خاص بآفاق البيئة والتنمية
أوعز مجلس الوزراء الفلسطيني في أكتوبر الماضي للجهات المعنية بـوضع آليات عمل عاجلة لحماية الأراضي الزراعية من التعديات ومن أخطار الزحف العمراني غير القانوني وغيرها من التعديات. لكن المأساة أن الحكومات السابقة هي ذاتها التي بدأت بخرق القانون وليس الناس؛ وأمثلة ذلك تنفيذ منطقة صناعية في جنين بمساحة 1150 دونمًا على أراضٍ عالية الخصوبة، ومصادرة أراض زراعية من مالكيها، واستملاك شركة كهرباء لـ 200 دونم ووضع آلاف الأمتار المكعبة من الإسمنت، ومثلها من الحديد. بعد سنوات قليلة، يتوقع ألا يجد المزارعون أرضًا لزراعتها، إذا ما استمر تحويل مرج بن عامر إلى "كتل باطون"، وفي حال لم تنفذ القوانين الخاصة بحماية الأرض. هكذا ممارسات حكومية لن تحمي الأرض الزراعية، والعبرة في التطبيق، وهدم أي بداية لمنزل جديد.
|
|
أعمال البناء والتوسع الاسمنتي المدمر لمرج ابن عامر تتواصل ليل نهار دون هوادة |
حذّر مجلس الوزراء في جلسته (78) المنعقدة في 12 تشرين الأول الماضي، من التعديات على الأراضي الزراعية، خاصة المُصنفة بذات القيمة العالية، وأوعز للجهات المعنية بـ"وضع آليات عمل عاجلة لحماية تلك الأراضي من أخطار الزحف العمراني غير القانوني وغيرها من التعديات عليها."
على الأرض، رجح المزارع عماد شهاب أن يبقى القرار دون تنفيذ؛ لأن تجار الأراضي تقاسموا الكثير منها، وحولوها إلى نُمر (مساحات صغيرة) تمهيدًا للبناء عليها، وبعضها أحيطت بالأسلاك الشائكة.
وقال: "الحكومات السابقة بدأت بخرق القانون وليس الناس"، وتنفيذ منطقة صناعية بمساحة 1150 دونمًا خصبة، ومصادرة أراضٍ من مالكيها، واستملاك شركة كهرباء لـ 200 دونم ووضع آلاف الأمتار المكعبة من الإسمنت، ومثلها من الحديد، لن يحمي الأرض الزراعية، والعبرة في التطبيق، وهدم أي بداية لمنزل جديد.
وتابع: "إذا قررت الحكومة هدم أي منزل مخالف، فسيقف كل المزارعين خلفها"، ونحن ننتظر تطبيق مقررات مجلس الوزراء.
ويملك شهاب تجربة مريرة مع المنطقة الصناعية، إذا جرى استملاك 40 دونمًا من أرضه، حرم من دخولها وزراعتها.
وتوقع شهاب ألا يجد المزارعون أرضًا لزراعتها بعد سنوات قليلة، إذا ما استمر تحويل المرج إلى "كتل باطون" بهذا الشكل، وفي حال لم تنفذ القوانين الخاصة بحماية الأرض.
وزير الزراعة الفلسطيني رياض العطاري
وزير الزراعة: المسؤولية فردية وجماعية
وأكد وزير الزراعة رياض العطاري لـ (آفاق) أن حماية الموارد الطبيعية، وفي مقدمتها الأراضي الزراعية، وتحديدًا عالية القيمة "مسؤولية وطنية فردية وجماعية، وليست مسؤولية الحكومة وحدها."
وقال إنه من المفترض أن يحارب الرأي العام الفلسطيني ويواجه هذه الظاهرة، لأنها تشكل خطورة على مستقبل الأمن الغذائي.
وأوضح أن الحيز المتبقي من الأراضي الزراعية عالية القيمة، خارج المخطط الهيكلي 10% فقط من مساحة أراضي الضفة الغربية، أي نحو550 ألف دونم.
وأشار إلى أن مجلس الوزراء توقف عند التعديات على الأراضي الزراعية بمسؤولية عالية، وشكل لجنة من وزارات الزراعة والعدل والحكم المحلي، لتقديم تقرير عاجل بحجم المخالفات القائمة، لمناقشة الآليات الواجبة.
