شذرات بيئية وتنموية.. تلاعب وهدر ومسابقة جمال للقطط وبطاقة هوية ومدينة
خاص بآفاق البيئة والتنمية

الأسعار في فواتير الدفع كثيرا ما تكون أعلى من المعلن على الرفوف
تسويق
حين تشترون من مراكز التسوق الكبيرة دققّوا فواتيركم قبل المغادرة، المؤسف وبالتجربة أن أحدها يعلن أسعارًا مخفّضة، ويحسب أثمانًا مضاعفة.
على سبيل المثال، كيلو الفلفل الملون المُعلن على الرفوف بـــ 6 شواقل، وعند الدفع 12 شيقلًا.

موائد رمضان تفاقم هدر الطعام
استنزاف
تمضي وقتًا طويًلا في شهر الصوم، في البحث عن أرقام هدر الطعام حول العالم، خاصة مع انتشار حملات وعروض وإعلانات ممولة تقتحمنا دون استئذان، تروّج لسلع وغذاء وبوفيهات مفتوحة بعضها يتجاوز 150 شيقلًا للفرد، وتحت عنوان "عرض خاص".
تبحث عبر عينة من المستطلعين، عن إجابة لسؤال يتصل بحجم إنفاقنا على طعامنا في شهر الصوم مقارنة بالأشهر العادية، فضلاً عن سؤالهم عن الأسعار التي ارتفعت ارتفاعًا ملحوظًا، واقتراحاتهم لتخفيف الإنفاق.
تقودنا الإجابات إلى فجوة كبيرة بين دخولنا وإنفاقنا، في وقت نشهد كل يوم الإعلان عن افتتاح مراكز تسوق ومطاعم جديدة.
الخلاصة بعد بحث في تقارير دولية، أن النظم الغذائية العالمية مسؤولة عن ثلث غازات الاحتباس الحراري، فيما يؤثر تغير المناخ على الفقراء وإنتاجيتهم الزراعية.
تقول أرقام منظمات دولية إنه في عام 2021، عانى نحو 193 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، وكانوا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، فيما واجه أكثر من نصف مليون شخص ظروف المجاعة والموت. بينما عجز أكثر من 3 مليارات نسمة (أي قرابة 40 % من سكان المعمورة) عن تحمّل تكلفة نمط غذائي صحي.
المرعب في الأمر، تأكيد أرقام الأمم المتحدة أن 20% من المواد الغذائية التي كانت متاحة للمستهلكين في أنحاء العالم عام 2019، أو ما يقرب من مليار طن، أهدرتها الأسر وتجار التجزئة والمؤسسات وقطاع الضيافة.
تقرأ في تقرير أممي أنه لو عُبئّت جميع المواد الغذائية المهدورة في شاحنات سعتها 40 طنًا اصطّفت خلف بعضها، لدارت حول الأرض سبع مرات، فيما يعاني قرابة 700 مليون إنسان الجوع كل يوم.
يمثل هدر الغذاء العالمي مشكلة تزن مليار طن، وفقاً لمؤشر نفايات الطعام لعام 2021 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وأوضح المؤشر أن العالم ينتج 931 مليون طن من نفايات الطعام كل عام، يأتي 569 مليون طن منها من المنازل، ويُعزى الباقي إلى خدمات الطعام (244 مليون طن) وقطاعات التجزئة (118 مليون طن).
وأظهر المؤشر أن متوسط نصيب الفرد عالمياً من بقايا الطعام يصل إلى 74 كغم سنوياً، ما يشير إلى أن هناك حاجة لتحسين واسع النطاق لمعالجة المشكلة.
ووثقّت أعلى أرقام هدر الطعام في البلدين اللذين يزيد عدد سكانهما على مليار نسمة، إذ تهدر الصين ما يُقدّر بنحو 91.6 مليون طن من الغذاء سنوياً، بينما تهدر الهند 68.8 مليون طن.
