الإطارات المطاطية المستعملة ... خطر بيئي وثروة مهدورة
أخصائي جغرافية البيئة / جامعة المنوفية- مصر

مخلفات الإطارات المطاطية التي يحتاج تحللها الطبيعي إلى مئات السنين
يطلق إسم المطاط على صمغ نباتى طبيعي مُكَبرت (أى معاج بالكبريت)، ويوجد المطاط الطبيعى على شكل قطرات فى عصارة شجرة المطاط التى تزرع بالدول الأستوائية. قبل الحرب العالمية الثانية، كان المطاط الطبيعي يغطي كامل احتياجات السوق العالمي، إلا أنه مع زيادة الطلب عليه، أصبح إنتاجه غير كاف، وظهرت حاجة ماسة لإنتاج المطاط الصناعي.
ويعد مطاط الاستيرين بوتاديين(SBR)، الذي يستخدم في تصنيع إطارات السيارات، أكثر أنواع المطاط إنتشاراً؛ نظراً لرخص ثمنه وخواصه الميكانيكية العالية. ويضاف إليه كل من أسود الكربون وبورات الزنك أو الكالسيوم في وجود أكسيد الحديد لمقاومة الاحتراق؛ وهذه الإضافات تزيد من تكوين الدخان الكثيف عند الاحتراق، وتؤدي إلى تصاعد وانبعاث الغازات السامة.

أسود الكربون والصلب مكونات أساسية في صناعة المطاط
وتختلف نسب المواد التي تدخل في صناعة الإطارات المطاطية بعربات الركاب عنها في الشاحنات، كما تختلف في الإطارات الأوروبية عنها في نظيرتها الأمريكية، فتبلغ نسب المطاط الطبيعي في الإطارات الأوروبية 22% بعربات الركاب و30% بعربات الشحن، وتصل إلى 14% و27% في الإطارات الأمريكية، وتبلغ نسبة المطاط الصناعي 23% و15% بإطارات عربات الركاب والشحن الأوروبية، في مقابل 27% و14% بالإطارات الأمريكية. وبينما تبلغ نسب أسود الكربون بإطارات عربات الركاب الأوروبية والركاب والشحن الأمريكية 28%، تنخفض بإطارات عربات الشحن الأوروبية إلى 20%. أما نسبة الصلب، فتتراوح في إطارات العربات الأمريكية بين 14-15%، في مقابل 13% بعربات الركاب و25% بعربات الشحن الأوروبية(2013 RPS,).
الإطارات المستعملة خطر يهدد البيئة:
يؤدي حرق الإطارات المطاطية إلى انبعاث غازات خطرة من هيدروكربونات عطرية متعددة الحلقات وديوكسين، بخلاف أول اكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت، وهي مركبات لها تأثير مباشر وغير مباشر على الماء والتربة والهواء والإنسان، الذي تصيبه بأمراض الربو والسرطان والحساسية، وتسبب الالتهابات الرئوية وضيق النفس. كما يؤدي تحللها حرارياً إلى إنتاج مركبات سائلة سامة تتسرب إلى المياه الجوفية، مثل الكادميوم والكروم والرصاص والسلنيوم والزنك، وتتسبب في تلوثها بمواد حمضية تلحق ضرراً بالحياة البرية النباتية والحيوانية.

حرق الإطارات المطاطية كأحد مصادر التلوث بالعناصر والمركبات السامة
وكذلك، فإن التخلص من الإطارات عن طريق الدفن ليس حلاً من الناحيتين العملية والبيئية؛ حيث يحتاج المطاط لمدة طويلة قد تصل إلى 1000 سنة حتى يتحلل؛ نظراً لاحتوائه على الكبريت، وهو ما يعطيه تماسكاً ويقلل من قابليته للتحلل. لذلك فقد حظر الإتحاد الأوروبي في يوليو 2003م دفن الإطارات المستعملة غير المعالجة في التربة، ثم عاد وحظرها بصفة عامة في يونيو 2006م.
ويزيد الأمر تعقيداً، ارتفاع معدلات الاستهلاك السنوي للمطاط، حيث وصل إجمالي ما يستهلكه العالم من المطاط عام 2013م إلى 26.9 مليون طن متري، بمعدل زيادة سنوي 4.1%. استأثرت الصين وحدها بنسبة 30%، ثم آسيا الباسيفيكية بنسبة 29%، وبلغت النسبة بأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية 13% و12% بكل منهما على التوالي، في حين لم تمثل الأقاليم الأخرى سوى 16%( The Freedonia Group- 2010).
