بيروت/ آفاق البيئة والتنمية: بينما يعاني لبنان أزمة حادة في توفير الطاقة الكهربائية، لا تزال بعض المحطات الكهرومائية صامدة ومستمرة في إنتاجها، وسط مساع لزيادة الاعتماد على هذا النوع من الطاقة "النظيفة"، نظراً لأهميتها الاقتصادية البيئية.
وتعود أزمة الكهرباء في لبنان لأكثر من 3 عقود، لكن هذه الأزمة استفحلت منذ 3 عوام إثر الانهيار المالي والاقتصادي الذي ضرب البلاد، وأدى إلى شح في الوقود المخصص لتوليد الطاقة، ما جعل الاعتماد على الطاقة المتجددة حاجة ضرورية.
ولا يعتمد هذا النوع من المحطات على حرق الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية، وإنما على المياه التي تتدفق عبر فتحات السدود لتوليد الكهرباء بواسطة "توربينات" مخصصة لهذا الغرض.
وتعد الطاقة الكهرومائية من أقدم أشكال الطاقة البديلة (المتجددة)، حيث كانت المصدر الأساسي للكهرباء في لبنان طيلة سنوات ما قبل الحرب الأهلية (1975 – 1990) ليبدأ بعدها تراجع هذا القطاع امام الطاقة المنتجة من الوقود الأحفوري.
وبعكس الدول المجاورة له يتميز لبنان الواقع عند الساحل الشرقي للبحر المتوسط بموارد مائية غنيّة، حيث تكثر فيه الأنهار والينابيع، وهي مصادر مناسبة للطاقة الكهرومائية، إلا ان سوء إدارة تلك الموارد أفقدها أهميتها على مر العقود.
ويوجد في لبنان 17 محطة كهرومائية بقوة تصل إلى نحو 300 ميغاواط، إلا أن 9 منها معطلة وخارج الخدمة بسبب حاجتها إلى الصيانة وإعادة التأهيل، ما يجعل الطاقة المنتجة من هذا النوع من المحطات لا يتجاوز 150 ميغاواط فقط.
وأقدم تلك المحطات يعود إلى عام 1923 وقد جرى تحديث بعضها، فيما جرى افتتاح أحدثها عام 2020. ويعد نهر الليطاني الذي توجد على ضفتيه 4 محطات أحد أبرز مصادر الطاقة الكهرومائية في البلاد.
ومع أن هذا النوع من الطاقة المتجددة غير مُكلف اقتصادياً ويُعد صديقاً للبيئة، إلا أنه لا يُشكل سوى 20 في المئة من حاجة لبنان للطاقة الكهربائية والتي تقدر بنحو 3000 ميغاواط.
وفي عام 2022، أقر مجلس الوزراء اللبناني خطة للنهوض بقطاع الكهرباء، تتضمن جعل الطاقة المتجددة (المعتمدة على الشمس والرياح والمياه) تُشكل حوالي 30 في المئة من استهلاك الكهرباء بحلول عام 2030.
يذكر أن محطة "بولس أرقش"، الواقعة بين قضائي صيدا والشوف (وسط) والتي يعود تاريخ إنشاؤها إلى عام 1965، واحدة من المؤسسات الحكومية التي ما زالت تحافظ على حسن سير العمل فيها، وتوليد الطاقة الكهربائية أسوة بالمحطات الثلاث الأخرى المقامة عل ضفتي نهر الليطاني.
وقال مدير المحطة المهندس عباس مدلج، الذي يدير أيضاً محطة "شارل الحلو" الكهرومائية، أن هذا النوع من المحطات كان ُيوَلِّد حوالي 70 في المئة من مجمل الطاقة الكهربائية في لبنان. وأضاف "لطالما كانت الطاقة الكهرومائية مهمة جداً للبنان، منذ أن وُضعت المخططات المائية من قبل المهندس الراحل إبراهيم عبد العال في خمسينيات القرن الماضي، والتي تضمنت إنشاء سدود ومحطات كهربائية على مجرى نهر الليطاني".
ويُوصف نهر الليطاني بأنه كنز لبنان وشريان حياته، نظراً إلى أهميته الحيوية، فهو أكبر الأنهار فيه ويغطي خريطة هذا البلد بطول 170 كلم من منطقة سهل البقاع (غرب) ويصب في البحر المتوسط جنوباً.
وفي إشارة إلى أهمية هذا النوع من الطاقة، لفت المتحدث إلى أنه عندما توقفت جميع محطات إنتاج الكهرباء التي تعمل على الوقود بين عامي 2021 و2022 بقيت المحطات الكهرومائية خصوصا التابعة لنهر الليطاني تنتج الطاقة باستمرار ودون توقف.
وأضاف "كانت المحطات الكهرومائية تشكل نحو 70 في المئة من مجمل الطاقة في لبنان، أما الآن وبعدما أصبح هناك حاجة كبيرة للطاقة الكهربائية، فإن تلك المحطات تُوَلِّد نحو 20 في المئة من مجمل الطاقة الكهربائية في البلاد".
وفي مارس/آذار 2023، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير إن السلطات اللبنانية لم تستثمر في مصادر الطاقة المتجدّدة، ولم تُحسن إدارة مؤسسة الكهرباء الحكومية منذ نحو 30 عاماً، ولم تتبع سياسات مستدامة، ما تسبب بانهيار القطاع بالكامل عام 2021.
وتكتسب الطاقة الكهرومائية أهمية بيئية واقتصادية كبرى، فهي طاقة متجددة وغير ملوثة، نظراً لعدم وجود أية انبعاثات، فضلاً عن أن كلفة تشغيلها تعد منخفضة جداً، ولا تحتاج إلى يد عاملة كبيرة، وفق مدلج. ولفت المهندس مدلج إلى أن "ما يميز هذه المحطات أنها نادراً ما تتعرض لأعطال بسبب هندستها الميكانيكية والتي لا تعتمد على الوقود"، مضيفاً أن "العالم يتجه نحو الاعتماد أكثر على الطاقة المتجددة وتطوير تقنياتها". وأضاف "هناك إمكانية لزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية في لبنان مستقبلاً، من خلال إنشاء محطات إضافية على بعض الأنهار عبر إقامة سدود صغيرة".
وحسب تقارير رسمية، تُقدر كمية الأمطار والثلوج التي تتساقط في لبنان سنوياً بحوالي 750 ملم، إلا أنه يتم استغلال 20 في المئة فقط منها لتوليد الطاقة.
ووفق المتحدث ذاته، تساهم المعامل الكهرومائية التابعة لنهر الليطاني في توفير حوالي 50 مليون دولار سنوياً لصالح خزينة الدولة، من خلال تخفيف الاعتماد على الوقود الذي يستخدم في توليد الطاقة.
المصدر: وكالة الأناضول