مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز - آب 2012 العدد-46
 
Untitled Document  

نتيجة استخدام مواد كيماوية خطرة
مدابغ الجلود في الخليل تنشر الأمراض وتدمر البيئة بصمت

اثار المياه الملوثة المتدفقة من المدابغ إلى الطرقات

ثائر فقوسة
خاص بآفاق البيئة والتنمية

الزائر الى منطقة الفحص في مدينة الخليل يشتم الروائح الكريهة تنتشر في المكان، ويشاهد الحشرات تتجمع بكثافة على حاويات النفايات، وعلى الارض يرى مياهاً ملونة تجري في قنوات مكشوفة تشوه الطبيعة وتترك آثاراً على الطرقات، ويظهر في الجو غبار على شكل كتل صغيرة تلتصق بكل ما تقع عليه من أجسام. هذه المشاهد تجدها بوضوح بالقرب من مدابغ الجلود التي تقع في المنطقة الصناعية وتتخلص من نفاياتها السائلة والصلبة بطرق عشوائية دون اهتمام لما تتركه من اثار سلبية على الإنسان والبيئة.
ويأتي ذلك على الرغم من أن دباغة الجلود تعتبر من الحرف القديمة التي اشتهرت بها مدينة الخليل منذ مئات السنين، وهي من الصناعات المحتكرة عائليا، حيث احترفتها عائلة الزعتري ونقلت من جيل الى اخر، لتشكل المصدر الوحيد لتوفير المادة الخام للمصانع الفلسطينية التي تعتمد على هذه السلعة مثل مصانع الأحذية والملابس الجلدية، وما كان يميز هذه الصناعة في الماضي انها كانت تعتمد على المواد الطبيعية الصديقة للبيئة في الدباغة، كاستخدام الملح ونبات العشر وقشور الرمان والسماق وبعض جذوع الأشجار، لكنها اليوم أصبحت مصدرا لتلويث التربة والمياه الجوفية، سيما بعد دخول المواد الكيماوية في هذه الحرفة كاستخدام "الزرنيخ" و"الكروم" و"الزئبق" وبعض الأحماض التي تصيب الإنسان بالأمراض وتدمر البيئة الفلسطينية.

أحد مكبات النفايات الخطرة التابعة للمدابغ في الخليل
اكياس من مادة الكروم السام والقاتل المستخدم في المدابغ ومواد كيميائية أخرى

فوضى ومواد مسرطنة
ومن الجديد ذكره انه يوجد في مدينة الخليل أكثر من 12 مدبغة تستخدم العديد من المواد المسرطنة كالزرنيخ والكروم 6 (الكروم السداسي) وغيرها من المواد الكيماوية في معالجة ودبغ الجلود، حيث تخلو هذه المدابغ من وجود وحدات معالجة للمياه الناتجة عنها والمحملة بالسموم، ويتم التخلص من مخلفاتها السائلة والتي تقدر بـِ 2000 م3 يوميا عبر شبكة الصرف الصحي التي تصب في "وادي السمن" لتختلط بالمياه العادمة حيث تجري عشرات الكيلومترات في قنوات مكشوفة وسط الأراضي الزراعية محدثةً تلوثاً بيئي، اضافة الى النفايات الصلبة والتي تزيد عن ثلاثة أطنان يوميا، وهي لا تقل خطورة عن النفايات السائلة بسبب انتشار الروائح الكريهة وتجمع الحشرات عليها، وما يضاعف من وصول سموم المدابغ الى المواطنين هو  قيام  بعض المزارعين في مخيم الفوار وبعض التجمعات، باستخدام المياه العادمة المختلطة بالمواد المسرطنة في ري المزروعات لتترسب المواد الخطرة في أنسجة النباتات وبالتالي تنتقل الى الإنسان.

مرخصة ولكن!!
مدير صحة البيئة في مدينة الخليل ياسر عيس، يفيد بأن معظم هذه المدابغ تقع في المنطقة الصناعية بالمدينة وحاصلة على ترخيص، لكن غياب محطات لمعالجة المياه الناتجة عنها والمحملة بالمواد الكيماوية الخطرة، جعلها لا تلتزم بأهم بنود الترخيص وهو الالتزام بشروط السلامة العامة، فهي تنشر سمومها بشكل يومي في مجرى المياه العادمة الذي يذهب باتجاه الاراضي الزراعية، حيث اصبحت تشكل مشكلة بيئية كعشرات المنشآت الصناعية التي تتخلص من نفاياتها بشكل غير مسؤول مثل المستشفيات ومغاسل السيارات والمحاجر، ويرى عيسى أن المشكلة تتمثل بغياب إستراتيجية وطنية لحل مشكلة المياه العادمة الصادرة عن المدينة والتي تعمل على تدمير البيئة الفلسطينية وتنشر الأمراض بين السكان، مؤكدا انه بات من الضروري إعادة تصويب وضع هذه المدابغ عبر إجراء زيارات لها وتقييم مدى الأضرار التي تُلحقها بالمكان، ورفع التوصيات للجهات المختصة للبحث عن وسائل بديلة بأسرع وقت ممكن لتصبح هذه الصناعة أمانة على العاملين فيها وعلى ما يحيط بها من اراضٍ ومواطنين. 

