المنطقة الصناعية في العوجا تدمير وليس تنمية.. هذا إنذار مبكر
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يناقش التقرير التالي المشكلة التي بدأت تخلقها المنطقة الصناعية في بلدة العوجا في الأغوار الفلسطينية. والتي يبدو واضحاً خطر تهديدها للوجود السكاني والزراعي على مساحات تمتد لآلاف الدونمات من الأراضي السكنية وذات الخصوبة الزراعية العالية في المناطق المحيطة.
|
 |
مصنع لمواد البناء في المنطقة الصناعية لبلدة العوجا... كميات كبيرة من الغبار المتطاير في المنطقة بسبب نشاط هذا المعمل |
في تقرير سابق، تناولت "آفاق البيئة والتنمية" العديد من المزايا البيئية والجغرافية التي تتمتع بها بلدة العوجا في الأغوار، مثل تعدد مصادر المياه فيها ومساحاتها الشاسعة وخصوبة تربتها.
كما أشرنا إلى الفرص التنموية الكبيرة وخاصة في مجالات الزراعة والتسويق التي تفتح الباب لتوفير آلاف فرص العمل، إضافة الى تنمية الاقتصاد الوطني. وفي المقابل حذّرنا من تعديات بيئية خطيرة بدأت ملامح مخاطرها تتشكل في السنوات الأخيرة، مثل المنطقة الصناعية والكسّارات، في حين لم تُوضع حلول عملية لوقف هذه التعديات.
في هذا التقرير نفرد مساحة أكبر للتركيز على المشكلة التي بدأت تخلقها المنطقة الصناعية في بلدة العوجا، فخطر تهديدها يبدو واضحًا للوجود السكاني والزراعي على مساحات تمتد لآلاف الدونمات من الأراضي السكنية وذات الخصوبة الزراعية العالية في المناطق المحيطة.
تنتشر المباني السكانية والخدماتية والمحلات التجارية المتنوعة في بلدة العوجا على مساحة حوالي 3780 دونماً من الأراضي المصنفة "أ" بحسب تصنيفات اتفاقية أوسلو، فضلًا عن حوالي 7300 دونم من الأراضي الزراعية، والتي يُصنف القسم الأكبر منها على أنها أراضٍ ذات خصوبة عالية. في حين تقع المنطقة الصناعية على مساحة 3.34% من مساحة المخطط الهيكلي أو ما يعادل 126 دونماً و130 متراً مربعاً في الجهة الجنوبية للبلدة.

مخطط البلدة وتظهر مواقف المنطقة الصناعية والكسارات بين المناطق السكنية
قد يقول بعضٌ إن المنطقة الصناعية صغيرة مقارنة بمساحة العوجا الشاسعة، وخاصة عندما نشمل من ضمنها المناطق المصنّفة "ج".
في الحقيقة هذا الاستنتاج غير واقعي، فقد تمكنا في الأشهر الأخيرة من رصد عدة مشاهد صارخة تجعل من هذه المساحة واقعاً خطيراً على الحياة اليومية للسكان. كما أنها تشكل خطراً مستقبلياً بسبب استمرار التوسع والإنشاء غير القانوني للمصانع والمعامل حتى في مناطق مصنّفة سكن "أ".
تتشكل المنطقة الصناعية في العوجا من مصنع لتجهيز الباطون، ومنشأة أخرى لتخزين الباطون في أماكن مخصصة، أما المصنع الثالث فهو لصناعة طوب البناء الإسمنتي.
يضاف إلى ذلك مصنع رابع (مومينت الأغوار) أخبرتنا سلطة جودة البيئة بأنه أُغلق بقرار من وزارة الاقتصاد الوطني بسبب عدم الالتزام بالشروط البيئية. لكننا بعد البحث في الأمر اكتشفنا أن هذه الشركة مستمرة في العمل بتوريدها كميات كبيرة من مواد البناء ووضعها بجانب أحد المصانع الأخرى كما هو موضح في الصورة:

مشروع صناعي جديد في بلدة العوجا
يقول فكري طوباسي القائم بأعمال مدير مكتب محافظة أريحا في سلطة جودة البيئة: "نحن ننفذ زيارات دورية للمنشآت الصناعية في بلدة العوجا ونراقب التزامها بالشروط البيئية التي على أساسها مُنحت الترخيص. واكتشفنا مرات عديدة مخالفات لهذه الشركات، وبدورنا سلمنّاها إنذارات بهذا الخصوص، كما أننا نستمر في المتابعة مع الجهات ذات الاختصاص من أجل ضمان التزام الأطراف كافة بمسؤولياتها".
من ناحية أخرى، يشير فخري نجوم رئيس بلدية العوجا إلى أن "المنطقة الصناعية أُنشئت منذ أن كان المجلس مجلساً قروياً، وقد رُخصّت المنطقة بقرار من وزارة الاقتصاد الوطني، والبلدية اليوم تضع المسألة البيئية نصب أعينها، ونحاول باستمرار أن نمنع أي تعديات على البيئة، كما أننا نتعاون مع بعض المؤسسات الأهلية والرسمية تحت شعار "نحو بلدة العوجا صديقة للبيئة"، وهذا ما أشرنا إليه في خطتنا الإستراتيجية للسنوات القادمة".
ورغم تصريحات رئيس البلدية وسلطة جودة البيئة، إلا أن هنالك شكاوى متعددة قدّمها الأهالي حول التلوث الهوائي والضجيج الناتج عن المنطقة الصناعية، إضافة إلى ملاحظات قدمها نشطاء في البلدة ومن خارجها، سواء حول المنطقة الصناعية أم الكسارات التي تعمل عملًا غير قانوني.
في السياق ذاته، يؤكد إسماعيل رومانين مختار عشيرة الرومانين في بلدة العوجا وجود كارثة بيئية لا تأخذ حقها في الإعلام في بلدة العوجا، كما يقول.
ويضيف رومانين: "منذ سنوات وأنا مشغول بمسألتين تمسّان حياتنا مباشرة. المسألة الأولى هي العبث في مجرى الوادي الذي تسبّب بفيضانات في السنوات الماضية، ما أدى إلى محاولة إحدى الجهات بناء مصنع للإسمنت بالقرب من منازلنا، ورغم أنه قد أُوقف إلا أن هذه الجهة ما زالت تحاول تشغيله وإرسال الوساطات إلينا".

أبو عيسى-اسماعيل رومانين مختار عشيرة الرومانين في بلدة العوجا
وعن المسألة الثانية، وهي الأخطر، كما يصفها، يوضح بقوله: "إنها الكسارات التي صدّعت رؤوسنا وتعمل ليلاً ونهاراً، مسببةً تلوثاً كبيراً للهواء وضجيجاً مستمراً، وتقدّمت عائلتنا بشكوى للمحافظة وللجهات ذات الاختصاص كافة، إلا أن هذه الكسارات ما زالت تعمل حتى هذه اللحظة كما ترى".

مصنع الاسمنت في بلدة العوجا- قبل وبعد
في هذا الشأن، تواصلنا مع سلطة جودة البيئة التي أبلغتنا بأن مصنع الإسمنت مغلق بقرار من مجلس الوزراء لمخالفته قانون البناء والتنظيم ووجوده داخل منطقة سكنية، أما الكسارة فلم تمنحها سلطة جودة البيئة الموافقة البيئية.
ويعقّب فكري طوباسي في هذا الصدد: "أجرينا دراسة حول الأثر البيئي لمنطقة الكسارة الموجودة في العوجا ولم نمنحها الموافقة، وكذلك الحال عند بقية أعضاء لجنة السلامة العامة؛ لذلك فإن هذه المنشأة لم تحصل على الترخيص".
ويضيف طوباسي: "أصدر مجلس الوزراء قراراً بتكليف وزارة الاقتصاد الوطني تشكيل لجنة مختصة بمتابعة موضوع الكسارات، وهي الجهة الوحيدة المخولة بمتابعة بقية الإجراءات سواء مع الجهات ذات الاختصاص أم مع الكسّارة نفسها. لذلك وجهّت الوزارة، وكذلك اللجنة الإقليمية وهي "الحكم المحلي" إخطارات لهذه الكسّارة الا أنها لم تلتزم بالقرار حتى الآن".
في هذا التقرير استعرضنا مشكلة، ما هي إلا واحدة من التحديات البيئية التي تواجه السكان والبيئة في منطقة العوجا، التي تعد إحدى أهم القرى الفلسطينية ذات التنوع البيئي والمقدرات الوفيرة، فهلا حافظنا عليها من أجل أجيالنا القادمة؟
رسالتنا إلى الجهات ذات الاختصاص كافة، بأن السكوت على مثل هذه الانتهاكات البيئية والتي يصل بعضها إلى مصاف "الجرائم البيئية" هو أمر مرفوض.
هذه الجهات مطالبة بتفعيل إجراءاتها لتكون رادعًا للمنتهكين، والرسالة أيضًا موجهة إلى أصحاب الشركات والمصانع بأن عليهم الالتزام بالشروط التي بناءً عليها حصلوا على تراخيص العمل.
إذ أن أخذ الاحتياطات والممارسات التي تقلل من أثر الانبعاثات والغبار من المنطقة الصناعية هي ليست مسؤولية الجهات ذات الاختصاص فحسب، بل أيضاً مسؤولية المصانع وطنياً وأخلاقياً وإنسانياً.
وبدورنا، سنستمر في متابعة التحديات البيئية ونقيّمها بما تستحق، وسندعم كل المبادرات التي من شأنها خلق ظروف بيئية إنسانية آمنة، وسنتعاون مع الجهات كافة لضمان تحقيق ذلك، كما أننا سنستمر في قرع جدران الخزان، والتنبيه حول مخاطر عدم الاكتراث للمشكلات البيئية قبل فوات الأوان.
 |
 |
الكسارات في بلدة العوجا |
خريطة تبين موقع بلدة العوجا في الأغوار الفلسطينية |
 |
رسالة عشيرة الرومانين لمحافظ أريحا بخصوص مصنع الباطون في بلدة العوجا |