في حين تتراجع الولايات المتحدة قليلاً في الترتيب مع 19,4 مليون طن من نفايات الطعام، بينما في أوروبا تنتج فرنسا وألمانيا ما يتفاوت من خمسة إلى ستة ملايين طن سنوياً.
ويبلغ متوسط نفايات الأسرة في الهند بنحو 50 كغم من الطعام سنوياً، بينما يرتفع إلى 59 كغم في الولايات المتحدة، ويُظهر المؤشر أن أستراليا لديها مستوى مرتفع من نفايات الفرد بنحو 102 كغم في السنة، بينما في روسيا 33 كغم فقط للفرد.
فيما هدرَ العالم العربي أكثر من 40 مليون طن من الغذاء انتهت في مكبّات النفايات، في الوقت الذي تُعد بلدان المنطقة من أكثر البلدان استيراداً للغذاء الذي ما فتئت ترتفع أسعار مدخلاته في العالم في الفترة الأخيرة.
ووفق تقرير برنامج الأمم للمتحدة للبيئة، عام 2021، فإن الأغذية التي أُهدرت في المنطقة العربية، والتي تتعدى 40,1 مليون طن، تمثل حوالي مليون شاحنة تتسع كل واحدة منها لـ ـ40 طناً.
وبحسب بيانات برنامج الأمم للمتحدة فإن مصر تأتي في مقدمة البلدان المهدرة للأغذية في المنطقة العربية، بــ ـ9 ملايين طن، ويصل حجم مساهمة كل فرد في ذلك بحوالي 91 كغم في العام. يليها السودان بـ4.16 ملايين طن، والجزائر بــ ـ3.91 ملايين طن، والمغرب بــ ـ3.31 ملايين طن، وتونس بـ 1.06 ملايين طن، وليبيا بأكثر من 513 ألف طن، وموريتانيا بــ ـ450ـ ألف طن.
وجاءت العراق بـ4.73 ملايين طن، تليها السعودية بـ3.59 ملايين طن، واليمن بـ 3.02 ملايين طن، وسورية بـ1.77 مليون طن، والأردن بـ939 ألف طن، والإمارات العربية بـ923 ألف طن، ولبنان بـ717 ألف طن، وفلسطين بـ501 ألف طن، وعمان بـ470 ألف طن، الكويت بـ397 ألف طن، وقطر بـ267 ألف طن، والبحرين بـ216 ألف طن.
ويتضح من بيانات التقرير الأممي أن مساهمة الفرد في إهدار الطعام تصل في العراق إلى 120 كغم في العام، ثم السعودية ولبنان بــ ـ105 كغم، واليمن بــ ـ104 طغم، و100 كغم في موريتانيا، بينما تتجاوز 90 كغم في البلدان الأخرى، وتصل إلى أدنى مستوى في ليبيا، كي تستقر في حدود 76 كغم.
وكان تقرير للبنك الدولي قد أكد أن ما تراوحَ بين 14 و19% من إنتاج الحبوب في المنطقة العربية يُهدر، في الوقت نفسه تعرف المنطقة هدر 16% من الخضراوات، و45% من الفواكه، و13% من اللحوم، و28% من الأسماك، و18% من الحليب، وفق تقرير للبنك الدولي.
وسبق لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن قدّرت الخسائر على مستوى الغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ250 ـكغم للفرد في العام، وهو ما يمثل 50 مليار دولار لجميع بلدان المنطقة سنوياً.

مسابقة جمال القطط!
أولويات
تعقد شركة تجارية تستورد طعامًا فخمًا للحيوانات الأليفة مسابقة لأجمل الحيوانات، في وقت تشير أسعار بعض هذه الأطعمة، عدا عن "إكسسورات" قططنا وكلابنا إلى أرقام كبيرة، تتجاوز دون مبالغة ما يستطيع ذوو الدخل المحدود والمعوزون توفيره لأبنائهم.
