حَرَّفوا أسماء الينابيع الفلسطينية ومنحوها اسماءً عبرية
المستعمرون يستولون بالقوة على عشرات الينابيع في الضفة الغربية ويحولوها إلى "مواقع سياحية" ويمنعون الفلسطينيين الاقتراب منها
تحذير عنصري باللغة العبرية لليهود الراغبين زيارة الينابيع الفلسطينية: "انتبهوا! يتجول في هذا المكان مزارعون عرب، الرجاء الحفاظ على اليقظة!"
|
مستعمرون إسرائيليون ينهبون المياه الفلسطينية ويعملون على تحويل مجرى أحد الينابيع في في قرية قراوة بني حسان (AFP photo) |
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
كثف المستعمرون الصهاينة في السنوات الأخيرة، استهدافهم للينابيع الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي شكلت، منذ أجيال طويلة، مصدرا مائيا رئيسيا للمزارعين الفلسطينيين. أما اليوم فيعمد المستعمرون إلى الاستيلاء البلطجي على غالبيتها. وبحسب تقرير نشرته منظمة OCHA التابعة للأمم المتحدة (مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة) في نيسان الماضي، استولى المستعمرون في السنوات الأخيرة على عشرات الينابيع التي منعوا الفلسطينيين الاقتراب منها، وأحيانا، باستخدام التهديد والعنف.
واستند التقرير إلى مسح الينابيع الذي نفذه "درور إتكس" لصالح المنظمة الدولية؛ حيث برز الباحث الأخير بمتابعاته لنشاطات وتحركات المستعمرين. وبين التقرير أن المستعمرين منعوا الفلسطينيين من الاقتراب من 56 ينبوعا تقع غالبيتها الساحقة على أراض فلسطينية خاصة، كما تُثْبِت ذلك معطيات ملكية الأراضي التي بحوزة ما يسمى "الإدارة المدنية". وقد استولى المستعمرون على ثلاثين منها استيلاءً كاملا، بينما تواجه الينابيع الباقية خطر الاستيلاء.
وقد شرع المستعمرون بإجراء "أعمال تأهيلية" في أربعين ينبوعا بهدف تحويلها إلى مواقع سياحية وترفيهية. ويتركز جزء كبير من الينابيع في الأراضي المحاذية للمستعمرات التابعة لما يسمى "مجلس إقليمي مَطي بنيامين".
وتتضمن عملية الاستيلاء بضع خطوات؛ منها وضع إشارة في محيط الينبوع تقول بأن الموقع سياحي، كما يحرف الإسم الفلسطيني للينبوع؛ فيمنح اسماً عبرياً جديداً، للإيحاء بأن للمكان صلة بالتراث اليهودي. ومن ثم تقام منشآت تحول المنطقة إلى موقع سياحي؛ فيتم تثبيت المقاعد وطاولات النزهات، وتقام بركٌ جديدة من مياه الينابيع؛ وغالبا بمساعدة الشبيبة الصهيونية.
واشتمل التقرير الأممي على شهادات فلسطينية تحكي عن خوف الفلسطينيين من الاقتراب من الينابيع بسبب العنف الذي طالما استخدمه المستعمرون ضدهم. وروى فلسطينيون عن خوفهم من تواجد المستعمرين في ينابيع المنطقة، وبخاصة نبع عين عريك (الواقع بين قريتي عين عريك ولبن الشرقية قرب رام الله) الذي حرف المستوطنون اسمه إلى "معيان هغبوراه" أي "نبع البطولة"!، كما يواظب جنود الاحتلال أيضا على إبعادهم عنه، ومنع تواجدهم في المنطقة، سوى بضعة أيام في السنة لقطف الزيتون.
وأبرز التقرير تحرك مسؤولي الأمن في المستعمرات الذين يعمدون إلى إبعاد الفلسطينيين عن الينابيع. وشدد على أن تحركات المستعمرين تمنع الفلسطينيين من استخدام الينابيع لأغراض الزراعة أو الشرب.
