خاص بآفاق البيئة والتنمية
مع تطور الدول والمدن اقتصاديا والتوسع وزيادة عدد السكان وتطور الصناعة أصبح للناس انماطا استهلاكية مختلفة عن السابق، وأصبحوا يميلون لاستخدام الأدوات البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد في المنزل، بحثا عن الراحة لسهولة استخدامها، غاضين البصر لما ستلحقه هذه النفايات البلاستيكية من أضرار على البيئة والصحة فيما بعد، او مساهمتها في زيادة كمية النفايات المنزلية، وخاصة البلاستيكية.
ومن شان هذه الممارسات اليومية أن تزيد من استهلاك المنتجات البلاستيكية ومواد التغليف لسهولة التعامل معهـا، وتعـدد اسـتخداماتها، ما يؤدي الى زيادة نسبة المخلفات البلاستيكية من إجمالي النفايات الصلبة والتي تصل الى المكبات المختلفة.
ولأن البنية التحتيـة المحليـة لإدارة النفايـات الصلبة غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه المواد، فقد أدى ذلك إلـى تراكم كميات كبيرة من النفايات البلاستيكية، سيما وأن البلاستيك يحتاج الى فتره كبيرة جدا كي يتحلل، قد تصل إلى ٤٠٠ عام أو أكثـر، بسـبب الـروابط الكيميائيـة التـي تتكـون منهـا المواد البلاستيكية.
سهاد صوافطة (45 عاما) من محافظة طوباس الأم لسبعة أولاد، تشير الى أنها خلال جائحة كورونا بدات بالاعتماد على الادوات البلاستيكية أحادية الاستعمال، في بيتها، خوفا من انتشار العدوى، وبعدها وجدت نفسها تعتمد عليه بكثرة نظرا لأنه يوفر الوقت والجهد والراحة لها.
وكشفت الأرقام المعلنة خلال السنوات الأخيرة عن تزايد حجم التلوث البلاستيكي، في ظل إعادة تدوير نسبة صغيرة من إجمالي حجم النفايات البلاستيكية التي تعد أحد أسباب مشكلة تغير المناخ.
البلاستيك أحد أهم مكونات النفايات الصلبة في الضفة والقطاع، حيث يشكل ما نسبته 16.4% من مجموع المخلفات الصلبة في الضفة الغربية، في حين تشكل مخلفات البلاستيك ما نسبته 14.0% من مجموع المخلفات الصلبة في قطاع غزة، وبمعدل انتاج 150 غرام للفرد الواحد في اليوم من البلاستيك بأنواعه المختلفة.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أوضح أن العالم أنتج في الفترة ما بين 1950 و2017 نحو 9.2 مليار طن من البلاستيك، وفقا لتقديرات العلماء.
وأضاف: "اليوم، نصنع حوالي 438 مليون طن من البلاستيك الجديد كل عام، ومع عدم وجود مؤشرات حول تباطؤ إنتاج البلاستيك في الأفق، فمن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 34 مليار طن بحلول عام 2050".
وذكر أن من بين 8.7 مليار طن من النفايات البلاستيكية التي تم إنتاجها بين عامي 1950 و2021، أعيد تدوير 11% فقط، وفقًا لتقديرات رولاند جيير عالم البيئة الصناعية في جامعة كاليفورنيا.
في عام 2019، تم إرسال أكثر من ثلثي حجم النفايات البلاستيكية المنتجة وتقدر بـ353 مليون طن إلى مكبات النفايات أو حرقها، بينما تمت إدارة الحصة المتبقية والمقدرة بـ22% (79 مليون طن) بشكل سيئ، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في باريس.
وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه "بحلول عام 2060 سيؤدي ارتفاع إنتاج البلاستيك إلى مضاعفة النفايات السنوية 3 مرات، مع تضاعف التلوث السنوي للبلاستيك، وذلك في حال عدم تنفيذ سياسات جديدة لوقف هذا المد"
ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بمقدار 2 مليار شخص في الثلاثين سنة القادمة، من 7.7 مليار حاليًا إلى 9.7 مليار في عام 2050، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، وسيكون لهذا تأثير كبير على كمية النفايات البشرية، وحذر التقرير من ان كمية البلاستيك ستفوق كمية الأسماك في المحيطات بحلول عام 2050.
ويحتاج البلاستيك ليتحلل بشكل كامل من 500 الى 1000 سنة، وتقول دراسة بريطانية إن الشخص العادي ممكن أن يتناول سنويا حوالي 70 الف ميكرو بلاستيك، أي أن الشخص البالغ منا يستهلك 142 جسيم بلاستيكي يوميا عن طريق الفم ويستنشق 170 جسيم عن طريق الهواء.
