شذرات بيئية وتنموية.. مزاد ومنصات وأولويات وهندسة بناء وحَرّ
خاص بآفاق البيئة والتنمية
مزاد لأرقام السيارات
دخلت أنا وصديق الطفولة راتب خلوف إلى حِسبة جنين. كنا في العاشرة أو الحادية عشرة، قرر راتب دخول المزاد، ووقف يزاحم التجار على أكياس الكرز الأحمر، المحبب إلى قلبه وفمه، ولما شعر بورطة ترسية الصفقة الكبيرة عليه هرب، ولحقه الدّلال وتمكن منه، وأخبره بأن المزاد ليس لعبة.
كنا لا نملك نقودًا لشراء كيلو كرز واحد، ومع ذلك خضنا تجربة المزاد، وكان بوسعنا قبل أيام معدودات الذهاب إلى فندق الكرمل لشراء لوحة سيارة مميزة، ودفع ثمنها الحقيقي، فهي "نمرة" لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تستحق كل هذا المال، إلا إذا كان سيذهب لإقفال أفواه الحُفر في شوارعنا.
سبق أن عشت مع الرقم 11111 أربع سنوات، وحفظني موظفو التسجيل عن ظهر قلب، كنت أخبرهم أنني صاحب أسهل رقم في الجامعة كلها، ولم يكن ذلك يعني شيئًا في احتساب رسومي ولا رصد علاماتي، فقد كان الأمر مجرد فقاعة.
تابعت المزاد لبيع أرقام سيارات مميزة بمبالغ تتجاوز ثمن المركبة نفسها، وهذا طيش له أنصاره ومعارضوه، وسبق أن شاهدت مزادات علنية لبيع الماعز في إحدى بلدات رام الله والبيرة بأرقام فلكية، دون أرقام مميزة للمعروضات التي تمشي على أربع.
الأرقام المميزة كذبة، لا نعرف ما الجدوى منها، وما مصدر الفخر باقتنائها، وهي في الحقيقة، عبء على أصحابها.
قولوا لنا على سبيل المثال: هل سينظر السائق للوحة مركبته في أثناء القيادة؟ وهل سيمنحه رقمه المميز حصانة من حوادث السير؟
الأمر نفسه ينطبق على الهواتف المتحركة، فالأرقام المكررة غالبًا تتسبب لنا في هامش خطأ، كما أننا لا نسجل على هواتفنا إلا الأسماء التي تخصنا.
مواقع تواصل اجتماعي
عوالم
في الغالب، خلق لنا الإعلام الاجتماعي عالمًا مزيفًا، معظم سكان هذا العالم ينشرون حِكمًا، ويجودون بالمواعظ، ويعتقدون أن الكون دونهم لن يدور، ويشنون هجمات ضد خصومهم.
العالم الأزرق وردي، لا حرارة مرتفعة فيه، ولا فقر، ولا غبار، ولا معاناة، ولا بطالة، الموائد مرتبة، والملابس أنيقة، والطرقات على غير حقيقتها. هو يشبه الإعلانات المزيفة في التلفاز.
نمارس هنا نظريات الاختيار الانتقائي، والتذكر الانتقائي، والتوظيف الانتقائي، والإعجاب الانتقائي، والحب والكره بلا قواعد.
السواد الأعظم ينشر ويرسل ويبث، والأقلية تستقبل، ولا تجري الحوارات، فإما أن تكون معي أو ضدي، ولا حياد.
هذا الفضاء فقاعة، وهو حيز دون فواصل، تقرأ عن كل شيء في لحظة واحدة.
تشاهد الفرح، ثم تبكي، فينقلك آخر للطعام، ويصر أحدهم على إقحامك في إعلان تجاري، ويخبرك بأن عيد ميلاده غدًا، ويحدثك طواعية عن مزاجه، وموقعه، وماله، وجماله، وحسبه ونسبه، وأسفاره.
إن بقي هذا العالم المتخيل دون فواصل، فسيتسبّب لنا بمشاعر مختلطة متداخلة مزيفه في غالبها، نبكي بسرعة، ونضحك، ونحزن، ونغضب، ونصدق، ونكذب، ونتملق، ونصفق، ونلهو.
نحن أكثر من مختطَفين في مواقع التواصل.
حفلات تخريج في جامعاتنا
حفلات
لو كنت مكان الجامعات لما تباهيت بحفلات التخرج، لأنها مساهمة عملية في تسمين وحش البطالة.