وبحسب العطاري، فإن القرار "يستهدف الأراضي الخصبة خارج المخططات الهيكلية للهيئات المحلية". وحدد التعديات الأبرز في مناطق جنين والفارعة وسهل سميط والنصارية.
وردًا على إقامة منطقة صناعية في جنين في أرض عالية الخصوبة، قال إن الجهة المخولة بتغيير صفة استخدام الأرض هي مجلس الوزراء، وقرار إقامة المنطقة الصناعية اتخذ منذ نحو 15 عامًا، وهناك اتفاقات مع مطورين وممولين كونها "منطقة حدودية".
وأوضح أن ما يجري الآن" تغيير صفة الاستخدام للأراضي الخصبة" ويجري تحويلها إلى مشاريع صناعية وسياحية وسكنية بشكل فردي مخالف للقانون.
وكشف عن هدم أسوار أقيمت في أراضٍ زراعية بالنصارية في مطلع تشرين الأول الماضي.
ووزع العطاري المسؤولية على مالكي الأرض والمشترين، الذين يتعاملون مع الأراضي كأعداد رقمية، والبلديات والهيئات المحلية والحكومة بوزارتها ذات الاختصاص.
وبين أن معالجة التعديات "لن تقتصر على وزارة واحدة، وستضع الحكومة الحالية حدًا لهذه الظاهرة".
وذكر الوزير أن النظر للأرض الزراعية من منطلق مادي قاصر، فهناك "مسؤولية اجتماعية" للحفاظ على الموارد الطبيعية، بعيدًا عن القيمة المالية.
وأكد ضرورة دعم المزارعين وتطوير زراعتهم، كي يشعروا أن أرضهم تحقق دخلًا يمنحهم الحياة الكريمة، فلا يقدموا على بيعها، وهو ما ستعمل "خطة العناقيد الزراعية" على تحقيقه.
|
|
الأراضي الزراعية الخصبة في مرج ابن عامر تتآكل بشكل خطير بفعل الزحف الاسمني |
المساحات الزراعية المتبقية في مرج ابن عامر مهددة بالزوال خلال السنوات القليلة القادمة |
دراغمة: العبرة في التطبيق
وقالت الناشطة آمنة دراغمة، التي تُعرف على نفسها بـ "محامية مرج ابن عامر" إن العبرة في تطبيق القرارات، وليس إصدارها بل آليات تنفيذها الفعلية، والتعامل مع الواقع القائم، فالزحف على الأراضي ازداد في السنوات الأخيرة بشكل "موجع".
وبحكم سكن دراغمة في منزل مشرف على الجهة الشمالية من مرج ابن عامر، فهي توثق سنويًا عشرات الحالات، التي وصلت إلى حزام حجارة التهم نحو كيلو متر من الأراضي الخصبة، الأمر الذي غيّر معالم المرج، وهو ما تكرر في طوباس وأريحا والمحافظات الشمالية، ودمر الأراضي.
جنين عام 1950
وأضافت إن المخالفة المادية وحدها لن تحمي الأراضي الزراعية، وما خلق المشكلة الثغرات في تطبيق القوانين، والاكتفاء بغرامات على المعتدين.
وتخشى دراغمة أن يولد القرار ميتًا، وتعجز جهات الاختصاص عن تنفيذه، ويبقى صوريًا؛ لوجود حالات اعتداء كثيرة على الأراضي، تشمل بيوتًا فخمة ومشاريع تجارية، جرى تزويدها بخدمات طرق وشبكات كهرباء وماء.
وتقترح وضع "خط أحمر" يمنع أي بناء منذ الآن في عمق الأراضي الزراعية، ويمنع أي استثناءات لأي كان.
|
|
زحف اسمنتي دون رحمة على الأراضي الزراعية الخصبة في مرج ابن عامر |
فلل كثيرة تنتشر في الأارضي الزراعية في قضاء جنين |
مبسلط: الحل قانون الزراعة
واستذكر الأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الزراعيين العرب، جمال مبسلط، حملة نفذت قبل نحو 10 سنوات لحماية أراضي مرج ابن عامر، لكنها لم تنجح في كبح الزحف، بل تضاعف البناء، وازدادت الاعتداءات في مناطق جنين، وطوباس، والنصارية التي تحولت من منطقة زراعية إلى "شاليهات"، وبدأ بالترويج لبيع "فلل" في أراضيها.
