خاص بآفاق البيئة والتنمية

يستمر السعي في الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة في مختلف مجالات الحياة، وأحد الأهداف الذي ما فتئ يؤرقنا هو الاهتمام بالبيئة، فبالرغم من تحديد القطاعات التي تؤثر في البيئة مباشرةً، تلك التي تساعدنا على التكيف مع المتغيرات البيئية الحالية مثل الزراعة والمياه والمواصلات والطاقة، إلا أن الاهتمام بالبيئة تطاله عدة جوانب لم يتطرق لها سابقًا ذوو الاختصاص والمعنيون.
فقد صار لزامًا بناء خطة المحافظة على البيئة Environmental Management Plan في أطر المشاريع التنموية التي ينفذّها القطاع الأهلي، ويشمل ذلك المشاريع التي تقوم على أنشطة البناء والتطوير والبنى التحتية.
ولتطوير الخطة المطلوبة يتوجب على المختصين تعريف أهداف المنظمة المتصلة بالبيئة، أو التدخل في نطاق البيئة المحيطة بالرجوع إلى أهداف إدارتها، التي تحتوي على تحليل الإجراءات وسلوكيات المنظمة في التعامل مع المتغيرات البيئية المختلفة، واستحداث آليات وسلوكيات جديدة تساعد على التخلص والتقنين من المخلفات تقنينًا صديقًا للبيئة.
قد يكون ذلك تحديًا صعبًا على المديرين داخل المنظمة، ولكن لا يستغرق الأمر سوى الملاحظة لتطوير الأساليب المتبّعة، ومن أمثلة ذلك استخدام الموظفين المواصلات، واستهلاك الطباعة، واستهلاك الطاقة الكهربائية داخل المنظمة، ومصادر الطاقة للمنظمة والمشاريع المختلفة، ليكون ذلك كله جزءًا لا يتجزأ من تحليل الوضع البيئي القائم والممارسات، وبعد تحليل السلوكيات المختلفة وترجمتها إلى معادلات حسابية شبة بسيطة يمكن لإدارة المشروع تحديد الخطر البيئي و التخطيط على نحو أفضل للحد من الآثار البيئية المترتبة على تنفيذ المشاريع إستراتيجيًا.
وحساب الأثر يتمثل في حصر الأنشطة التي تساهم في الانبعاثات، وترك مخلفات صلبة يمكن ولا يمكن إدارتها محليًا، وكذلك استهلاك منتجات مكتبية تُصنّع من الشجر والمواد المختلفة بما يؤثر على البيئة ولا يمكن إعادة استخدامها.
على سبيل المثال، إذا دُعيّ 20 شخصًا من أماكن مختلفة لحضور اجتماع ما، ولو فرضنا بأن كل شخص سيأتي من منطقة مختلفة، لاجتماع سيستغرق ساعتين، في مكان ما، يستهلك فيه توليد الساعة المتواصلة من الكهرباء خمس لترات من السولار، وستُوزّع قرطاسية ومواد مطبوعة بموجب خمس ورقات وقلم مصنوع من البلاستيك لكل مشارك، إذن المخلّفات المترتبة على الاجتماع هي 100 ورقة مستهلكة، و20 قلمًا ستُستخدم في مجملها لمدة أسبوع واحد (على أفضل تقدير)، مع انبعاثات 110 لتر من السولار في الجو المحيط.
وببساطة يمكن تغيير هذا السلوك بالتشجيع المشترك على استخدام المواصلات، وإرسال المواد المختلفة عبر الوسائل الإلكترونية، واستخدام سبل توليد الطاقة المتجددة، وفى ذلك الحين، ستقتصر المخلفات التي ستُصدّر إلى الجو المحلى على استخدام المواصلات والمخلفات الناتجة عن المحروقات المختلفة، بما يحقق الأهداف المنشودة باستهلاك أقل، وما سبق يُعرف ببناء السلوك الصغير داخل المنظمة للحفاظ على البيئة.
وبعد الانتهاء من تحليل الوضع القائم لدى المنظمة، تُحدد سلوكيات مختلفة يُوافق عليها إستراتيجيًا للحفاظ على البيئة، ويتلّخص ذلك في الإرشادات والقوانين داخل المنظمة لتحديد السلوكيات التي تساهم سلبًا في نطاق البيئة.
ولبناء فريق متعاون حول هذا الموضوع، يتوجب على كل منظمة بناء سلوك بيئي محدد يُعلم المشاركون به، والمتابعة الحثيثة ومكافأة الملتزمين، وتحديد الموارد ودمج الجميع، وهذا أمر بسيط يمكن تنفيذه باستخدام الموارد والتقنيات الحديثة مثل تحديد عدد الأوراق التي تُطبع لكل موظف شهرياً، بناءً على دراسة احتياجه، وسينعكس ذلك إيجابياً على الموظفين بالتزامهم بالطباعة عند الضرورة، وهكذا ستوفرّ المنظمة من الاستهلاك الشهري للورق على سبيل المثال.
