خاص بآفاق البيئة والتنمية
يعتبر الكثيرون أن مخلفات الورشات الميكانيكية لا قيمة لها، أو يرى البعض بأنها ما دامت مستهلكة وبعيدة عن الاستخدام المباشر، فإنها بالتالي لا تمثل قيمة مضافة، رغم انها تشتمل على آلاف أطنان الحديد والنحاس ومعادن أخرى، يمكن من خلال معالجتها معالجة علمية واقتصادية ان تشكل ثروة هائلة باستطاعتها توفير آلاف فرص العمل، سواء فرصا بسيطة لا تحتاج الى تأهيل او فرصا تحتاج الى تأهيل مهني وتقني.
|
حينما تمر بجانب المناطق الصناعية في المدن، او تنتقل الى الأرياف، اكثر ما تلاحظه هو مخلفات الورشات الميكانيكية، منها ما هو الصلب الذي يشكل اما جبالا من الحديد، او أكواما من الاسلاك المغلفة بعوازل المطاط او البلاستيك، او اسوارا عالية من الاطارات المطاطية المستهلكة، ومنها ما هو سائل مثل الزيوت المعدنية المستهلكة او ما هو مختلط بالماء نتيجة غسيل الورشات او غسيل السيارات، والتي لا تلقى لها مجرى الا في شبكة المجاري او حتى في الحفر الامتصاصية، او انها تجري مع ميلان الأرض الى الشوارع ومصبات الوديان الطبيعية لتصل الى الحقول وتضر بالمزروعات، او تلوث المياه الجوفية.
ظاهرة أخرى منتشرة في الأرياف أكثر من المدن، وهي إقدام كثير ممن يحاولون التقاط رزقهم، في ظل البطالة او نتيجة غياب أي فرص حقيقية للاستثمار- إقدامهم على حرق مخلفات السيارات المشطوبة التي استنفذت قطع غيارها، حيث يعمد بعض المسترزقين إلى حرق الأسلاك الكهربائية للسيارات، إضافة للكراسي ومقدمات وخلفيات السيارات والاطر وغير ذلك، بهدف استخراج النحاس والحديد وعناصر أخرى لبيعها في الغالب لورشات إسرائيلية (وبخاصة النحاس)، او لورشات محلية حيث معظم الطلب على الحديد. وتتم عملية الحرق اما في حقول فارغة كانت مزروعة بالزيتون، او حتى في مساحات وسط الاحياء السكنية؛ فيما لا تمارس هيئات الحكم المحلي دورها بالتفتيش على هذه الممارسات، أو لا تبادر إلى وضع نظام خاص للتخلص من هذه المخلفات وفق أصول تراعي الشروط البيئية والصحية الضرورية.
يتخلص بعض أصحاب الورشات من الزيوت المعدنية المستهلكة بطريقتين، الأولى من خلال جمعها في براميل لتباع لبعض الافران والمخابز كوقود، والثانية من خلال استخدامها للتدفئة في الشتاء، حيث تستخدم في أبواع خاصة من المدافيء وبديلا عن السولار او الكاز الذي باتت كلفته عالية على الاسر الفقيرة التي غالبا ما تلجأ لتوفير التدفئة من خلال هذه المخلفات رخيصة الثمن.
لا تشكل عملية حرق الزيوت المعدنية من خلال إعادة استخدامها في المخابز او للتدفئة عملا صحيا، بل لها اضرار تتمثل في انبعاث الغازات السامة في الأجواء، عدا عن تأثر الناس ببقايا الحرق التي يمكن ان تصيب خبزهم او أجواء بيوتهم عند استخدامها للتدفئة.

تجارة خردة السيارات
هل هناك ما ينظم التخلص من هذه المخلفات؟
لدى تصفح انظمة سلطة البيئة وقانونها، نجد موادا معدة بدقة حول حماية البيئة وأهمها نظام التقييم البيئي ونظام إدارة النفايات الخطرة اللذين يمنحان سلطة البيئة صلاحية ربط ترخيص المنشآت بمدى ملائمتها للمعايير البيئية الصحية، عدا عن التفتيش البيئي، ومنع أي تعامل مع النفايات الخطرة دون ترخيص مسبق.
تبقى الأنظمة والقوانين هامة، إلا أن سلطة البيئة تعاني من نقص الكادر المنوط بالتفتيش وتقديم التقارير عن المنشآت المختلفة. واللافت أن معظم ورش الميكانيك، وبخاصة في الأرياف، هي ورشات غير رسمية (غير قانونية). كما ان من ينشطون في حرق مخلفات المركبات وورش الميكانيك، يندرجون في اطار القطاع الاقتصادي غير المنظم والذي لا يعمد أفراده الى الترخيص من الهيئات الرسمية، والامر بالنسبة لهم مبادرات مفتوحة خارج المراقبة البيئية او الصحية او الضريبية.
هذا الواقع يطلق يد كثيرين في هذا المجال بالتصرف وفق التكلفة الأدنى للنشاط، بحيث تكون القضايا البيئية آخر اهتماماتهم او آخر ما يحسب له حسابا، نظرا لغياب التفتيش والرقابة عليهم.
هيئات الحكم المحلي لا تنشط في الرقابة البيئية على هذا القطاع، حيث تتذرع بنقص الموازنات اللازمة لذلك، وبأن هناك اولويات بيئية احرى عدا هذه المشكلة، مثل التخلص من حفر الامتصاص وبناء شبكات صرف صحي او التخلص من النفايات الصلبة، وان مخلفات هذه الورشات تعتبر أمرا هامشيا اذا ما قيست بالحاجات البيئية الأخرى.
في ضوء ذلك لا نجد حتى الان أي نظم او تعليمات دقيقة أو مراقبة متخصصة في هذا المجال، تستطيع ان تحمي البيئة من هذه الملوثات الخطرة؛ فالنظم القائمة لا تزال عامة غير تفصيلية، كما أن هيئات الحكم المحلي لا تملك الأدوات او الآليات والكوادر البشرية المختصة في هذا المجال.