جمال خورشيد الأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الزراعيين العرب
ورأى بأن وقف الاعتداءات يتم بقانون الزراعة، الذي يمنح من يملك 5 دونمات رخصة لمنزل بـ 200 متر لخدمة الإنتاج الزراعي ولحمايتها من الاستيطان، وحجب خدمات شق الطرق وتعبيدها، وشبكات المياه والكهرباء عن المخالفين.
وقال خورشيد أن استمرار الاعتداءات على الأراضي الزراعية يهدد "لقمة عيشنا ويهدد أمننا الغذائي"، ما يستوجب حمايتها من خلال المصادقة على توسيع المخططات الهيكلية ومناطق التطوير نحو الجبال.
وأوضح أن الحل وقف دعم استصلاح الأراضي الجبلية، المكلف ماديًا، في الأحواض التي يجري فيها الاعتداء على الأراضي الخصبة؛ لحمايتها وإجبار المواطنين على وقف زحفهم.
وأكد أن ترخيص منطقة صناعية في أرض زراعية خصبة "يشجع بطريقة أو بأخرى المواطن العادي على الزحف العمراني، وهو أمر لا يمكن تبريره، ويحتاج إلى معالجة".
|
|
فلل وشاليهات فلسطينية تلتهم ما تبقى من أراض زراعية خصبة |
مرج ابن عامر 2004 |
عبدو: القرار "يبشر بالخير"
وقال الخبير الزراعي المهندس قاسم عبدو، إن المهم في قرار مجلس الوزراء آلياته التنفيذية ولوائحه، والصعوبة في التفاصيل والتعليمات والجهات التي سيناط بها تطبيقه.
وأشار إلى أن المخطط المكاني يساعد الهيئات المحلية في حصر الاعتداءات داخلها، وإذا كانت المخطط الهيكلي وخاصة في المناطق المصنفة (ج)، فسيصعب تنفيذها.
وأوضح عبدو، أن التعامل الحالي مع الاعتداءات، امتناع البلديات وجهات الاختصاص عن تزويد المخالفين بخدمات المياه والكهرباء وشبكات الطرق، لكن "لسنا مؤهلين الآن لتنفيذه في المناطق المسماة (ج).
وأكد أن طلبات الترخيص مسؤولية تشرف عليها وزارة الحكم المحلي من خلال المجلس الأعلى للتنظيم والبناء، وبمشاركة الوزارات ذات الاختصاص، وتعني موافقتها "إذن" للحصول على الخدمات المقدمة من البلديات والجهات الأخرى، وفي حال رفض وزارة واحدة؛ لا يمكن الحصول على أي خدمة. ورأى أن القرار "يبشر بالخير"، ويدعو للتفاؤل لحماية ما تبقى من أرض زراعية.
|
|
مرج ابن عامر عام 1990 |
مرج ابن عامر |
جرادات: المطلوب سيادة القانون
وقال منسق الإغاثة الزراعية في محافظة جنين، محمد جرادات، إن وزارة الزراعة اتخذت على مدى سنوات طويلة قرارات عديدة لم تُنفذ، وحتى الكثير من قرارات الحكومة الأخيرة بشأن جائحة كورونا لا تُنفذ.
وذكر أن المطلوب لحماية الأراضي الزراعية سيادة القانون، لكن للأسف لا يجري تنفيذ القانون، بل تتواصل التعديات.
ورأى جرادات أن "لا مشكلة في هدم المنشآت والمنازل المخالفة للقانون، وهي عقوبة تأتي لمعالجة اعتداء واضح، ومن يستطيع تنفيذ القانون ولا يفعل، شريك في مخالفته".
وأكد أن "الإغاثة الزراعية" نفذت حراكًا لحماية الأراضي الخصبة، وساندت الأصوات المحتجة ضد المنطقة الصناعية في مرج ابن عامر، لكن غياب الضغط الشعبي حال دون تحقيق نتيجة، وأقيمت المنطقة في نهاية المطاف.
وأشار إلى أن حماية الحيز القليل المتبقي من الأراضي الزراعية مسؤولية مباشرة للمحافظات والوزارات والبلديات، التي من واجبها السهر لتكريس سيادة القانون وردع المخالفين.
مساحات الأراضي الزراعية المتبقية في مرج ابن عامر محاصرة بالكتل الاسمنتية