لسنا ضد الرفق بالحيوان، ولا اقتناء القطط والكلاب وضمان رفاهيتها، لكن الخطير في الأمر أن أولوياتنا، ونحن بهذا الحال، غير مرتبة ترتيبًا منطقيًا، ولا يمكن أن تكون مع اقتصاد وطن محتل يبحث عن تحرره وخلاصه، وتزداد نسب الفقر والبطالة لدى أبنائه.

إضراب المعلمين الفلسطينيين
استعصاء
طال إضراب المعلمين المستمر حتى كتابة هذه السطور لنحو 70 يومًا، وباتت خسارتنا أعمق من ضياع العام الدراسي، وإضافة أزمة أخرى للتعليم الذي يعاني في وطننا، وبحاجة أصلًا إلى إصلاحات جذرية.
المؤلم أن حجم التدخل والرعب لحل الاستعصاء لا يتساوى مع الأزمة الطاحنة نفسها، وكأننا عملنا بمثل "السمن بسمونة والعرس بدبورية وأهل المجيدل يرقصون من بعيد".
أوزع المسؤولية على الحراك والاتحاد والحكومة والفصائل والمجتمع المدني وأولياء الأمور وأهل الحل والعقد الذين لم يفعلوا المستحيل لوقف هذا النزيف، واكتفوا إما بالتفرج أو بمبادرات خجولة، أو كتابة تغريدات في منصاتهم الافتراضية.
كان بإمكان الحراك أن يعلن برنامجًا مطلبيًا تدريجيًا تصاعديًا، يستهلّه بتعليق العمل حصة واحدة، ثم الاحتجاج بعد الدوام، أو الاكتفاء بتدريس المواد العلمية، بعدها النزول للميادين أيام السبت لشرح مطالبه بكل السبل المشروعة، غير أنه فضّل الإضراب دفعة واحدة، وصار غاية في نظر بعضٍ.
انتظرنا من الاتحاد الاستقالة لنزع جزء من فتيل الأزمة، لكنه آثر المضي في البقاء.
توقعنا جرأة حكومية – مع غياب مجلس تشريعي- وتقديم مشروع قانون عاجل للرئيس لإعادة هيكلة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين والقضاة والسلك الدبلوماسي والوزراء ومخصصات الفصائل، لكن المجلس أجرى حلولاً ترقيعية.
قلنا ربما يستقيل وزير التربية أو رئيس الحكومة، لكن ذلك لم ولن يحدث.
تشوّقنا إلى تدخل الفصائل، لكنها آثرت الصمت وكتابة بيانات وصفية، ثم تحركت كبراها بعد أكثر من 60 يومًا.
حَلُمنا بدور فاعل لمجتمع مدني تربوي، كان بارعًا في كتابة مشاريع تمويل باسم التعليم والمعلمين، والاسترزاق على أكتافهم، لكنه تساوى مع حياد منظمة الصليب الأحمر.
في حين أننا عقدنا أملاً على مجالس أولياء الأمور، لكنها بقيت في سبات.
الخلاصة، أننا نسير نحو سنة دراسية مُشوّهة، فمعظم الأبناء الآن في الشوارع، وقسم منهم التحق بسوق العمل، وطائفة تنفق وقتًا طويلًا في السهر وعلى شبكة الإنترنت، وآخرون بدأت تتشكل لديهم فجوة كبيرة مع المدرسة والكتاب، فيما عجلة المدارس الخاصة تدور بكامل طاقاتها.
وأكاد أجزم أن شريحة واسعة من طلبتنا باتت تتمنى أن يستمر الإضراب، بل وأن يطول أكثر، لتبقى برامجهم الجديدة على هواهم، وهذا أمر محزن ومرعب، وبالمختصر لقد تشاركنا جميعًا وبدرجات متفاوتة في تحملنا لمسؤولية ما حدث من تحطيمٍ لفكرة المدرسة.

