خاص بآفاق البيئة والتنمية
زلزال المغرب العنيف وعاصفة "دانيال" الهوجاء شرق ليبيا، أعادا إلى الواجهة السؤال الكبير عن مدى استعدادنا للكوارث الطبيعية، والدرجة التي يمكننا فيها مواجهة انعكاساتها المختلفة، والأسباب التي تزيد الخسائر البشرية لـ "غضب الطبيعة"، وكذلك تقييم أوضاع بُنيتنا التحتية الهشة، والدروس المستفادة مما حلَّ بالأشقاء المغاربة والليبيين في أيلول الماضي.
|
 |
أثار زلزال المغرب |
أعاد زلزال المغرب العنيف وعاصفة "دانيال" الهوجاء شرق ليبيا، إلى الواجهة السؤال الكبير عن مدى استعدادنا للكوارث الطبيعية، والدرجة التي يمكننا فيها مواجهة انعكاساتها المختلفة، والأسباب التي تزيد الخسائر البشرية لــ "غضب الطبيعة"، وكذلك تقييم أوضاع بُنيتنا التحتية الهشة، والدروس المستفادة مما حلَّ بالأشقاء المغاربة والليبيين في أيلول الماضي.
هزة وضحايا
أكدت تقارير إعلامية تداولتها وكالات أنباء عالمية أنه بعد نحو 399 عامًا على زلزال فاس، الذي ضرب المدينة في 11 أيار عام 1624، ووُصف بأنه "من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ المغرب"، كانت البلاد عرضة مساء 9 أيلول 2023 لهزة أرضية عنيفة (6.8 درجات على سلم ريختير، وتبتعد نحو 70 كيلومترًا جنوب غربي مراكش) شعرت به مناطق واسعة في الشمال والشمال الشرقي للمغرب، ومناطق في الجزائر وإسبانيا والبرتغال.
ولكن، وعلى بعد حوالي 140 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من منطقة الهزة قتل زلزال بقوة 5.8 درجات عام 1960 بين 12 ألفًا و15 ألف مغربي، وما ضاعف وقتها "الدمار الكارثي" طبيعة المباني التي شُيّدت بالطين المضغوط والرمل والحصى، وقد انهارت هذه المباني كاملة، وأدت لاحقًا إلى تعديلات جذرية في قواعد البناء، وبخاصة المنازل الريفية.
والغريب، كما أعلنته هيئة المسح الجيولوجي الأميركي، فإن الزلازل بقوة 6 درجات أو أقوى ليست شائعة في منطقة مراكش، فمنذ عام 1900 لم يقع أي زلزال بقوة 6 أو أقوى ضمن مسافة 500 كيلومتر من هذا الزلزال، ولم تقع سوى تسع هزات بقوة 5 درجات أو أقوى، ومعظمها كانت قد وقعت إلى الشرق من الزلزال الحالي.
كما أن المغرب يقع على طول حدود "صفيحة تكتونية" غير مفهومة وبطيئة الحركة، وهو ما عقَّد فهمَ ما حدث تمامًا، وفق زكريا هميمي نائب رئيس الاتحاد الدولي لأخلاقيات علوم الأرض، لكن شريف الهادي رئيس قسم الزلازل في المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية المصرية، رجَّح في تصريحات لـ"الجزيرة نت" وجود احتمالين لهزة المغرب: "صدع دفعي مائل على صدع منخفض الزاوية ينحدر نحو الجنوب الغربي، أو صدع انزلاقي مائل على صدع شديد الانحدار ينحدر نحو الشمال الغربي".
ويُستدل من الصور، ومقاطع الفيديو المنشورة في وكالات الأنباء العالمية أن طبيعة المباني المغربية المتضررة ضعيفة في تكوينها، وتبدو في حالة ضعف، تجعلها غير قادرة على امتصاص قوة الزلزال، وهو ما يحتاج إلى إجراءات تتشدد مرة أخرى في معايير المباني، وتطبّق "الكود الزلزالي" فيها.