وقد بلغ عدد الإطارات المطاطية التي انتهت أعمارها عام 2007م بأمريكا الشمالية 301 مليون إطار، يُصدّر منها للخارج 7 مليون إطار(2%)، ويدفن منها 65 مليون(22%)، بينما أعيد استخدام وتدوير نحو 229 مليون إطار(76%) (ISRI-2009). كما تتخلص بريطانيا من 55 مليون طن من الإطارات القديمة كل عام، وأشار تقرير وكالة البيئة البريطانية إلى أن 30% من الإطارات القديمة يتم تمزيقها، و18% تستخدم في إعادة إنتاج الطاقة، ونحو 20% يتم إعادة استخدامها، سواء داخل أو خارج بريطانيا، وتستخدم 16% الإطارات القديمة في بناء مكبات النفايات، بينما يتم إعادة تأهيل 11% من الإطارات وتعود للسير على الطريق. وتُخلط نسبة كبيرة من المطاط المذاب مع الأسفلت للحصول على ليونة الإسفلت المخصص لممرات الطائرات.
تصنيع الاطارات في العالم العربي
وأوضحت دراسة أعدها المهندس محمد فتحي الفقي- رئيس الاتحاد العربي لصناعة الاطارات والمنتجات المطاطية- أن تطور صناعة الاطارات مرتبط بالتطور الذي حققته وتحققه صناعة السيارات والطائرات ووسائل النقل البري.
وأوضحت الدراسة أن إنتاج السيارات في العالم قد وصل إلى حوالي 58 مليون سيارة ومركبة عام 1999م. بينما بلغ اجمالي الاطارات في نفس العام حوالي مليار و150 ألف اطار، بمتوسط 20 اطار لكل مركبة.
كما أوضحت الدراسة أنه رغم امتداد الوطن العربي الكبير، وارتفاع عدد السكان إلى حوالي 270 مليون نسمة، وصل عدد المركبات إلى ما يزيد على الـ 22 مليون مركبة. إلا انه لا يوجد به سوى 10 مصانع للاطارات موزعة على سبع دول عربية: المغرب ويوجد فيها مصنعان بطاقة انتاجية 30 ألف إطار، ومصر فيها مصنعان أحدهما تملكه الحكومة المصرية بطاقة انتاجية 30 ألف إطار، والثاني استثمار مشترك مصري إيطالي مع شركة بيريللي التي تملك 80% من رأسماله، ويبلغ طاقة المصنع 25 ألف إطار، بالإضافة إلى مصنعين بالعراق تملكهما الحكومة بطاقة انتاجية 45.000 إطار، ومصنع بالسودان تملكه مجموعة دايو الكورية بطاقة 10 آلاف إطار، ومصنع تملكه الحكومة السورية بطاقة إنتاجية 12 ألف إطار، ومصنع تملكه الحكومة الليبية بطاقة 15 ألف إطار، ومصنع بتونس استثمار تونسي إيطالي مع شركة بيريللي التي تملك 15% من رأسماله، وتبلغ طاقته الانتاجية 15 ألف إطار.
ويقدر عدد الاطارات المستهلكة في العالم العربي بنحو 170 مليون إطار سنوياً، تأتي على رأسها المملكة العربية السعودية بمعدل 23 مليون إطار سنوياً، يليها مصر بنحو 20 مليون إطار. وفي الكويت يوجد أكثر من سبعة ملايين إطار قديم للسيارات تلقى بمنطقة رحية، التي يعدها البعض أكبر مقبرة للإطارات في العالم.
ويدخل السوق العربية كميات كبيرة من الإطارات المستهلكة "الدرجة الثانية" المستوردة من الخارج، نظراً لانخفاض أسعارها مقارنة بأسعار الإطارات الجديدة.
إعادة استخدام الإطارات وابتكارات ملائمة للبيئة
تعتبر العجلات المطاطية التالفة ثروة في البلدان الصناعية وفي بعض الدول التي استطاعت ابتكار طرق علمية للاستفادة منها.
حيث يمكن الإستفادة من الاطارات التالفة من خلال الإصلاح وإعادة التلبيس Retreading, وذلك بعد التأكد من صلاحيته وعدم وجود عيوب به، حيث يتم كشط الطبقة المنقوشة أو الدعسة، وبعد ذلك يتم تركيب طبقة جديدة، ويتم تثبيتها بشكل حراري. وهى عملية يستعيد من خلالها الإطار 60 إلى 90% من عمر الإطار الأصلي.
