خاص بآفاق البيئة والتنمية
يتمتع قطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة الأميركية بدعم سياسي واسع. شركات نفطية عديدة تواصل التعامل مع تأثير النشاط البشري على المناخ بالشك أو الإنكار. وفي مناطق أخرى، وبخاصة أوروبا أو شرق آسيا، تنهمك الشركات النفطية في الاستغلال الأقصى لطاقة إنتاج الوقود لأطول فترة ممكنة. شركات النفط الكبرى لا تتخلى عن محاولاتها للتأثير على السياسات وعلى تطوير التقنيات بطريقة تناسب إستراتيجية أعمالها. إحدى الوسائل المهمة هي التمويل المكثف للأنشطة البحثية، والتي تتمركز في العديد من مراكز الأبحاث والجامعات الرائدة في الولايات المتحدة الأميركية؛ وذلك بهدف إنتاج "أوراق بحثية" تساهم في تشويه الوعي العلمي، وذلك بتزييف وتحوير المعطيات والحقائق.
|
تواظب المئات من جماعات الضغط التابعة لشركات النفط حضور مؤتمرات المناخ العالمية، بما في ذلك مؤتمر شرم الشيخ في نوفمبر الماضي.
هذه الصناعة تعمل عملًا منظمًا على إحباط أو تأخير التحركات اللازمة للتعامل مع أزمة المناخ.
لكن، رغم ذلك، يمكننا القول إن سبب الحضور المكثف لمنتجي الوقود الأحفوري (النفط، والغاز، والفحم) في مؤتمرات المناخ، هو إدراكهم بأنه في السنوات القادمة، لن يكون مفر من اتخاذ القرارات الحاسمة التي ستؤثر على أنشطتهم. هذه القرارات لا تُتخذ بالضرورة في المؤتمرات، إلا أن هذه الأحداث الدولية تلعب بالتأكيد دورًا في تحديد الاتجاه المستقبلي.
بعد عقود قادت فيها شركات النفط والغاز وموّلت أعمال كبح وإخفاء وإنكار صريح لأزمة المناخ، فضلاً عن فبركتها أبحاثا مزورة، انتقلت إلى اتباع إستراتيجيات بقاء أكثر إحكامًا.
ففي بلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية، حيث تتمتع بدعم سياسي واسع، تواصل شركات نفطية عديدة التعامل مع تأثير النشاط البشري على المناخ بالشك أو الإنكار.
وفي مناطق أخرى، وبخاصة أوروبا أو شرق آسيا، تنهمك الشركات النفطية في الاستغلال الأقصى لطاقة إنتاج الوقود لأطول فترة ممكنة.
وفقًا للتقديرات، تواصل 96٪ من الشركات حاليًا الترويج لخطط توسيع أنشطة إنتاج الوقود.
وبحسب تحليل نُشر عام 2021 في مجلة "Science"، فإن نصف شركات النفط والغاز لا أهداف لديها لخفض الانبعاثات، أو أنها حددت أهدافًا غير واضحة أو غير ملزمة بدرجة كافية.
أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا بعثت في شركات النفط والغاز روحًا قوية جديدة، وأجبرت دولًا مثل ألمانيا على إبطاء عملية الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الكربون.
ولتعويض نقص الغاز من روسيا، استوردت أوروبا 50 مليار متر مكعب إضافي من الغاز عام 2022 مقارنة بعام 2021.
من ناحية أخرى، فإن تسلسل الأحداث المناخية المتطرفة وعواقبها الاقتصادية يزيد الضغط للعمل من أجل خفض سريع لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
في السنوات الأخيرة تمثّل الجهد الرئيس لشركات النفط والغاز في محاولاتها تأخير الإجراءات التي قد تضرب مصالحها، وذلك جزئياً، بالترويج بأنه في السنوات القليلة القادمة لا يمكن تقليل التبعية للوقود.
فعلى سبيل المثال، تزعم تلك الشركات بأن الحاجة الملحة في البلدان النامية لتوفير الكهرباء، تتطلب استمرار استخدام الوقود الأحفوري، وبأن هناك صعوبات ناتجة عن محدودية السعة التخزينية لمرافق الطاقة المتجددة.
هذا الزعم نجده في تقارير شركات الوقود الأحفوري، فعلى سبيل المثال، جاء في تقرير موجه للمستثمرين، نشرته مجموعة "بازان" الإسرائيلية عام 2021: "في العقد القادم، من المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، وبخاصة وقود الديزل. ومن المتوقع أن يصل هذا الطلب إلى ذروته في العقد القادم".
في الوقت ذاته، لا تتخلى شركات النفط الكبرى عن محاولاتها للتأثير على السياسات وعلى تطوير التقنيات بطريقة تناسب إستراتيجية أعمالها.
إحدى الوسائل المهمة هي التمويل المكثف للأنشطة البحثية، والتي تتمركز في العديد من مراكز الأبحاث والجامعات الرائدة في الولايات المتحدة الأميركية؛ وذلك بهدف إنتاج "أوراق بحثية" تساهم في تشويه الوعي العلمي، وذلك بتزييف وتحوير المعطيات والحقائق.
أكاذيب شركات النفط
بشكل أساسي، شركات النفط والغاز تعلّق آمالًا على تطوير تكنولوجيا احتجاز الكربون ودفنه في الأرض.
وبطبيعة الحال، تطبيق هذه التقنية يؤدي إلى تمديد فترة إنتاج النفط، دون زيادة كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأُنشئت مراكز أبحاث لتخزين الكربون في العديد من الجامعات، ومن شركاء هذه المراكز بعض كبرى شركات النفط، مثل Chevron وExxon-Mobil.
في السياق نفسه، تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن، لم تُثبت الجدوى الاقتصادية لاستخدام هذه التكنولوجيا على نطاق واسع.
لكن، بعض جماعات الضغط في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، قدّموا تصورًا تضمّن مزيجًا من احتجاز الكربون والاستخدام واسع النطاق للغاز، لتكون إستراتيجية انتقالية جيدة نحو "تصفير" انبعاثات الكربون.
الغاز أقل تلويثًا من النفط والفحم، لكنه مصدر مهم لانبعاثات غاز الميثان الذي يزيد تأثيره الاحتراري عشرات المرات مقارنة بثاني أكسيد الكربون.
جنبًا إلى جنب مع سياسة الإقصاء والتأخير - وفي حال ظهور اتجاه لتقليل استخدام الوقود الأحفوري الذي تمليه القوانين واللوائح - تحاول شركات النفط والغاز خلق مساحة مريحة للمناورة.
وتحت شعار تحولّها من مشكلة إلى جزء من الحل، تحاول ضمن خيارات أخرى، تثبيت عملية إنتاج وقود بديل مثل الهيدروجين، كونه أفقًا محتملًا للنشاط، أو إعادة تدوير البلاستيك بديلًا للإنتاج باستخدام المنتجات النفطية، أو تطوير إنتاج البلاستيك القائم على الوقود النباتي.
هنا أيضًا نجد مزيجًا من المحاولات لإطالة فترة استغلال الهيدروجين الأزرق الذي يعتمد على الغاز الطبيعي، وفي ذات الوقت الاستعداد لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يعتمد إنتاجه على استخدام الطاقات المتجددة.
ولا يزال من غير الواضح متى وإلى أي مدى سيكون من الممكن تحويل الهيدروجين - الأزرق أو الأخضر - إلى بديل يمكن أن يدعم الصناعات القديمة لمصافي النفط على نحو جديد.
وإلى حد كبير، ما سيحدد النطاق المستقبلي لصناعات النفط والغاز هي القرارات طويلة الأجل لحكومات العالم. وبالدرجة الأولى، يتصل الأمر بسياسة الاستثمار في الطاقات المتجددة والقدرة على تخزينها، فضلاً عن الحد من عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
ويمكن لمؤتمرات المناخ دعم هذه الإجراءات بواسطة الالتزامات المعلنة للبلدان بمواصلة الاستثمار في الطاقات المتجددة.
يُضاف إلى ذلك إلغاء الدعم السنوي الضخم الممنوح لهذه الصناعات، وتوسيع سياسة ضرائب الكربون.
حاليًا، يبدو أن معظم الدول الكبرى تسير في الاتجاه المعاكس- كما رأينا في محاولات الرئيس الأميركي جو بايدن إقناع السعودية بزيادة إنتاج النفط، بهدف خفض الأسعار.
هذه الاتجاهات تجعل مهمة جماعات الضغط التابعة لقطاع النفط والغاز أسهل؛ ما يتيح للشركات ووكلائها بألا يفوّتوا أي فرصة للاستمرار في تثبيت عمليات إنتاج الوقود الأحفوري، وبالتالي محاولة اختلاق ذرائع إبداعية تسمح لها بمواصلة نشاطها، وفي ذات الوقت، مواصلة الادعاء بالتزامها بمواجهة الأزمة البيئية والمناخية.