن حظر هذه المبيدات سيؤثر على الوظائف في أوروبا، وسيدمر الصناعة الكيميائية الأوروبية، التي هي بالفعل في وضع صعب بالنظر إلى السياق العالمي، ولذا فهي ليست اللحظة المناسبة لخلق عقبات جديدة للصناعة الكيميائية في أوروبا، كما يدّعون.
غسل السموم:
تعد كروب لايف إنترناشونال (CropLife International) أداة لأباطرة المبيدات لغسل أيديهم من آثار سمومهم البيئية والصحية. وعند النظر إلى مجلسإدارةكروبلايف نجد أن رئيسه هو رئيس شركة باسف، وأما الأعضاء فهم: المدير التنفيذي لشركة FMC والمدير التنفيذي لشركة سينغنتا، والمدير التنفيذي لكورتيفا، وعضو مجلس الإدارة ورئيس شعبة علوم المحاصيل لشركة باير، والمسؤول التنفيذي والإداري لشركة Sumitomo Chemical Co اليابانية.
في أحد التقارير التي نشرتها مؤسسة كروب لايف حول الإدارة الفعالة للمبيدات شديدة الخطورة مستندة إلى تقرير لمنظمة "الفاو" ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنموي، تشير إلى أن مبيدات الآفات شديدة الخطورة يجب ألا يتم محوها مباشرة من السوق. وتضيف أنه "بغض النظر عن أضرار هذه المبيدات إلا أنها موجودة، ويتم استخدامها، لأنها أداة مهمة للمساعدة ضد خسائر المحاصيل ودعم سبل عيش المزارعين".
وتشير إلى أنه ينبغي أن تستخدم هذه المبيدات عندما لا يكون هناك بديل قابل للتطبيق، وبدونها سيكون المزارعون أقل قدرة على إنتاج ما يكفي من الغذاء لنمو السّكان وأقل احتمالا للحصول على دخل كاف لدعم عائلتهم. كما تُستخدم بعض المبيدات شديدة الخطورة أيضا للتحكم في النواقل، مثل البعوض والقوارض التي تنشر الأمراض القاتلة، وفي ذلك تشجيع على مواصلة استخدام هذه المواد بقطع النظر عن أضرارها.
ويؤكد باسكوت تونكاك أن هذا اللوبي يستخدم بشكل غير عادل تكتيك الخوف، قائلاً: "إنه إذا لم يكن لدينا هذه المواد الكيميائية، فسوف نواجه حالة لا تصدق من انعدام الأمن الغذائي، وسوف نفقد سبل العيش". مستشهدا بقول خبراء آخرين، مثل المقرر الخاص السابق بشأن الحق في الغذاء، عندما ذكر أن استخدام الكيماويات الزراعية، بما في ذلك المبيدات والأسمدة بالمستويات التي نستخدمها، هو خرافة لا وجود لها، فلها آثار ضارة جداً، وتؤثر على الاستدامة بشكل عام، خاصة على المدى الطويل، حسب تعبيره.
وهنا، ترى إنجا هازكامب أن لوبي المبيدات السامة دائما "ما يشكون من أننا مخطئون وأنه ليس بهذه الخطورة كما يقول الجميع، وأن تصدير المبيدات ليس مشكلة"، كما أن اللوبي يستمر في نشر الأخبار الكاذبة أيضًا، بحسبها.
وكذلك يرى المقرر الأممي السابق باسكوت تونكاك أن "هذا اللوبي قوي جدًا، ولكن الأقوى هي رسالته ورسالة التخويف التي ينشرها، ما يخلق حالة من الذعر ويعتبرها ذريعة مناسبة لجماعات الضغط والسياسيين على حد سواء لإيجاد غطاء ومنع إحراز تقدم على الصعيد العالمي لمعالجة هذه القضايا".
وفي المقابل، تنفي كروب لايف على صفحتها أي علاقة لها بأنها مصدر مبيدات الآفات شديدة الخطورة في البلدان النامية، وتقول: "يجب الاعتراف بأن أغلبية مبيدات الآفات شديدة الخطورة في العالم النامي يتم إنتاجها وبيعها من قبل شركات ليست أعضاء في CropLife International".
"كروب لايف إنترناشونال" أداة لأباطرة المبيدات
يرى لورنت غابريل أن كروب لايف تسعى إلى تقديم الشركات الأعضاء فيها على أنهم الأكثر ابتكارا واستدامة في السوق، وأنهم "يجادلون دائمًا بكونهم في الواقع لا يصنعون أخطر مبيدات الآفات في العالم، بل الشركات الصينية أو الهندية العامة، لكن في الواقع، تمكنا قبل عامين، من إظهار أنهم يكسبون الكثير من المال من خلال بيع تلك المبيدات الخطرة المحظورة، وتقديرنا أنهم يحققون ما بين 25 - 40 في المئة من مبيعاتهم من خلال ما يسمى مبيدات الآفات عالية الخطورة".
حاولنا التواصل مع "كروب لايف" للتعليق الاتهامات الموجهة إليها لكننا لم نتلق أي رد حتى تاريخ نشر التحقيق.