حرق مخلفات المركبات لاستخراج المعادن في جنوب الخليل- تامر خليفة
مخلفات ام ثروة مهدورة؟
يعتبر الكثيرون أن هذه المخلفات لا قيمة لها، أو يرى البعض بأنها ما دامت مستهلكة وبعيدة عن الاستخدام المباشر، فإنها بالتالي لا تمثل قيمة مضافة، رغم انها تشتمل على آلاف أطنان الحديد والنحاس ومعادن أخرى، يمكن من خلال معالجتها معالجة علمية واقتصادية ان تشكل ثروة هائلة باستطاعتها توفير آلاف فرص العمل، سواء فرصا بسيطة لا تحتاج الى تأهيل او فرصا تحتاج الى تأهيل مهني وتقني.
إعادة تدوير هذه المخلفات يمكن ان تشكل جزءا هاما من القطاع الإنتاجي الذي يسهم في تعزيز سياسة إحلال الواردات، كسياسة تنموية تشكل المحور الأساس لبناء اقتصاد مقاوم يستطيع ان يقف في وجه تسريب هذه الثروة الوطنية لصالح المشاريع الاحتلالية التي تعيدها الينا مصنعة، فنعيد استهلاكها، لتصب مرة أخرى في الدورة الاقتصادية الاحتلالية نازفة معها مزيدا من الثروة الوطنية لتصب في التراكم الرأسمالي الاحتلالي.
لا توجد حتى الان احصاءات دقيقة حول ما يستفيده الاحتلال من استنزاف هذه الثروة، ولا عن الفارق بين ما يباع للمشاريع الاحتلالية من هذه المواد بأسعار زهيدة وما يحققه الاحتلال من أرباح في هذا المجال.

سيارات فلسطينية مشطوبة
نحو نظام وطني لضبط التخلص من المخلفات
عدا عن الاضرار البيئية والصحية الناتجة عن هذه المخلفات، وعدا عن كونها اهدارا لثروة وطنية هي في الغالب متجددة، فان هذه المخلفات، اذا ما تم تنظيم عملية التخلص منها من خلال إعادة التدوير والتصنيع او التخلص الآمن بيئيا منها، يمكنها ان توفر خسائر وأضرار كثيرة. وهذا يحتاج الى نظم وقوانين وتنظيم لقوى بشرية مختصة في هذا المجال. وهنا لا بد من تقديم يعض الاقتراحات التي يمكن العمل بها لأجل تحويل هذا التهديد الى فرصة.
- يجب خلق اطار تنظيمي له مرجعيته القانونية والإدارية تكون مهمته التخطيط لأفضل الأساليب للتخلص من هذه المخلفات، ومراقبة عملية تنفيذ الخطة.
- اشتراط ترخيص أي ورشة ميكانيك او مشطب سيارات مستعملة، بوجود آليات سليمة للتخلص من المخلفات السائلة والصلبة.
- لا بد من تخصيص أماكن في الورشة او خارجها للتخلص من المخلفات، وبمعرفة الإدارة الحكومية المنظمة لذلك، او توفير مجمع مركزي لذلك.
- بناء مصنع خاص للتدوير وإعادة التصنيع او استخراج المعادن غير الظاهرة
- اشتراط توفير معدات التخلص من النفايات في كل ورشة
- إيجاد سجل توثيقي للتخلص من المخلفات، يقدم للإدارات المختصة.

سيارات مشطوبة أو غير قانونية
هناك العديد من الاقتراحات العملية التي قد تبرز من خلال المعالجة النظامية والعلمية للمشكلة، شريطة توفر الإرادة لذلك، بحيث يتم التعامل مع هذه المخلفات باعتبارها مولدة لفرص العمل، ومولدة بالتالي لقيمة فائضة، من خلال التعامل معها كموضوع انتاج وليس مجرد مستهلكات،
هذا الامر يتطلب تضافر جهود سلطة البيئة والحكم المحلي وغرف الصناعة والتجارة عدا عن المستثمرين، كما يحتاج الى حملات توعية وضغط ومناصرة منظمة من مؤسسات المجتمع المدني، ومن الجمهور المتضرر من آثار هذه المخلفات.