خاص بآفاق البيئة والتنمية

إتلاف الخضار الفلسطينية بسبب الهبوط الكبير في الأسعار وعدم القدرة على نقله وتسويقه
عوضّا عن إتلافها، فضّل المزارع مجاهد شعبان وشريكه بلال الغول توزيع نحو 2500 صندوق من محصول الخيار في مخيم طولكرم وكفر اللبد؛ وذلك بعد انتكاس أسعار الخضروات الشهر الماضي بسبب الأحوال الجوية الدافئة، التي رافقت النصف الأول من أربعينية الشتاء.
وكغيرهما من التجار والمزارعين، يعاني الإثنان من جراء الإغلاق المتكرر للأسواق الإسرائيلية وتقليص إدخال المنتجات الزراعية.
ومؤخرًا؛ أمام وفرة غير معهودة؛ نتيجة انحباس الأمطار وارتفاع الحرارة ندبَ المزارعون حظهم، حتى أن أفرادًا منهم أقدموا على إتلاف محاصيلهم، فيما ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصورهم.
عن ذلك يقول مجاهد شعبان: "ينّم المشهد عن قسوة الأوضاع التي يعيشها الفلاح منذ ثلاث سنوات، وساءَ الأمر أكثر بعد جائحة كورونا، إذ انعكست بالسلب على أسعار معظم المحاصيل لفترات طويلة".
ويواصل قراءة المشهد "ما جرى في طولكرم من إلقاء للخضروات في الوديان أعمال فردية، لننظر للنصف المليء من الكوب، فقد وزع مزارعون محاصيلهم الطازجة بالمجان على جمعيات ومواطنين ومناطق أُغلقت بسبب تفشي "كورونا".
وقلما تطل "المواسم الذهبية" وعلى إثرها تنتعش الأسعار. ومع قلّتها، بحسب تقييمه، فإنه يقابلها ارتفاعات متتالية في مدخلات الإنتاج والأيدي العاملة، وبالتالي أثقلت الديون شريحة كبيرة من المزارعين خلال السنوات الأخيرة.
ويأسف لحال أسواق الخضار المركزية مثل سوق نابلس، مضيفًا: "في مطلع العام سَاده قلة الطلب، نظرًا للعرض الكبير في البضائع التي لم تجد من يشتريها، أو كانت تباع في أحسن الأحوال بأرخص الأسعار.
وبشفافية، يرى الرجل الذي يعمل في حقول دير الغصون بمدينة طولكرم، أن السعر المُنصف لصندوق الخيار يجب ألا يقل عن 40 شيقلًا، و50 شيقلًا للبندورة.

جمال خورشيد الأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب
أصناف جديدة
جمال خورشيد، عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الفلسطينيين، يقترح في حديثه مع "مجلة آفاق بيئية" حلاً لمشكلة الانخفاض المتكرر لأسعار الخضروات.
يقول خورشيد: "علينا أن نتجه نحو التنميط الزراعي، ونختار أصنافًا جديدة قابلة للتسويق، ونركز على الزراعات التعاقدية، التي حققت الأمان والجدوى بحكم التجربة في سنواتٍ خلت، وخاصة الخيار الربيعي والفلفل و"خيار البيبي"".
وللنأي عن مخاطر الأصناف التقليدية، ينصح الأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب، بالبحث عن أصناف جديدة، أو زراعة محاصيل نستوردها مثل العنب، والفراولة، والأفوكادو.
وعبر عن ارتياحه في ظل التعافي التدريجي للأسعار مع عودة الأجواء الشتوية، بعد فترة أغرقت فيها المحاصيل الأسواق شهدت خلالها ذروة في الإنتاج نتيجة أحوال الطقس التي لم تكن لصالح المزارع، داعياً إلى إعلاء الصوت المنادي بــ"أسعار عادلة للمنتج والمستهلك على حد سواء"، إضافة إلى تأسيس برامج "تسويق شعبي".
وطالب خورشيد بتفعيل نظام التأمينات الزراعية لأجل مساندة المزارع عند تضرره من الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية.
وأظهر تفهمه بعض الشيء لما قام به البعض من خطوة احتجاجية على تراجع الأسعار كما يفعل المزارعون في دول العالم عندما يفيض بهم الكيل، بحسب تعبير، ملتمسًا لهم العذر بقوله "كانت هذه طريقتهم في لفت أنظار الجهات الحكومية لدعمهم".
وفي السياق نفسه ثمّن الرجل شهامة المزارعين الذين وزعوا محاصيلهم خلال فترة تدني الأسعار على الجمعيات والمحتاجين بدلًا من إتلافها.