وقد تستخدم لحماية ضفاف الأنهار والسواحل البحرية من أخطار النحر والتعرية المائية، فإلى جانب ما تتميز به من انخفاض تكاليفها، فإنها تتميز بتأثيرها الإيجابي على النظام البيئي والكائنات الحية الضفافية أو الساحلية.
كذلك يعاد استخدام الإطارات المطاطية في تصميم الحدائق والزراعة العمودية (أو الزراعة إلى أعلى) لتوفير المساحات داخل المنازل وفي محيطها وعلى أسطحها، هذا بالإضافة إلى استخدام الإطارات وفق تصاميم هندسية متنوعة في مجال ألعاب الأطفال.
 |
 |
إعادة استخدام الإطارات المطاطية لحماية الضفاف والشواطئ |
|
 |
 |
تصميم ألعاب الأطفال |
حاويات للزراعة |
تدوير الإطارات... استعمالات متعددة وثروات مهدرة
يتطلب إنتاج كل كيلوجرام من الإطار المطاطي نحو 55 كيلو وات/ ساعة من الطاقة اثناء عملية التصنيع، كما أن حرق كيلوجرام من الاطارات المستعملة يعطى 9 كيلو وات/ ساعة فى حالة استخدامه كوقود.
وتوجد عدة طرق لتدوير الإطارات المستعملة، والناتج يكون عبارة عن حبيبات مطاط بأبعاد وأحجام مختلفة. ويمكن الاستفادة من المطاط المعاد تشكيله في استخلاص المطاط الصناعي؛ حيث ثبت أن الخامة التي يتم تدويرها تحتفظ بنحو 86% من موادها الأساسية. كما يستخدم في صناعة قبقاب الفرامل المستخدم في القطارات بدلاً من الزهر، وقد ثبت أنه يساعد على إطالة عمر عجلات القطارات. وتستخدم الإطارات كذلك في صناعة مطاط ماسحات زجاج السيارات، وأغطية أرضيات السيارات وأسقف المنازل، وفرش الأرضيات فى النوادي الرياضية، وسفلتة الطرق، وقطع لتغطية مكان لعب الأطفال (ساحات لعب الأطفال).
 |
 |
 |
 |
بعض منتجات المطاط المصنوعة من نواتج تدوير الإطارات المستعملة |
وهناك بعض الدول بدأت بالفعل في تنفيذ أول تجربة لرصف الشوارع باستخدام الإطارات التالفة، وقد سجلت نجاحاً مبدئياً، ولكن لا يمكن الحكم عليها بشكل نهائي في الوقت الحالي. وتقوم هذه الطريقة على استخراج أسلاك النحاس وأية مواد صلبة من الإطارات، ومن ثم يتم تقطيعها في آلات كبيرة، ويضاف إليها مادة كيميائية بالإضافة إلى مواد شمعية ومواد لاصقة؛ ويتم بعد ذلك خلط المزيج ليصبح جاهزاً، ثم يتم استخدامه في رصف الشوارع.
ومن أهم المنتجات المشتقة من تدوير الإطارات بودرة (مسحوق) المطاط Rubber Powder، الذي يستخدم في صناعات الأحذية وخراطيم المياه وموانع التسرب والوصلات المرنة، بالإضافة إلى تيل الفرامل؛ حيث يدخل الكاوتشوك بنسبة 40٪ في مكونات تيل الفرامل، لاسيما بعد استبعاد الإسبستوس؛ لما له من تأثيرات ضارة بالصحة. كما تستخدم بودرة المطاط في رصف الطرق وكمادة عازلة للاصوات والحرارة (كحصائر خامدة- ماصة للصدمات). وتستخدم كذلك كوقود؛ لما لها من محتوى حراري عال من خلال التدوير الحراري؛ حيث ينتج الطن من الإطارات 32.0 جيجاجول(0.76 طن نفط مكافئ) (Ramos,G., Alguacil,F.J., López,F.A,2011).
وتعد الصين أكبر مستهلك لإطارات السيارات في عالمنا اليوم، وتقلل من مخلفاتها باسترجاع المطاط من الإطارات المستعملة، للتغلب على نقص خامات المطاط ولتقليل الأثر البيئي الناشئ عنها. وقد زاد إنتاج الصين من المطاط المسترجع من 1.1 مليون طن في 2002م إلى 2.5 مليون طن في عام 2009م، وهو ما يمثل 81% من إجمالي المطاط المسترجع عالمياً. كما يوجد بالصين نحو 600 شركة لإنتاج مسحوق المطاط، تعمل بطاقة إنتاجية 5 مليون طن/ سنوياً.