في المقابل يتجه البعض حاليا نحو تقليل استخدام البلاستيك، بطرق مختلفة، منها تقليل انتاج البلاستيك، وفرض ضريبة على استخدام اكياس البلاستيك، وتضييق الخناق على الصادرات الدولية للنفايات البلاستيكية، واستبدال البلاستيك بالورق، واعادة التدوير.
من جانبه، يقول المدير العام للإدارة العامة لمجالس الخدمات المشتركة في وزارة الحكم المحلي سليمان أبو مفرح: "إن معدل انتاج الفرد الفلسطيني من النفايات في اليوم الواحد أكثر من معدل انتاج أي فرد لديه نفس مستوى الدخل في دول العالم الأخرى، أي نحن ننتج نفايات أكثر من اللازم بشكل عام".
ويوضح ابو مفرح ان الناس تغير نمط استهلاكهم، فأصبحوا يميلون لاستخدام البلاستيك احادي الاستعمال لسهولة استخدامه ومن أجل راحتهم، وخاصة بعد جائحة كوفيد 19 التي خلقت سلوكاً آخر في استخدام البلاستيك احادي الاستعمال، لتجنب غسيل الأواني وحفاظا على عدم نقل العدوى.
ويبين أبو مفرح أن معظم النفايات التي ننتجها في الضفة والقطاع تذهب للطمر سواء في مكب صحي أو عشوائي، ولا يتم اعادة استخدام أو معالجة البلاستيك الا بنسب ضئيلة جدا وبمبادرات فردية.
استراتيجية إدارة النفايات البلاستيكية
يأسف أبو مفرح على مدى وعي المواطن الفلسطيني بالنفايات البلاستيكية الذي ما زال ضعيفا، موضحا انه سيتم وضع استراتيجية لإدارة النفايات البلاستيكية في الخطة القادمة، وستركز على رفع وعي الناس بالنفايات الصلبة وبخاصة البلاستيكية، وتقليل كميات النفايات الذاهبة للطمر من خلال تقليل استخدام البلاستيك احادي الاستعمال.
ويؤكد ان خطة الحكومة للسنة القادمة تشمل العمل على اعداد نظام يحد من استخدامات البلاستيك أحادي الاستعمال، ووضع حوافز لإعادة تدويره ليصبح مصدر دخل، وفرض تعرفة اضافية وضرائب أعلى على استخدام البلاستيك واستغلال آليات السوق للحد من استخدام البلاستيك.
ويوضح ان الاهتمام بالنفايات البلاستيكية جاء من معدل كمية النفايات المنتجة محليا والتي تقدر بأكثر من الدول المشابهة لنا في دخلها، حيث تصل جميعها إلى المطامر، ولا يوجد مبادرات او حلول، متمنيا وجود وسيلة قانونية تساعد في الحد من استخدام البلاستيك.
وتتجاوز كمية النفايات البلاستيكية بمختلف أنواعها الناتجة يوميا 750 طناً، من أصل 4700 طن يوميا من النفايات الكلية، ومعظمها يذهب لمكبات عشوائية، وهي تعتبر ثروة مهدورة يمكن إعادة الاستفادة منها من خلال اعادة استخدام جزء منها او اعادة تدويرها.
ويشير ابو مفرح الى ان مخاطر البلاستيك في الضفة والقطاع عالية، نتيجة الظرف الذي نعيشه كفلسطينيين، فالمعوقات كثيرة منها معدل الزيادة السكانية ومشكلة عدم حصر الاضرار الناتجة عن استخدام البلاستيك وغياب اراض تكفي لاستخدامها كمكبات صحية، وهذا مرتبط بالاحتلال والظروف السياسية التي نعيشها، وبالتالي تأثيرها وارد على حياة الناس اليومية والصحة العامة والنظام البيئي والمياه السطحية والجوفية، وينعكس كل ذلك على الاضرار الاجتماعية والاقتصادية، ويشكل بالتالي نوع من انواع هدر الموارد.
ويشير الى ضعف الاجراءات الكفيلة بالحد من البلاستيك او تقليله، رغم ان الناس بدأوا ينتبهون لهذه المشكلة، علما أن الخطط المرسومة تنفذ بشكل بطيء وجزئي.
وتتمثل المشكلات في القوانين والنظام الاقتصادي، وضعف الوعي لدى الناس بشكل عام وبعض المؤسسات الرسمية، ما يشير الى عدم سهولة تطبيق القانون، والمبادرات غير كافية لرفع الوعي والعمل على اعادة تدوير البلاستيك.
طرق التخلص من النفايات البلاستيكية
ويشير إلى ان المشكلة تتمثل في أن النفايات البلاستيكية يُتَخلّص منها مع النفايات المنزلية العادية وجميعها تذهب للمكبات العادية والعشوائية.
