تركيا/ آفاق البيئة والتنمية: يجثو عثمان أرسلان أسفل شجرة في الصباح الباكر ويعدّ كوباً من الشاي، غير بعيد عن محطة لتوليد الكهرباء، تعمل بالفحم الحجري وتسبّب تلوثًا في قريته التركية على ساحل بحر إيجه يثير حفيظة السكان والمزارعين.
وبعد عودته من مكة المكرمة، حيث أدى مناسك الحج مع زوجته، يتحدث عثمان أرسلان عن الحقبة الذهبية التي عرفتها الزراعة المحلية قبل أن تُنشأ محطة للطاقة الحرارية في قرية سوما، غرب تركيا.
ففي تلك الحقبة، كانت أشجار الزيتون في وضع أفضل، بحسب ما يؤكد أرسلان وهو ينتظر اختمار الشاي الذي يتداخل الدخان المتصاعد من غليانه، بالدخان الأسود المتصاعد من بعيد من المحطة.
فضلًا عن الانعكاسات البيئية، شهد منجم الفحم في سوما أيضاً أسوأ كارثة صناعية في تاريخ تركيا، ففي عام 2014، قضى أكثر من 300 شخص في حادث بالمنجم، ما جعل هذا القطاع غير ذي شعبية لدى السكان.
وعلى غرار محطات كهربائية أخرى، تشهد سوما انخفاضاً حاداً في موارد الفحم لديها، وتسعى للتوسع في إنشاء مناجم في أراض جديدة، وهو سبب إضافي لاستياء السكان.
في تموز الماضي، تواجه ناشطون بيئيون وسكان مع عناصر الدرك في محافظة موغلا (جنوب غرب) احتجاجاً على بدء أحد المصانع قطع الأشجار بحثًا عن الفحم.
وجال صحافي في "فرانس برس" في مناطق محيطة في خمس محطات كهربائية تركية تعمل بالفحم، حيث تبدو التكلفة البشرية المرتبطة بالفحم مصدرًا للطاقة شديد التلويث، مرتفعة جدًا.
فلم تعد أشجار الزيتون في مدينة ميلاس على ساحل بحر إيجه تثمر كثيراً، على غرار شتول الطماطم والفاصولياء في سهل أفشين، وباتت مشكلات التنفس أبرز مرض مسبّب للوفاة في ياتاغان.
وفي هذه البلدة الواقعة في جنوب شرق تركيا، تنبعث من محطة كهربائية، هي الأقدم في البلاد، رائحة قوية لغاز الميثان الذي يشكّل طبقات تغطّي الأشجار والحدائق يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
يقول أوكان غوكتاش (44 عاماً) وهو يروي أرضه قبل حلول المساء، أن شقيقه كان يعمل في هذه المحطة مثل "عديد من أبناء القرى في المناطق المحيطة" قبل أن يتقاعد.
ويوضح "المساعدة (الحكومية) لقطاع الزراعة شبه معدومة، فيما لم يكن أمام السكان خيار سوى العمل في المحطة".
وتزداد الانتقادات للحكومة، في حين أكد الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أُعيد انتخابه في مايو/ أيار، أن تركيا ستحقق "هدف صفر" انبعاثات كربونية بحلول عام 2053، وهو ما يشكّك به خبراء مستقلون، وتركيا هي الأخيرة من دول مجموعة العشرين تصادق على اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 بعدما أصبحت البيئة قضية رئيسة عقب الحرائق الدامية في 2021. ومع ذلك، لا تزال المحطات الكهربائية تنال تراخيص حكومية للتوسع.
وهكذا، جرفت محطّتا ينيكوي وكيميركوي أراضٍ كانت تُزرع فيها أشجار زيتون ميلاس الذي يُصدّر إلى أنحاء العالم.
ويقول قرويون إن شركة محطة ينيكوي تشتري أراضٍ زراعية بأسعار مخفّضة، فيما يُعدّ استغلالًا ليأس أصحاب الأراضي المحليين المقتنعين بعجزهم عن فعل غير ذلك.
لكن إدارة المحطة تطمع بالمزيد وتواصل سعيها للاستحواذ على الأراضي الزراعية والغابات لتلبية احتياجاتها.
وفي العامين الأخيرين، ابتلعت المحطات عديدًا من المساحات الساحلية ابتلاعاً شبه كامل، ما أجبر بعض السكان على الهجرة، بينما أصبحت حياة آخرين تعتمد على العمل فيها.
يقول نائل (63 عاماً) إن محطة كارابيغا على ساحل بحر إيجه توظّف 600 شخصًا، منهم ابنه.
وفي مدينة أفشين الواقعة في محافظة كهرمان مرعش (جنوب شرق تركيا)، يتأمل العامل يوسف (48 عاماً) من شرفة منزله، المنجم حيث يعمل.
ويقول إن المزارعين يواجهون صعوبات في زراعة أراضيهم بسبب تلوث المنجم.
ويعرب عن اعتقاده بأن المنجم لا يستخدم منقيات الهواء المناسبة ليلًا، ما دفعه وشقيقه لتقديم شكوى قانونية كانت بلا طائل، إذ خلص الخبراء المكلّفون إلى عدم وجود أي مخالفة.
المصدر: AFP