سوق بالمليارات
تكشف غريبنبيس (منظمة بيئية عالمية) في تحليل قاعدة بيانات ضخمة لـ "منتجات حماية المحاصيل" الأكثر مبيعًا للعام 2018 أن شركات الكيماويات الزراعية الرائدةفيالعالم حققت أكثر من 35 في المئة من مبيعاتها من مبيدات الآفات المصنفة على أنها "شديدة الخطورة" على البشر أو الحيوانات أو النظم البيئية.
وعلى سبيل المثال، تم تصنيف شركة "سينجينتا" على أنها الشركة الرائدة عالميًا في مجال حماية المحاصيل على أساس الإيرادات بحسب statista الموقع الرائد في الإحصائيات، وقد حققت حوالي 13.3 مليار دولار من مبيعات مبيدات الآفات في العام 2021.
وجاءت شركة Bayer CropScience، وهي مجموعة فرعية تابعة لشركة Bayer AG، في المركز الثاني، إذ بلغت مبيعاتها من المبيدات 11.4 مليار دولار. وفي العام 2021، بلغ إجمالي إيرادات شركة Bayer CropScience، بما في ذلك مبيعات البذور والمبيدات الحشرية، أكثر من 20 مليار يورو.
وحسب موقع agropages المتخصص في الاقتصاد الزراعي العالمي، بلغ إجمالي مبيعات مبيدات الآفات لأكبر 20 شركة في العالم 85.7 مليار دولار في 2022، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 18 بالمئة على أساس سنوي، من 72.5 مليار دولار في 2021.
كما استحوذت أربع شركات (سينجينتا وباير وباسف وكورتيفا) على 55 في المئة من إجمالي المبيعات بالقائمة. وباستثناء "نانجينغ ريد صن"، تجاوزت إيرادات جميع الشركات مليار دولار. وكانت هناك 13 شركة صينية في القائمة، بإجمالي مبيعات بلغت 37 مليار دولار أي ما يشكل 43 في المئة من إجمالي المبيعات.
ما الحل؟
"إذا كان هناك حل لمشكلة تجارة المبيدات الخطرة المربحة فسيكون سياسيا" بتعبير باسكوت تونكاك. على سبيل المثال في الولايات المتحدة -على وجه الخصوص- هناك نموذج يشبه الضرر والمقاضاة أكثر من الوقاية والاحتياط "حيث تستخدم المحاكم لمحاولة دفع الحماية عندما لا نتمكن من تحقيقها سياسيًا"، كما يقول تونكاك.
بحسب تقريررويترز ، أمرت هيئة محلفين في ولاية ميسوري شركة باير بدفع 1.56 مليار دولار لأربعة مدعين زعموا أن مبيد الأعشاب Roundup weedkiller للشركة تسبب في إصابات بما في ذلك السرطان، وهو حكم يمكن أن يكثف ضغط المستثمرين على الشركة الألمانية لتغيير استراتيجيتها القانونية. هذا الحكم هو الخسارة الرابعة على التوالي في المحكمة لشركة باير، بعد أن تبين أن الشركة غير مسؤولة أمام المدعين في تسع محاكمات متتالية.
يضيف تونكاك أن الاتحاد الأوروبي، ليس لديه هذا التقليد القانوني المتمثل في استخدام المحاكم بقدر ما هو موجود في الولايات المتحدة "ليس من العدل أن نقول: حسنًا، هؤلاء المزارعون في الهند انتحروا لأنهم تناولوا مبيدًا حشريًا شديد الخطورة. لقد كان اختيارهم. لقد فعلوا ذلك طواعية!".
ويؤكد لورنت غابريل أن الاتحاد الأوروبي يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا السياق لأنه من طرح تلك المبيدات في السوق ويتم توزيعها في جميع أنحاء العالم. الآن وبعد اكتشاف أنها سامة وخطيرة تم إخراجها من السوق الأوروبي، لكن يتم غض الطرف عما يحدث خارج أوروبا وهو غير مقبول وخطأ أخلاقي. حسب تعبيره.
وترى ميشيلا ريفاسي من جانبها أن مفوضية الاتحاد الأوروبي "أصبحت أكثر توجهاً نحو الأعمال التجارية. والموافقة الضمنية على استخدام المبيدات، لأنها توفر فرص عمل على المستوى الأوروبي".
وتضيف ريفاسي: "على أوروبا أن تحمي صحة الناس دون وجود معيار لأوروبا ومعيار آخر للبلدان الأخرى. نريده أن يكون المعيار نفسه، وهذا قرار سياسي".
ورغم خطورتها الواضحة، لا تزال أنوع كثيرة من المبيدات المحظورة في أوروبا تجد طريقها إلى العديد من البلدان العربية، عبر نظام قانوني أوروبي، وتشريعات تغض الطرف عما يصدَّر إلى الخارج من هذه السموم، وتشكل ازدواجية معيار الاتحاد الأوروبي هذه تحديات حقيقية لمعايير السلامة البيئية والصحية والاجتماعية، ومع فشل تمرير تعديلات على قانون تصدير المبيدات الخطيرة خارج الحدود؛ تستمر لوبيات المبيدات في حصد مليارات الدولارات على حساب صحة وحياة البشر والكائنات التي تشكل أهمية كبرى زراعياً، في وقت لا تتوفر فيه إحصاءات واضحة عن الآثار لهذه المبيدات في الدول الفقيرة المستوردة لها.