جلال الدبيك مدير وحدة علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح
رقابة على الجودة
في حين أكد جلال الدبيك مدير مركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث ومدير وحدة علوم الأرض وهندسة الزلازل، في حديث سابق مع مراسل "آفاق البيئة والتنمية" أن الجاهزية الأعلى لأي ظاهرة طبيعية تعني وقوع مخاطر أقل، إذ تتوقف المخاطر التي تنجم عن الهزات الأرضية تحديدًا، وأي ظاهرة طبيعية وصناعية، على مصدر الخطر وقابلية الإصابة، ومدى الجاهزية.
وأضاف: "لا نستطيع منع الزلازل، ولا يمكن توقّع لحظة حدوثها، لكن بمقدورنا تقليل مخاطرها، وهذا يرتبط بمصدرها، وموقعها، وقابلية الإصابة في صفوف المدنيين والأبنية على حد سواء، وبطبيعة الحال يتحتّم علينا تحليل المخاطر وقابلية الإصابة، وتحديد أنواع التهديد، لنصل في النهاية إلى معرفة بمدى قدرة المجتمع ومؤسساته على مواجهة تبعات الزلازل".
وحث الدبيك المؤسسات والأفراد وصنّاع القرار، على انتهاج سياسة الأخذ بالأسباب والوقاية قبل حدوث الكارثة، لتخفيف أكبر قدر ممكن من تبعاتها وويلاتها.
ووصف الزلزال بأنه بمثابة "رقابة جودة على الإنشاءات البشرية"، ليميز المناطق المعدّة جيداً من تلك السيئة، وأن الهزات الأرضية "ليست بالضرورة عقوبة ربانية" كما يعتقد بعض الناس، فقد تكون "امتحاناً لجاهزية الشعوب والدول". وأردف قائلًا: "كما أن حصر دائرة الفساد عند الحديث عن الزلازل في مجال محدد، كالفساد الأخلاقي، يسهم بطريقة غير مباشرة في تعزيز الحالة القائمة عند الأمة، فالفساد يجب أن يؤخذ بمعناه الشمولي، فمن لا يجدد علمه ويواصل تطوير مهنته، ولا يأخذ العبر من تجارب الآخرين وأخطائهم يُعد فاسداً".
 |
 |
إعصار ليبيا |
زلزال المغرب |
ردة فعل
من واقع متابعات "آفاق"، فإن الحديث عن الهزات الأرضية والكوارث الطبيعية لا يجري في الأوساط الفلسطينية الرسمية والإعلامية إلا بموجب "ردة فعل مؤقتة" بعد وقوع زلزال أو كارثة، ثم سرعان ما تنتهي، وكأن الكارثة في الدول المجاورة لم تقع.
وبعد زلزال تركيا وسوريا في فبراير/ شباط 2023، دار نقاش "لحظي ومحدود" في الأوساط الفلسطينية، لكنه ما لبث أن توقف، دون إجراءات وقائية وعملية، مع أن تقييمًا للأمم المتحدة أكد أن إجمالي الأضرار والخسائر في سوريا وحدها وصل إلى قرابة 9 مليارات دولار، وأن هناك حاجة لحوالي 15 مليار دولار للتعافي في المناطق المتضررة.
 |
 |
الإعصار في ليبيا |
الدمار إثر اعصار ليبيا |
انعكاسات "دانيال"
ميدانيًا، تسبّبت فيضانات وسيول عدة في مناطق شرقي ليبيا جراء العاصفة "دانيال" في مقتل وفقدان الآلاف وفق تقديرات أولية، فيما أعلن رئيس "حكومة الوحدة الوطنية" عبد الحميد الدبيبة الحداد الوطني لثلاثة أيام وتنكيس الأعلام عقب الكارثة.