مفرقعات خطرة
أجندة
تشهد بلدتنا أزمة مياه خانقة منذ بداية تموز، ونعيش كما الوطن في غمرة احتفالات التوجيهي.
وظّفتُ الفضاء الأزرق في مجموعة تجمع خريجيّ مدارس برقين وخريجاتها وتحدثت عن المياه وانقطاعها، من وحي رسائل المتابعين ومناشداتهم، وأثرَنا قضية الألعاب النارية والمفرقعات في أعقاب إصابة شاب من بلدة مجاورة بالرصاص في ظهره، عندما كان في ضيافة أصهاره.
واقترحنا مسودة ميثاق مجتمعي لوقف هذه الظاهرة، ثم طرحنا سؤالًا بحثيًا عن السبب الذي جعلنا نربط الفرح بإطلاق الرصــاص والمفرقعات، والكلفة الصحية والاقتصادية لها.
وتبيّن لي أن فريقًا من الناس يرى إطلاق النار والمفرقعات حقًا مشروعًا، ولا تكتمل الفرحة إلا بها، بينما أظهرت إجابات أن أصحابها بحاجة لتعلم آداب الحوار وأصول الاختلاف.
كنت أتوقع تفاعلًا كبيرًا مع انقطاع سر الحياة عن بلدتنا، لكن الجدل اختطفته المفرقعات.
نحتاج لإعادة ترتيب أولوياتنا، وعدم التوّرط في وحل فضاء افتراضي وصناعة الجدل، وتسخيره للمساهمة في المطالبة بحقوقنا، والرقابة على مقدمي الخدمات وإجبارهم على أداء واجبهم، بعيدًا عن الشتم والتشهير والتجريح.
والمؤكد أننا نهرب من الواقع المُعقد إلى الغائب البسيط، ونشتغل بجدل أهل بيزنطة، فتتعارك الألسنة وتتغافل العقول عن الخطر الحقيقي المُحدق بنا.
مبالغة
شاشتنا الوطنية المعلومة، يبدو أنه مُبالَغ فيها، صحيح أننا نكتوي بلهب تموز، لكن السجل المتوفر لدرجات الحرارة لفلسطين انطلق عام 1863، وليس قبل مئات أو آلاف السنين.
لم يدرس الآباء والأجداد - رحمهم الله - الهندسة المعمارية، لكن تصاميمهم للبيوت تتفوق على صناديق الإسمنت والزجاج التي تختطفنا، وتتركنا رهائن للشمس الحارقة هذه الأيام.
بيوت قديمة بجدرانها السميكة جدًا وأسقفها المرتفعة وقبابها المشتتة لأشعة الشمس
بيوت
تُخزّن منازلنا الحرارة في جلودها الرقيقة نهارًا وتردها لنا ليلًا، وإن غاب التكييف أو المَراوح عنها تصبح جحيمًا، بعكس بيوتنا العتيقة (العقود بخاصة) التي لا تشعر بالحر ولا يمسها البرد.
جدران البيوت القديمة سميكة جدًا وكذلك سقوفها، وفي أعلاها قِباب تُشتت الشمس، أما منازلنا الحالية فلا تصلح للصيف ولا للشتاء إلا بحرق الوقود، وهي هشة.
درجة الحرارة في جنين خلال شهر آب
تغيير
أجواء آب وتموز كانت هذا العام ثقيلة جدًا، لقد وصلت في 13 آب الماضي درجة الحرارة في جنين إلى 45.5 درجة، وها هم المعلمون والطلبة بدأوا عامهم الدراسي، في حين تختفي وسائل التبريد الفعّالة عن غالبية مؤسساتنا التعليمية، ويقطع جزء كبير من معلمينا وطلبتنا مسافات طويلة مشيًا في وقت ذروة الشمس.
وبما أننا سنعجز عن تطوير بنية مدارسنا التحتية كلها لمواجهة تطرف درجات الحرارة، أو توفير حافلات، فإن الحل الأسهل، حسب رأيي، تغيير مواعيد الدوام لتكون مسائية، من الساعة السادسة مساء وحتى الثانية عشرة ليلًا على سبيل المثال، فالأجواء ستكون أقل حدة، أو كان بالإمكان تأجيل الدراسة حتى مطلع أيلول، على أمل انحسار القيظ.