وعبر تحركاتهم هذه، يهدف المستعمرون إلى السيطرة على المساحات الريفية المحيطة بالمستعمرات. وتهدف عملية تحويل الينابيع إلى مواقع سياحية "تطبيع" الوجود الاستعماري في عيون الجمهور الإسرائيلي.
وأثناء تصفحه لموقع "مجلس مَطي بنيامين" الاستعماري على الإنترنت، وجد مسؤول تحرير مجلة آفاق البيئة والتنمية (كاتب هذا التقرير) قائمة بالينابيع الفلسطينية التي تم تحويلها إلى أماكن سياحية. وفي الإرشادات الخاصة بكيفية الوصول إلى أحد هذه الأماكن كتب التحذير العنصري التالي باللغة العبرية: "انتبهوا! يتجول في هذا المكان مزارعون عرب، الرجاء الحفاظ على اليقظة!".
الجدير بالذكر أن ينابيع المناطق الجبلية المحتلة في الضفة الغربية شكلت موردا أساسيا للزراعات العريقة المميزة والفريدة التي توارثها الفلاحون العرب عبر الأجيال، منذ آلاف السنين. وتحيط بالعديد من تلك الينابيع أنظمة مائية متشعبة من القنوات والبرك والآبار الرومانية والعربية القديمة، ساهمت بشكل أساسي في تطوير الزراعة الجبلية، من خلال إنشاء الجدران الاستنادية (السلاسل الحجرية) والزراعة في الأراضي المنحدرة والزراعة على المصاطب.
وإجمالا، كان لعيون المياه لدى الفلسطينيين، قبل احتلال عام 1967، مكانة مرموقة في وجدانهم الشعبي؛ فكان السكان يتعاونون بسلاسة في أعمال صيانة وتنظيف الينابيع والقنوات والبرك؛ لما كان لها من أهمية مركزية في الزراعات الفلسطينية الغنية والمنوعة والمتداخلة التي وسمت آنذاك تلك المناطق.
واللافت أن "وزارة البيئة" الإسرائيلية تدعم النشاط الاستعماري في الينابيع الفلسطينية. ففي اجتماعه مع رئيس ما يسمى "مجلس بيت إيل" الاستعماري في آذار الماضي، وافق وزير البيئة الإسرائيلي "غلعاد أردان" على تحويل مساعدة مالية لغرض "تطوير الينابيع" من موازنة وزارته المخصصة لتأهيل الوديان والينابيع.
المفارقة، أن وزارة البيئة الإسرائيلية التي يفترض بها أن تكون وزارة "إنسانية" ومحبة للحياة والطبيعة، ومنسجمة مع البيئة ومدافعة عنها ومتصدية لأي أذى يلحق بها وبمكوناتها، ومنها العنصر البشري الفلسطيني – هذه الوزارة وقف ويقف على رأسها وزراء عنصريون مخضرمون في عملهم بأجهزة الأمن الإسرائيلية القمعية، ومؤيدون بالمطلق لعملية قهر وإذلال الشعب الفلسطيني وطرده من وطنه، وسجن من تبقى منه وراء الجدران العازلة، ناهيك عن تأييدهم الجرائم البيئية المقترفة بحق البيئة الفلسطينية والمتمثلة بمصادرة وإغلاق وتدمير أخصب الأراضي الزراعية، ونهب الموارد الطبيعية والمائية، وتخريب وتدمير الغطاء الأخضر والتنوع البيولوجي، من خلال تأييدهم ومشاركتهم المباشرة في تثبيت الاستيطان والإغلاقات والجدران والحواجز العنصرية، والمجازر البشرية كما تجلت بأبشع صورها في قطاع غزة، وبالتالي، مشاركتهم الفعلية في عملية إذلال الإنسان الفلسطيني وتجريده من إنسانيته.
المستوطنون يواصلون بمنهجية استباحة مواردنا ومياهنا وأرضنا...لكن ماذا نحن فاعلون لردعهم؟
ك. كيلاني
|