حاويات النفايات الخطرة قرب المدابغ
حفرة للتخلص من النفايات السائلة الملوثة الناتجة من أحد المدابغ

الماضي الجميل
فيما يفيد نور الزعتري احد أصحاب المدابغ في الخليل، بأن العاملين في هذه الحرفة كانوا ملتزمين بتطبيق شروط السلامة العامة خاصة فيما يتعلق بحماية البيئة من المواد الكيماوية التي يستخدمونها في مدابغهم، وذلك عبر قيامهم بإنشاء وحدة معالجة خاصة للمياه الملوثة والصادرة عن 12 مدبغة بتكلفة وصلت الى 300 الف دولار تمت بمساعدة الوكالة الأمريكية للتنمية وكانت تعمل على تنقية المياه من الكروم، عبر تخزينه في حجرات خاصة بحيث يجمّع ويعاد استخدامه لعدة مرات في الدباغة، مما كان يوفر عليهم الكثير من المال الذي ينفق اليوم على شراء الكروم، اضافة الى أن المياه الصادرة عن المحطة كانت نظيفة ولا تشكل أي خطر على الإنسان والبيئة بشهادة الفحوصات المخبرية التي أجرتها الوكالة الأمريكية، إلا ان قيام إسرائيل بمنع دخول حامض الكبريتيك لأسباب امنية والتي تعمل عليها المحطة من اجل فصل الكروم جعلها تتوقف عن العمل منذ خمس سنوات، لهذا لم يجد اصحاب المدابغ أمامهم الا التخلص من نفاياتهم السامة في شبكة الصرف الصحي رغم علمهم بمدى الأضرار الناتجة عنها، وتابع الزعتري: "توجهنا الى الجهات المختصة للضغط على إسرائيل من أجل السماح بإدخال حامض الكبريتيك الا ان جهودنا باءت بالفشل".
فيما أشارت مصادر من قسم الصحة في بلدية الخليل بأن الأخير قد تقدم بطلب رسمي عدة مرات لما يسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية من اجل السماح بإدخال حامض الكبريتيك لإعادة تشغيل المحطة، الا ان الرفض الدائم هو سيد الموقف، والحجج الأمنية هي الذريعة التي يأخذها الاحتلال عندما يتعلق الأمر بحماية الأراضي الإسرائيلية من أي خطر يهددها.

محطة المعاجة المعطلة الخاصة بالمدابغ
مواد كيميائية سامة جدا تستخدم في المدابغ

الاغلاق
من جهته يصرح المهندس نضال يونس المختص في الصناعات الغذائية بأن وجود المدابغ في المنطقة الصناعية، لا يعني أن المواطن الخليلي في مأمن من إضرارها، داعيا الجهات المختصة الى وضع حدٍ للأضرار الناتجة عنها والبحث عن حل سريع لإعادة تشغيل محطة المعالجة، وفي حال غياب الحلول فإنه يفضل اغلاق المدابغ رغم اهمية هذه الصناعة فلسطينيا، ويرى أن الحفاظ على البيئة وحماية الإنسان الفلسطيني أهم من أي حرفة، معتبرا أن المواد الكيماوية التي تستخدمها المدابغ من السهل أن تصل الى الانسان سواء كان من خلال الأكل أو المياه أو الهواء مسببةً  له أعراضاً مرضية كثيرة قد تؤدي إلى الموت  في حالة ارتفاع نسب هذه العناصر في الجسم، وبخاصة عناصر الزئبق والزرنيخ والكروم ومن هذه الأعراض التي تصيب الانسان نتيجة تسممه بهذه المواد: اضطرابات الجهاز العصبي وضمور خلايا المخ وبالتالي الخلل في الوظائف، اضطرابات الصفات الوراثية والكروموسومات، الشعور بالإرهاق والإصابة بالصداع اضافة الى ضعف انتاج الحيوانات المنوية والإجهاض وتشوهات الأجنة، وأيضا انخفاض انتاج الجسم لخلايا الدم البيضاء والحمراء وتغيرات في الجلد والإصابة ببعض انواع السرطانات واستثارة الرئة.
وكالعادة... أمام هذه الظروف فلا بد من القول أن على المواطنين والبيئة الاستمرار في تحمل الأضرار الناتجة عن المدابغ..... والانتظار لغاية أن تسمح اسرائيل بدخول حامض الكبريتيك او أن تجد الجهات المختصة طريقة لحل المشكلة !؟

مياه سوداء سامة من المدابغ إلى الشوارع
مياه ملوثة تجري خارج المدابغ
مياه ملوثة داخل المدابغ
نفايات المدابغ
مصارف النفايات السائلة الخطرة من داخل المدابغ
التعليقات

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية