عضو مجلس إدارة جمعية العلاقات العامة والاتصالات
غالبًا ما تذهب جهود الاستدامة سدى ما لم يعِ المستهلكون ثقلها وآثارها على البيئة والمجتمع.
قبل الضلوع في تخطيط وتنفيذ جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات والخوض في آثارها، يجب على الشركات التأكد من تحقيق مستويات لائقة من الوعي بين المستهلكين حول أهمية الاستدامة في حياتهم.
ما هو الهدف من بذل هذه الجهود المؤسسية إذا لم يكن لدى المستهلك مستوى عالٍ نسبياً من الإدراك حول آثار الاستدامة على المجتمع والبيئة؟
يبدو أن الصحوة البيئية العالمية آخذة في الارتفاع بسبب تغيّر المناخ، لكن ما تزال بعض المناطق مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متأخرة نسبياً من حيث درجات قلق واهتمام المستهلكين بشأن الاستدامة.
بيد أن المستهلكين غير المبالين هم فرصة فريدة أمام العلامات التجارية لتعزيز مستوى إدراك الناس وتعمّقهم بأهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات بأوجهها كافة، بما في ذلك العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة، ببذل جهود تثقيفية متواصلة، إذ يمكن للشركات توجيه الدعوة وإشراك مختلف شرائح المجتمع الذين يفتقرون نسبيًا إلى المعرفة اللازمة حول المسؤولية الاجتماعية ومدى أثرها.
يجب على الشركات التراجع خطوة إلى الوراء وتقييم جهودهم في مجال المسؤولية الاجتماعية من منظور المستهلك بتساؤل كهذا "هل يدرك حقّاً المستهلك في المنطقة أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات وأثرها المحتمل على المجتمع والبيئة؟ بمعنى آخر، هل تستحق برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات العناء، بالنظر إلى تدنّي درجات إدراك المستهلك بمفهوم الاستدامة؟ وكيف يمكن للشركات تقديم قيمة مستدامة وتوقع التقدير والامتنان من المستهلكين عندما يكونون هم أنفسهم غير ملّمين بفوائد وقيمة تلك الجهود في الأساس؟
إضافة إلى تعزيز الوعي، يلعب هذا النوع من البرامج التثقيفية دورًا كبيرًا في تسخير المعرفة وتمكين الناس وإضفاء معنى حقيقي على حياتهم الشخصية.
تساهم المعرفة في تزويد الناس وخاصةً الشباب بالسبل اللازمة للسعي وراء إحساسهم بالغرض الهادف، يحدث ذلك أحياناً بتشكيك الموظفين أو المستهلكين بما يسمّى بنماذج الأعمال المستدامة وجهود المسؤولية الاجتماعية للشركات، وفي نهاية المطاف تشكيل مواقفهم الخاصة بهم بناءً على حكمهم بمدى توافق أخلاقيات العمل والعمليات وقيم المستهلك والمصلحة العامة.
بنشر المعرفة بين المستهلكين حول الممارسات التجارية المسؤولة وبرامج المسؤولية الاجتماعية السليمة، يمكن للشركات تعزيز مكاناتها باعتبارها كيانات صالحة تستحق الأفضلية في نظر جماهيرها، وذلك بناءً على جدارة جهود الاستدامة التابعة لها، بدلاً من مجرد التركيز على المنتجات والخدمات المتميزة، حتى لو كانت جهود الاستدامة تلك ستؤثر تأثيرًا طفيفًا على تجربة العملاء، على سبيل المثال، يجب أحياناً التضحية بــ الرفاهية أو الراحة في شراء أو استهلاك المنتجات والخدمات، في سبيل الاستدامة.
وبحكم احترام حق المستهلك للمعرفة والتعلّم، يمكن للشركات المسؤولة أيضاً تسليط الضوء على التغيّر الإيجابي الممكن تحقيقه بالمسؤولية الاجتماعية، وبالتالي تعزيز قدرتها على إلهام المستهلكين لإيجاد هدفهم في الحياة، وبالتالي القيام بدورهم كما ينبغي.
ائتلاف الاستدامة: برنامج التوعية بأهمية المسؤولية الاجتماعية بقيادة اتحاد من الشركات المسؤولة في المنطقة
ما يسعنا فعله هو إنشاء ائتلاف يجمع العلامات التجارية الهادفة من حول المنطقة، بهدف حث المستهلكين على الانخراط في مفهوم "المعرفة قوة"، لعلّه يكون خطوة انطلاق نحو تحديد حلول لتحدياتنا الاجتماعية والبيئية الأكثر إلحاحاً".
مع مرور الوقت، من المرجّح أن يبرز هذا الائتلاف باعتباره السلطة الإقليمية المعنية بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، بإشراك المستهلكين وتثقيفهم حول أهمية المواطنة المؤسسية، وتمكينهم من المساهمة في تحقيق الأثر.