عاهد زنابيط مدير جمعية الإغاثة الزراعية في شمال الضفة الغربية
المشكلة قائمة
عبر "مبادرة التسويق من المزارع إلى المستهلك" تحاول جمعية الإغاثة الزراعية دعم هذه الشريحة وكسر الحلقات التسويقية الطويلة.
يقول عاهد زنابيط مدير الجمعية في شمال الضفة الغربية "طول السلسلة التسويقية بين المزارع والمستهلك يزيد من الأسعار، ويسوق مثالًا حين يُباع صندوق الخيار بثلاثة شواقل في فترات الكساد، فيما يبيعه التجار بالسعر نفسه ولكن للكيلو الواحد".
زنابيط لا يستطيع تجميل الوضع بعد تحسن طفيف في الأسعار الآن، موضحاً: "عودة النشاط المطري خفف من حدة المشكلة، ما يعني تراجع غزارة الإنتاج، لكن استمرار إغلاق أسواق الداخل المحتل وضعف القوة الشرائية، وفترات الإغلاق الداخلي بفعل "كورونا"، كل ذلك يعني أن المشكلة ما تزال قائمة.
وبالعودة إلى مبادرة الإغاثة الزراعية، استطرد قائلًا "سعينا إلى نقل المحاصيل لمناطق غير زراعية كشرق نابلس، وبيعها بسعر لا يظلم المنتج والمستهلك، ومما اقترحته المبادرة تقديم أكياس للخضروات وأجور الحافلات، لكنها تقريبًأ لم تلق استجابة.
وقدم فلاحون محاصيل الخيار للمبادرة مجانًا، لدعم جمعيات مرضى الثلاسيميا والسكري، وبلداتٍ تفشى فيها فيروس الكورونا مثل رامين بمحافظة طولكرم.
وعن دور وزارة الزراعة تمنى الزنابيط أن لا تتخلى عن مسؤوليتها في الإرشاد والتوجيه والتنظيم، وأن تعزز ثقتها مع المزارعين في مثل هذه الظروف.
 |
 |
العديد من أصناف الخضار بما فيها الزهرة تم إتلافها أو توزيعها مجانا على الجمعيات بسبب التدني الكبير في أسعارها |
كساد كميات كبيرة من الكوسا الفلسطيني |
أين الحلول؟
توجهنا إلى جعفر صلاحات مدير وزارة الزراعة في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، فقال أن وزارته تعالج مشكلة الفائض في إنتاج بعض الأصناف عبر إصدارها قرارات تمنع إدخال محاصيل مشابهة من الأسواق الإسرائيلية، بالإضافة إلى تخزين الفائض في ثلاجات إلى حين تحسن الأسواق.
وأقر بصعوبة إلزام المزارعين بزراعة مساحات محددة؛ لتفادي الكساد، متوقعًا أن ينتعش السوق في النصف الثاني من "المربعانية" علّ الأجواء الباردة تكون مواتية للآمال.
ومن جانبه قال د. خليل العارضة مدير دائرة حماية المستهلك في "الاقتصاد الوطني في جنين، أنه لا يمكن إلزام المزارعين بمساحات محددة لأي نوع من الخضراوات، فالأمر متروك لتوقعاتهم، وخبراتهم الشخصية.
وأقصى ما يمكن فعله في هذا الجانب، بحسب العارضة، تحديد "سقف سعري" وأسعار استرشادية للسلع الزراعية"، وزيادة الرقابة على الأسواق للالتزام به.