واجتاحت العاصفة المتوسطية، في العاشر من أيلول الفائت عدة مدن، شرقي ليبيا، منها بنغازي والبيضاء والمرج وشحات وسوسة ودرنة وقندولة.
وخلّف الإعصار أضرارًا في تركيا واليونان وبلغاريا قبل أن تتراجع قوته ويتحول إلى عاصفة وصلت إلى ليبيا.
وتولّد "دانيال" بسبب موجة استوائية بالقرب من السواحل المكسيكية، ويصنّفها خبراء الأرصاد أنها منخفض استوائي، ثم صُنّفت إعصارًا منذ عام 2006.
واجتاحت العاصفة اليونان في 5 سبتمبر الفائت، وكانت العاصفة الأقوى على البلاد منذ عام 1930، وقالت الأرصاد الجوية اليونانية إن الأمطار في أثنائها هطلت على منطقة واحدة في 24 ساعة؛ أكثر من متوسط معدل الأمطار التي تشهدها لندن في عام.
وتبعًا لوسائل إعلام تركية، فقد أسفرت العاصفة عن مقتل ما لا يقل عن 14 شخصًا في اليونان وتركيا وبلغاريا، وأدت إلى أضرار مادية كبيرة، حيث بلغت خسائر اليونان وحدها أكثر من 100 مليون يورو، لكن في ليبيا خلّفت آلاف الضحايا والمفقودين ودمارًا هائلًا، ولم تُسجل قوة الأمطار بهذه الحدة في شرقها منذ أكثر من 40 عامًا، وفق الناطق باسم "حكومة الوحدة الوطنية" محمد حمودة.
بينما أعلنت الحكومة الليبية البلدات التي كانت عرضة للسيول والفيضانات شرقي البلاد "مناطق منكوبة"، فيما دعا المجلس البلدي في درنة إلى تدخل دولي عاجل لإغاثتها، مطالبًا بفتح ممر بحري في إثر انهيار الطرق البرية المؤدية إلى المدينة بسبب السيول وانهيار سدين.
 |
 |
زلزال نابلس عام 1927 |
زلزلزال المغرب في أيلول الماضي |
غير أن الصور والفيديوهات المنشورة للعاصفة، توضح الفارق في طبيعة البنية التحتية للدول المستهدفة، فبالرغم من الأضرار التي لحقت بها، إلا أن الفجوة في حجم الخسائر البشرية والمادية تستدعي وقفة تأمل، فقد كان عدد الضحايا في تركيا واليونان وبلغاريا قليلًا، بينما كان ضخمًا في ليبيا، حيث انكشفت هشاشة البنية التحتية شرقي البلاد.
وبعد أقل من 48 ساعة على مرور العاصفة، أعلنت مصادر طبية ليبية وفاة نحو 2800 شخص، جراء الفيضانات التي اجتاحت شرقي ليبيا، فيما وصل عدد العالقين إلى 7 آلاف عائلة، إضافة إلى عدد كبير من المفقودين لم يُحدد بعد، إذ أن كثيرًا منهم لم يُبلّغ عن فقدانهم، خصوصًا في درنة، التي انقطعت فيها الاتصالات الهاتفية".
أخيرًا، نأمل نحن والأشقاء، أن نستلهم سريعًا دروس الكوارث الطبيعية، ونطوّر من الأداء جيدًا، ونعمل على تحسين نوعي في طبيعة تصميم المباني ومشاريع البنى التحتية وتنفيذها وتشديد الرقابة عليها، بحيث تكون أكثر متانة، وتأخذ في الحسبان تكرار الظروف القاسية، والأهم أن تكون الإجراءات "وقائية لا علاجية"، بحيث لا تنتظر لحظة الكارثة، بل تستعد لها، ومرة أخرى يتوجب علينا تقييم أحوال بُنيتنا التحتية ومبانينا، واتخاذ التدابير اللازمة لتقويتها.