المعمر محمد سرحان ولد عام 1917 في قرية الكفرين الفلسطينية المهجرة وسجل الاحتلال مكان ولادته في إسرائيل التي لم تكن موجودة أصلا، أي قبل أكثر من ثلاثين سنة من الإعلان عن تأسيسها!
بطاقة هوية
أعلن وزير المالية الصهيوني سموتريش من قلب باريس قائلًا: "في البيت الأبيض يجب أن يسمعوا الحقيقة، لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، والشعب الفلسطيني اختراع عمره أقل من 100 عام الهدف منه محاربة الصهيونية"، فمن وجهة نظره أنه هو وعائلته "الفلسطينيون الحقيقيون".
يمكن تفنيد رواية وزير المال الصهيوني ببساطة، وببطاقة هوية واحدة، زيّفتها يد صهيونية، فكتبت بالحبر أن "ابن الكفرين" الجد محمد كايد إبراهيم سرحان، وُلد قبل أكثر من 100 عام في "إسرائيل"، التي لم تكن قد تأسسّت بعد، وفي "السنة السوداء" نفسها، التي قدّم بلفور فيها وعدًا بوطن قومي لليهود في أرض لا تملكها بريطانيا.
كيف للحاج سرحان أن يبصر النور في دولة قبل قيامها بـ 31 عامًا؟

جنين 2015
أحزان المدينة
تعمل في جنين منذ ربع قرن، وتشهد انتفاضة حجارتها عام 1987، توثّق حكايات عن بسالتها عبر التاريخ، تكتب عن استنزاف مرجها، وتدمير أرضها الزراعية الخصبة، وتوثق بالصور تنوعها الحيوي.
تجمع تاريخها الشفوي عن معارك النكبة، وبطولات الجيش العراقي الذي امتزج دمه بشبابها، قبل أن تخذله القيادة الرسمية وتحاكم أبطاله (ماكو أوامر)، تعيش عدوان 2002 الكبير على المدينة ومخيمها، وتكتب قصصًا تقطر قهرًا وشجاعة عنه.
تكون شاهد عيان على الاقتحامات التي تلت الاجتياح الكبير، وفيها استخدم الغزاة الدبابات لمحاصرة المدينة ولشن هجمات في شوارعها.
يرتقي أمامك وحولك وقربك عشرات الفرسان قصفتهم طائرات المحتل، أو أعدمتهم فرق الموت، أو كانوا في عملهم.
تكاد شوارع المدينة ومخيمها تحفل كلها بأمكنة تبكي رحيل فرسانها، وتُذكّر كل حين بقلة حيلتنا وهواننا على الناس.
تسير في مواكب تشييع عشاق المدينة، وتوثق أسماء 36 قلبًا توقفت عن العزف بحب المدينة ومخيمها وريفها منذ مطلع سنة تبدو ثقيلة.
تكون في قلب مذبحة شارع أبو بكر، وتشاهد القهر والحزن والحسرة في وجوه الجنينيين المرشحين للموت في كل مكان، السوق، والبيت، والسيارة، وغرفة النوم، وسطح المنزل، والمستشفى، والمسجد، والكنيسة، والجبل، وأمام متجر والدك كالطفل عمر عوادين.
تجد صعوبة في القفز عن أحزان المدينة، وفتح ملفاتها البيئية، فالتوقيت مهم، ويمكن أن يكون قاتلاً أحيانًا.
عليك أن توازن بين أحزان مدينتك، وبين مسؤوليتك في المضي بالدفاع عن مرج ابن عامر، وملاحقة تدمير الأراضي الزراعية، ومراقبة الاستخدام المفرط للكيماويات في حقولها، ورفع الصوت ضد المسؤولين عن إغراقها في النفايات، وقطع أشجارها، وصيد طيورها، والعبث بتوازنها، والمسّ بحق الأجيال القادمة في العيش ببيئة متوازنة.
aabdkh@yahoo.com