وبذلك، يمكن لهذه العلامات التجارية، أفرادًا وجماعات، إظهار التزامها بالحفاظ على البيئة وصون المجتمع، الأمر الذي من شأنه تعزيز قيمة هذه العلامات التجارية في أعين الناس.
شراكة ذات طابع أممي
لإطلاق مثل هذا البرنامج، يمكن إنشاء الائتلاف تحت رعاية إحدى وكالات الأمم المتحدة مثل الميثاق العالمي للأمم المتحدة.
دور المناصرة للاستدامة في تعزيز سمعة العلامات التجارية:
يتمثّل أحد أهداف مثل هذا النوع من الائتلافات في إثارة مخاوف المستهلكين بشأن تحديات الاستدامة في المنطقة، مما يعزّز مكانة العلامات التجارية المشاركة في طليعة التثقيف الاجتماعية والمواطنة المؤسسية، ويخولّهم لامتلاك مساحة الاستدامة في أذهان الجمهور.
علاوة على ذلك، يمنح مثل هذا البرنامج الشركات المشاركة فرصة الانفراد بعلامات تجارية هادفة، مما يعطيهم ميزة تنافسية على مستوى المنطقة والعالم.
التنفيذ:
لإطلاق البرنامج، يمكن للائتلاف إنتاج "فيلم توثيقي قصير" يعرض أبرز التحديات إلحاحًا التي تواجه البشرية اليوم، والمشهد العام للمسؤولية الاجتماعية للشركات إقليمياً مقارنةً بمناطق أخرى حول العالم، والأثر المترتب على تلك الجهود حتى الآن بما في ذلك تأثير الشركات المشاركة.
يمكن أيضاً إنشاء موقع إلكتروني متخصص يقدّم مجموعة من الموارد التعليمية مثل الدروس المصوّرة والندوات الحيّة عبر الإنترنت بهدف تشجيع التفاعل.
ويمكن تخصيص زاوية باسم "اسأل الخبير" أو "دعوة للعمل"، مما يسمح للأشخاص بالاستعلام عن المزيد من الموارد ومعرفة الطرق التي يمكنهم بواسطتها نشر الوعي والمساهمة.
يستطيع الائتلاف أيضاً تولّي مهمة الإشراف على تنظيم ندوات الاستدامة وجلسات نقاش تعليمية عبر الإنترنت في الجامعات على يد خبراء يعملون في الوكالات البيئية، فضلاً عن تنفيذ سلسلة من جهود القيادة الفكرية بما في ذلك المقالات والمواد الإعلامية بمختلف أشكالها.
يمنح هذا التحالف منصّةً لطرح سلسلة من تقارير وبحوث الجدوى حول المسؤولية الاجتماعية للشركات، بدءًا بتقارير حول تصور المسؤولية الاجتماعية من منظور المستهلك، يتضمن دراسة معمّقة حول وضع المسؤولية الاجتماعية للعلامات التجارية الاستهلاكية في المنطقة.
وتهدف هذه التقارير إلى التعمّق في مستوى إدراك المستهلكين بأثر المسؤولية الاجتماعية، وتحديد الاتجاهات البيئية والاجتماعية السائدة، وكيفية إعداد تقارير الاستدامة، وتسليط الضوء على نماذج الأعمال المسؤولة الناجحة، والمغزى من ذلك هو إثراء المجتمع بالحقائق والأرقام والأدلة العلمية حول مدى أهمية المسؤولية الاجتماعية.
ويُفضّل أن تتضمن التقارير سردًا مفصّلاً حول أساليب الاستدامة للشركات المشاركة باعتبارها قدوة للشركات الأخرى، ليس فقط من حيث حملات المسؤولية الاجتماعية، بل أيضًا لكونها مصدرًا رئيسًا لتعزيز مستوى إدراك المستهلكين بأهمية المسؤولية الاجتماعية في المنطقة، ومساعدتهم على التطور في تفكيرهم، وتشجيع ثقافة اتخاذ القرارات الاستهلاكية المبنية على البيانات والدلائل.
قد تبدو ثقافة الاستهلاك الواعي واسعة النطاق في المنطقة، ويعود سبب هذا المفهوم الخاطئ للوضع الراهن إلى أن معظم نتائج الأبحاث المتوفرة حالياً ركزّت على الأسواق الأكثر نضجًا ضمن المنطقة، الأمر الذي لا يعطي صورة كاملة وواقعية للمنطقة بأكملها.
في حين أن تزايد القلق العام بشأن التغير المناخي كان له انعكاسات في أرجاء المنطقة كافة، ويبقى هناك الكثير من المسائل الاجتماعية التي تتطلب اهتماماً كبيراً أيضاً.
حتى في الأسواق التي يدّعي فيها المستهلكون أنهم يفضلون التعامل مع علامات تجارية تتبنى الاستدامة ويبدون اهتماماً سطحياً، إلا أن قلة منهم يؤكدون تلك المواقف بالأفعال بقضاء وقتهم، وتسخير أموالهم في السعي وراء منتجات وخدمات مستدامة.