بشكل عام، تركز إدارة النفايات الصلبة المحلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل أساسي على إرسال النفايات إلى مدافن النفايات أو المحارق، وهو خيار شائع يمكن اعتباره غير مستدام لأنه يركز أساسا على النتائج (أي التخلص من النفايات) بدلاً من معالجة جذور المشكلة.
وتشير بيانات وزارة الحكم المحلي للعام 2022، إلى أن كمية النفايات الصلبة البلدية المتولدة في الضفة والقطاع تقدر بحوالي1.7 مليون طن/ سنة بواقع (1.1 مليون طن/ سنة في الضفة الغربية و 0.6 مليون طن/سنة في قطاع غزة). ويبلغ معدل إنتاج الفرد من النفايات الصلبة حوالي 1 كغم/يوم، اذ يتراوح من 0.93-2.78 كغم/يوم في المناطق الحضرية، و0.73 - 1.14 كغم/يوم في المناطق الريفية، فيما يبلغ إنتاج النفايات في مخيمات اللاجئين حوالي 0.72 كغم/يوم.
ويتابع ابو مفرح ان وزارته تنفذ حملات توعية للمواطنين للحد من استخدام أكياس البلاستيك ذات الاستخدام الواحد واستبدالها بأكياس قماشية صديقة للبيئة، وبالتالي إيصال رسالة للمواطن حول أضرار البلاستيك المتمثلة في تلوث المياه والتربة، بالإضافة إلى تأثيرها على الصحة العامة.
ويدعو أبو مفرح المستثمرين والقطاع الخاص للاستثمار في النفايات لأن هناك فرصة لإعادة تدوير البلاستيك.
من جانبها، أكدت المؤسسات المنفذة لمشروع العدالة البيئية والمناخية على ضرورة تبني سياسات وطنية واتخاذ اجراءات عاجلة للحد من التلوث البلاستيكي في فلسطين، والحفاظ على بيئة سليمة وآمنة، من أجل مستقبل آمن للأجيال القادمة.
وأشارت المؤسسات في بيان سابق صدر عنها في يوم البيئة العالمي، الى ان أهم اشكال التلوث البلاستيكي، لا تقتصر فقط على البلاستيك التقليدي، وإنما أيضا على المنتجات البلاستيكية المتحللة، وما ينتج عنها من مواد بلاستيكية دقيقة ومواد كيميائية، حيث تجد طريقها بسهولة الى التربة والمياه الجوفية والبيئة البحرية، ما يتسبب بالعديد من المخاطر الصحية وتدمير النظم الأيكولوجية والبيئية.
كما أن انتاج المواد البلاستيكية يساهم في زيادة تدهور حالة المناخ، حيث أشارت بعض التقارير الى أن غازات الاحتباس الحراري التي اطلقتها المواد البلاستيكية أثناء دورة حياتها الكاملة عام 2015 بلغت 1.7 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ومن المتوقع أن تزيد إلى ما يقرب من 6.5 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، وهو ما يمثل 15% من ميزانية الكربون العالمية.
دعوات لتطهير الضفة والقطاع من التلوث البلاستيكي
ودعت المؤسسات المنفذة لمشروع العدالة البيئية والمناخية الى اتخاذ إجراءات كي تصبح الضفة والقطاع خالية من أخطار هذا النوع من الملوثات. ومن هذه الاجراءات التخفيض الفوري لإنتاج البلاستيك واسـتهلاكه، وتحويل سلسلة القيمة البلاستيكية بأكملها، والتحول إلى اتباع نهج دائري، بما في ذلك ممارسات الاستهلاك والإنتاج المستدامين، وتسريع وتيرة تطوير واعتماد البدائل من قِبل القطاع الخاص وذلك من خلال تشجيع وزيادة الاستثمار في انتاج البدائل الآمنة.
واوضحت ضرورة فرض قواعـد وقـوانين تحـدد المسؤوليات وتنظم سبل التعامـل مـع النفايـات مـن لحظة إنتاجهـا حتى الـتخلص النهـائي منها، وإنشاء نظام مراقبة حكومي أكثر فاعلية لتحديد مصدر وحجم ومصير البلاستيك، والعمل على بلورة سياســة لخفــض اســتهلاك العبوات والأكيــاس البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة تدريجيا، وصولا إلى حظر اسـتخدامها واسـتبدالها بالأكيـاس متعـددة الاسـتخدامات، وفـرض رسـوم علـى المـواد البلاسـتيكية الأخرى ذات البدائل، أسوة بالعديد من الدول.
وشددت على أهمية أن تنظم المؤسسات المعنية بحماية البيئة حملات تثقيفية لزيادة الوعي البيئي لدى المستهلكين ودفعهم لاتخاذ خيارات أكثر مسؤولية.