قد يبدو ذلك بسيطاً ولكن في المنظمة المتوسطة التي يتفاوت عدد موظفيها من (100 إلى 500 موظف) قد يوفر ذلك ما قيمته 1000 دولار شهرياً أو ما يزيد، فضلًا عن استخدام الطاقة والحبر للفرد ولاستخدامٍ واحد فقط.
ولتطوير هذا السلوك في بيئة المنظمة كلها، وعكسه على الإجراءات الخاصة بالمشروع، يتوجب فهم طبيعة المشروع والمتطلبات البيئية المختلفة لإدارة الموارد ذات الصلة عمومًا.
محددات المرجعية الرئيسة لبناء خطة الإدارة البيئية نسردها على النحو التالي:
- وصف المشروع: لتقديم خطة بيئية ناجحة لا بدَّ من وصف المشروع بما في ذلك الغرض منه، ونطاقه وجدوله الزمنى بما يتضمن الغايات البيئية انطلاقاً من أهداف التنمية المستدامة.
- إستراتيجيات الإدارة البيئية: تحديد الإستراتيجيات والنهج الذي سيُستخدم لإدارة وتخفيف الآثار البيئية المحتملة للمشروع، وقد يشمل ذلك تدابير مثل تقييمات الأثر البيئي، والرصد البيئي، وخطط منع التلوث، وخطط إدارة النفايات، وممارسات الكادر، وأهداف استخدام المُستهَلكات لاحقاً بما يحافظ على صداقة البيئة.
- الأدوار والمسؤوليات: تحديد أدوار ومسؤوليات أعضاء فريق المشروع بوضوح، وكذلك أصحاب المصلحة الآخرين في تنفيذ الأنشطة، وقد يشمل ذلك تعيين مدير أو منسق بيئي، وتحديد مسؤوليات المقاولين وخطوط الاتصال والإبلاغ عن القضايا البيئية.
- خطة التنفيذ: تقديم خطة مفصلّة لتنفيذ الإستراتيجيات والتدابير البيئية الموضحة في تنفيذ خطة الإدارة البيئية، ويشمل ذلك الجداول الزمنية والمعالم الرئيسة وعناصر العمل، إضافة إلى الموارد والميزانيات ومتطلبات إدارة المخلفات والمراقبة.
- آليات وسلوكيات تجنب المخاطر: وتتمثل في وضع خططٍ للاستجابة لحالات الطوارئ البيئية، وتحديد تدابير الطوارئ لمعالجة المخاطر أو الحوادث غير المتوقعة.
- التدريب والتعليم: تعميم إرشادات برامج التدريب والتعليم على أعضاء فريق المشروع والمقاولين، وأصحاب المصلحة الآخرين لزيادة الوعي بالاعتبارات البيئية، والحث على الامتثال لخطط الإدارة البيئية ضمن متطلبات كفاءة وجودة العمل مثل مدونات السلوك البيئي والشروط التقنية الخاصة.
- المراقبة والإبلاغ والتوثيق: ويشمل ذلك إجراءات المراقبة والإبلاغ عن الأداء البيئي للمشروع، بما في ذلك متطلبات جمع البيانات وتحليلها وإعداد التقارير، وتحديد إجراءات التوثيق وحفظ السجلات الخاصة بنفاد خطط الإدارة البيئية والتعلم منها، للتقيد على نحو أفضل بالمتطلبات البيئية والحد من الممارسات السلبية.
- المراجعة والتحديث: ويعني إنشاء عملية مراجعة، وتحديث خطة الإدارة البيئية للمشروع طالما ظل قائمًا، لضمان بقائها فعّالة في إدارة الآثار البيئية المترتبة على تنفيذ الأنشطة بالتوازي مع التقدم.
وفى النهاية، فإن الفهم هو أساس البناء في مختلف المجالات، والوعي بمتطلبات بناء خطط الإدارة البيئية لا يساهم في خفض الانبعاثات والتقليل من المخلفات التي تؤثر على البيئة فحسب، ولكن يساهم أيضًا في مستقبل المنظمة والمشاريع المختلفة من حيث الاستدامة، والحد من الهدر الذي يترتب عليه مخاطر بالنظر إلى جغرافية المنطقة والتحديات المحيطة.
المصادر:
https://rb.gy/eienr
https://rb.gy/3mek3
https://rb.gy/gsdr5
https://rb.gy/rfy52